الباحث القرآني
المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: أنَّهُ سُبْحانَهُ وتَعالى لَمّا ذَكَرَ ما أسَرُّوهُ مِنَ النَّجْوى حَكى عَنْهم ما أظْهَرُوهُ، ومَجْمُوعُهُ يَدُلُّ عَلى التَّنْفِيرِ عَنْ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ ومُتابَعَةِ دِينِهِ:
فَأحَدُها: قَوْلُهم: ﴿هَذانِ لَساحِرانِ﴾ وهَذا طَعْنٌ مِنهم في مُعْجِزاتِ (p-٧٠)مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ، ثُمَّ مُبالَغَةٌ في التَّنْفِيرِ عَنْهُ لِما أنَّ كُلَّ طَبْعٍ سَلِيمٍ يَقْتَضِي النَّفْرَةَ عَنِ السِّحْرِ وكَراهَةَ رُؤْيَةِ السّاحِرِ، ومِن حَيْثُ إنَّ الإنْسانَ يَعْلَمُ أنَّ السِّحْرَ لا بَقاءَ لَهُ فَإذا اعْتَقَدُوا فِيهِ السِّحْرَ قالُوا: كَيْفَ نَتَّبِعُهُ فَإنَّهُ لا بَقاءَ لَهُ ولا لِدِينِهِ ولا لِمَذْهَبِهِ.
وثانِيها: قَوْلُهُ: ﴿يُرِيدانِ أنْ يُخْرِجاكم مِن أرْضِكُمْ﴾ وهَذا في نِهايَةِ التَّنْفِيرِ لِأنَّ المُفارَقَةَ عَنِ المَنشَأِ، والمَوْلِدِ شَدِيدَةٌ عَلى القُلُوبِ، وهَذا هو الَّذِي حَكاهُ اللَّهُ تَعالى عَنْ فِرْعَوْنَ في قَوْلِهِ: ﴿أجِئْتَنا لِتُخْرِجَنا مِن أرْضِنا بِسِحْرِكَ يامُوسى﴾ وكَأنَّ السَّحَرَةَ تَلَقَّفُوا هَذِهِ الشُّبْهَةَ مِن فِرْعَوْنَ ثُمَّ أعادُوها.
وثالِثُها: قَوْلُهُ: ﴿ويَذْهَبا بِطَرِيقَتِكُمُ المُثْلى﴾ وهَذا أيْضًا لَهُ تَأْثِيرٌ شَدِيدٌ في القَلْبِ فَإنَّ العَدُوَّ إذا جاءَ واسْتَوْلى عَلى جَمِيعِ المَناصِبِ والأشْياءِ الَّتِي يَرْغَبُ فِيها فَذَلِكَ يَكُونُ في نِهايَةِ المَشَقَّةِ عَلى النَّفْسِ فَهم ذَكَرُوا هَذِهِ الوُجُوهَ لِلْمُبالَغَةِ في التَّنْفِيرِ عَنْ مُوسى والتَّرْغِيبِ في دَفْعِهِ وإبْطالِ أمْرِهِ وهَهُنا بَحْثانِ:
البَحْثُ الأوَّلُ: قالَ الفَرّاءُ: الطَّرِيقَةُ الرِّجالُ الأشْرافُ الَّذِينَ هم قُدْوَةٌ لِغَيْرِهِمْ يُقالُ: هم طَرِيقَةُ قَوْمِهِمْ، ويُقالُ لِلْواحِدِ أيْضًا: هو طَرِيقَةُ قَوْمِهِ، وجَعَلَ الزَّجّاجُ الآيَةَ مِن بابِ حَذْفِ المُضافِ أيْ ويَذْهَبا بِأهْلِ طَرِيقَتِكُمُ المُثْلى، وعَلى التَّقْدِيرَيْنِ، فالمُرادُ أنَّهم كانُوا يُحَرِّضُونَ القَوْمَ بِأنَّ مُوسى وهارُونَ عَلَيْهِما السَّلامُ يُرِيدانِ أنْ يَذْهَبا بِأشْرافِ قَوْمِكم وأكابِرِكم وهم بَنُو إسْرائِيلَ لِقَوْلِ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ: ﴿أرْسِلْ مَعَنا بَنِي إسْرائِيلَ﴾ [الشعراء: ١٧] وإنَّما سُمُّوا بَنِي إسْرائِيلَ بِذَلِكَ لِأنَّهم كانُوا أكْثَرَ القَوْمِ يَوْمَئِذٍ عَدَدًا وأمْوالًا، ومِنَ المُفَسِّرِينَ مَن فَسَّرَ الطَّرِيقَةَ المُثْلى بِالدِّينِ سَمَّوْا دِينَهم بِالطَّرِيقَةِ المُثْلى: ﴿كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ﴾ [الروم: ٣٢] ومِنهم مَن فَسَّرَها بِالجاهِ والمَنصِبِ والرِّياسَةِ.
البَحْثُ الثّانِي: ﴿المُثْلى﴾ مُؤَنَّثَةٌ لِتَأْنِيثِ الطَّرِيقَةِ، واخْتَلَفُوا في أنَّهُ لِمَ سُمِّيَ الأفْضَلُ بِالأمْثَلِ فَقالَ بَعْضُهُمُ: الأمْثَلُ: الأشْبَهُ بِالحَقِّ، وقِيلَ: الأمْثَلُ الأوْضَحُ والأظْهَرُ، ثُمَّ إنَّهُ تَعالى لَمّا حَكى عَنْهم مُبالَغَتَهم في التَّنْفِيرِ عَنْ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ والتَّرْغِيبِ في إبْطالِ أمْرِهِ حَكى عَنْهم أنَّهم قالُوا: ﴿فَأجْمِعُوا كَيْدَكم ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا﴾ قَرَأ أبُو عَمْرٍو بِوَصْلِ الألِفِ وفَتْحِ المِيمِ مِنِ ”اجْمَعُوا“ يَعْنِي لا تَدَعُوا شَيْئًا مِن كَيْدِهِمْ إلّا جِئْتُمْ بِهِ دَلِيلُهُ قَوْلُهُ: ﴿فَجَمَعَ كَيْدَهُ﴾ وقَرَأ الباقُونَ بِقَطْعِ الألِفِ وكَسْرِ المِيمِ، ولَهُ وجْهانِ:
أحَدُهُما: قالَ الفَرّاءُ: الإجْماعُ الإحْكامُ والعَزِيمَةُ عَلى الشَّيْءِ، يُقالُ: أجْمَعْتُ عَلى الخُرُوجِ مِثْلَ أزْمَعْتُ.
والثّانِي: بِمَعْنى الجَمْعِ، وقَدْ مَضى الكَلامُ في هَذا عِنْدَ قَوْلِهِ: ﴿فَأجْمِعُوا أمْرَكم وشُرَكاءَكُمْ﴾ [يونس: ٧١] قالَ الزَّجّاجُ: لِيَكُنْ عَزْمُكم كُلُّكم كاليَدِ مُجْمَعًا عَلَيْهِ لا تَخْتَلِفُوا ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا، ذَكَرَ أبُو عُبَيْدَةَ والزَّجّاجُ وجْهَيْنِ:
أحَدُهُما: أنَّ الصَّفَّ مَوْضِعُ الجَمْعِ والمَعْنى ائْتُوا المَوْضِعَ الَّذِي تَجْتَمِعُونَ فِيهِ لِعِيدِكم وصَلاتِكم، والمَعْنى: ائْتُوا مُصَلًّى مِنَ المُصَلَّياتِ أوْ كانَ الصَّفُّ عَلَمًا لِلْمُصَلّى بِعَيْنِهِ فَأُمِرُوا بِأنْ يَأْتُوهُ.
والثّانِي: أنْ يَكُونَ الصَّفُّ مَصْدَرًا، والمَعْنى ثُمَّ ائْتُوا مُصْطَفِّينَ مُجْتَمِعِينَ لِكَيْ يَكُونَ أنْظَمَ لِأمْرِكم وأشَدَّ لِهَيْبَتِكم، وهَذا قَوْلُ عامَّةِ المُفَسِّرِينَ، وقَوْلُهُ: ﴿وقَدْ أفْلَحَ اليَوْمَ مَنِ اسْتَعْلى﴾ اعْتِراضٌ، يَعْنِي: وقَدْ فازَ مَن غَلَبَ، فَكانُوا يُقِرُّونَ بِذَلِكَ أنْفُسَهم فِيما اجْتَمَعُوا عَلَيْهِ مِن إظْهارِ ما يُظْهِرُونَهُ مِنَ السِّحْرِ.
{"ayahs_start":64,"ayahs":["فَأَجۡمِعُوا۟ كَیۡدَكُمۡ ثُمَّ ٱئۡتُوا۟ صَفࣰّاۚ وَقَدۡ أَفۡلَحَ ٱلۡیَوۡمَ مَنِ ٱسۡتَعۡلَىٰ","قَالُوا۟ یَـٰمُوسَىٰۤ إِمَّاۤ أَن تُلۡقِیَ وَإِمَّاۤ أَن نَّكُونَ أَوَّلَ مَنۡ أَلۡقَىٰ"],"ayah":"قَالُوا۟ یَـٰمُوسَىٰۤ إِمَّاۤ أَن تُلۡقِیَ وَإِمَّاۤ أَن نَّكُونَ أَوَّلَ مَنۡ أَلۡقَىٰ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











