الباحث القرآني
(p-١٢٠)[ سُورَةُ الأنْبِياءِ ]
مِائَةٌ واثْنَتا عَشْرَةَ آيَةً مَكِّيَّةً
﷽
﴿اقْتَرَبَ لِلنّاسِ حِسابُهم وهم في غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ﴾ ﴿ما يَأْتِيهِمْ مِن ذِكْرٍ مِن رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إلّا اسْتَمَعُوهُ وهم يَلْعَبُونَ﴾ ﴿لاهِيَةً قُلُوبُهم وأسَرُّوا النَّجْوى الَّذِينَ ظَلَمُوا هَلْ هَذا إلّا بَشَرٌ مِثْلُكم أفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وأنْتُمْ تُبْصِرُونَ﴾
﷽
﴿اقْتَرَبَ لِلنّاسِ حِسابُهم وهم في غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ﴾ ﴿ما يَأْتِيهِمْ مِن ذِكْرٍ مِن رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إلّا اسْتَمَعُوهُ وهم يَلْعَبُونَ﴾ ﴿لاهِيَةً قُلُوبُهم وأسَرُّوا النَّجْوى الَّذِينَ ظَلَمُوا هَلْ هَذا إلّا بَشَرٌ مِثْلُكم أفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وأنْتُمْ تُبْصِرُونَ﴾ .
اعْلَمْ أنَّ قَوْلَهُ تَعالى: ﴿اقْتَرَبَ لِلنّاسِ حِسابُهُمْ﴾ فِيهِ مَسائِلُ:
المَسْألَةُ الأُولى: القُرْبُ لا يُعْقَلُ إلّا في المَكانِ والزَّمانِ، والقُرْبُ المَكانِيُّ هَهُنا مُمْتَنَعٌ فَتَعَيَّنَ القُرْبُ الزَّمانِيُّ، والمَعْنى اقْتَرَبَ لِلنّاسِ وقْتُ حِسابِهِمْ.
المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: لِقائِلٍ أنْ يَقُولَ كَيْفَ وُصِفَ بِالِاقْتِرابِ، وقَدْ عَبَرَ بَعْدَ هَذا القَوْلِ قَرِيبٌ مِن سِتِّمِائَةِ عامٍ والجَوابُ مِن ثَلاثَةِ أوْجُهٍ: أحَدُها: أنَّهُ مُقْتَرِبٌ عِنْدَ اللَّهِ تَعالى، والدَّلِيلُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ويَسْتَعْجِلُونَكَ بِالعَذابِ ولَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وعْدَهُ وإنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَألْفِ سَنَةٍ مِمّا تَعُدُّونَ﴾ [الحَجِّ: ٤٧]، وثانِيها: أنَّ كُلَّ آتٍ قَرِيبٌ وإنْ طالَتْ أوْقاتُ تَرَقُّبِهِ، وإنَّما البَعِيدُ هو الَّذِي انْقَرَضَ، قالَ الشّاعِرُ:
؎فَلا زالَ ما تَهْواهُ أقْرَبَ مِن غَدٍ ولا زالَ ما تَخْشاهُ أبْعَدَ مِن أمْسِ
وثالِثُها: أنَّ المُعامَلَةَ إذا كانَتْ مُؤَجَّلَةً إلى سَنَةٍ ثُمَّ انْقَضى مِنها شَهْرٌ، فَإنَّهُ لا يُقالُ اقْتَرَبَ الأجَلُ أمّا إذا كانَ الماضِي أكْثَرَ مِنَ الباقِي فَإنَّهُ يُقالُ: اقْتَرَبَ الأجَلُ، فَعَلى هَذا الوَجْهِ قالَ العُلَماءُ: إنَّ فِيهِ دَلالَةً عَلى قُرْبِ (p-١٢١)القِيامَةِ، ولِهَذا الوَجْهِ قالَ عَلَيْهِ السَّلامُ: ”«بُعِثْتُ أنا والسّاعَةُ كَهاتَيْنِ» “ وهَذا الوَجْهُ قِيلَ: إنَّهُ عَلَيْهِ السَّلامُ خَتَمَ بِهِ النُّبُوَّةَ، كُلُّ ذَلِكَ لِأجْلِ أنَّ الباقِيَ مِن مُدَّةِ التَّكْلِيفِ أقَلُّ مِنَ الماضِي.
المَسْألَةُ الثّالِثَةُ: إنَّما ذَكَرَ تَعالى هَذا الِاقْتِرابَ لِما فِيهِ مِنَ المَصْلَحَةِ لِلْمُكَلَّفِينَ فَيَكُونُ أقْرَبَ إلى تَلافِي الذُّنُوبِ والتَّحَرُّزِ عَنْها خَوْفًا مِن ذَلِكَ، واللَّهُ أعْلَمُ.
المَسْألَةُ الرّابِعَةُ: إنَّما لَمْ يُعَيِّنِ الوَقْتَ لِأجْلِ أنَّ كِتْمانَهُ أصْلَحُ، كَما أنَّ كِتْمانَ وقْتِ المَوْتِ أصْلَحُ.
المَسْألَةُ الخامِسَةُ: الفائِدَةُ في تَسْمِيَةِ يَوْمِ القِيامَةِ بِيَوْمِ الحِسابِ أنَّ الحِسابَ هو الكاشِفُ عَنْ حالِ المَرْءِ فالخَوْفُ مِن ذِكْرِهِ أعْظَمُ.
المَسْألَةُ السّادِسَةُ: يَجِبُ أنْ يَكُونَ المُرادُ بِالنّاسِ مَن لَهُ مَدْخَلٌ في الحِسابِ وهُمُ المُكَلَّفُونَ دُونَ مَن لا مَدْخَلَ لَهُ، ثُمَّ قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: المُرادُ بِالنّاسِ المُشْرِكُونَ. وهَذا مِن إطْلاقِ اسْمِ الجِنْسِ عَلى بَعْضِهِ لِلدَّلِيلِ القائِمِ وهو ما يَتْلُوهُ مِن صِفاتِ المُشْرِكِينَ أمّا قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وهم في غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ﴾ فاعْلَمْ أنَّهُ تَعالى وصَفَهم بِأمْرَيْنِ الغَفْلَةِ والإعْراضِ، أمّا الغَفْلَةُ فالمَعْنى أنَّهم غافِلُونَ عَنْ حِسابِهِمْ ساهُونَ لا يَتَفَكَّرُونَ في عاقِبَتِهِمْ مَعَ اقْتِضاءِ عُقُولِهِمْ أنَّهُ لا بُدَّ مِن جَزاءِ المُحْسِنِ والمُسِيءِ، ثُمَّ إذا انْتَبَهُوا مِن سِنَةِ الغَفْلَةِ ورَقْدَةِ الجَهالَةِ مِمّا يُتْلى عَلَيْهِمْ مِنَ الآياتِ والنُّذُرِ أعْرَضُوا وسَدُّوا أسْماعَهم.
أمّا قَوْلُهُ: ﴿ما يَأْتِيهِمْ مِن ذِكْرٍ مِن رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ﴾ فَفِيهِ مَسائِلُ:
المَسْألَةُ الأُولى: قَرَأ ابْنُ أبِي عَبْلَةَ (مُحْدَثٌ) بِالرَّفْعِ صِفَةً لِلْمَحَلِّ.
المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: إنَّما ذَكَرَ اللَّهُ تَعالى ذَلِكَ بَيانًا لِكَوْنِهِمْ مُعْرِضِينَ، وذَلِكَ لِأنَّ اللَّهَ تَعالى يُجَدِّدُ لَهُمُ الذِّكْرَ وقْتًا فَوَقْتًا ويُظْهِرُ لَهُمُ الآيَةَ بَعْدَ الآيَةِ والسُّورَةَ بَعْدَ السُّورَةِ لِيُكَرِّرَ عَلى أسْماعِهِمُ التَّنْبِيهَ والمَوْعِظَةَ لَعَلَّهم يَتَّعِظُونَ، فَما يَزِيدُهم ذَلِكَ إلّا لَعِبًا واسْتِسْخارًا.
المَسْألَةُ الثّالِثَةُ: المُعْتَزِلَةُ احْتَجُّوا عَلى حُدُوثِ القُرْآنِ بِهَذِهِ الآيَةِ فَقالُوا: القُرْآنُ ذِكْرٌ والذِّكْرُ مُحْدَثٌ فالقُرْآنُ مُحْدَثٌ، بَيانُ أنَّ القُرْآنَ ذِكْرٌ قَوْلُهُ تَعالى في صِفَةِ القُرْآنِ: ﴿إنْ هو إلّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ﴾ [ص: ٨٧] وقَوْلُهُ: ﴿وإنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ ولِقَوْمِكَ﴾ [الزُّخْرُفِ: ٤٤] وقَوْلُهُ: ﴿ص والقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ﴾ [ص: ١] وقَوْلُهُ: ﴿إنّا نَحْنُ نَزَّلْنا الذِّكْرَ﴾ [الحِجْرِ: ٩] وقَوْلُهُ: ﴿إنْ هو إلّا ذِكْرٌ وقُرْآنٌ مُبِينٌ﴾ [يس: ٦٩] وقَوْلُهُ: ﴿وهَذا ذِكْرٌ مُبارَكٌ أنْزَلْناهُ﴾ [الأنْبِياءِ: ٥٠] وبَيانُ أنَّ الذِّكْرَ مُحْدَثٌ قَوْلُهُ في هَذا المَوْضِعِ: ﴿ما يَأْتِيهِمْ مِن ذِكْرٍ مِن رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ﴾ وقَوْلُهُ في سُورَةِ الشُّعَراءِ: ﴿وما يَأْتِيهِمْ مِن ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمَنِ مُحْدَثٍ﴾ [الشعراء: ٥] ثُمَّ قالُوا: فَصارَ مَجْمُوعُ هاتَيْنِ المُقَدِّمَتَيْنِ المَنصُوصَتَيْنِ كالنَّصِّ في أنَّ القُرْآنَ مُحْدَثٌ، والجَوابُ مِن وجْهَيْنِ: الأوَّلُ: أنَّ قَوْلَهُ: ﴿إنْ هو إلّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ﴾ [ص: ٨٧] وقَوْلُهُ: ﴿وهَذا ذِكْرٌ مُبارَكٌ﴾ [الأنْبِياءِ: ٥٠] إشارَةٌ إلى المُرَكَّبِ مِنَ الحُرُوفِ والأصْواتِ فَإذا ضَمَمْنا إلَيْهِ قَوْلَهُ: ﴿ما يَأْتِيهِمْ مِن ذِكْرٍ مِن رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ﴾ لَزِمَ حُدُوثُ المُرَكَّبِ مِنَ الحُرُوفِ والأصْواتِ وذَلِكَ مِمّا لا نِزاعَ فِيهِ بَلْ حُدُوثُهُ مَعْلُومٌ بِالضَّرُورَةِ، وإنَّما النِّزاعُ في قِدَمِ كَلامِ اللَّهِ تَعالى بِمَعْنًى آخَرَ. الثّانِي: أنَّ قَوْلَهُ: ﴿ما يَأْتِيهِمْ مِن ذِكْرٍ مِن رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ﴾ لا يَدُلُّ عَلى حُدُوثِ كُلِّ ما كانَ ذِكْرًا بَلْ عَلى ذِكْرِ ما مُحْدَثٌ كَما أنَّ قَوْلَ القائِلِ لا يَدْخُلُ هَذِهِ البَلْدَةَ رَجُلٌ فاضِلٌ إلّا يُبْغِضُونَهُ، فَإنَّهُ لا يَدُلُّ عَلى أنَّ كُلَّ رَجُلٍ يَجِبُ أنْ يَكُونَ فاضِلًا بَلْ (p-١٢٢)عَلى أنَّ في الرِّجالِ مَن هو فاضِلٌ وإذا كانَ كَذَلِكَ فالآيَةُ لا تَدُلُّ إلّا عَلى أنَّ بَعْضَ الذِّكْرِ مُحْدَثٌ فَيَصِيرُ نَظْمُ الكَلامِ هَكَذا: القُرْآنُ ذِكْرٌ وبَعْضُ الذِّكْرِ مُحْدَثٌ وهَذا لا يُنْتَجُ شَيْئًا، كَما أنَّ قَوْلَ القائِلِ: الإنْسانُ حَيَوانٌ وبَعْضُ الحَيَوانِ فَرَسٌ لا يُنْتَجُ شَيْئًا فَظَهَرَ أنَّ الَّذِي ظَنُّوهُ قاطِعًا لا يُفِيدُ ظَنًّا ضَعِيفًا فَضْلًا عَنِ القَطْعِ.
{"ayah":"ٱقۡتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمۡ وَهُمۡ فِی غَفۡلَةࣲ مُّعۡرِضُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق