الباحث القرآني

: ﴿وما خَلَقْنا السَّماءَ والأرْضَ وما بَيْنَهُما لاعِبِينَ﴾ ﴿لَوْ أرَدْنا أنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا لاتَّخَذْناهُ مِن لَدُنّا إنْ كُنّا فاعِلِينَ﴾ ﴿بَلْ نَقْذِفُ بِالحَقِّ عَلى الباطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإذا هو زاهِقٌ ولَكُمُ الوَيْلُ مِمّا تَصِفُونَ﴾ اعْلَمْ أنَّ فِيهِ مَسائِلَ: المَسْألَةُ الأُولى: في تَعَلُّقِ هَذِهِ الآيَةِ بِما قَبْلَها وجْهانِ: الأوَّلُ: أنَّهُ تَعالى لَمّا بَيَّنَ إهْلاكَ أهْلِ القَرْيَةِ لِأجْلِ تَكْذِيبِهِمْ أتْبَعَهُ بِما يَدُلُّ عَلى أنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ عَدْلًا مِنهُ ومُجازاةً عَلى ما فَعَلُوا فَقالَ: ﴿وما خَلَقْنا السَّماءَ والأرْضَ وما بَيْنَهُما لاعِبِينَ﴾ أيْ وما سَوَّيْنا هَذا السَّقْفَ المَرْفُوعَ وهَذا المِهادَ المَوْضُوعَ وما بَيْنَهُما مِنَ العَجائِبِ والغَرائِبِ كَما تُسَوِّي الجَبابِرَةُ سُقُوفَهم وفُرُشَهم لِلَّهْوِ واللَّعِبِ، وإنَّما سَوَّيْناهم لِفَوائِدَ دِينِيَّةٍ ودُنْيَوِيَّةٍ؛ أمّا الدِّينِيَّةُ فَلْيَتَفَكَّرِ المُتَفَكِّرُونَ فِيها عَلى ما قالَ تَعالى: ﴿ويَتَفَكَّرُونَ في خَلْقِ السَّماواتِ والأرْضِ﴾ [آلِ عِمْرانَ: ١٩١]، وأمّا الدُّنْيَوِيَّةُ فَلِما يَتَعَلَّقُ بِها مِنَ المَنافِعِ الَّتِي لا تُعَدُّ ولا تُحْصى وهَذا كَقَوْلِهِ: ﴿وما خَلَقْنا السَّماءَ والأرْضَ وما بَيْنَهُما باطِلًا﴾ [ص: ٢٧] وقَوْلُهُ: ﴿ما خَلَقْناهُما إلّا بِالحَقِّ﴾ [الدُّخانِ: ٣٩] . والثّانِي: أنَّ الغَرَضَ مِنهُ تَقْرِيرُ نُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ ﷺ والرَّدُّ عَلى مُنْكِرِيهِ لِأنَّهُ أظْهَرَ المُعْجِزَةَ عَلَيْهِ، فَإنْ كانَ مُحَمَّدٌ كاذِبًا كانَ إظْهارُ المُعْجِزَةِ عَلَيْهِ مِن بابِ اللَّعِبِ وذَلِكَ مَنفِيٌّ عَنْهُ، وإنْ كانَ صادِقًا فَهو المَطْلُوبُ، وحِينَئِذٍ يَفْسُدُ كُلُّ ما ذَكَرُوهُ مِنَ المَطاعِنِ. المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: قالَ القاضِي عَبْدُ الجَبّارِ: دَلَّتِ الآيَةُ عَلى أنَّ اللَّعِبَ لَيْسَ مِن قِبَلِهِ تَعالى، إذْ لَوْ كانَ كَذَلِكَ لَكانَ لاعِبًا، فَإنَّ اللّاعِبَ في اللُّغَةِ اسْمٌ لِفاعِلِ اللَّعِبِ، فَنَفْيُ الِاسْمِ المَوْضُوعِ لِلْفِعْلِ يَقْتَضِي نَفْيَ الفِعْلِ. والجَوابُ: يَبْطُلُ ذَلِكَ بِمَسْألَةِ الدّاعِي عَلى ما مَرَّ غَيْرَ مَرَّةٍ، أمّا قَوْلُهُ: ﴿لَوْ أرَدْنا أنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا لاتَّخَذْناهُ مِن لَدُنّا إنْ كُنّا فاعِلِينَ﴾ فاعْلَمْ أنَّ قَوْلَهُ: ﴿لاتَّخَذْناهُ مِن لَدُنّا﴾ مَعْناهُ مِن جِهَةِ قُدْرَتِنا، وقِيلَ: اللَّهْوُ الوَلَدُ بِلُغَةِ اليَمَنِ وقِيلَ: المَرْأةُ وقِيلَ: مِن لَدُنّا أيْ مِنَ المَلائِكَةِ لا مِنَ الإنْسِ رَدًّا لِمَن قالَ بِوِلادَةِ المَسِيحِ وعُزَيْرٍ، فَأمّا قَوْلُهُ تَعالى: ﴿بَلْ نَقْذِفُ بِالحَقِّ عَلى الباطِلِ﴾ فاعْلَمْ أنَّ قَوْلَهُ: ﴿بَلْ﴾ إضْرابٌ عَنِ اتِّخاذِ اللَّهْوِ واللَّعِبِ وتَنْزِيهٌ مِنهُ لِذاتِهِ كَأنَّهُ قالَ: سُبْحانَنا (p-١٢٨)أنْ نَتَّخِذَ اللَّهْوَ واللَّعِبَ بَلْ مِن عادَتِنا ومُوجِبِ حِكْمَتِنا أنْ نَغْلِبَ اللَّعِبَ بِالجِدِّ ونَدْحَضَ الباطِلَ بِالحَقِّ، واسْتَعارَ لِذَلِكَ القَذْفَ والدَّمْغَ تَصْوِيرًا لِإبْطالِهِ فَجَعَلَهُ كَأنَّهُ جِرْمٌ صُلْبٌ كالصَّخْرَةِ مَثَلًا قَذَفَ بِهِ عَلى جِرْمٍ رَخْوٍ فَدَمَغَهُ، فَأمّا قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ولَكُمُ الوَيْلُ مِمّا تَصِفُونَ﴾ يَعْنِي مَن تَمَسَّكَ بِتَكْذِيبِ الرَّسُولِ ﷺ ونَسَبَ القُرْآنَ إلى أنَّهُ سِحْرٌ وأضْغاثُ أحْلامٍ إلى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الأباطِيلِ، وهو الَّذِي عَناهُ بِقَوْلِهِ: ﴿مِمّا تَصِفُونَ﴾ .
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب