الباحث القرآني
(p-٨٠)قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ولَقَدْ أوْحَيْنا إلى مُوسى أنْ أسْرِ بِعِبادِي فاضْرِبْ لَهم طَرِيقًا في البَحْرِ يَبَسًا لا تَخافُ دَرَكًا ولا تَخْشى﴾ ﴿فَأتْبَعَهم فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهم مِنَ اليَمِّ ما غَشِيَهُمْ﴾ ﴿وأضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وما هَدى﴾ .
واعْلَمْ أنَّ في قَوْلِهِ: ﴿ولَقَدْ أوْحَيْنا إلى مُوسى أنْ أسْرِ بِعِبادِي﴾ دَلالَةٌ عَلى أنَّ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ في تِلْكَ الحالَةِ كَثُرَ مُسْتَجِيبُوهُ. فَأرادَ اللَّهُ تَعالى تَمْيِيزَهم مِن طائِفَةِ فِرْعَوْنَ وخَلاصَهم فَأوْحى إلَيْهِ أنْ يَسْرِيَ بِهِمْ لَيْلًا، والسُّرى اسْمٌ لِسَيْرِ اللَّيْلِ والإسْراءُ مِثْلُهُ، فَإنْ قِيلَ: ما الحِكْمَةُ في أنْ يَسْرِيَ بِهِمْ لَيْلًا، قُلْنا لِوُجُوهٍ:
أحَدُها: أنْ يَكُونَ اجْتِماعُهم لا بِمَشْهَدٍ مِنَ العَدُوِّ فَلا يَمْنَعُهم عَنِ اسْتِكْمالِ مُرادِهِمْ في ذَلِكَ.
وثانِيها: لِيَكُونَ عائِقًا عَنْ طَلَبِ فِرْعَوْنَ ومُتَّبِعِيهِ.
وثالِثُها: لِيَكُونَ إذا تَقارَبَ العَسْكَرانِ لا يَرى عَسْكَرُ مُوسى عَسْكَرَ فِرْعَوْنَ فَلا يَهابُوهم، أمّا قَوْلُهُ: ﴿فاضْرِبْ لَهم طَرِيقًا في البَحْرِ يَبَسًا﴾ فَفِيهِ وجْهانِ:
الأوَّلُ: أيْ فاجْعَلْ لَهم مِن قَوْلِهِمْ: ضَرَبَ لَهُ في مالِهِ سَهْمًا، وضَرَبَ اللَّبِنَ عَمِلَهُ.
والثّانِي: بَيِّنْ لَهم طَرِيقًا في البَحْرِ بِالضَّرْبِ بِالعَصا وهو أنْ يَضْرِبَ البَحْرَ بِالعَصا حَتّى يَنْفَلِقَ، فَعَدّى الضَّرْبَ إلى الطَّرِيقِ. والحاصِلُ أنَّهُ أُرِيدَ بِضَرْبِ الطَّرِيقِ جَعْلُ الطَّرِيقِ بِالضَّرْبِ يَبَسًا، ثُمَّ بَيَّنَ تَعالى أنَّ جَمِيعَ أسْبابِ الأمْنِ كانَ حاصِلًا في ذَلِكَ الطَّرِيقِ:
أحَدُها: أنَّهُ كانَ يَبَسًا، قُرِئَ ”يابِسًا ويَبْسًا“ بِفَتْحِ الياءِ وتَسْكِينِ الباءِ فَمَن قالَ: يابِسًا جَعَلَهُ بِمَعْنى الطَّرِيقِ، ومَن قالَ يَبَسًا بِتَحْرِيكِ الباءِ فاليَبَسُ واليابِسُ شَيْءٌ واحِدٌ، والمَعْنى طَرِيقًا أيْبَسَ. ومَن قالَ: يَبْسًا بِتَسْكِينِ الباءِ فَهو مُخَفَّفٌ عَنِ اليَبْسِ، والمُرادُ أنَّهُ ما كانَ فِيهِ وحَلٌ ولا نَداوَةٌ فَضْلًا عَنِ الماءِ.
وثانِيها: قَوْلُهُ: ﴿لا تَخافُ دَرَكًا ولا تَخْشى﴾ أيْ لا تَخافُ أنْ يُدْرِكَكَ فِرْعَوْنُ فَإنِّي أحُولُ بَيْنَكَ وبَيْنَهُ بِالتَّأْخِيرِ، قالَ سِيبَوَيْهِ: قَوْلُهُ: ﴿تَخافُ﴾ رَفَعَهُ عَلى وجْهَيْنِ:
أحَدُهُما: عَلى الحالِ كَقَوْلِكَ غَيْرُ خائِفٍ ولا خاشٍ.
والثّانِي: عَلى الِابْتِداءِ أيْ أنْتَ لا تَخافُ وهَذا قَوْلُ الفَرّاءِ، قالَ الأخْفَشُ والزَّجّاجُ: المَعْنى لا تَخافُ فِيهِ كَقَوْلِهِ: ﴿واتَّقُوا يَوْمًا لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ﴾ [البقرة: ٤٨] أيْ لا تَجْزِي فِيهِ نَفْسٌ، وقَرَأ حَمْزَةُ لا تَخَفْ، وفِيهِ وجْهانِ:
أحَدُهُما: أنَّهُ نَهْيٌ.
والثّانِي: قالَ أبُو عَلِيٍّ: جَعَلَهُ جَوابَ الشَّرْطِ عَلى مَعْنى إنْ تَضْرِبْ لا تَخَفْ، وعَلى هَذِهِ القِراءَةِ ذَكَرُوا في قَوْلِهِ: ﴿ولا تَخْشى﴾ ثَلاثَةَ أوْجُهٍ:
أحَدُهُما: أنْ يَسْتَأْنِفَ كَأنَّهُ قِيلَ وأنْتَ لا تَخْشى أيْ ومِن شَأْنِكَ أنَّكَ آمِنٌ لا تَخْشى.
وثانِيها: أنْ لا تَكُونَ الألِفُ هي الألِفَ المُنْقَلِبَةَ عَنِ الياءِ الَّتِي هي لامُ الفِعْلِ ولَكِنْ زائِدَةٌ لِلْإطْلاقِ مِن أجْلِ الفاصِلَةِ كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿فَأضَلُّونا السَّبِيلَ﴾ [الأحزاب: ٦٧] ﴿وتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَ﴾ [الأحزاب: ١٠] .
وثالِثُها: أنْ يَكُونَ مِثْلَ قَوْلِهِ:
؎وتَضْحَكُ مِنِّي شَيْخَةٌ عَبْشَمِيَّةٌ كَأنْ لَمْ تَرَيْ قَبْلِي أسِيرًا يَمانِيا
وثالِثُها: قَوْلُهُ: ﴿ولا تَخْشى﴾ والمَعْنى أنَّكَ لا تَخافُ إدْراكَ فِرْعَوْنَ ولا تَخْشى الغَرَقَ بِالماءِ أمّا قَوْلُهُ: ﴿فَأتْبَعَهم فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ﴾ قالَ أبُو مُسْلِمٍ: زَعَمَ رُواةُ اللُّغَةِ أنَّ ”أتْبَعَهم وتَبِعَهم“ واحِدٌ، وذَلِكَ جائِزٌ، ويُحْتَمَلُ أنْ تَكُونَ الباءُ زائِدَةً والمَعْنى: أتْبَعَهم فِرْعَوْنُ جُنُودَهُ كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي ولا بِرَأْسِي﴾ [طه: ٩٤] ﴿أسْرى بِعَبْدِهِ﴾ [الإسراء: ١] وقالَ الزَّجّاجُ: قُرِئَ: ”فَأتْبَعَهم فِرْعَوْنُ (p-٨١)وجُنُودُهُ“ أيْ ومَعَهُ جُنُودُهُ وقُرِئَ: بِجُنُودِهِ، ومَعْناهُ ألْحَقَ جُنُودَهُ بِهِمْ، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ بِمَعْنى مَعَهم، أمّا قَوْلُهُ: ﴿فَغَشِيَهُمْ﴾ فالمَعْنى: عَلاهم وسَتَرَهم، وما غَشِيَهم تَعْظِيمٌ لِلْأمْرِ أيْ غَشِيَهم ما لا يَعْلَمُ كُنْهَهُ إلّا اللَّهُ تَعالى وقُرِئَ: [ فَغَشّاهم مِنَ اليَمِّ ما غَشِيَهم ] وفاعِلُ غَشّاهم إمّا اللَّهُ سُبْحانَهُ وتَعالى أوْ ما غَشِيَهم أوْ فِرْعَوْنُ لِأنَّهُ الَّذِي ورَّطَ جُنُودَهُ وتَسَبَّبَ في هَلاكِهِمْ، أمّا قَوْلُهُ: ﴿وأضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وما هَدى﴾ فاحْتَجَّ القاضِي بِهِ، وقالَ: لَوْ كانَ الضَّلالُ مِن خَلْقِ اللَّهِ تَعالى لَما جازَ أنْ يُقالَ: وأضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ، بَلْ وجَبَ أنْ يُقالَ: اللَّهُ تَعالى أضَلَّهم، ولِأنَّ اللَّهَ تَعالى ذَمَّهُ بِذَلِكَ فَكَيْفَ يَجُوزُ أنْ يَكُونَ خالِقًا لِلْكُفْرِ لِأنَّ مَن ذَمَّ غَيْرَهُ بِشَيْءٍ لا بُدَّ وأنْ يَكُونَ هو غَيْرَ فاعِلٍ لِذَلِكَ الفِعْلِ وإلّا لاسْتَحَقَّ ذَلِكَ الذَّمَّ، وقَوْلُهُ: ﴿وما هَدى﴾ تَهَكَّمَ بِهِ في قَوْلِهِ: ﴿وما أهْدِيكم إلّا سَبِيلَ الرَّشادِ﴾ [غافر: ٢٩] ولْنَذْكُرِ القِصَّةَ وما فِيها مِنَ المَباحِثِ. قالَ ابْنُ عَبّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما لَمّا أمَرَ اللَّهُ تَعالى مُوسى أنْ يَقْطَعَ بِقَوْمِهِ البَحْرَ وكانَ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ وبَنُو إسْرائِيلَ اسْتَعارُوا مِن قَوْمِ فِرْعَوْنَ الحُلِيَّ والدَّوابَّ لِعِيدٍ يَخْرُجُونَ إلَيْهِ فَخَرَجَ بِهِمْ لَيْلًا وهم سِتُّمِائَةِ ألْفٍ وثَلاثَةُ آلافٍ ونَيِّفٌ لَيْسَ فِيهِمُ ابْنُ سِتِّينَ ولا عِشْرِينَ وقَدْ كانَ يُوسُفُ عَلَيْهِ السَّلامُ عَهِدَ إلَيْهِمْ عِنْدَ مَوْتِهِ أنْ يَخْرُجُوا بِعِظامِهِ مَعَهم مِن مِصْرَ فَلَمْ يَخْرُجُوا بِها فَتَحَيَّرَ القَوْمُ حَتّى دَلَّتْهم عَجُوزٌ عَلى مَوْضِعِ العِظامِ فَأخَذُوها، فَقالَ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ لِلْعَجُوزِ: احْتَكِمِي فَقالَتْ: أكُونُ مَعَكَ في الجَنَّةِ.
وذَكَرَ ابْنُ عَبّاسٍ «أنَّ مُحَمَّدًا ﷺ وأبا بَكْرٍ هَجَمُوا عَلى رَجُلٍ مِنَ العَرَبِ وامْرَأةٍ لَيْسَ لَهم إلّا عَنْزٌ فَذَبَحُوها لَهُما فَقالَ عَلَيْهِ السَّلامُ: إذا سَمِعْتَ بِرَجُلٍ قَدْ ظَهَرَ بِيَثْرِبَ فَأْتِهِ فَلَعَلَّ اللَّهَ يَرْزُقُكَ مِنهُ خَيْرًا، فَلَمّا سَمِعَ بِظُهُورِ الرَّسُولِ ﷺ أتاهُ مَعَ امْرَأتِهِ فَقالَ: أتَعْرِفُنِي ؟ قالَ: نَعَمْ عَرَفْتُكَ فَقالَ لَهُ: احْتَكِمْ، فَقالَ: ثَمانُونَ ضانِيَةً فَأعْطاهُ إيّاها وقالَ لَهُ: ”أما إنَّ عَجُوزَ بَنِي إسْرائِيلَ خَيْرٌ مِنكَ“» وخَرَجَ فِرْعَوْنُ في طَلَبِ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ وعَلى مُقَدِّمَتِهِ ألْفُ ألْفٍ وخَمْسُمِائَةِ ألْفٍ سِوى الجَنْبَيْنِ والقَلْبِ، فَلَمّا انْتَهى مُوسى إلى البَحْرِ قالَ: هَهُنا أُمِرْتُ ثُمَّ قالَ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ لِلْبَحْرِ: انْفَرِقْ فَأبى، فَأوْحى اللَّهُ إلَيْهِ أنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ البَحْرَ فَضَرَبَهُ فانْفَلَقَ فَقالَ لَهم مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ: ادْخُلُوا فِيهِ فَقالُوا: كَيْفَ وأرْضُهُ رَطْبَةٌ فَدَعا اللَّهَ فَهَبَّتْ عَلَيْهِ الصَّبا فَجَفَّتْ فَقالُوا: نَخافُ الغَرَقَ في بَعْضِنا فَجَعَلَ بَيْنَهم كُوًى حَتّى يَرى بَعْضُهم بَعْضًا ثُمَّ دَخَلُوا حَتّى جاوَزُوا البَحْرَ فَأقْبَلَ فِرْعَوْنُ إلى تِلْكَ الطُّرُقِ فَقالَ قَوْمُهُ لَهُ: إنَّ مُوسى قَدْ سَحَرَ البَحْرَ فَصارَ كَما تَرى وكانَ عَلى فَرَسٍ حِصانٍ وأقْبَلَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ عَلى فَرَسٍ أُنْثى في ثَلاثَةٍ وثَلاثِينَ مِنَ المَلائِكَةِ فَصارَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ بَيْنَ يَدَيْ فِرْعَوْنَ وأبْصَرَ الحِصانُ الفَرَسُ الحِجْرَ فاقْتَحَمَ بِفِرْعَوْنَ عَلى أثَرِها وصاحَتِ المَلائِكَةُ في النّاسِ الحَقُوا المَلِكَ حَتّى إذا دَخَلَ آخِرُهم وكادَ أوَّلُهم أنْ يَخْرُجَ التَقى البَحْرُ عَلَيْهِمْ فَغَرِقُوا فَسَمِعَ بَنُو إسْرائِيلَ خَفْقَةَ البَحْرِ عَلَيْهِمْ، فَقالُوا: ما هَذا يا مُوسى ؟ قالَ: قَدْ أغْرَقَ اللَّهُ فِرْعَوْنَ وقَوْمَهُ فَرَجَعُوا لِيَنْظُرُوا إلَيْهِمْ فَقالُوا: يا مُوسى ادْعُ اللَّهَ أنْ يُخْرِجَهم لَنا حَتّى نَنْظُرَ إلَيْهِمْ، فَدَعا فَلَفَظَهُمُ البَحْرُ إلى السّاحِلِ وأصابُوا مِن سِلاحِهِمْ، وذَكَرَ ابْنُ عَبّاسٍ أنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلامُ قالَ: يا مُحَمَّدُ لَوْ رَأيْتَنِي وأنا أدُسُّ فِرْعَوْنَ في الماءِ والطِّينِ مَخافَةَ أنْ يَتُوبَ فَهَذا مَعْنى قَوْلِهِ: ﴿فَغَشِيَهم مِنَ اليَمِّ ما غَشِيَهُمْ﴾ وفي القِصَّةِ أبْحاثٌ.
البَحْثُ الأوَّلُ: رُوِيَ في الأخْبارِ أنَّ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ لَمّا ضَرَبَ بِعَصاهُ البَحْرَ حَصَلَ اثْنا عَشَرَ طَرِيقًا يابِسًا يَتَهَيَّأُ طُرُوقُهُ وبَقِيَ الماءُ قائِمًا بَيْنَ الطَّرِيقِ والطَّرِيقِ كالطَّوْدِ العَظِيمِ وهو الجَبَلُ. فَأخَذَ كُلُّ سِبْطٍ مِن بَنِي إسْرائِيلَ في طَرِيقٍ مِن هَذِهِ الطُّرُقِ. ومِنهم مَن قالَ: بَلْ حَصَلَ طَرِيقٌ واحِدٌ، وحُجَّةُ القَوْلِ الأوَّلِ الأخْبارُ ومِنَ القُرْآنِ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَكانَ كُلُّ فِرْقٍ كالطَّوْدِ العَظِيمِ﴾ [الشعراء: ٦٣] وذَلِكَ لا يَحْصُلُ إلّا إذا حَصَلَ هُناكَ طُرُقٌ (p-٨٢)حَتّى يَكُونَ الماءُ القائِمُ بَيْنَ الطَّرِيقَيْنِ كالطَّوْدِ العَظِيمِ وحُجَّةُ القَوْلِ الثّانِي ظاهِرُ قَوْلِهِ: ﴿فاضْرِبْ لَهم طَرِيقًا في البَحْرِ يَبَسًا﴾ وذَلِكَ يَتَناوَلُ الطَّرِيقَ الواحِدَ وإنْ أمْكَنَ حَمْلُهُ عَلى الطُّرُقِ نَظَرًا إلى الجِنْسِ.
البَحْثُ الثّانِي: رُوِيَ أنَّ بَنِي إسْرائِيلَ بَعْدَ أنْ أظْهَرَ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ لَهُمُ الطَّرِيقَ وبَيَّنَها لَهم تَعَنَّتُوا وقالُوا: نُرِيدُ أنْ يَرى بَعْضُنا بَعْضًا وهَذا كالبَعِيدِ وذَلِكَ أنَّ القَوْمَ لَمّا أبْصَرُوا مَجِيءَ فِرْعَوْنَ صارُوا في نِهايَةِ الخَوْفِ والخائِفُ إذا وجَدَ طَرِيقَ الفِرارِ والخَلاصِ كَيْفَ يَتَفَرَّغُ لِلتَّعَنُّتِ البارِدِ.
البَحْثُ الثّالِثُ: أنَّ فِرْعَوْنَ كانَ عاقِلًا بَلْ كانَ في نِهايَةِ الدَّهاءِ فَكَيْفَ اخْتارَ إلْقاءَ نَفْسِهِ إلى التَّهْلُكَةِ فَإنَّهُ كانَ يَعْلَمُ مِن نَفْسِهِ أنَّ انْفِلاقَ البَحْرِ لَيْسَ بِأمْرِهِ فَعِنْدَ هَذا ذَكَرُوا وجْهَيْنِ:
أحَدُهُما: أنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلامُ كانَ عَلى الرَّمَكَةِ فَتَبِعَهُ فَرَسُ فِرْعَوْنَ، ولِقائِلٍ أنْ يَقُولَ: هَذا بَعِيدٌ لِأنَّهُ يَبْعُدُ أنَّ يَكُونَ خَوْضُ المَلِكِ في أمْثالِ هَذِهِ المَواضِعِ مُقَدَّمًا عَلى خَوْضِ جَمِيعِ العَسْكَرِ وما ذَكَرُوهُ إنَّما يَتِمُّ إذا كانَ الأمْرُ كَذَلِكَ، وأيْضًا فَلَوْ كانَ الأمْرُ عَلى ما قالُوهُ لَكانَ فِرْعَوْنُ في ذَلِكَ الدُّخُولِ كالمَجْبُورِ وذَلِكَ مِمّا يَزِيدُهُ خَوْفًا ويَحْمِلُهُ عَلى الإمْساكِ في أنْ لا يَدْخُلَ وأيْضًا فَأيُّ حاجَةٍ لِجِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلامُ إلى هَذِهِ الحِيلَةِ وقَدْ كانَ يُمْكِنُهُ أنْ يَأْخُذَهُ مَعَ قَوْمِهِ ويَرْمِيَهُ في الماءِ ابْتِداءً، بَلِ الأوْلى أنْ يُقالَ: إنَّهُ أمَرَ مُقَدِّمَةَ عَسْكَرِهِ بِالدُّخُولِ فَدَخَلُوا وما غَرِقُوا فَغَلَبَ عَلى ظَنِّهِ السَّلامَةُ فَلَمّا دَخَلَ الكُلُّ أغْرَقَهُمُ اللَّهُ تَعالى.
البَحْثُ الرّابِعُ: أنَّ الَّذِي نَقَلَ عَنْ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلامُ أنَّهُ كانَ يَدُسُّهُ في الماءِ والطِّينِ خَوْفًا مِن أنْ يُؤْمِنَ فَبَعِيدٌ لِأنَّ المَنعَ مِنَ الإيمانِ لا يَلِيقُ بِالمَلائِكَةِ والأنْبِياءِ عَلَيْهِمُ السَّلامُ.
البَحْثُ الخامِسُ: الَّذِي رُوِيَ أنَّ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ كَلَّمَ البَحْرَ قالَ لَهُ: انْفَلِقْ لِي لِأعْبُرَ عَلَيْكَ، فَقالَ البَحْرُ: لا يَمُرُّ عَلَيَّ رَجُلٌ عاصٍ. فَهو غَيْرُ مُمْتَنِعٍ عَلى أُصُولِنا لِأنَّ عِنْدَنا البِنْيَةَ لَيْسَتْ شَرْطًا لِلْحَياةِ وعِنْدَ المُعْتَزِلَةِ أنَّ ذَلِكَ عَلى لِسانِ الحالِ لا عَلى لِسانِ المَقالِ. واللَّهُ أعْلَمُ.
{"ayahs_start":77,"ayahs":["وَلَقَدۡ أَوۡحَیۡنَاۤ إِلَىٰ مُوسَىٰۤ أَنۡ أَسۡرِ بِعِبَادِی فَٱضۡرِبۡ لَهُمۡ طَرِیقࣰا فِی ٱلۡبَحۡرِ یَبَسࣰا لَّا تَخَـٰفُ دَرَكࣰا وَلَا تَخۡشَىٰ","فَأَتۡبَعَهُمۡ فِرۡعَوۡنُ بِجُنُودِهِۦ فَغَشِیَهُم مِّنَ ٱلۡیَمِّ مَا غَشِیَهُمۡ","وَأَضَلَّ فِرۡعَوۡنُ قَوۡمَهُۥ وَمَا هَدَىٰ"],"ayah":"وَلَقَدۡ أَوۡحَیۡنَاۤ إِلَىٰ مُوسَىٰۤ أَنۡ أَسۡرِ بِعِبَادِی فَٱضۡرِبۡ لَهُمۡ طَرِیقࣰا فِی ٱلۡبَحۡرِ یَبَسࣰا لَّا تَخَـٰفُ دَرَكࣰا وَلَا تَخۡشَىٰ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق