الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿قالا رَبَّنا إنَّنا نَخافُ أنْ يَفْرُطَ عَلَيْنا أوْ أنْ يَطْغى﴾ ﴿قالَ لا تَخافا إنَّنِي مَعَكُما أسْمَعُ وأرى﴾ ﴿فَأْتِياهُ فَقُولا إنّا رَسُولا رَبِّكَ فَأرْسِلْ مَعَنا بَنِي إسْرائِيلَ ولا تُعَذِّبْهم قَدْ جِئْناكَ بِآيَةٍ مِن رَبِّكَ والسَّلامُ عَلى مَنِ اتَّبَعَ الهُدى﴾ ﴿إنّا قَدْ أُوحِيَ إلَيْنا أنَّ العَذابَ عَلى مَن كَذَّبَ وتَوَلّى﴾ . اعْلَمْ أنَّ قَوْلَهُ: ﴿قالا رَبَّنا إنَّنا نَخافُ﴾ فِيهِ أسْئِلَةٌ: السُّؤالُ الأوَّلُ: قَوْلُهُ: ﴿قالا رَبَّنا﴾ يَدُلُّ عَلى أنَّ المُتَكَلِّمَ بِذَلِكَ مُوسى وهارُونُ عَلَيْهِما السَّلامُ وهارُونُ لَمْ يَكُنْ حاضِرًا هَذا المَقالَ فَكَيْفَ ذَلِكَ ؟ وجَوابُهُ قَدْ تَقَدَّمَ. السُّؤالُ الثّانِي: أنَّ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ قالَ: ﴿رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي﴾ فَأجابَهُ اللَّهُ تَعالى بِقَوْلِهِ: ﴿قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يامُوسى﴾ وهَذا يَدُلُّ عَلى أنَّهُ قَدِ انْشَرَحَ صَدْرُهُ وتَيَسَّرَ أمْرُهُ فَكَيْفَ قالَ بَعْدَهُ: ﴿إنَّنا نَخافُ﴾ فَإنَّ (p-٥٣)حُصُولَ الخَوْفِ يَمْنَعُ مِن حُصُولِ شَرْحِ الصَّدْرِ. والجَوابُ: أنَّ شَرْحَ الصَّدْرِ عِبارَةٌ عَنْ تَقْوِيَتِهِ عَلى ضَبْطِ تِلْكَ الأوامِرِ والنَّواهِي وحِفْظِ تِلْكَ الشَّرائِعِ عَلى وجْهٍ لا يَتَطَرَّقُ إلَيْهِ السَّهْوُ والتَّحْرِيفُ وذَلِكَ شَيْءٌ آخَرُ غَيْرُ زَوالِ الخَوْفِ. السُّؤالُ الثّالِثُ: أما عَلِمَ مُوسى وهارُونُ وقَدْ حَمَّلَهُما اللَّهُ تَعالى الرِّسالَةَ أنَّهُ تَعالى يُؤَمِّنُهُما مِنَ القَتْلِ الَّذِي هو مَقْطَعَةٌ عَنِ الأداءِ ؟ الجَوابُ: قَدْ أمِنا ذَلِكَ وإنْ جَوَّزا أنْ يَنالَهُما السُّوءُ مِن قَبْلِ تَمامِ الأداءِ أوْ بَعْدِهِ وأيْضًا فَإنَّهُما اسْتَظْهَرا بِأنْ سَألا رَبَّهُما ما يَزِيدُ في ثَباتِ قَلْبِهِما عَلى دُعائِهِ وذَلِكَ بِأنْ يَنْضافَ الدَّلِيلُ النَّقْلِيُّ إلى العَقْلِيِّ زِيادَةً في الطُّمَأْنِينَةِ كَما قالَ: ﴿ولَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي﴾ [البقرة: ٢٦٠] . السُّؤالُ الرّابِعُ: لَمّا تَكَرَّرَ الأمْرُ مِنَ اللَّهِ تَعالى بِالذَّهابِ فَعَدَمُ الذَّهابِ والتَّعَلُّلُ بِالخَوْفِ هَلْ يَدُلُّ عَلى المَعْصِيَةِ. الجَوابُ: لَوِ اقْتَضى الأمْرُ الفَوْرَ لَكانَ ذَلِكَ مِن أقْوى الدَّلائِلِ عَلى المَعْصِيَةِ لا سِيَّما وقَدْ أكْثَرَ اللَّهُ تَعالى مِن أنْواعِ التَّشْرِيفِ وتَقْوِيَةِ القَلْبِ وإزالَةِ الغَمِّ ولَكِنْ لَيْسَ الأمْرُ عَلى الفَوْرِ فَزالَ السُّؤالُ، وهَذا مِن أقْوى الدَّلائِلِ عَلى أنَّ الأمْرَ لا يَقْتَضِي الفَوْرَ إذا ضَمَمْتَ إلَيْهِ ما يَدُلُّ عَلى أنَّ المَعْصِيَةَ غَيْرُ جائِزَةٍ عَلى الرُّسُلِ، أمّا قَوْلُهُ تَعالى: ﴿أنْ يَفْرُطَ عَلَيْنا أوْ أنْ يَطْغى﴾ فاعْلَمْ أنَّ في: ﴿أنْ يَفْرُطَ﴾ وُجُوهًا: أحَدُها: فَرَطَ سَبَقَ وتَقَدَّمَ، ومِنهُ الفارِطُ الَّذِي يَتَقَدَّمُ الوارِدَةَ، وفَرَسٌ فَرْطٌ يَسْبِقُ الخَيْلَ، والمَعْنى نَخافُ أنْ يُعَجِّلَ عَلَيْنا بِالعُقُوبَةِ. وثانِيها: أنَّهُ مَأْخُوذٌ مِن أفْرَطَ غَيْرَهُ إذا حَمَلَهُ عَلى العَجَلَةِ فَكَأنَّ مُوسى وهارُونَ عَلَيْهِما السَّلامُ خافا مِن أنْ يَحْمِلَهُ حامِلٌ عَلى المُعاجَلَةِ بِالعُقُوبَةِ وذَلِكَ الحامِلُ هو إمّا الشَّيْطانُ أوِ ادِّعاؤُهُ لِلرُّبُوبِيَّةِ أوْ حُبُّهُ لِلرِّياسَةِ أوْ قَوْمُهُ وهُمُ القِبْطُ المُتَمَرِّدُونَ الَّذِينَ حَكى اللَّهُ تَعالى عَنْهم: ﴿قالَ المَلَأُ مِن قَوْمِهِ﴾ [الأعراف: ٦٠] . وثالِثُها: يَفْرُطُ مِنَ الإفْراطِ في الأذِيَّةِ أمّا قَوْلُهُ: ﴿أوْ أنْ يَطْغى﴾ فالمَعْنى يَطْغى بِالتَّخَطِّي إلى أنْ يَقُولَ فِيكَ ما لا يَنْبَغِي لِجَراءَتِهِ عَلَيْكَ، واعْلَمْ أنَّ مَن أُمِرَ بِشَيْءٍ فَحاوَلَ دَفْعَهُ بِأعْذارٍ يَذْكُرُها فَلا بُدَّ وأنْ يَخْتِمَ كَلامَهُ بِما هو الأقْوى وهَذا كَما أنَّ الهُدْهُدَ خَتَمَ عُذْرَهُ بِقَوْلِهِ: ﴿وجَدْتُها وقَوْمَها يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ اللَّهِ﴾ [النمل: ٢٤] فَكَذا هَهُنا بَدَأ مُوسى بِقَوْلِهِ: ﴿أنْ يَفْرُطَ عَلَيْنا﴾ وخَتَمَ بِقَوْلِهِ: ﴿أوْ أنْ يَطْغى﴾ لِما أنَّ طُغْيانَهُ في حَقِّ اللَّهِ تَعالى أعْظَمُ مِن إفْراطِهِ في حَقِّ مُوسى وهارُونَ عَلَيْهِما السَّلامُ، أمّا قَوْلُهُ: ﴿قالَ لا تَخافا إنَّنِي مَعَكُما أسْمَعُ وأرى﴾ فالمُرادُ لا تَخافا مِمّا عَرَضَ في قَلْبِكُما مِنَ الإفْراطِ والطُّغْيانِ لِأنَّ ذَلِكَ هو المَفْهُومُ مِنَ الكَلامِ، يُبَيِّنُ ذَلِكَ أنَّهُ تَعالى لَمْ يُؤَمِّنْهُما مِنَ الرَّدِّ ولا مِنَ التَّكْذِيبِ بِالآياتِ ومُعارَضَةِ السَّحَرَةِ، أمّا قَوْلُهُ: ﴿إنَّنِي مَعَكُما﴾ فَهو عِبارَةٌ عَنِ الحِراسَةِ والحِفْظِ، وعَلى هَذا الوَجْهِ يُقالُ: اللَّهُ مَعَكَ عَلى وجْهِ الدُّعاءِ، وأكَّدَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: ﴿أسْمَعُ وأرى﴾ فَإنَّ مَن يَكُونُ مَعَ الغَيْرِ وناصِرًا لَهُ وحافِظًا يَجُوزُ أنْ لا يَعْلَمَ كُلَّ ما يَنالُهُ وإنَّما يَحْرُسُهُ فِيما يَعْلَمُ، فَبَيَّنَ سُبْحانَهُ وتَعالى أنَّهُ مَعَهُما بِالحِفْظِ والعِلْمِ في جَمِيعِ ما يَنالُهُما وذَلِكَ هو النِّهايَةُ في إزالَةِ الخَوْفِ قالَ القَفّالُ: قَوْلُهُ: ﴿أسْمَعُ وأرى﴾ يُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ مُقابِلًا لِقَوْلِهِ: ﴿أنْ يَفْرُطَ عَلَيْنا أوْ أنْ يَطْغى﴾ والمَعْنى: ﴿يَفْرُطَ عَلَيْنا﴾ بِأنْ لا يَسْمَعَ مِنّا: ﴿أوْ أنْ يَطْغى﴾ بِأنْ يَقْتُلَنا، فَقالَ اللَّهُ تَعالى: ﴿إنَّنِي مَعَكُما﴾ أسْمَعُ كَلامَهُ مَعَكُما فَأُسَخِّرُهُ لِلِاسْتِماعِ مِنكُما، وأرى أفْعالَهُ فَلا أتْرُكُهُ حَتّى يَفْعَلَ بِكُما ما تَكْرَهانِهِ، واعْلَمْ أنَّ هَذِهِ الآيَةَ تَدُلُّ عَلى أنَّ كَوْنَهُ تَعالى سَمِيعًا وبَصِيرًا صِفَتانِ زائِدَتانِ عَلى العِلْمِ لِأنَّ قَوْلَهُ: ﴿إنَّنِي مَعَكُما﴾ دَلَّ عَلى العِلْمِ فَقَوْلُهُ: ﴿أسْمَعُ وأرى﴾ لَوْ دَلَّ عَلى العِلْمِ لَكانَ ذَلِكَ تَكْرِيرًا وهو خِلافُ الأصْلِ، ثُمَّ إنَّهُ سُبْحانَهُ أعادَ ذَلِكَ التَّكْلِيفَ فَقالَ: ﴿فَأْتِياهُ﴾ لِأنَّهُ سُبْحانَهُ وتَعالى قالَ في المَرَّةِ الأُولى: ﴿لِنُرِيَكَ مِن آياتِنا الكُبْرى﴾ ﴿اذْهَبْ إلى فِرْعَوْنَ﴾ وفي (p-٥٤)الثّانِيَةِ: ﴿اذْهَبْ أنْتَ وأخُوكَ﴾، وفي الثّالِثَةِ قالَ: ﴿اذْهَبا إلى فِرْعَوْنَ﴾، وفي الرّابِعَةِ قالَ هَهُنا: ﴿فَأْتِياهُ﴾ فَإنْ قِيلَ: إنَّهُ تَعالى أمَرَهُما في المَرَّةِ الثّانِيَةِ بِأنْ يَقُولا لَهُ ﴿قَوْلًا لَيِّنًا﴾ وفي هَذِهِ المَرَّةِ الرّابِعَةِ أمَرَهُما أنْ يَقُولا ﴿إنّا رَسُولا رَبِّكَ فَأرْسِلْ مَعَنا بَنِي إسْرائِيلَ﴾ وفِيهِ تَغْلِيظٌ مِن وُجُوهٍ: أحَدُها: أنَّ قَوْلَهُ: ﴿إنّا رَسُولا رَبِّكَ﴾ فِيهِ أبْحاثٌ: البَحْثُ الأوَّلُ: انْقِيادُهُ إلَيْهِما والتِزامُهُ لِطاعَتِهِما وذَلِكَ يَعْظُمُ عَلى المَلِكِ المَتْبُوعِ. البَحْثُ الثّانِي: قَوْلُهُ: ﴿فَأرْسِلْ مَعَنا بَنِي إسْرائِيلَ﴾ فِيهِ إدْخالُ النَّقْصِ عَلى مُلْكِهِ لِأنَّهُ كانَ مُحْتاجًا إلَيْهِمْ فِيما يُرِيدُهُ مِنَ الأعْمالِ مِن بِناءٍ أوْ غَيْرِهِ. البَحْثُ الثّالِثُ: قَوْلُهُ: ﴿ولا تُعَذِّبْهُمْ﴾ . البَحْثُ الرّابِعُ: قَوْلُهُ: ﴿قَدْ جِئْناكَ بِآيَةٍ مِن رَبِّكَ﴾ فَما الفائِدَةُ في التَّلْيِينِ أوَّلًا والتَّغْلِيظِ ثانِيًا ؟ قُلْنا: لِأنَّ الإنْسانَ إذا ظَهَرَ لَجاجُهُ فَلا بُدَّ لَهُ مِنَ التَّغْلِيظِ فَإنْ قِيلَ: ألَيْسَ كانَ مِنَ الواجِبِ أنْ يَقُولا إنّا رَسُولا رَبِّكَ قَدْ جِئْناكَ بِآيَةٍ فَأرْسِلْ مَعَنا بَنِي إسْرائِيلَ ولا تُعَذِّبْهم، لِأنَّ ذِكْرَ المُعْجِزِ مَقْرُونًا بِادِّعاءِ الرِّسالَةِ أوْلى مِن تَأْخِيرِهِ عَنْهُ ؟ قُلْنا: بَلْ هَذا أوْلى مِن تَأْخِيرِهِ عَنْهُ لِأنَّهم ذَكَرُوا مَجْمُوعَ الدَّعاوى ثُمَّ اسْتَدَلُّوا عَلى ذَلِكَ المَجْمُوعِ بِالمُعْجِزَةِ، أمّا قَوْلُهُ: ﴿قَدْ جِئْناكَ بِآيَةٍ مِن رَبِّكَ﴾ فَفِيهِ سُؤالٌ وهو أنَّهُ تَعالى أعْطاهُ آيَتَيْنِ وهُما العَصا واليَدُ ثُمَّ قالَ: ﴿اذْهَبْ أنْتَ وأخُوكَ بِآياتِي﴾ وذَلِكَ يَدُلُّ عَلى ثَلاثِ آياتٍ وقالَ هَهُنا: ﴿جِئْناكَ بِآيَةٍ﴾ وهَذا يَدُلُّ عَلى أنَّها كانَتْ واحِدَةً فَكَيْفَ الجَمْعُ ؟ أجابَ القَفّالُ بِأنَّ مَعْنى الآيَةِ الإشارَةُ إلى جِنْسِ الآياتِ كَأنَّهُ قالَ: قَدْ جِئْناكَ بِبَيانٍ مِن عِنْدِ اللَّهِ ثُمَّ يَجُوزُ أنْ يَكُونَ ذَلِكَ حُجَّةً واحِدَةً أوْ حُجَجًا كَثِيرَةً، وأمّا قَوْلُهُ: ﴿والسَّلامُ عَلى مَنِ اتَّبَعَ الهُدى﴾ فَقالَ بَعْضُهم هو مِن قَوْلِ اللَّهِ تَعالى لَهُما كَأنَّهُ قالَ: ﴿فَقُولا إنّا رَسُولا رَبِّكَ﴾، وقُولا لَهُ: ﴿والسَّلامُ عَلى مَنِ اتَّبَعَ الهُدى﴾، وقالَ آخَرُونَ: بَلْ كَلامُ اللَّهِ تَعالى قَدْ تَمَّ عِنْدَ قَوْلِهِ: ﴿قَدْ جِئْناكَ بِآيَةٍ مِن رَبِّكَ﴾ فَقَوْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ: ﴿والسَّلامُ عَلى مَنِ اتَّبَعَ الهُدى﴾ وعْدٌ مِن قِبَلِهِما لِمَن آمَنَ وصَدَّقَ بِالسَّلامَةِ لَهُ مِن عُقُوباتِ الدُّنْيا والآخِرَةِ، والسَّلامُ بِمَعْنى السَّلامَةِ كَما يُقالُ: رَضاعٌ ورَضاعَةٌ واللّامُ وعَلى هَهُنا بِمَعْنًى واحِدٍ كَما قالَ: ﴿لَهُمُ اللَّعْنَةُ ولَهم سُوءُ الدّارِ﴾ [الرعد: ٢٥] عَلى مَعْنى عَلَيْهِمْ، وقالَ تَعالى: ﴿مَن عَمِلَ صالِحًا فَلِنَفْسِهِ ومَن أساءَ فَعَلَيْها﴾ [فصلت: ٤٦] وفي مَوْضِعٍ آخَرَ: ﴿إنْ أحْسَنْتُمْ أحْسَنْتُمْ لِأنْفُسِكم وإنْ أسَأْتُمْ فَلَها﴾ [الإسراء: ٧]، أمّا قَوْلُهُ: ﴿إنّا قَدْ أُوحِيَ إلَيْنا أنَّ العَذابَ عَلى مَن كَذَّبَ وتَوَلّى﴾ فاعْلَمْ أنَّ هَذِهِ الآيَةَ مِن أقْوى الدَّلائِلِ عَلى أنَّ عِقابَ المُؤْمِنِ لا يَدُومُ وذَلِكَ لِأنَّ الألِفَ واللّامَ في قَوْلِهِ: ﴿العَذابَ﴾ تُفِيدُ الِاسْتِغْراقَ أوْ تُفِيدُ الماهِيَّةَ، وعَلى التَّقْدِيرَيْنِ يَقْتَضِي انْحِصارُ هَذا الجِنْسِ فِيمَن كَذَّبَ وتَوَلّى، فَوَجَبَ في غَيْرِ المُكَذِّبِ المُتَوَلِّي أنْ لا يَحْصُلَ هَذا الجِنْسُ أصْلًا، وظاهِرُ هَذِهِ الآيَةِ يَقْتَضِي القَطْعَ بِأنَّهُ لا يُعاقِبُ أحَدًا مِنَ المُؤْمِنِينَ بِتَرْكِ العَمَلِ بِهِ في بَعْضِ الأوْقاتِ، فَوَجَبَ أنْ يَبْقى عَلى أصْلِهِ في نَفْيِ الدَّوامِ لِأنَّ العِقابَ المُتَناهِيَ إذا حَصَلَ بَعْدَهُ السَّلامَةُ مُدَّةً غَيْرَ مُتَناهِيَةٍ صارَ ذَلِكَ العِقابُ كَأنَّهُ لا عِقابَ، فَلِذَلِكَ يَحْسُنُ مَعَ حُصُولِ ذَلِكَ القَدْرِ أنْ يُقالَ: إنَّهُ لا عِقابَ، وأيْضًا فَقَوْلُهُ: ﴿والسَّلامُ عَلى مَنِ اتَّبَعَ الهُدى﴾، وقَدْ فَسَّرْنا السَّلامَ بِالسَّلامَةِ، فَظاهِرُهُ يَقْتَضِي حُصُولَ السَّلامَةِ لِكُلِّ مَنِ اتَّبَعَ الهُدى، والعارِفُ بِاللَّهِ قَدِ اتَّبَعَ الهُدى فَوَجَبَ أنْ يَكُونَ صاحِبَ السَّلامَةِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب