الباحث القرآني
(القِصَّةُ الرّابِعَةُ، قِصَّةُ نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلامُ)
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ونُوحًا إذْ نادى مِن قَبْلُ فاسْتَجَبْنا لَهُ فَنَجَّيْناهُ وأهْلَهُ مِنَ الكَرْبِ العَظِيمِ﴾ ﴿ونَصَرْناهُ مِنَ القَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا إنَّهم كانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَأغْرَقْناهم أجْمَعِينَ﴾
أمّا قَوْلُهُ تَعالى: ﴿إذْ نادى مِن قَبْلُ﴾ فَفِيهِ مَسْألَتانِ:
المَسْألَةُ الأُولى: لا شُبْهَةَ في أنَّ المُرادَ مِن هَذا النِّداءِ دُعاؤُهُ عَلى قَوْمِهِ بِالعَذابِ، ويُؤَكِّدُهُ حِكايَةُ اللَّهِ تَعالى عَنْهُ ذَلِكَ تارَةً عَلى الإجْمالِ وهو قَوْلُهُ: ﴿فَدَعا رَبَّهُ أنِّي مَغْلُوبٌ فانْتَصِرْ﴾ [القمر: ١٠] وتارَةً عَلى التَّفْصِيلِ، وهو قَوْلُهُ: ﴿وقالَ نُوحٌ رَبِّ لا تَذَرْ عَلى الأرْضِ مِنَ الكافِرِينَ دَيّارًا﴾ [نوح: ٢٦] ويَدُلُّ عَلَيْهِ أيْضًا أنَّ اللَّهَ تَعالى أجابَهُ بِقَوْلِهِ: ﴿فاسْتَجَبْنا لَهُ فَنَجَّيْناهُ وأهْلَهُ مِنَ الكَرْبِ العَظِيمِ﴾ وهَذا الجَوابُ يَدُلُّ عَلى أنَّ الإنْجاءَ المَذْكُورَ فِيهِ كانَ هو المَطْلُوبُ في السُّؤالِ، فَدَلَّ هَذا عَلى أنَّ نِداءَهُ ودُعاءَهُ كانَ بِأنْ يُنْجِيَهُ مِمّا يَلْحِقُهُ مِن جِهَتِهِمْ مِن ضُرُوبِ الأذى بِالتَّكْذِيبِ والرَّدِّ عَلَيْهِ، وبِأنْ يَنْصُرَهُ عَلَيْهِمْ وأنْ يُهْلِكَهم. فَلِذَلِكَ قالَ بَعْدَهُ: ﴿ونَصَرْناهُ مِنَ القَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا﴾ .
المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: أجْمَعَ المُحَقِّقُونَ عَلى أنَّ ذَلِكَ النِّداءَ كانَ بِأمْرِ اللَّهِ تَعالى؛ لِأنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ بِأمْرِهِ لَمْ يُؤْمَن أنْ يَكُونَ الصَّلاحُ أنْ لا يُجابَ إلَيْهِ، فَيَصِيرُ ذَلِكَ سَبَبًا لِنُقْصانِ حالِ الأنْبِياءِ، ولِأنَّ الإقْدامَ عَلى أمْثالِ هَذِهِ المَطالِبِ لَوْ لَمْ يَكُنْ بِالأمْرِ لَكانَ ذَلِكَ مُبالَغَةً في الإضْرارِ، وقالَ آخَرُونَ: إنَّهُ عَلَيْهِ السَّلامُ لَمْ يَكُنْ مَأْذُونًا لَهُ في ذَلِكَ. وقالَ أبُو أُمامَةَ: لَمْ يَتَحَسَّرْ أحَدٌ مِن خَلْقِ اللَّهِ تَعالى كَحَسْرَةِ آدَمَ ونُوحٍ، فَحَسْرَةُ آدَمَ عَلى قَبُولِ وسُوسَةِ إبْلِيسَ، وحَسْرَةُ نُوحٍ عَلى دُعائِهِ عَلى قَوْمِهِ. فَأوْحى اللَّهُ تَعالى إلَيْهِ أنْ لا تَتَحَسَّرَ فَإنَّ دَعْوَتَكَ وافَقَتْ قَدَرِي.
أمّا قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَنَجَّيْناهُ وأهْلَهُ مِنَ الكَرْبِ العَظِيمِ﴾ فالمُرادُ بِالأهْلِ هاهُنا أهْلُ دِينِهِ، وفي تَفْسِيرِ الكَرْبِ وُجُوهٌ:
أحَدُها: أنَّهُ العَذابُ النّازِلُ بِالكُفّارِ وهو الغَرَقُ، وهو قَوْلُ أكْثَرِ المُفَسِّرِينَ.
وثانِيها: أنَّهُ تَكْذِيبُ قَوْمِهِ إيّاهُ (p-١٦٨)وما لَقِيَ مِنهم مِنَ الأذى.
وثالِثُها: أنَّهُ مَجْمُوعُ الأمْرَيْنِ، وهو قَوْلُ ابْنِ عَبّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما - وهو الأقْرَبُ؛ لِأنَّهُ عَلَيْهِ السَّلامُ كانَ قَدْ دَعاهم إلى اللَّهِ تَعالى مُدَّةً طَوِيلَةً، وكانَ قَدْ يَنالُ مِنهم كُلَّ مَكْرُوهٍ، وكانَ الغَمُّ يَتَزايَدُ بِسَبَبِ ذَلِكَ، وعِنْدَ إعْلامِ اللَّهِ تَعالى إيّاهُ أنَّهُ يُغْرِقُهم وأمَرَهُ بِاتِّخاذِ الفُلْكِ، كانَ أيْضًا عَلى غَمٍّ وخَوْفٍ مِن حَيْثُ لَمْ يَعْلَمْ مَنِ الَّذِي يَتَخَلَّصُ مِنَ الغَرَقِ، ومَنِ الَّذِي يَغْرَقُ، فَأزالَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ الكَرْبَ العَظِيمَ بِأنْ خَلَّصَهُ مِن جَمِيعِ ذَلِكَ، وخَلَّصَ جَمِيعَ مَن آمَنَ بِهِ مَعَهُ.
أمّا قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ونَصَرْناهُ مِنَ القَوْمِ﴾ فَقِراءَةُ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ ”ونَصَرْناهُ عَلى القَوْمِ“ ثُمَّ قالَ المُبَرِّدُ: تَقْدِيرُهُ ونَصَرْناهُ مِن مَكْرُوهِ القَوْمِ، وقالَ تَعالى: ﴿فَمَن يَنْصُرُنا مِن بَأْسِ اللَّهِ﴾ [غافر: ٢٩] أيْ يَعْصِمُنا مِن عَذابِهِ، قالَ أبُو عُبَيْدَةَ: مِن بِمَعْنى عَلى. وقالَ صاحِبُ ”الكَشّافِ“: إنَّهُ نَصَرَ الَّذِي مُطاوِعُهُ انْتَصَرَ، وسَمِعْتُ هُذَلِيًّا يَدْعُو عَلى سارِقٍ: اللَّهُمَّ انْصُرْهم مِنهُ، أيِ اجْعَلْهم مُنْتَصِرِينَ مِنهُ.
أمّا قَوْلُهُ تَعالى: ﴿إنَّهم كانُوا قَوْمَ سَوْءٍ﴾ فالمَعْنى أنَّهم كانُوا قَوْمَ سَوْءٍ لِأجْلِ رَدِّهِمْ عَلَيْهِ، وتَكْذِيبِهِمْ لَهُ، فَأغْرَقْناهم أجْمَعِينَ، فَبَيَّنَ ذَلِكَ الوَجْهَ الَّذِي بِهِ خَلَّصَهُ مِنهم.
{"ayahs_start":76,"ayahs":["وَنُوحًا إِذۡ نَادَىٰ مِن قَبۡلُ فَٱسۡتَجَبۡنَا لَهُۥ فَنَجَّیۡنَـٰهُ وَأَهۡلَهُۥ مِنَ ٱلۡكَرۡبِ ٱلۡعَظِیمِ","وَنَصَرۡنَـٰهُ مِنَ ٱلۡقَوۡمِ ٱلَّذِینَ كَذَّبُوا۟ بِـَٔایَـٰتِنَاۤۚ إِنَّهُمۡ كَانُوا۟ قَوۡمَ سَوۡءࣲ فَأَغۡرَقۡنَـٰهُمۡ أَجۡمَعِینَ"],"ayah":"وَنُوحًا إِذۡ نَادَىٰ مِن قَبۡلُ فَٱسۡتَجَبۡنَا لَهُۥ فَنَجَّیۡنَـٰهُ وَأَهۡلَهُۥ مِنَ ٱلۡكَرۡبِ ٱلۡعَظِیمِ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











