الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿يَوْمَ نَطْوِي السَّماءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَما بَدَأْنا أوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وعْدًا عَلَيْنا إنّا كُنّا فاعِلِينَ﴾ ﴿ولَقَدْ كَتَبْنا في الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أنَّ الأرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصّالِحُونَ﴾ ﴿إنَّ في هَذا لَبَلاغًا لِقَوْمٍ عابِدِينَ﴾ ﴿وما أرْسَلْناكَ إلّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ﴾
اعْلَمْ أنَّ التَّقْدِيرَ لا يَحْزُنُهُمُ الفَزَعُ الأكْبَرُ يَوْمَ نَطْوِي السَّماءَ، أوْ وتَتَلَقّاهُمُ المَلائِكَةُ يَوْمَ نَطْوِي السَّماءَ. وقُرِئَ ”يَوْمَ تُطْوى السَّماءُ“ عَلى البِناءِ لِلْمَفْعُولِ، والسِّجِلُّ بِوَزْنِ العِتِلِّ، والسَّجْلُ بِوَزْنِ الدَّلْوِ، ورُوِيَ فِيهِ الكَسْرُ، وفي السِّجِلِّ قَوْلانِ:
أحَدُهُما: أنَّهُ اسْمٌ لِلطُّومارِ الَّذِي يُكْتَبُ فِيهِ، والكِتابُ أصْلُهُ المَصْدَرُ كالبِناءِ، ثُمَّ يُوقَعُ عَلى المَكْتُوبِ، ومَن جَمَعَ فَمَعْناهُ لِلْمَكْتُوباتِ أيْ لِما يُكْتَبُ فِيهِ مِنَ المَعانِي الكَثِيرَةِ، فَيَكُونُ مَعْنى طَيِّ السِّجِلِّ لِلْكِتابِ كَوْنَ السِّجِلِّ ساتِرًا لِتِلْكَ الكِتابَةِ ومُخْفِيًا لَها؛ لِأنَّ الطَّيَّ ضِدُّ النَّشْرِ الَّذِي يَكْشِفُ، والمَعْنى نَطْوِي السَّماءَ كَما يُطْوى الطُّومارُ الَّذِي يُكْتَبُ فِيهِ.
القَوْلُ الثّانِي: أنَّهُ لَيْسَ اسْمًا لِلطُّومارِ، ثُمَّ قالَ ابْنُ عَبّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما: السِّجِلُّ اسْمُ مَلَكٍ يَطْوِي كُتُبَ بَنِي آدَمَ إذا رُفِعَتْ إلَيْهِ، وهو مَرْوِيٌّ عَنْ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلامُ، ورَوى أبُو الجَوْزاءِ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما - أنَّهُ اسْمُ كاتِبٍ كانَ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وهَذا بَعِيدٌ؛ لِأنَّ كُتّابَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ كانُوا مَعْرُوفِينَ، ولَيْسَ فِيهِمْ مَن سُمِّيَ بِهَذا، وقالَ الزَّجّاجُ: هو الرَّجُلُ بِلُغَةِ الحَبَشَةِ، وعَلى هَذِهِ الوُجُوهِ فَهو عَلى نَحْوِ ما يُقالُ: كَطَيِّ زَيْدٍ الكِتابَ، واللّامُ في لِلْكِتابِ زائِدَةٌ كَما في قَوْلِهِ: رَدِفَ لَكم، وإذا قُلْنا: المُرادُ بِالسِّجِلِّ الطُّومارُ، فالمَصْدَرُ وهو الطَّيُّ مُضافٌ إلى المَفْعُولِ، والفاعِلُ مَحْذُوفٌ، والتَّقْدِيرُ كَطَيِّ الطّاوِي السِّجِلَّ، وهَذا الأخِيرُ هو قَوْلُ الأكْثَرِينَ.
(p-١٩٨)أمّا قَوْلُهُ تَعالى: ﴿كَما بَدَأْنا أوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ﴾ فَفِيهِ مَسائِلُ:
المَسْألَةُ الأُولى: قالَ الفَرّاءُ: انْقَطَعَ الكَلامُ عِنْدَ قَوْلِهِ ”الكُتُبِ“ ثُمَّ ابْتَدَأ فَقالَ: ﴿كَما بَدَأْنا﴾ ومِنهم مَن قالَ: إنَّهُ تَعالى لَمّا قالَ: ﴿وتَتَلَقّاهُمُ المَلائِكَةُ هَذا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ﴾ عَقَّبَهُ بِقَوْلِهِ: ﴿يَوْمَ نَطْوِي السَّماءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ﴾ فَوَصَفَ اليَوْمَ بِذَلِكَ، ثُمَّ وصَفَهُ بِوَصْفٍ آخَرَ فَقالَ: ﴿كَما بَدَأْنا أوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ﴾ .
المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: قالَ صاحِبُ ”الكَشّافِ“ رَحِمَهُ اللَّهُ: ﴿أوَّلَ خَلْقٍ﴾ مَفْعُولُ ”نُعِيدُ“ الَّذِي يُفَسِّرُهُ نُعِيدُهُ، والكافُ مَكْفُوفَةٌ بِما، والمَعْنى نُعِيدُ أوَّلَ الخَلْقِ كَما بَدَأْناهُ تَشْبِيهًا لِلْإعادَةِ بِالِابْتِداءِ، فَإنْ قُلْتَ: ما بالُ ”خَلْقٍ“ مُنَكَّرًا ؟ قُلْتُ: هو كَقَوْلِكَ أوَّلُ رَجُلٍ جاءَنِي زَيْدٌ، تُرِيدُ أوَّلَ الرِّجالِ، ولَكِنَّكَ وحَّدْتَهُ ونَكَّرْتَهُ إرادَةَ تَفْصِيلِهِمْ رَجُلًا رَجُلًا، فَكَذَلِكَ مَعْنى ”أوَّلَ خَلْقٍ“ أوَّلُ الخَلْقِ بِمَعْنى أوَّلِ الخَلائِقِ؛ لِأنَّ الخَلْقَ مَصْدَرٌ لا يُجْمَعُ.
المَسْألَةُ الثّالِثَةُ: اخْتَلَفُوا في كَيْفِيَّةِ الإعادَةِ فَمِنهم مَن قالَ: إنَّ اللَّهَ تَعالى يُفَرِّقُ أجْزاءَ الأجْسامِ ولا يَعْدِمُها ثُمَّ إنَّهُ يُعِيدُ تَرْكِيبَها فَذَلِكَ هو الإعادَةُ، ومِنهم مَن قالَ: إنَّهُ تَعالى يَعْدِمُها بِالكُلِّيَّةِ ثُمَّ إنَّهُ يُوجِدُها بِعَيْنِها مَرَّةً أُخْرى وهَذِهِ الآيَةُ دَلالَةٌ عَلى هَذا الوَجْهِ؛ لِأنَّهُ سُبْحانَهُ شَبَّهَ الإعادَةَ بِالِابْتِداءِ. ولَمّا كانَ الِابْتِداءُ لَيْسَ عِبارَةً عَنْ تَرْكِيبِ الأجْزاءِ المُتَفَرِّقَةِ بَلْ عَنِ الوُجُودِ بَعْدَ العَدَمِ، وجَبَ أنْ يَكُونَ الحالُ في الإعادَةِ كَذَلِكَ، واحْتَجَّ القائِلُونَ بِالمَذْهَبِ الأوَّلِ بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿والسَّماواتُ مَطْوِيّاتٌ بِيَمِينِهِ﴾ [الزمر: ٦٧] فَدَلَّ هَذا عَلى أنَّ السَّماواتِ حالَ كَوْنِها مَطْوِيَّةً تَكُونُ مَوْجُودَةً، وبِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿يَوْمَ تُبَدَّلُ الأرْضُ غَيْرَ الأرْضِ﴾ [إبراهيم: ٤٨] وهَذا يَدُلُّ عَلى أنَّ أجْزاءَ الأرْضِ باقِيَةٌ لَكِنَّها جُعِلَتْ غَيْرَ الأرْضِ.
أمّا قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وعْدًا عَلَيْنا﴾ فَفِيهِ قَوْلانِ:
أحَدُهُما: أنَّ وعْدًا مَصْدَرٌ مُؤَكَّدٌ؛ لِأنَّ قَوْلَهُ: (نُعِيدُهُ) عِدَةٌ لِلْإعادَةِ.
الثّانِي: أنْ يَكُونَ المُرادُ حَقًّا عَلَيْنا بِسَبَبِ الإخْبارِ عَنْ ذَلِكَ، وتَعَلُّقِ العِلْمِ بِوُقُوعِهِ مَعَ أنَّ وُقُوعَ ما عَلِمَ اللَّهُ وُقُوعَهُ واجِبٌ، ثُمَّ إنَّهُ تَعالى حَقَّقَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: ﴿إنّا كُنّا فاعِلِينَ﴾ أيْ سَنَفْعَلُ ذَلِكَ لا مَحالَةَ، وهو تَأْكِيدٌ لِما ذَكَرَهُ مِنَ الوَعْدِ.
أمّا قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ولَقَدْ كَتَبْنا في الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ﴾ فَفِيهِ مَسائِلُ:
المَسْألَةُ الأُولى: قَرَأ حَمْزَةُ بِضَمِّ الزّايِ، والباقُونَ بِفَتْحِها، يَعْنِي ”الزَّبُورِ“ كالحَلُوبِ والرَّكُوبِ؛ يُقالُ: زَبَرْتُ الكِتابَ أيْ كَتَبْتُهُ، والزُّبُورُ بِضَمِّ الزّايِ جَمْعُ زِبْرٍ كَقِشْرٍ وقُشُورٍ، ومَعْنى القِراءَتَيْنِ واحِدٌ؛ لِأنَّ الزَّبُورَ هو الكِتابُ.
المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: في الزَّبُورِ والذِّكْرِ وُجُوهٌ:
أحَدُها: وهو قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ومُجاهِدٍ والكَلْبِيِّ ومُقاتِلٍ وابْنِ زَيْدٍ، الزَّبُورُ هو الكُتُبُ المُنَزَّلَةُ، والذِّكْرُ الكِتابُ الَّذِي هو أُمُّ الكِتابِ في السَّماءِ؛ لِأنَّ فِيها كِتابَةَ كُلِّ ما سَيَكُونُ اعْتِبارًا لِلْمَلائِكَةِ، وكُتُبُ الأنْبِياءِ عَلَيْهِمُ السَّلامُ مِن ذَلِكَ الكِتابِ تُنْسَخُ.
وثانِيها: الزَّبُورُ هو القُرْآنُ، والذِّكْرُ هو التَّوْراةُ، وهو قَوْلُ قَتادَةَ والشَّعْبِيِّ.
وثالِثُها: الزَّبُورُ زَبُورُ داوُدَ عَلَيْهِ السَّلامُ، والذِّكْرُ هو الَّذِي يُرْوى عَنْهُ عَلَيْهِ السَّلامُ، قالَ: كانَ اللَّهُ تَعالى ولَمْ يَكُنْ مَعَهُ شَيْءٌ، ثُمَّ خَلَقَ الذِّكْرَ.
وعِنْدِي فِيهِ وجْهٌ رابِعٌ: وهو أنَّ المُرادَ بِالذِّكْرِ العِلْمُ، أيْ كَتَبْنا ذَلِكَ في الزَّبُورِ بَعْدَ أنْ كُنّا عالِمِينَ عِلْمًا لا يَجُوزُ السَّهْوُ والنِّسْيانُ عَلَيْنا، فَإنَّ مَن كَتَبَ شَيْئًا والتَزَمَهُ، ولَكِنَّهُ يَجُوزُ السَّهْوُ عَلَيْهِ فَإنَّهُ لا يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ، أمّا مَن لَمْ يَجُزْ عَلَيْهِ السَّهْوُ والخُلْفُ فَإذا التَزَمَ شَيْئًا كانَ ذَلِكَ الشَّيْءُ واجِبَ الوُقُوعِ.
(p-١٩٩)أمّا قَوْلُهُ تَعالى: ﴿أنَّ الأرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصّالِحُونَ﴾ فَفِيهِ وُجُوهٌ:
أحَدُها: الأرْضُ أرْضُ الجَنَّةِ، والعِبادُ الصّالِحُونَ هُمُ المُؤْمِنُونَ العامِلُونَ بِطاعَةِ اللَّهِ تَعالى، فالمَعْنى أنَّ اللَّهَ تَعالى كَتَبَ في كُتُبِ الأنْبِياءِ عَلَيْهِمُ السَّلامُ، وفي اللَّوْحِ المَحْفُوظِ أنَّهُ سَيُورِثُ الجَنَّةَ مَن كانَ صالِحًا مِن عِبادِهِ، وهو قَوْلُ ابْنِ عَبّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما - ومُجاهِدٍ وسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وعِكْرِمَةَ والسُّدِّيِّ وأبِي العالِيَةِ، وهَؤُلاءِ أكَّدُوا هَذا القَوْلَ بِأُمُورٍ:
أمّا أوَّلًا: فَقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وأوْرَثَنا الأرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الجَنَّةِ حَيْثُ نَشاءُ فَنِعْمَ أجْرُ العامِلِينَ﴾ [الزمر: ٧٤] .
وأمّا ثانِيًا: فَلِأنَّها الأرْضُ الَّتِي يَخْتَصُّ بِها الصّالِحُونَ؛ لِأنَّها لَهم خُلِقَتْ، وغَيْرُهم إذا حَصَلَ مَعَهم في الجَنَّةِ فَعَلى وجْهِ التَّبَعِ، فَأمّا أرْضُ الدُّنْيا فَلِأنَّها لِلصّالِحِ وغَيْرِ الصّالِحِ.
وأمّا ثالِثًا: فَلِأنَّ هَذِهِ الأرْضَ مَذْكُورَةٌ عَقِيبَ الإعادَةِ وبَعْدَ الإعادَةِ، الأرْضُ الَّتِي هَذا وصْفُها لا تَكُونُ إلّا الجَنَّةَ.
وأمّا رابِعًا: فَقَدْ رُوِيَ في الخَبَرِ أنَّها أرْضُ الجَنَّةِ، فَإنَّها بَيْضاءُ نَقِيَّةٌ.
وثانِيها: أنَّ المُرادَ مِنَ الأرْضِ أرْضُ الدُّنْيا، فَإنَّهُ سُبْحانَهُ وتَعالى سَيُورِثُها المُؤْمِنِينَ في الدُّنْيا، وهو قَوْلُ الكَلْبِيِّ وابْنِ عَبّاسٍ في بَعْضِ الرِّواياتِ ودَلِيلُ هَذا القَوْلِ قَوْلُهُ سُبْحانَهُ: ﴿وعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ [النور: ٥٥] إلى قَوْلِهِ: ﴿لَيَسْتَخْلِفَنَّهم في الأرْضِ﴾ [النور: ٥٥] وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ واصْبِرُوا إنَّ الأرْضَ لِلَّهِ يُورِثُها مَن يَشاءُ مِن عِبادِهِ﴾ [الأعراف: ١٢٨] .
وثالِثُها: هي الأرْضُ المُقَدَّسَةُ يَرِثُها الصّالِحُونَ، ودَلِيلُهُ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وأوْرَثْنا القَوْمَ الَّذِينَ كانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشارِقَ الأرْضِ ومَغارِبَها الَّتِي بارَكْنا فِيها﴾ [الأعراف: ١٣٧] ثُمَّ بِالآخِرَةِ يُورِثُها أُمَّةَ مُحَمَّدٍ ﷺ عِنْدَ نُزُولِ عِيسى ابْنِ مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلامُ.
أمّا قَوْلُهُ تَعالى: ﴿إنَّ في هَذا لَبَلاغًا لِقَوْمٍ عابِدِينَ﴾ فَقَوْلُهُ هَذا إشارَةٌ إلى المَذْكُورِ في هَذِهِ السُّورَةِ مِنَ الأخْبارِ والوَعْدِ والوَعِيدِ والمَواعِظِ البالِغَةِ، والبَلاغُ الكِفايَةُ وما تُبْلَغُ بِهِ البُغْيَةُ، وقِيلَ في العابِدِينَ: إنَّهُمُ العالِمُونَ، وقِيلَ: بَلِ العامِلُونَ، والأوْلى أنَّهُمُ الجامِعُونَ بَيْنَ الأمْرَيْنِ؛ لِأنَّ العِلْمَ كالشَّجَرِ والعَمَلَ كالثَّمَرِ، والشَّجَرُ بِدُونِ الثَّمَرِ غَيْرُ مُفِيدٍ، والثَّمَرُ بِدُونِ الشَّجَرِ غَيْرُ كائِنٍ.
* * *
أمّا قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وما أرْسَلْناكَ إلّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ﴾ فَفِيهِ مَسائِلُ:
المَسْألَةُ الأُولى: أنَّهُ عَلَيْهِ السَّلامُ كانَ رَحْمَةً في الدِّينِ وفي الدُّنْيا؛ أمّا في الدِّينِ فَلِأنَّهُ عَلَيْهِ السَّلامُ بُعِثَ والنّاسُ في جاهِلِيَّةٍ وضَلالَةٍ، وأهْلُ الكِتابَيْنِ كانُوا في حَيْرَةٍ مِن أمْرِ دِينِهِمْ؛ لِطُولِ مُكْثِهِمْ وانْقِطاعِ تَواتُرِهِمْ ووُقُوعِ الِاخْتِلافِ في كُتُبِهِمْ، فَبَعَثَ اللَّهُ تَعالى مُحَمَّدًا ﷺ حِينَ لَمْ يَكُنْ لِطالِبِ الحَقِّ سَبِيلٌ إلى الفَوْزِ والثَّوابِ، فَدَعاهم إلى الحَقِّ، وبَيَّنَ لَهم سَبِيلَ الثَّوابِ، وشَرَعَ لَهُمُ الأحْكامَ، ومَيَّزَ الحَلالَ مِنَ الحَرامِ، ثُمَّ إنَّما يَنْتَفِعُ بِهَذِهِ الرَّحْمَةِ مَن كانَتْ هِمَّتُهُ طَلَبَ الحَقِّ، فَلا يَرْكَنُ إلى التَّقْلِيدِ ولا إلى العِنادِ والِاسْتِكْبارِ، وكانَ التَّوْفِيقُ قَرِينًا لَهُ؛ قالَ اللَّهُ تَعالى: ﴿قُلْ هو لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وشِفاءٌ﴾ [فصلت: ٤٤] إلى قَوْلِهِ: ﴿وهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى﴾ [فُصِّلَتْ: ٤٤ ] .
وأمّا في الدُّنْيا فَلِأنَّهم تَخَلَّصُوا بِسَبَبِهِ مِن كَثِيرٍ مِنَ الذُّلِّ والقِتالِ والحُرُوبِ ونُصِرُوا بِبَرَكَةِ دِينِهِ. فَإنْ قِيلَ: كَيْفَ كانَ رَحْمَةً وقَدْ جاءَ بِالسَّيْفِ واسْتِباحَةِ الأمْوالِ ؟ قُلْنا: الجَوابُ مِن وُجُوهٍ:
أحَدُها: إنَّما جاءَ بِالسَّيْفِ لِمَنِ اسْتَكْبَرَ وعانَدَ ولَمْ يَتَفَكَّرْ ولَمْ يَتَدَبَّرْ، ومِن أوْصافِ اللَّهِ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ، ثُمَّ هو مُنْتَقِمٌ مِنَ العُصاةِ. وقالَ: ﴿ونَزَّلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً مُبارَكًا﴾ [ق: ٩] ثُمَّ قَدْ يَكُونُ سَبَبًا لِلْفَسادِ.
وثانِيها: أنَّ كُلَّ نَبِيٍّ قَبْلَ نَبِيِّنا كانَ إذا كَذَّبَهُ قَوْمُهُ أهْلَكَ اللَّهُ المُكَذِّبِينَ بِالخَسْفِ والمَسْخِ والغَرَقِ، وأنَّهُ تَعالى أخَّرَ عَذابَ مَن كَذَّبَ رَسُولَنا إلى المَوْتِ أوْ إلى القِيامَةِ؛ قالَ تَعالى: ﴿وما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهم وأنْتَ فِيهِمْ﴾ [الأنفال: ٣٣] لا يُقالُ: ألَيْسَ أنَّهُ تَعالى قالَ: ﴿قاتِلُوهم يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأيْدِيكُمْ﴾ (p-٢٠٠)[التوبة: ١٤]؛ وقالَ تَعالى: ﴿لِيُعَذِّبَ اللَّهُ المُنافِقِينَ والمُنافِقاتِ﴾ [الأحزاب: ٧٣] لِأنّا نَقُولُ: تَخْصِيصُ العامِّ لا يَقْدَحُ فِيهِ.
وثالِثُها: أنَّهُ عَلَيْهِ السَّلامُ كانَ في نِهايَةِ حُسْنِ الخُلُقِ، قالَ تَعالى: ﴿وإنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ [القلم: ٤] وقالَ أبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ ادْعُ عَلى المُشْرِكِينَ، قالَ: إنَّما بُعِثْتُ رَحْمَةً ولَمْ أُبْعَثْ عَذابًا» وقالَ في رِوايَةِ حُذَيْفَةَ: «إنَّما أنا بَشَرٌ أغْضَبَ كَما يَغْضَبُ البَشَرُ، فَأيُّما رَجُلٍ سَبَبْتُهُ أوْ لَعَنْتُهُ فاجْعَلْها اللَّهُمَّ عَلَيْهِ صَلاةً يَوْمَ القِيامَةِ» .
ورابِعُها: قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدٍ: ﴿إلّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ﴾ يَعْنِي المُؤْمِنِينَ خاصَّةً، قالَ الإمامُ أبُو القاسِمِ الأنْصارِيُّ: والقَوْلانِ يَرْجِعانِ إلى مَعْنًى واحِدٍ، لِما بَيَّنّا أنَّهُ كانَ رَحْمَةً لِلْكُلِّ لَوْ تَدَبَّرُوا في آياتِ اللَّهِ وآياتِ رَسُولِهِ، فَأمّا مَن أعْرَضَ واسْتَكْبَرَ، فَإنَّما وقَعَ في المِحْنَةِ مِن قِبَلِ نَفْسِهِ كَما قالَ: ﴿وهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى﴾ [ فُصِّلَتْ: ٤٤ ] .
المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: قالَتِ المُعْتَزِلَةُ: لَوْ كانَ اللَّهُ تَعالى أرادَ مِنَ الكافِرِينَ الكُفْرَ ولَمْ يُرِدْ مِنهُمُ القَبُولَ مِنَ الرَّسُولِ، بَلْ ما أرادَ مِنهم إلّا الرَّدَّ عَلَيْهِ وخَلَقَ ذَلِكَ فِيهِمْ ولَمْ يَخْلُقْهم إلّا كَذَلِكَ كَما يَقُولُهُ أهْلُ السُّنَّةِ، لَوَجَبَ أنْ يَكُونَ إرْسالُهُ نِقْمَةً وعَذابًا عَلَيْهِمْ لا رَحْمَةً، وذَلِكَ عَلى خِلافِ هَذا النَّصِّ، لا يُقالُ: إنَّ رِسالَتَهُ عَلَيْهِ السَّلامُ رَحْمَةٌ لِلْكُفّارِ مِن حَيْثُ لَمْ يُعَجِّلْ عَذابَهم في الدُّنْيا، كَما عَجَّلَ عَذابَ سائِرِ الأُمَمِ؛ لِأنّا نَقُولُ: إنَّ كَوْنَهُ رَحْمَةً لِلْجَمِيعِ عَلى حَدٍّ واحِدٍ، وما ذَكَرْتُمُوهُ لِلْكُفّارِ فَهو حاصِلٌ لِلْمُؤْمِنِينَ أيْضًا، فَإذًا يَجِبُ أنْ يَكُونَ رَحْمَةً لِلْكافِرِينَ مِنَ الوَجْهِ الَّذِي صارَ رَحْمَةً لِلْمُؤْمِنِينَ، وأيْضًا فَإنَّ الَّذِي ذَكَرُوهُ مِن نِعَمِ الدُّنْيا كانَتْ حاصِلَةً لِلْكُفّارِ قَبْلَ بَعْثَتِهِ ﷺ كَحُصُولِها بَعْدَهُ، بَلْ كانَتْ نِعَمُهم في الدُّنْيا قَبْلَ بَعْثَتِهِ أعْظَمَ؛ لِأنَّ بَعْدَ بَعْثَتِهِ نَزَلَ بِهِمُ الغَمُّ والخَوْفُ مِنهُ، ثُمَّ أُمِرَ بِالجِهادِ الَّذِي فَنِيَ أكْثَرُهم فِيهِ، فَلا يَجُوزُ أنْ يَكُونَ هَذا هو المُرادَ.
والجَوابُ: أنْ نَقُولَ: لَمّا عَلِمَ اللَّهُ سُبْحانَهُ وتَعالى أنَّ أبا لَهَبٍ لا يُؤْمِنُ البَتَّةَ، وأخْبَرَ عَنْهُ أنَّهُ لا يُؤْمِنُ، كانَ أمْرُهُ إيّاهُ بِالإيمانِ أمْرًا يَقْلِبُ عِلْمَهُ جَهْلًا، وخَبَرَهُ الصِّدْقَ كَذِبًا وذَلِكَ مُحالٌ، فَكانَ قَدْ أمَرَهُ بِالمُحالِ، وإنْ كانَتِ البَعْثَةُ مَعَ هَذا القَوْلِ رَحْمَةً، فَلِمَ لا يَجُوزُ أنْ يُقالَ: البَعْثَةُ رَحْمَةٌ مَعَ أنَّهُ خَلَقَ الكُفْرَ في الكافِرِ ؟ ولِأنَّ قُدْرَةَ الكافِرِ إنْ لَمْ تَصْلُحْ إلّا لِلْكُفْرِ فَقَطْ فالسُّؤالُ عَلَيْهِمْ لازِمٌ، وإنْ كانَتْ صالِحَةً لِلضِّدَّيْنِ تُوقَفُ لِلتَّرْجِيحِ عَلى مُرَجِّحٍ مِن قِبَلِ اللَّهِ تَعالى، قَطْعًا لِلتَّسَلْسُلِ. وحِينَئِذٍ يَعُودُ الإلْزامُ، ثُمَّ نَقُولُ: لِمَ لا يَجُوزُ أنْ يَكُونَ رَحْمَةً لِلْكافِرِ بِمَعْنى تَأْخِيرِ عَذابِ الِاسْتِئْصالِ عَنْهُ ؟ قَوْلُهُ: أوَّلًا لَمّا كانَ رَحْمَةً لِلْجَمِيعِ عَلى حَدٍّ واحِدٍ، وجَبَ أنْ يَكُونَ رَحْمَةً لِلْكُفّارِ مِنَ الوَجْهِ الَّذِي كانَ رَحْمَةً لِلْمُؤْمِنِينَ. قُلْنا: لَيْسَ في الآيَةِ أنَّهُ عَلَيْهِ السَّلامُ رَحْمَةٌ لِلْكُلِّ بِاعْتِبارٍ واحِدٍ أوْ بِاعْتِبارَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ، فَدَعْواكَ بِكَوْنِ الوَجْهِ واحِدًا تَحَكُّمٌ، قَوْلُهُ: نِعَمُ الدُّنْيا كانَتْ حاصِلَةً لِلْكُفّارِ مِن قَبْلُ، قُلْنا: نَعَمْ، ولَكِنَّهُ عَلَيْهِ السَّلامُ لِكَوْنِهِ رَحْمَةً لِلْمُؤْمِنِينَ لَمّا بُعِثَ حَصَلَ الخَوْفُ لِلْكَفّارِ مِن نُزُولِ العَذابِ، فَلَمّا انْدَفَعَ ذَلِكَ عَنْهم بِسَبَبِ حُضُورِهِ كانَ ذَلِكَ رَحْمَةً في حَقِّ الكُفّارِ.
المَسْألَةُ الثّالِثَةُ: تَمَسَّكُوا بِهَذِهِ الآيَةِ في أنَّهُ أفْضَلُ مِنَ المَلائِكَةِ، قالُوا: لِأنَّ المَلائِكَةَ مِنَ العالَمِينَ، فَوَجَبَ بِحُكْمِ هَذِهِ الآيَةِ أنْ يَكُونَ عَلَيْهِ السَّلامُ رَحْمَةً لِلْمَلائِكَةِ، فَوَجَبَ أنْ يَكُونَ أفْضَلَ مِنهم، والجَوابُ: أنَّهُ مُعارَضٌ بِقَوْلِهِ تَعالى في حَقِّ المَلائِكَةِ: ﴿ويَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا﴾ [غافر: ٧] وذَلِكَ رَحْمَةٌ مِنهم في حَقِّ المُؤْمِنِينَ، والرَّسُولُ عَلَيْهِ السَّلامُ داخِلٌ في المُؤْمِنِينَ، وكَذا قَوْلُهُ تَعالى: ﴿إنَّ اللَّهَ ومَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلى النَّبِيِّ﴾ [الأحزاب: ٥٦] .
{"ayahs_start":105,"ayahs":["وَلَقَدۡ كَتَبۡنَا فِی ٱلزَّبُورِ مِنۢ بَعۡدِ ٱلذِّكۡرِ أَنَّ ٱلۡأَرۡضَ یَرِثُهَا عِبَادِیَ ٱلصَّـٰلِحُونَ","إِنَّ فِی هَـٰذَا لَبَلَـٰغࣰا لِّقَوۡمٍ عَـٰبِدِینَ","وَمَاۤ أَرۡسَلۡنَـٰكَ إِلَّا رَحۡمَةࣰ لِّلۡعَـٰلَمِینَ","قُلۡ إِنَّمَا یُوحَىٰۤ إِلَیَّ أَنَّمَاۤ إِلَـٰهُكُمۡ إِلَـٰهࣱ وَ ٰحِدࣱۖ فَهَلۡ أَنتُم مُّسۡلِمُونَ","فَإِن تَوَلَّوۡا۟ فَقُلۡ ءَاذَنتُكُمۡ عَلَىٰ سَوَاۤءࣲۖ وَإِنۡ أَدۡرِیۤ أَقَرِیبٌ أَم بَعِیدࣱ مَّا تُوعَدُونَ","إِنَّهُۥ یَعۡلَمُ ٱلۡجَهۡرَ مِنَ ٱلۡقَوۡلِ وَیَعۡلَمُ مَا تَكۡتُمُونَ","وَإِنۡ أَدۡرِی لَعَلَّهُۥ فِتۡنَةࣱ لَّكُمۡ وَمَتَـٰعٌ إِلَىٰ حِینࣲ"],"ayah":"وَلَقَدۡ كَتَبۡنَا فِی ٱلزَّبُورِ مِنۢ بَعۡدِ ٱلذِّكۡرِ أَنَّ ٱلۡأَرۡضَ یَرِثُهَا عِبَادِیَ ٱلصَّـٰلِحُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق