الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وما أرْسَلْنا قَبْلَكَ إلّا رِجالًا نُوحِي إلَيْهِمْ فاسْألُوا أهْلَ الذِّكْرِ إنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ﴾ ﴿وما جَعَلْناهم جَسَدًا لا يَأْكُلُونَ الطَّعامَ وما كانُوا خالِدِينَ﴾ ﴿ثُمَّ صَدَقْناهُمُ الوَعْدَ فَأنْجَيْناهم ومَن نَشاءُ وأهْلَكْنا المُسْرِفِينَ﴾ ﴿لَقَدْ أنْزَلْنا إلَيْكم كِتابًا فِيهِ ذِكْرُكم أفَلا تَعْقِلُونَ﴾ .
اعْلَمْ أنَّهُ تَعالى أجابَ عَنْ سُؤالِهِمُ الأوَّلِ وهو قَوْلُهم: ﴿ما هَذا إلّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ﴾ [المُؤْمِنُونَ: ٣٣] بِقَوْلِهِ: ﴿وما أرْسَلْنا قَبْلَكَ إلّا رِجالًا نُوحِي إلَيْهِمْ﴾ فَبَيَّنَ أنَّ هَذِهِ عادَةُ اللَّهِ تَعالى في الرُّسُلِ مِن قَبْلِ مُحَمَّدٍ ﷺ ولَمْ يَمْنَعْ ذَلِكَ مِن كَوْنِهِمْ رُسُلًا لِلْآياتِ الَّتِي ظَهَرَتْ عَلَيْهِمْ فَإذا صَحَّ ذَلِكَ فِيهِمْ فَقَدْ ظَهَرَ عَلى مُحَمَّدٍ مِثْلُ آياتِهِمْ فَلا مَقالَ عَلَيْهِ في كَوْنِهِ بَشَرًا، فَأمّا قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فاسْألُوا أهْلَ الذِّكْرِ﴾ فالمَعْنى أنَّهُ تَعالى أمَرَهم أنْ يَسْألُوا أهْلَ الذِّكْرِ، وهم أهْلُ الكِتابِ حَتّى يُعْلِمُوهم أنَّ رُسُلَ اللَّهِ المُوحى إلَيْهِمْ كانُوا بَشَرًا ولَمْ يَكُونُوا مَلائِكَةً، وإنَّما أحالَهم عَلى هَؤُلاءِ لِأنَّهم كانُوا يُتابِعُونَ المُشْرِكِينَ في مُعاداةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، قالَ تَعالى: ﴿ولَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ مِن قَبْلِكم ومِنَ الَّذِينَ أشْرَكُوا أذًى كَثِيرًا﴾ [آلِ عِمْرانَ: ١٨٦] فَإنْ (p-١٢٥)قِيلَ: إذا لَمْ يُوثَقُ بِاليَهُودِ والنَّصارى، فَكَيْفَ يَجُوزُ أنْ يَأْمُرَهم بِأنْ يَسْألُوهم عَنِ الرُّسُلِ، قُلْنا: إذا تَواتَرَ خَبَرُهم وبَلَغَ حَدَّ الضَّرُورَةِ جازَ ذَلِكَ، كَما قَدْ يُعْمَلُ بِخَبَرِ الكُفّارِ إذا تَواتَرَ، مِثْلَ ما يُعْمَلُ بِخَبَرِ المُؤْمِنِينَ. ومِنَ النّاسِ مَن قالَ: المُرادُ بِأهْلِ الذِّكْرِ أهْلُ القُرْآنِ وهو بَعِيدٌ لِأنَّهم كانُوا طاعِنِينَ في القُرْآنِ وفي الرَّسُولِ ﷺ، فَأمّا تَعَلُّقُ كَثِيرٍ مِنَ الفُقَهاءِ بِهَذِهِ الآيَةِ في أنَّ لِلْعامِّيِّ أنْ يَرْجِعَ إلى فُتْيا العُلَماءِ وفي أنَّ لِلْمُجْتَهِدِ أنْ يَأْخُذَ بِقَوْلِ مُجْتَهِدٍ آخَرَ فَبَعِيدٌ؛ لِأنَّ هَذِهِ الآيَةَ خِطابٌ مُشافِهٌ وهي وارِدَةٌ في الواقِعَةِ المَخْصُوصَةِ ومُتَعَلِّقَةٌ بِاليَهُودِ والنَّصارى عَلى التَّعْيِينِ. ثُمَّ بَيَّنَ تَعالى أنَّهُ لَمْ يَجْعَلِ الرُّسُلَ قَبْلَهُ جَسَدًا لا يَأْكُلُونَ الطَّعامَ وفِيهِ أبْحاثٌ:
البَحْثُ الأوَّلُ: قَوْلُهُ: ﴿لا يَأْكُلُونَ الطَّعامَ﴾ صِفَةُ جَسَدٍ والمَعْنى وما جَعَلْنا الأنْبِياءَ ذَوِي جَسَدٍ غَيْرَ طاعِمِينَ.
البَحْثُ الثّانِي: وحَّدَ الجَسَدَ لِإرادَةِ الجِنْسِ كَأنَّهُ قالَ ذَوِي ضَرْبٍ مِنَ الأجْسادِ.
البَحْثُ الثّالِثُ: أنَّهم كانُوا يَقُولُونَ: ﴿مالِ هَذا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ ويَمْشِي في الأسْواقِ لَوْلا أُنْزِلَ إلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا﴾ [الفُرْقانِ: ٧] فَأجابَ اللَّهُ تَعالى: ﴿وما جَعَلْناهم جَسَدًا لا يَأْكُلُونَ الطَّعامَ﴾ فَبَيَّنَ تَعالى أنَّ هَذِهِ عادَةُ اللَّهِ في الرُّسُلِ مِن قَبْلُ وأنَّهُ لَمْ يَجْعَلْهم جَسَدًا لا يَأْكُلُونَ بَلْ جَسَدًا يَأْكُلُونَ الطَّعامَ ولا يَخْلُدُونَ في الدُّنْيا بَلْ يَمُوتُونَ كَغَيْرِهِمْ، ونَبَّهَ بِذَلِكَ عَلى أنَّ الَّذِي صارُوا بِهِ رُسُلًا غَيْرُ ذَلِكَ وهو ظُهُورُ المُعْجِزاتِ عَلى أيْدِيهِمْ وبَراءَتُهم عَنِ الصِّفاتِ القادِحَةِ في التَّبْلِيغِ، أمّا قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ثُمَّ صَدَقْناهُمُ الوَعْدَ﴾ فَقالَ صاحِبُ ”الكَشّافِ“: هو مِثْلُ قَوْلِهِ: ﴿واخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا﴾ [الأعْرافِ: ١٥٥] والأصْلُ في الوَعْدِ ومِن قَوْمِهِ ومِنهُ صَدَقُوهُمُ المَقالَ: ﴿ومَن نَشاءُ﴾ هُمُ المُؤْمِنُونَ، قالَ المُفَسِّرُونَ: المُرادُ مِنهُ أنَّهُ تَقَدَّمَ وعْدُهُ جَلَّ جَلالُهُ بِأنَّهُ إنَّما يَهْلِكُ بِعَذابِ الِاسْتِئْصالِ مَن كَذَّبَ الرُّسُلَ دُونَ نَفْسِ الرُّسُلِ ودُونَ مَن صَدَّقَ بِهِمْ، وجَعَلَ الوَفاءَ بِما وعَدَ صِدْقًا مِن حَيْثُ يَكْشِفُ عَنِ الصِّدْقِ ومَعْنى: ﴿وأهْلَكْنا المُسْرِفِينَ﴾ أيْ بِعَذابِ الِاسْتِئْصالِ ولَيْسَ المُرادُ عَذابَ الآخِرَةِ لِأنَّهُ إخْبارٌ عَمّا مَضى وتَقَدَّمَ، ثُمَّ بَيَّنَ تَعالى بِقَوْلِهِ: ﴿لَقَدْ أنْزَلْنا إلَيْكم كِتابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ﴾ عَظِيمَ نِعْمَتِهِ عَلَيْهِمْ بِالقُرْآنِ في الدِّينِ والدُّنْيا، فَلِذَلِكَ قالَ فِيهِ: ﴿ذِكْرُكُمْ﴾ وفِيهِ ثَلاثَةُ أوْجُهٍ: أحَدُها: ذِكْرُكم: شَرَفُكم وصِيتُكم، كَما قالَ: ﴿وإنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ ولِقَوْمِكَ﴾ [الزُّخْرُفِ: ٤٤] . وثانِيها: المُرادُ فِيهِ تَذْكِرَةٌ لَكم لِتَحْذَرُوا ما لا يَحِلُّ وتَرْغَبُوا فِيما يَجِبُ، ويَكُونُ المُرادُ بِالذِّكْرِ الوَعْدَ والوَعِيدَ، كَما قالَ: ﴿وذَكِّرْ فَإنَّ الذِّكْرى تَنْفَعُ المُؤْمِنِينَ﴾ [الذّارِياتِ: ٥٥] . وثالِثُها: المُرادُ ذِكْرُ دِينِكم ما يَلْزَمُ وما لا يَلْزَمُ لِتَفُوزُوا بِالجَنَّةِ إذا تَمَسَّكْتُمْ بِهِ وكُلُّ ذَلِكَ مُحْتَمَلٌ، وقَوْلُهُ: ﴿أفَلا تَعْقِلُونَ﴾ كالبَعْثِ عَلى التَّدَبُّرِ في القُرْآنِ لِأنَّهم كانُوا غُفَلاءَ لِأنَّ الخَوْضَ مِن لَوازِمِ الغَفْلَةِ، والتَّدَبُّرَ دافِعٌ لِذَلِكَ الخَوْضِ، ودَفْعُ الضَّرَرِ عَنِ النَّفْسِ مِن لَوازِمِ الفِعْلِ فَمَن لَمْ يَتَدَبَّرْ فَكَأنَّهُ خَرَجَ عَنِ العَقْلِ.
{"ayahs_start":7,"ayahs":["وَمَاۤ أَرۡسَلۡنَا قَبۡلَكَ إِلَّا رِجَالࣰا نُّوحِیۤ إِلَیۡهِمۡۖ فَسۡـَٔلُوۤا۟ أَهۡلَ ٱلذِّكۡرِ إِن كُنتُمۡ لَا تَعۡلَمُونَ","وَمَا جَعَلۡنَـٰهُمۡ جَسَدࣰا لَّا یَأۡكُلُونَ ٱلطَّعَامَ وَمَا كَانُوا۟ خَـٰلِدِینَ","ثُمَّ صَدَقۡنَـٰهُمُ ٱلۡوَعۡدَ فَأَنجَیۡنَـٰهُمۡ وَمَن نَّشَاۤءُ وَأَهۡلَكۡنَا ٱلۡمُسۡرِفِینَ","لَقَدۡ أَنزَلۡنَاۤ إِلَیۡكُمۡ كِتَـٰبࣰا فِیهِ ذِكۡرُكُمۡۚ أَفَلَا تَعۡقِلُونَ"],"ayah":"لَقَدۡ أَنزَلۡنَاۤ إِلَیۡكُمۡ كِتَـٰبࣰا فِیهِ ذِكۡرُكُمۡۚ أَفَلَا تَعۡقِلُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق