الباحث القرآني

(القِصَّةُ الثّالِثَةُ، قِصَّةُ لُوطٍ عَلَيْهِ السَّلامُ) قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ولُوطًا آتَيْناهُ حُكْمًا وعِلْمًا ونَجَّيْناهُ مِنَ القَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ تَعْمَلُ الخَبائِثَ إنَّهم كانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فاسِقِينَ﴾ ﴿وأدْخَلْناهُ في رَحْمَتِنا إنَّهُ مِنَ الصّالِحِينَ﴾ اعْلَمْ أنَّهُ سُبْحانَهُ بَعْدَ بَيانِ ما أنْعَمَ بِهِ عَلى إبْراهِيمَ عَلَيْهِ السَّلامُ أتْبَعَهُ بِذِكْرِ نِعَمِهِ عَلى لُوطٍ عَلَيْهِ السَّلامُ لَمّا جَمَعَ بَيْنَهُما مِن قَبْلُ، وهاهُنا مَسْألَتانِ: المَسْألَةُ الأُولى: في الواوِ في قَوْلِهِ: ﴿ولُوطًا﴾ قَوْلانِ: أحَدُهُما: وهو قَوْلُ الزَّجّاجِ أنَّهُ عَطْفٌ عَلى قَوْلِهِ: ﴿وأوْحَيْنا إلَيْهِمْ﴾ . والثّانِي: قَوْلُ أبِي مُسْلِمٍ أنَّهُ عَطْفٌ عَلى قَوْلِهِ: ﴿آتَيْنا إبْراهِيمَ رُشْدَهُ﴾ ولا بُدَّ مِن ضَمِيرٍ في قَوْلِهِ: ﴿ولُوطًا﴾ فَكَأنَّهُ قالَ: وآتَيْنا لُوطًا فَأضْمَرَ ذِكْرَهُ. (p-١٦٧)المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: في أصْنافِ النِّعَمِ، وهي أرْبَعَةُ وُجُوهٍ: أحَدُها: الحُكْمُ؛ أيِ الحِكْمَةُ وهي الَّتِي يَجِبُ فِعْلُها أوِ الفَصْلُ بَيْنَ الخُصُومِ، وقِيلَ هي النُّبُوَّةُ. وثانِيها: العِلْمُ، واعْلَمْ أنَّ إدْخالَ التَّنْوِينِ عَلَيْهِما يَدُلُّ عَلى عُلُوِّ شَأْنِ ذَلِكَ العِلْمِ وذَلِكَ الحُكْمِ. وثالِثُها: قَوْلُهُ: ﴿ونَجَّيْناهُ مِنَ القَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ تَعْمَلُ الخَبائِثَ﴾ والمُرادُ أهْلُ القَرْيَةِ؛ لِأنَّهم هُمُ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الخَبائِثَ دُونَ نَفْسِ القَرْيَةِ، ولِأنَّ الهَلاكَ بِهِمْ نَزَلَ فَنَجّاهُ اللَّهُ تَعالى مِن ذَلِكَ، ثُمَّ بَيَّنَ سُبْحانَهُ وتَعالى بِقَوْلِهِ: ﴿إنَّهم كانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فاسِقِينَ﴾ ما أرادَهُ بِالخَبائِثِ، وأمْرِهِمْ فِيما كانُوا يُقْدِمُونَ عَلَيْهِ ظاهِرٌ. ورابِعُها: قَوْلُهُ: ﴿وأدْخَلْناهُ في رَحْمَتِنا إنَّهُ مِنَ الصّالِحِينَ﴾ وفي تَفْسِيرِ الرَّحْمَةِ قَوْلانِ: الأوَّلُ: أنَّهُ النُّبُوَّةُ، أيْ أنَّهُ لَمّا كانَ صالِحًا لِلنُّبُوَّةِ أدْخَلَهُ اللَّهُ في رَحْمَتِهِ لِكَيْ يَقُومَ بِحَقِّها عَنْ مُقاتِلٍ. الثّانِي: أنَّهُ الثَّوابُ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ والضَّحّاكِ، ويُحْتَمَلُ أنْ يُقالَ: إنَّهُ عَلَيْهِ السَّلامُ لَمّا آتاهُ اللَّهُ الحُكْمَ والعِلْمَ وتَخَلَّصَ عَنْ جُلَساءِ السُّوءِ فُتِحَتْ عَلَيْهِ أبْوابُ المُكاشَفاتِ، وتَجَلَّتْ لَهُ أنْوارُ الإلَهِيَّةِ، وهي بَحْرٌ لا ساحِلَ لَهُ، وهي الرَّحْمَةُ في الحَقِيقَةِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب