الباحث القرآني
قوله تعالى: ﴿ولَقَدْ أرَيْناهُ آياتِنا كُلَّها فَكَذَّبَ وأبى﴾ ﴿قالَ أجِئْتَنا لِتُخْرِجَنا مِن أرْضِنا بِسِحْرِكَ يامُوسى﴾ ﴿فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ فاجْعَلْ بَيْنَنا وبَيْنَكَ مَوْعِدًا لا نُخْلِفُهُ نَحْنُ ولا أنْتَ مَكانًا سُوًى﴾ .
(p-٦٢)اعْلَمْ أنَّهُ تَعالى بَيَّنَ أنَّهُ أرى فِرْعَوْنَ الآياتِ كُلَّها ثُمَّ إنَّهُ لَمْ يَقْبَلْها، واخْتَلَفُوا في المُرادِ بِالآياتِ، فَقالَ بَعْضُهم: أرادَ كُلَّ الأدِلَّةِ ما يَتَّصِلُ بِالتَّوْحِيدِ وما يَتَّصِلُ بِالنُّبُوَّةِ، أمّا التَّوْحِيدُ فَما ذُكِرَ في هَذِهِ السُّورَةِ مِن قَوْلِهِ: ﴿رَبُّنا الَّذِي أعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى﴾، وقَوْلِهِ: ﴿الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأرْضَ مَهْدًا﴾ الآيَةَ، وما ذُكِرَ في سُورَةِ الشُّعَراءِ: ﴿قالَ فِرْعَوْنُ وما رَبُّ العالَمِينَ﴾ ﴿قالَ رَبُّ السَّماواتِ والأرْضِ﴾ [الشعراء: ٢٣] الآياتِ، وأمّا النُّبُوَّةُ فَهي الآياتُ التِّسْعُ الَّتِي خَصَّ اللَّهُ بِها مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ وهي العَصا واليَدُ وفَلْقُ البَحْرِ والحَجَرِ والجَرادُ والقُمَّلُ والضَّفادِعُ والدَّمُ ونَتْقُ الجَبَلِ، وعَلى هَذا التَّقْرِيرِ مَعْنى أرَيْناهُ عَرَّفْناهُ صِحَّتَها وأوْضَحْنا لَهُ وجْهَ الدَّلالَةِ فِيها، ومِنهم مَن حَمَلَ ذَلِكَ عَلى ما يَتَّصِلُ بِالنُّبُوَّةِ وهي هَذِهِ المُعْجِزاتُ، وإنَّما أضافَ الآياتِ إلى نَفْسِهِ سُبْحانَهُ وتَعالى مَعَ أنَّ المُظْهِرَ لَها مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ لِأنَّهُ أجْراها عَلى يَدَيْهِ كَما أضافَ نَفْخَ الرُّوحِ إلى نَفْسِهِ فَقالَ: ﴿فَنَفَخْنا فِيها مِن رُوحِنا﴾ [الأنبياء: ٩١] مَعَ أنَّ النَّفْخَ كانَ مِن جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلامُ، فَإنْ قِيلَ قَوْلُهُ: كُلُّها يُفِيدُ العُمُومَ واللَّهُ تَعالى ما أراهُ جَمِيعَ الآياتِ لِأنَّ مِن جُمْلَةِ الآياتِ ما أظْهَرَها عَلى الأنْبِياءِ عَلَيْهِمُ السَّلامُ الَّذِينَ كانُوا قَبْلَ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ والَّذِينَ كانُوا بَعْدَهُ قُلْنا: لَفْظُ الكُلِّ وإنْ كانَ لِلْعُمُومِ لَكِنْ قَدْ يُسْتَعْمَلُ في الخُصُوصِ عِنْدَ القَرِينَةِ كَما يُقالُ: دَخَلْتُ السُّوقَ فاشْتَرَيْتُ كُلَّ شَيْءٍ أوْ يُقالُ: إنَّ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ أراهُ آياتِهِ وعَدَّدَ عَلَيْهِ آياتِ غَيْرِهِ مِنَ الأنْبِياءِ عَلَيْهِمُ السَّلامُ فَكَذَّبَ فِرْعَوْنُ بِالكُلِّ أوْ يُقالُ: تَكْذِيبُ بَعْضِ المُعْجِزاتِ يَقْتَضِي تَكْذِيبَ الكُلِّ فَحَكى اللَّهُ تَعالى ذَلِكَ عَلى الوَجْهِ الَّذِي يَلْزَمُ، ثُمَّ إنَّهُ سُبْحانَهُ وتَعالى حَكى عَنْهُ أنَّهُ كَذَّبَ وأبى، قالَ القاضِي: الإباءُ الِامْتِناعُ، وإنَّهُ لا يُوصَفُ بِهِ إلّا مَن يَتَمَكَّنُ مِنَ الفِعْلِ والتَّرْكِ، لِأنَّ اللَّهَ تَعالى ذَمَّهُ بِأنَّهُ كَذَّبَ وبِأنَّهُ أبى، ولَوْ لَمْ يَقْدِرْ عَلى ما هو فِيهِ لَمْ يَصِحَّ، واعْلَمْ أنَّ هَذا السُّؤالَ مَرَّ في سُورَةِ البَقَرَةِ في قَوْلِهِ: ﴿إلّا إبْلِيسَ أبى واسْتَكْبَرَ﴾ [البقرة: ٣٤] والجَوابُ مَذْكُورٌ هُناكَ، ثُمَّ حَكى اللَّهُ تَعالى شُبْهَةَ فِرْعَوْنَ وهي قَوْلُهُ: ﴿أجِئْتَنا لِتُخْرِجَنا مِن أرْضِنا بِسِحْرِكَ يامُوسى﴾ وتَرْكِيبُ هَذِهِ الشُّبْهَةِ عَجِيبٌ وذَلِكَ لِأنَّهُ ألْقى في مَسامِعِهِمْ ما يَصِيرُونَ بِهِ مُبْغِضِينَ لَهُ جِدًّا وهو قَوْلُهُ: ﴿أجِئْتَنا لِتُخْرِجَنا مِن أرْضِنا﴾ وذَلِكَ لِأنَّ هَذا مِمّا يَشُقُّ عَلى الإنْسانِ في النِّهايَةِ ولِذَلِكَ جَعَلَهُ اللَّهُ تَعالى مُساوِيًا لِلْقَتْلِ في قَوْلِهِ: ﴿أنِ اقْتُلُوا أنْفُسَكم أوِ اخْرُجُوا مِن دِيارِكُمْ﴾ [النساء: ٦٦] ثُمَّ لَمّا صارُوا في نِهايَةِ البُغْضِ لَهُ أوْرَدَ الشُّبْهَةَ الطّاعِنَةَ في نُبُوَّتِهِ عَلَيْهِ السَّلامُ وهي أنَّ ما جِئْتَنا بِهِ سِحْرٌ لا مُعْجِزٌ، ولَمّا عَلِمَ أنَّ المُعْجِزَ إنَّما يَتَمَيَّزُ عَنِ السِّحْرِ لِكَوْنِ المُعْجِزِ مِمّا يَتَعَذَّرُ مُعارَضَتُهُ والسِّحْرُ مِمّا يُمْكِنُ مُعارَضَتُهُ قالَ: ﴿فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ﴾ أمّا قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فاجْعَلْ بَيْنَنا وبَيْنَكَ مَوْعِدًا لا نُخْلِفُهُ نَحْنُ ولا أنْتَ﴾ فاعْلَمْ أنَّ المَوْعِدَ يَجُوزُ أنْ يَكُونَ مَصْدَرًا ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ اسْمًا لِمَكانِ الوَعْدِ كَقَوْلِهِ: ﴿وإنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهم أجْمَعِينَ﴾ [الحجر: ٤٣] وأنْ يَكُونَ اسْمًا لِزَمانِ الوَعْدِ كَقَوْلِهِ: ﴿إنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ﴾ [هود: ٨١] والَّذِي في هَذِهِ الآيَةِ بِمَعْنى المَصْدَرِ أيِ اجْعَلْ بَيْنَنا وبَيْنَكَ وعْدًا لا نُخْلِفُهُ لِأنَّ الوَعْدَ هو الَّذِي يَصِحُّ وصْفُهُ بِالخُلْفِ. أمّا الزَّمانُ والمَكانُ فَلا يَصِحُّ وصْفُهُما بِذَلِكَ، ومِمّا يُؤَكِّدُ ذَلِكَ أنَّ الحَسَنَ قَرَأ ”يَوْمَ الزِّينَةِ“ بِالنَّصْبِ، وذَلِكَ لا يُطابِقُ المَكانَ والزَّمانَ، وإنَّما نَصَبَ مَكانًا لِأنَّهُ هو المَفْعُولُ الثّانِي لِلْجَعْلِ، والتَّقْدِيرُ اجْعَلْ مَكانَ مَوْعِدٍ لا نُخْلِفُهُ مَكانًا سُوًى. أمّا قَوْلُهُ: ﴿سُوًى﴾ فاعْلَمْ أنَّهُ قَرَأ عاصِمٌ وحَمْزَةُ وابْنُ عامِرٍ ﴿سُوًى﴾ بِضَمِّ السِّينِ والباقُونَ بِكَسْرِها وهُما لُغَتانِ مِثْلُ طِوًى وطُوًى، وقُرِئَ أيْضًا مُنَوَّنًا وغَيْرَ مُنَوَّنٍ، وذَكَرُوا في مَعْناهُ وُجُوهًا:
أحَدُها: قالَ أبُو عَلِيٍّ مَكانًا تَسْتَوِي مَسافَتُهُ عَلى الفَرِيقَيْنِ وهو المُرادُ مِن قَوْلِ مُجاهِدٍ. قالَ قَتادَةُ: مُنَصَّفًا بَيْنَنا.
وثانِيها: قالَ ابْنُ زَيْدٍ: ﴿سُوًى﴾ أيْ مُسْتَوِيًا لا يَحْجُبُ العَيْنَ ما فِيهِ مِنَ الِارْتِفاعِ والِانْخِفاضِ فَـ ”سُوًى“ عَلى التَّقْدِيرِ الأوَّلِ صِفَةُ المَسافَةِ، وعَلى هَذا التَّقْدِيرِ صِفَةُ المَكانِ، والمَقْصُودُ (p-٦٣)أنَّهم طَلَبُوا مَوْضِعًا مُسْتَوِيًا لا يَكُونُ فِيهِ ارْتِفاعٌ ولا انْخِفاضٌ حَتّى يُشاهِدَ كُلُّ الحاضِرِينَ كُلَّ ما يَجْرِي.
وثالِثُها: مَكانًا يَسْتَوِي حالُنا في الرِّضاءِ بِهِ.
ورابِعُها: قالَ الكَلْبِيُّ: مَكانًا سِوى هَذا المَكانِ الَّذِي نَحْنُ فِيهِ الآنَ.
{"ayahs_start":57,"ayahs":["قَالَ أَجِئۡتَنَا لِتُخۡرِجَنَا مِنۡ أَرۡضِنَا بِسِحۡرِكَ یَـٰمُوسَىٰ","فَلَنَأۡتِیَنَّكَ بِسِحۡرࣲ مِّثۡلِهِۦ فَٱجۡعَلۡ بَیۡنَنَا وَبَیۡنَكَ مَوۡعِدࣰا لَّا نُخۡلِفُهُۥ نَحۡنُ وَلَاۤ أَنتَ مَكَانࣰا سُوࣰى"],"ayah":"قَالَ أَجِئۡتَنَا لِتُخۡرِجَنَا مِنۡ أَرۡضِنَا بِسِحۡرِكَ یَـٰمُوسَىٰ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











