الباحث القرآني
قوله تعالى: ﴿قالَ فَإنّا قَدْ فَتَنّا قَوْمَكَ مِن بَعْدِكَ وأضَلَّهُمُ السّامِرِيُّ﴾ ﴿فَرَجَعَ مُوسى إلى قَوْمِهِ غَضْبانَ أسِفًا قالَ ياقَوْمِ ألَمْ يَعِدْكم رَبُّكم وعْدًا حَسَنًا أفَطالَ عَلَيْكُمُ العَهْدُ أمْ أرَدْتُمْ أنْ يَحِلَّ عَلَيْكم غَضَبٌ مِن رَبِّكم فَأخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي﴾ ﴿قالُوا ما أخْلَفْنا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنا ولَكِنّا حُمِّلْنا أوْزارًا مِن زِينَةِ القَوْمِ فَقَذَفْناها فَكَذَلِكَ ألْقى السّامِرِيُّ﴾ ﴿فَأخْرَجَ لَهم عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوارٌ فَقالُوا هَذا إلَهُكم وإلَهُ مُوسى فَنَسِيَ﴾ ﴿أفَلا يَرَوْنَ ألّا يَرْجِعُ إلَيْهِمْ قَوْلًا ولا يَمْلِكُ لَهم ضَرًّا ولا نَفْعًا﴾ . (p-٨٧)
اعْلَمْ أنَّهُ تَعالى لَمّا قالَ لِمُوسى: ﴿وما أعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ﴾ [طه: ٨٣] وقالَ مُوسى في جَوابِهِ: ﴿وعَجِلْتُ إلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضى﴾ [طه: ٨٤] عَرَّفَهُ اللَّهُ تَعالى ما حَدَثَ مِنَ القَوْمِ بَعْدَ أنْ فارَقَهم مِمّا كانَ يَبْعُدُ أنْ يَحْدُثَ لَوْ كانَ مَعَهم فَقالَ: ﴿فَإنّا قَدْ فَتَنّا قَوْمَكَ مِن بَعْدِكَ وأضَلَّهُمُ السّامِرِيُّ﴾ وهَهُنا مَسائِلُ:
المَسْألَةُ الأُولى: قالَتِ المُعْتَزِلَةُ: لا يَجُوزُ أنْ يَكُونَ المُرادُ أنَّ اللَّهَ تَعالى خَلَقَ فِيهِمُ الكُفْرَ لِوَجْهَيْنِ:
الوَجْهُ الأوَّلُ: الدَّلائِلُ العَقْلِيَّةُ الدّالَّةُ عَلى أنَّهُ لا يَجُوزُ مِنَ اللَّهِ أنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ.
الثّانِي: أنَّهُ قالَ: ﴿وأضَلَّهُمُ السّامِرِيُّ﴾ ولَوْ كانَ اللَّهُ خَلَقَ الضَّلالَ فِيهِمْ لَمْ يَكُنْ لِفِعْلِ السّامِرِيِّ فِيهِ أثَرٌ وكانَ يَبْطُلُ قَوْلُهُ: ﴿وأضَلَّهُمُ السّامِرِيُّ﴾ وأيْضًا فَلِأنَّ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ لَمّا طالَبَهم بِذِكْرِ سَبَبِ تِلْكَ الفِتْنَةِ قالَ: ﴿أفَطالَ عَلَيْكُمُ العَهْدُ أمْ أرَدْتُمْ أنْ يَحِلَّ عَلَيْكم غَضَبٌ مِن رَبِّكُمْ﴾ فَلَوْ حَصَلَ ذَلِكَ بِخَلْقِ اللَّهِ تَعالى لَكانَ لَهم أنْ يَقُولُوا: السَّبَبُ فِيهِ أنَّ اللَّهَ خَلَقَهُ فِينا لا ما ذَكَرْتَ، فَكانَ يَبْطُلُ تَقْسِيمُ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ، وأيْضًا فَقالَ: ﴿أمْ أرَدْتُمْ أنْ يَحِلَّ عَلَيْكم غَضَبٌ مِن رَبِّكُمْ﴾ ولَوْ كانَ ذَلِكَ بِخَلْقِهِ لاسْتَحالَ أنْ يَغْضَبَ عَلَيْهِمْ فِيما هو الخالِقُ لَهُ ولَمّا بَطَلَ ذَلِكَ وجَبَ أنْ يَكُونَ لِقَوْلِهِ: ﴿فَتَنّا﴾ مَعْنًى آخَرُ؛ وذَلِكَ لِأنَّ الفِتْنَةَ قَدْ تَكُونُ بِمَعْنى الِامْتِحانِ. يُقالُ: فَتَنْتُ الذَّهَبَ بِالنّارِ إذا امْتَحَنْتَهُ بِالنّارِ لِكَيْ يَتَمَيَّزَ الجَيِّدُ مِنَ الرَّدِيءِ فَهَهُنا شَدَّدَ اللَّهُ التَّكْلِيفَ عَلَيْهِمْ وذَلِكَ لِأنَّ السّامِرِيَّ لَمّا أخْرَجَ لَهم ذَلِكَ العِجْلَ صارُوا مُكَلَّفِينَ بِأنْ يَسْتَدِلُّوا بِحُدُوثِ جُمْلَةِ العالَمِ والأجْسامِ عَلى أنَّ لَها إلَهًا لَيْسَ بِجِسْمٍ، وحِينَئِذٍ يَعْرِفُونَ أنَّ العِجْلَ لا يَصْلُحُ لِلْإلَهِيَّةِ فَكانَ هَذا التَّعَبُّدُ تَشْدِيدًا في التَّكْلِيفِ فَكانَ فِتْنَةً، والتَّشْدِيدُ في التَّكْلِيفِ مَوْجُودٌ قالَ تَعالى: ﴿أحَسِبَ النّاسُ أنْ يُتْرَكُوا أنْ يَقُولُوا آمَنّا وهم لا يُفْتَنُونَ﴾ [العنكبوت: ٢] هَذا تَمامُ كَلامِ المُعْتَزِلَةِ، قالَ الأصْحابُ: لَيْسَ في ظُهُورِ صَوْتٍ عَنْ عِجْلٍ مُتَّخَذٍ مِنَ الذَّهَبِ شُبْهَةٌ أعْظَمَ مِمّا في الشَّمْسِ والقَمَرِ، والدَّلِيلُ الَّذِي يَنْفِي كَوْنَ الشَّمْسِ والقَمَرِ إلَهًا أوْلى بِأنْ يَنْفِيَ كَوْنَ ذَلِكَ العِجْلِ إلَهًا، فَحِينَئِذٍ لا يَكُونُ حُدُوثُ ذَلِكَ العِجْلِ تَشْدِيدًا في التَّكْلِيفِ فَلا يَصِحُّ حَمْلُ الآيَةِ عَلَيْهِ، فَوَجَبَ حَمْلُهُ عَلى خَلْقِ الضَّلالِ فِيهِمْ، قَوْلُهم: أضافَ الإضْلالَ إلى السّامِرِيِّ قُلْنا: ألَيْسَ أنَّ جَمِيعَ المُسَبَّباتِ العادِيَّةِ تُضافُ إلى أسْبابِها في الظّاهِرِ وإنْ كانَ المُوجِدُ لَها هو اللَّهَ تَعالى، فَكَذا هَهُنا، وأيْضًا قُرِئَ ”وأضَلُّهُمُ السّامِرِيُّ“ أيْ وأشَدُّهم ضَلالًا السّامِرِيُّ، وعَلى هَذا لا يَبْقى لِلْمُعْتَزِلَةِ الِاسْتِدْلالُ، ثُمَّ الَّذِي يَحْسِمُ مادَّةَ الشَّغَبِ التَّمَسُّكُ بِفَصْلِ الدّاعِي عَلى ما سَبَقَ تَقْرِيرُهُ في هَذا الكِتابِ مِرارًا كَثِيرَةً.
المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: المُرادُ بِالقَوْمِ هَهُنا هُمُ الَّذِينَ خَلَّفَهم مَعَ هارُونَ عَلَيْهِ السَّلامُ عَلى ساحِلِ البَحْرِ وكانُوا سِتَّمِائَةِ ألْفٍ افْتَتَنُوا بِالعَجَلِ غَيْرَ اثْنَيْ عَشَرَ ألْفًا.
المَسْألَةُ الثّالِثَةُ: قالَ ابْنُ عَبّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما في رِوايَةِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: كانَ السّامِرِيُّ عِلْجًا مِن أهْلِ كَرْمانَ وقَعَ إلى مِصْرَ وكانَ مِن قَوْمٍ يَعْبُدُونَ البَقْرَ والَّذِي عَلَيْهِ الأكْثَرُونَ أنَّهُ كانَ مِن عُظَماءِ بَنِي إسْرائِيلَ مِن قَبِيلَةٍ يُقالُ لَها السّامِرَةُ، قالَ الزَّجّاجُ: وقالَ عَطاءٌ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ: بَلْ كانَ رَجُلًا مِنَ القِبْطِ جارًا لِمُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ وقَدْ آمَنَ بِهِ.
(p-٨٨)المَسْألَةُ الرّابِعَةُ: رُوِيَ في القِصَّةِ أنَّهم أقامُوا بَعْدَ مُفارَقَتِهِ عِشْرِينَ لَيْلَةً وحَسِبُوها أرْبَعِينَ مَعَ أيّامِها وقالُوا: قَدْ أكْمَلْنا العِدَّةَ ثُمَّ كانَ أمْرُ العِجْلِ بَعْدَ ذَلِكَ، والتَّوْفِيقُ بَيْنَ هَذا وبَيْنَ قَوْلِهِ لِمُوسى عِنْدَ مَقْدِمِهِ: ﴿فَإنّا قَدْ فَتَنّا قَوْمَكَ مِن بَعْدِكَ﴾ مِن وجْهَيْنِ:
الأوَّلُ: أنَّهُ تَعالى أخْبَرَ عَنِ الفِتْنَةِ المُتَرَقَّبَةِ بِلَفْظِ المَوْجُودَةِ الكائِنَةِ عَلى عادَتِهِ.
الثّانِي: أنَّ السّامِرِيَّ شَرَعَ في تَدْبِيرِ الأمْرِ لَمّا غابَ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ وعَزَمَ عَلى إضْلالِهِمْ حالَ مُفارَقَةِ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ وكَأنَّهُ قَدَّرَ الفِتْنَةَ مَوْجُودَةً.
المَسْألَةُ الخامِسَةُ: إنَّما رَجَعَ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ بَعْدَما اسْتَوْفى الأرْبَعِينَ ذا القَعْدَةِ وعَشْرَ ذِي الحِجَّةِ.
* * *
المَسْألَةُ السّادِسَةُ: ذَكَرُوا في الأسَفِ وُجُوهًا:
أحَدُها: أنَّهُ شِدَّةُ الغَضَبِ وعَلى هَذا التَّقْدِيرِ لا يَلْزَمُ التَّكْرارُ لِأنَّ قَوْلَهُ: غَضْبانَ يُفِيدُ أصْلَ الغَضَبِ وقَوْلَهُ: ”أسِفًا“ يُفِيدُ كَمالَهُ.
وثانِيها: قالَ الأكْثَرُونَ حُزْنًا وجَزَعًا يُقالُ: أسِفَ يَأْسَفُ أسَفًا إذا حَزِنَ فَهو آسِفٌ.
وثالِثُها: قالَ قَوْمُ: الآسِفُ المُغْتاظُ وفَرَّقُوا بَيْنَ الِاغْتِياظِ والغَضَبِ بِأنَّ اللَّهَ تَعالى لا يُوصَفُ بِالغَيْظِ ويُوصَفُ بِالغَضَبِ مِن حَيْثُ كانَ الغَضَبُ إرادَةَ الإضْرارِ بِالمَغْضُوبِ عَلَيْهِ، والغَيْظُ تَغَيُّرٌ يَلْحَقُ المُغْتاظَ وذَلِكَ لا يَصِحُّ إلّا عَلى الأجْسامِ كالضَّحِكِ والبُكاءِ ثُمَّ إنَّ اللَّهَ تَعالى حَكى عَنْ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ أنَّهُ عاتَبَهم بَعْدَ رُجُوعِهِ إلَيْهِمْ قالَتِ المُعْتَزِلَةُ: وهَذا يَدُلُّ عَلى أنَّهُ لَيْسَ المُرادُ مِن قَوْلِهِ: ﴿فَإنّا قَدْ فَتَنّا قَوْمَكَ مِن بَعْدِكَ﴾ أنَّهُ تَعالى خَلَقَ الكُفْرَ فِيهِمْ وإلّا لَما عاتَبَهم، بَلْ يَجِبُ أنْ يُعاتَبَ اللَّهُ تَعالى قالَ الأصْحابُ: وقَدْ فَعَلَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: ﴿إنْ هي إلّا فِتْنَتُكَ﴾ [الأعراف: ١٥٥] ومَجْمُوعُ تِلْكَ المُعاتَباتِ أُمُورٌ:
أحَدُها: قَوْلُهُ: ﴿يا قَوْمِ ألَمْ يَعِدْكم رَبُّكم وعْدًا حَسَنًا﴾ وفِيهِ سُؤالانِ:
السُّؤالُ الأوَّلُ: قَوْلُهُ: ﴿ألَمْ يَعِدْكم رَبُّكُمْ﴾ هَذا الكَلامُ إنَّما يَتَوَجَّهُ عَلَيْهِمْ لَوْ كانُوا مُعْتَرِفِينَ بِإلَهٍ آخَرَ سِوى العِجْلِ أمّا لَمّا اعْتَقَدُوا أنَّهُ لا إلَهَ سِواهُ عَلى ما أخْبَرَ اللَّهُ تَعالى عَنْهم أنَّهم قالُوا هَذا إلَهُهم وإلَهُ مُوسى كَيْفَ يَتَوَجَّهُ عَلَيْهِمْ هَذا الكَلامُ. الجَوابُ: أنَّهم كانُوا مُعْتَرِفِينَ بِالإلَهِ لَكِنَّهم عَبَدُوا العِجْلَ عَلى التَّأْوِيلِ الَّذِي يَذْكُرُهُ عَبَدَةُ الأصْنامِ.
السُّؤالُ الثّانِي: ما المُرادُ بِذَلِكَ الوَعْدِ الحَسَنِ. الجَوابُ: ذَكَرُوا وُجُوهًا:
أحَدُها: أنَّ المُرادَ ما وعَدَهم مِن إنْزالِ التَّوْراةِ عَلَيْهِمْ لِيَقِفُوا عَلى الشَّرائِعِ والأحْكامِ ويَحْصُلَ لَهم بِسَبَبِ ذَلِكَ مَزِيَّةٌ فِيما بَيْنَ النّاسِ وهو الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّهُ تَعالى فِيما تَقَدَّمَ مِن قَوْلِهِ: ﴿وواعَدْناكم جانِبَ الطُّورِ الأيْمَنَ﴾ .
وثانِيها: أنَّ الوَعْدَ الحَسَنَ هو الوَعْدُ الصِّدْقُ بِالثَّوابِ عَلى الطّاعاتِ.
وثالِثُها: الوَعْدُ هو العَهْدُ وهو قَوْلُ مُجاهِدٍ وذَلِكَ العَهْدُ هو قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ولا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكم غَضَبِي﴾ إلى قَوْلِهِ: ﴿ثُمَّ اهْتَدى﴾ والدَّلِيلُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ: ﴿أفَطالَ عَلَيْكُمُ العَهْدُ أمْ أرَدْتُمْ أنْ يَحِلَّ عَلَيْكم غَضَبٌ مِن رَبِّكُمْ﴾ فَكَأنَّهُ قالَ: أفَنَسِيتُمْ ذَلِكَ الَّذِي قالَ اللَّهُ لَكم ﴿ولا تَطْغَوْا فِيهِ﴾ .
ورابِعُها: الوَعْدُ الحَسَنُ هَهُنا يُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ وعْدًا حَسَنًا في مَنافِعِ الدِّينِ وأنْ يَكُونَ في مَنافِعِ الدُّنْيا، أمّا مَنافِعُ الدِّينِ فَهو الوَعْدُ بِإنْزالِ الكِتابِ الشَّرِيفِ الهادِي إلى الشَّرائِعِ والأحْكامِ والوَعْدُ بِحُصُولِ الثَّوابِ العَظِيمِ في الآخِرَةِ. وأمّا مَنافِعُ الدُّنْيا فَهو أنَّهُ تَعالى قَبْلَ إهْلاكِ فِرْعَوْنَ كانَ قَدْ وعَدَهم أرْضَهم ودِيارَهم، وقَدْ فَعَلَ ذَلِكَ ثُمَّ قالَ: ﴿أفَطالَ عَلَيْكُمُ العَهْدُ أمْ أرَدْتُمْ أنْ يَحِلَّ عَلَيْكم غَضَبٌ مِن رَبِّكُمْ﴾ فالمُرادُ أفَنَسِيتُمْ ذَلِكَ العَهْدَ أمْ تَعَمَّدْتُمُ المَعْصِيَةَ، واعْلَمْ أنَّ طُولَ العَهْدِ يَحْتَمِلُ أُمُورًا:
أحَدُها: أفَطالَ عَلَيْكُمُ العَهْدُ بِنِعَمِ اللَّهِ تَعالى مِن إنْجائِهِ إيّاكم مِن فِرْعَوْنَ وغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ النِّعَمِ المَعْدُودَةِ (p-٨٩)المَذْكُورَةِ في أوائِلِ سُورَةِ البَقَرَةِ وهَذا كَقَوْلِهِ: ﴿فَطالَ عَلَيْهِمُ الأمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ﴾ [الحديد: ١٦] .
وثانِيها: يُرْوى أنَّهم عَرَفُوا أنَّ الأجَلَ أرْبَعُونَ لَيْلَةً فَجَعَلُوا كُلَّ يَوْمٍ بِإزاءِ لَيْلَةٍ ورَدُّوهُ إلى عِشْرِينَ. قالَ القاضِي: هَذا رَكِيكٌ لِأنَّ ذَلِكَ لا يَكادُ يَشْتَبِهُ عَلى أحَدٍ.
وثالِثُها: أنَّ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ وعَدَهم ثَلاثِينَ لَيْلَةً، فَلَمّا زادَ اللَّهُ تَعالى فِيها عَشَرَةً أُخْرى كانَ ذَلِكَ طُولَ العَهْدِ، وأمّا قَوْلُهُ: ﴿أمْ أرَدْتُمْ أنْ يَحِلَّ عَلَيْكم غَضَبٌ مِن رَبِّكُمْ﴾ فَهَذا لا يُمْكِنُ إجْراؤُهُ عَلى الظّاهِرِ لِأنَّ أحَدًا لا يُرِيدُ ذَلِكَ، ولَكِنَّ المَعْصِيَةَ لَمّا كانَتْ تُوجِبُ ذَلِكَ، ومُرِيدُ السَّبَبِ مُرِيدٌ لِلْمُسَبَّبِ بِالعَرَضِ صَحَّ هَذا الكَلامُ واحْتَجَّ العُلَماءُ بِذَلِكَ عَلى أنَّ الغَضَبَ مِن صِفاتِ الأفْعالِ لا مِن صِفاتِ الذّاتِ لِأنَّ صِفَةَ ذاتِ اللَّهِ تَعالى لا تَنْزِلُ في شَيْءٍ مِنَ الأجْسامِ. أمّا قَوْلُهُ: ﴿فَأخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي﴾ فَهَذا يَدُلُّ عَلى مَوْعِدٍ كانَ مِنهُ عَلَيْهِ السَّلامُ مَعَ القَوْمِ وفِيهِ وجْهانِ:
أحَدُهُما: أنَّ المُرادَ ما وعَدُوهُ مِنَ اللَّحاقِ بِهِ والمَجِيءِ عَلى أثَرِهِ.
والثّانِي: ما وعَدُوهُ مِنَ الإقامَةِ عَلى دِينِهِ إلى أنْ يَرْجِعَ إلَيْهِمْ مِنَ الطُّورِ، فَعِنْدَ هَذا قالُوا: ﴿ما أخْلَفْنا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنا﴾ وفي أنَّ قائِلَ هَذا الجَوابِ مَن هو وجْهانِ:
الأوَّلُ: أنَّهُمُ الَّذِينَ لَمْ يَعْبُدُوا العِجْلَ فَكَأنَّهم قالُوا: إنّا ما أخْلَفْنا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنا أيْ بِأمْرٍ كُنّا نَمْلِكُهُ، وقَدْ يُضِيفُ الرَّجُلُ فِعْلَ قَرِيبِهِ إلى نَفْسِهِ كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وإذْ فَرَقْنا بِكُمُ البَحْرَ﴾ [البقرة: ٥٠]، ﴿وإذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا﴾ [البقرة: ٧٢] وإنْ كانَ الفاعِلُ لِذَلِكَ آباءَهم لا هم فَكَأنَّهم قالُوا: الشُّبْهَةُ قَوِيَتْ عَلى عَبَدَةِ العِجْلِ فَلَمْ نَقْدِرْ عَلى مَنعِهِمْ عَنْهُ ولَمْ نَقْدِرْ أيْضًا عَلى مُفارَقَتِهِمْ لِأنّا خِفْنا أنْ يَصِيرَ ذَلِكَ سَبَبًا لِوُقُوعِ التَّفْرِقَةِ وزِيادَةِ الفِتْنَةِ.
الوَجْهُ الثّانِي: أنَّ هَذا قَوْلُ عَبَدَةِ العِجْلِ، والمُرادُ أنَّ غَيْرَنا أوْقَعَ الشُّبْهَةَ في قُلُوبِنا، وفاعِلُ السَّبَبِ فاعِلُ المُسَبَّبِ، ومُخْلِفُ الوَعْدِ هو الَّذِي أوْقَعَ الشُّبْهَةَ فَإنَّهُ كانَ كالمالِكِ لَنا. فَإنْ قِيلَ: كَيْفَ يُعْقَلُ رُجُوعُ قَرِيبٍ مِن سِتِّمِائَةِ ألْفِ إنْسانٍ مِنَ العُقَلاءِ المُكَلَّفِينَ عَنِ الدِّينِ الحَقِّ دُفْعَةً واحِدَةً إلى عِبادَةِ العِجْلِ الَّذِي يُعْرَفُ فَسادُها بِالضَّرُورَةِ، ثُمَّ إنَّ مِثْلَ هَذا الجَمْعِ لَمّا فارَقُوا الدِّينَ وأظْهَرُوا الكُفْرَ فَكَيْفَ يُعْقَلُ رُجُوعُهم دُفْعَةً واحِدَةً عَنْ ذَلِكَ الدِّينِ بِسَبَبِ رُجُوعِ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ وحْدَهُ إلَيْهِمْ، قُلْنا: هَذا غَيْرُ مُمْتَنِعٍ في حَقِّ البُلْهِ مِنَ النّاسِ، واعْلَمْ أنَّ في ”بِمَلْكِنا“ ثَلاثَ قِراءاتٍ، قَرَأ حَمْزَةُ والكِسائِيُّ بِضَمِّ المِيمِ، ونافِعٌ وعاصِمٌ بِفَتْحِ المِيمِ، وأبُو عَمْرٍو وابْنُ عامِرٍ وابْنُ كَثِيرٍ بِالكَسْرِ، أمّا الكَسْرُ والفَتْحُ فَهُما واحِدٌ وهُما لُغَتانِ مِثْلُ رِطْلٍ ورَطْلٍ. وأمّا الضَّمُّ فَهو السُّلْطانُ، ثُمَّ إنَّ القَوْمَ فَسَّرُوا ذَلِكَ العُذْرَ المُجْمَلَ فَقالُوا: ﴿ولَكِنّا حُمِّلْنا أوْزارًا مِن زِينَةِ القَوْمِ﴾ قَرَأ حَمْزَةُ والكِسائِيُّ وأبُو عَمْرٍو وعاصِمٌ في رِوايَةِ أبِي بَكْرٍ ”حَمَلْنا“ مُخَفَّفَةً مِنَ الحَمْلِ، وقَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ ونافِعٌ وحَفْصٌ وابْنُ عامِرٍ: ”حُمِّلْنا“ مُشَدَّدَةً، فَمَن قَرَأ بِالتَّخْفِيفِ فَمَعْناهُ حَمَلْنا مَعَ أنْفُسِنا ما كُنّا اسْتَعَرْناهُ مِنَ القَوْمِ، ومَن قَرَأ بِالتَّشْدِيدِ فَفِيهِ وُجُوهٌ:
أحَدُها: أنَّ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ حَمَلَهم عَلى ذَلِكَ أيْ أمَرَهم بِاسْتِعارَةِ الحُلِيِّ والخُرُوجِ بِها فَكَأنَّهُ ألْزَمَهم ذَلِكَ.
وثانِيها: جَعَلَنا كالضّامِنِ لَها إلى أنْ نُؤَدِّيَها إلى حَيْثُ يَأْمُرُنا اللَّهُ.
وثالِثُها: أنَّ اللَّهَ تَعالى حَمَّلَهم ذَلِكَ عَلى مَعْنى أنَّهُ ألْزَمَهم فِيهِ حُكْمَ المَغْنَمِ، أمّا الأوْزارُ فَهي الأثْقالُ ومِن ذَلِكَ سُمِّيَ الذَّنْبُ وِزْرًا لِأنَّهُ ثِقَلٌ ثُمَّ فِيهِ احْتِمالاتٌ:
أحَدُها: أنَّهُ لِكَثْرَتِها كانَتْ أثْقالًا.
وثانِيها: أنَّ المَغانِمَ كانَتْ مُحَرَّمَةً عَلَيْهِمْ فَكانَ يَجِبُ عَلَيْهِمْ حِفْظُها مِن غَيْرِ فائِدَةٍ فَكانَتْ أثْقالًا.
وثالِثُها: المُرادُ بِالأوْزارِ الآثامُ والمَعْنى حَمَلْنا آثامًا، رُوِيَ في الخَبَرِ أنَّ هارُونَ عَلَيْهِ السَّلامُ قالَ: إنَّها نَجِسَةٌ فَتَطَهَّرُوا مِنها، وقالَ السّامِرِيُّ: إنَّ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ إنَّما احْتُبِسَ عُقُوبَةً بِالحُلِيِّ فَيَجُوزُ أنْ يَكُونُوا أرادُوا هَذا القَوْلَ. وقَدْ يَقُولُ الإنْسانُ لِلشَّيْءِ الَّذِي يَلْزَمُهُ رَدُّهُ: هَذا كُلُّهُ إثْمٌ وذَنْبٌ.
ورابِعُها: أنَّ ذَلِكَ الحُلِيَّ كانَ القِبْطُ يَتَزَيَّنُونَ بِهِ في مَجامِعٍ لَهم يَجْرِي فِيها الكُفْرُ لا جَرَمَ أنَّها وُصِفَتْ بِكَوْنِها (p-٩٠)أوْزارًا كَما يُقالُ مِثْلُهُ في آلاتِ المَعاصِي.
أمّا قَوْلُهُ: ﴿فَقَذَفْناها﴾ فَذَكَرُوا فِيهِ وُجُوهًا في أنَّهم أيْنَ قَذَفُوها ؟
الوَجْهُ الأوَّلُ: قَذَفُوها في حُفْرَةٍ كانَ هارُونُ عَلَيْهِ السَّلامُ أمَرَهم بِجَمْعِ الحُلِيِّ فِيها انْتِظارًا لِعَوْدِ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ.
والوَجْهُ الثّانِي: قَذَفُوها في مَوْضِعٍ أمَرَهُمُ السّامِرِيُّ بِذَلِكَ.
الوَجْهُ الثّالِثُ: في مَوْضِعٍ جُمِعَ فِيهِ النّارُ ثُمَّ قالُوا: فَكَذَلِكَ ألْقى السّامِرِيُّ أيْ فَعَلَ السّامِرِيُّ مِثْلَ ما فَعَلْنا، أمّا قَوْلُهُ: ﴿فَأخْرَجَ لَهم عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوارٌ﴾ فاخْتَلَفُوا في أنَّهُ هَلْ كانَ ذَلِكَ الجَسَدُ حَيًّا أمْ لا ؟
فالقَوْلُ الأوَّلُ: لا لِأنَّهُ لا يَجُوزُ إظْهارُ خَرْقِ العادَةِ عَلى يَدِ الضّالِّ بَلِ السّامِرِيُّ صَوَّرَ صُورَةً عَلى شَكْلِ العِجْلِ وجَعَلَ فِيها مَنافِذَ ومَخارِقَ بِحَيْثُ تَدْخُلُ فِيها الرِّياحُ فَيَخْرُجُ صَوْتٌ يُشْبِهُ صَوْتَ العِجْلِ.
والقَوْلُ الثّانِي: أنَّهُ صارَ حَيًّا وخارَ كَما يَخُورُ العِجْلُ واحْتَجُّوا عَلَيْهِ بِوُجُوهٍ:
أحَدُها: قَوْلُهُ: ﴿فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِن أثَرِ الرَّسُولِ﴾ [طه: ٩٦] ولَوْ لَمْ يَصِرْ حَيًّا لَما بَقِيَ لِهَذا الكَلامِ فائِدَةٌ.
وثانِيها: أنَّهُ تَعالى سَمّاهُ عِجْلًا والعِجْلُ حَقِيقَةٌ في الحَيَوانِ وسَمّاهُ جَسَدًا وهو إنَّما يَتَناوَلُ الحَيَّ.
وثالِثُها: أثْبَتَ لَهُ الخُوارَ وأجابُوا عَنْ حُجَّةِ الأوَّلِينَ بِأنَّ ظُهُورَ خَوارِقِ العادَةِ عَلى يَدِ مُدَّعِي الإلَهِيَّةِ جائِزٌ لِأنَّهُ لا يَحْصُلُ الِالتِباسُ وهَهُنا كَذَلِكَ فَوَجَبَ أنْ لا يَمْتَنِعَ، ورَوى عِكْرِمَةُ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أنَّ هارُونَ عَلَيْهِ السَّلامُ مَرَّ بِالسّامِرِيِّ وهو يَصْنَعُ العِجْلَ فَقالَ: ما تَصْنَعُ ؟ فَقالَ: أصْنَعُ ما يَنْفَعُ ولا يَضُرُّ فادْعُ لِي فَقالَ: اللَّهُمَّ أعْطِهِ ما سَألَ فَلَمّا مَضى هارُونُ قالَ السّامِرِيُّ: اللَّهُمَّ إنِّي أسْألُكَ أنْ يَخُورَ فَخارَ وعَلى هَذا التَّقْدِيرِ يَكُونُ ذَلِكَ مُعْجِزًا لِلنَّبِيِّ، أمّا قَوْلُهُ: ﴿فَقالُوا هَذا إلَهُكم وإلَهُ مُوسى﴾ [طه: ٨٨] فَفِيهِ إشْكالٌ وهو أنَّ القَوْمَ إنْ كانُوا في الجَهالَةِ بِحَيْثُ اعْتَقَدُوا أنَّ ذَلِكَ العِجْلَ المَعْمُولَ في تِلْكَ السّاعَةِ هو الخالِقُ لِلسَّماواتِ والأرْضِ فَهم مَجانِينُ ولَيْسُوا بِمُكَلَّفِينَ، ولِأنَّ مِثْلَ هَذا الجُنُونِ عَلى مِثْلِ ذَلِكَ الجَمْعِ العَظِيمِ مُحالٌ وإنْ لَمْ يَعْتَقِدُوا ذَلِكَ، فَكَيْفَ قالُوا: هَذا إلَهُكم وإلَهُ مُوسى ؟ وجَوابُهُ: لَعَلَّهم كانُوا مِنَ الحُلُولِيَّةِ فَجَوَّزُوا حُلُولَ الإلَهِ أوْ حُلُولَ صِفَةٍ مِن صِفاتِهِ في ذَلِكَ الجِسْمِ، وإنْ كانَ ذَلِكَ أيْضًا في غايَةِ البُعْدِ لِأنَّ ظُهُورَ الخُوارِ لا يُناسِبُ الإلَهِيَّةَ، ولَكِنْ لَعَلَّ القَوْمَ كانُوا في نِهايَةِ البَلادَةِ والجَلافَةِ، وأمّا قَوْلُهُ: ﴿فَنَسِيَ﴾ فَفِيهِ وُجُوهٌ:
الأوَّلُ: أنَّهُ كَلامُ اللَّهِ تَعالى كَأنَّهُ أخْبَرَ عَنِ السّامِرِيِّ أنَّهُ نَسِيَ الِاسْتِدْلالَ عَلى حُدُوثِ الأجْسامِ وأنَّ الإلَهَ لا يَحِلُّ في شَيْءٍ ولا يَحِلُّ فِيهِ شَيْءٌ ثُمَّ إنَّهُ سُبْحانَهُ بَيَّنَ المَعْنى الَّذِي يَجِبُ الِاسْتِدْلالُ بِهِ وهو قَوْلُهُ: ﴿أفَلا يَرَوْنَ ألّا يَرْجِعُ إلَيْهِمْ قَوْلًا ولا يَمْلِكُ لَهم ضَرًّا ولا نَفْعًا﴾ أيْ لَمْ يَخْطُرْ بِبالِهِمْ أنَّ مَن لا يَتَكَلَّمُ ولا يَضُرُّ ولا يَنْفَعُ لا يَكُونُ إلَهًا ولا يَكُونُ لِلْإلَهِ تَعَلُّقٌ بِهِ في الحالِيَّةِ والمَحَلِّيَّةِ.
الوَجْهُ الثّانِي: أنَّ هَذا قَوْلُ السّامِرِيِّ وصَفَ بِهِ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ، والمَعْنى أنَّ هَذا إلَهُكم وإلَهُ مُوسى فَنَسِيَ مُوسى أنَّ هَذا هو الإلَهُ فَذَهَبَ يَطْلُبُهُ في مَوْضِعٍ آخَرَ وهو قَوْلُ الأكْثَرِينَ.
الوَجْهُ الثّالِثُ: فَنَسِيَ وقْتَ المَوْعِدِ في الرُّجُوعِ، أمّا قَوْلُهُ: ﴿ألّا يَرْجِعُ إلَيْهِمْ قَوْلًا ولا يَمْلِكُ لَهم ضَرًّا ولا نَفْعًا﴾ فَهَذا اسْتِدْلالٌ عَلى عَدَمِ إلَهِيَّتِها بِأنَّها لا تَتَكَلَّمُ ولا تَنْفَعُ ولا تَضُرُّ، وهَذا يَدُلُّ عَلى أنَّ الإلَهَ لا بُدَّ وأنْ يَكُونَ مَوْصُوفًا بِهَذِهِ الصِّفاتِ وهو كَقَوْلِهِ تَعالى في قِصَّةِ إبْراهِيمَ عَلَيْهِ السَّلامُ: ﴿لِمَ تَعْبُدُ ما لا يَسْمَعُ ولا يُبْصِرُ ولا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا﴾ [مريم: ٤٢] وإنَّ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ في أكْثَرِ الأمْرِ لا يُعَوِّلُ إلّا عَلى دَلائِلِ إبْراهِيمَ عَلَيْهِ السَّلامُ بَقِيَ هَهُنا بَحْثانِ:
البَحْثُ الأوَّلُ: قالَ الزَّجّاجُ: الِاخْتِيارُ أنْ لا يَرْجِعُ بِالرَّفْعِ بِمَعْنى أنَّهُ لا يَرْجِعُ، وهَذا كَقَوْلِهِ: (وحَسِبُوا ألّا تَكُونُ فِتْنَةٌ فَعَمُوا وصَمُّوا) [المائدة: ٧١] بِمَعْنى أنَّهُ لا تَكُونُ وقُرِئَ بِالنَّصْبِ أيْضًا عَلى أنَّ ”أنْ“ هَذِهِ هي (p-٩١)النّاصِبَةُ لِلْأفْعالِ.
البَحْثُ الثّانِي: هَذِهِ الآيَةُ تَدُلُّ عَلى وُجُوبِ النَّظَرِ في مَعْرِفَةِ اللَّهِ تَعالى وقالَ في آيَةٍ أُخْرى: ﴿ألَمْ يَرَوْا أنَّهُ لا يُكَلِّمُهم ولا يَهْدِيهِمْ سَبِيلًا﴾ [الأعراف: ١٤٨] وهو قَرِيبٌ في المَعْنى مِن قَوْلِهِ في ذَمِّ عَبَدَةِ الأصْنامِ: ﴿ألَهم أرْجُلٌ يَمْشُونَ بِها﴾ [الأعراف: ١٩٥] ولَيْسَ المَقْصُودُ مِن هَذا أنَّ العِجْلَ لَوْ كانَ يُكَلِّمُهم لَكانَ إلَهًا؛ لَأنَّ الشَّيْءَ يَجُوزُ أنْ يَكُونَ مَشْرُوطًا بِشُرُوطٍ كَثِيرَةٍ، فَفَواتُ واحِدٍ مِنها يَقْتَضِي فَواتَ المَشْرُوطِ، ولَكِنَّ حُصُولَ الواحِدِ فِيها لا يَقْتَضِي حُصُولَ المَشْرُوطِ.
الثّالِثُ: قالَ بَعْضُ اليَهُودِ لِعَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلامُ: ما دَفَنْتُمْ نَبِيَّكم حَتّى اخْتَلَفْتُمْ ؟ فَقالَ: إنَّما اخْتَلَفْنا عَنْهُ وما اخْتَلَفْنا فِيهِ، وأنْتُمْ ما جَفَّتْ أقْدامُكم مِن ماءِ البَحْرِ حَتّى قُلْتُمْ لِنَبِيِّكُمُ: اجْعَلْ لَنا إلَهًا كَما لَهم آلِهَةٌ.
{"ayahs_start":85,"ayahs":["قَالَ فَإِنَّا قَدۡ فَتَنَّا قَوۡمَكَ مِنۢ بَعۡدِكَ وَأَضَلَّهُمُ ٱلسَّامِرِیُّ","فَرَجَعَ مُوسَىٰۤ إِلَىٰ قَوۡمِهِۦ غَضۡبَـٰنَ أَسِفࣰاۚ قَالَ یَـٰقَوۡمِ أَلَمۡ یَعِدۡكُمۡ رَبُّكُمۡ وَعۡدًا حَسَنًاۚ أَفَطَالَ عَلَیۡكُمُ ٱلۡعَهۡدُ أَمۡ أَرَدتُّمۡ أَن یَحِلَّ عَلَیۡكُمۡ غَضَبࣱ مِّن رَّبِّكُمۡ فَأَخۡلَفۡتُم مَّوۡعِدِی","قَالُوا۟ مَاۤ أَخۡلَفۡنَا مَوۡعِدَكَ بِمَلۡكِنَا وَلَـٰكِنَّا حُمِّلۡنَاۤ أَوۡزَارࣰا مِّن زِینَةِ ٱلۡقَوۡمِ فَقَذَفۡنَـٰهَا فَكَذَ ٰلِكَ أَلۡقَى ٱلسَّامِرِیُّ","فَأَخۡرَجَ لَهُمۡ عِجۡلࣰا جَسَدࣰا لَّهُۥ خُوَارࣱ فَقَالُوا۟ هَـٰذَاۤ إِلَـٰهُكُمۡ وَإِلَـٰهُ مُوسَىٰ فَنَسِیَ","أَفَلَا یَرَوۡنَ أَلَّا یَرۡجِعُ إِلَیۡهِمۡ قَوۡلࣰا وَلَا یَمۡلِكُ لَهُمۡ ضَرࣰّا وَلَا نَفۡعࣰا"],"ayah":"أَفَلَا یَرَوۡنَ أَلَّا یَرۡجِعُ إِلَیۡهِمۡ قَوۡلࣰا وَلَا یَمۡلِكُ لَهُمۡ ضَرࣰّا وَلَا نَفۡعࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق