الباحث القرآني
الصِّفَةُ الثّالِثَةُ: قَوْلُهُ: ﴿وخَشَعَتِ الأصْواتُ لِلرَّحْمَنِ فَلا تَسْمَعُ إلّا هَمْسًا﴾ وفِيهِ وُجُوهٌ: أحَدُها: خَشَعَتِ الأصْواتُ مِن شِدَّةِ الفَزَعِ وخَضَعَتْ وخَفِيَتْ فَلا تَسْمَعُ إلّا هَمْسًا وهو الذِّكْرُ الخَفِيُّ، قالَ أبُو مُسْلِمٍ: وقَدْ عَلِمَ الإنْسُ والجِنُّ بِأنْ لا مالِكَ لَهم سِواهُ فَلا يُسْمَعُ لَهم صَوْتٌ يَزِيدُ عَلى الهَمْسِ وهو أخْفى الصَّوْتِ ويَكادُ يَكُونُ كَلامًا يُفْهَمُ بِتَحْرِيكِ الشَّفَتَيْنِ لِضَعْفِهِ، وحُقَّ لِمَن كانَ اللَّهُ مُحاسِبَهُ أنْ يَخْشَعَ طَرْفُهُ ويَضْعُفَ صَوْتُهُ ويَخْتَلِطَ قَوْلُهُ ويَطُولَ غَمُّهُ. وثانِيها: قالَ ابْنُ عَبّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما والحَسَنُ وعِكْرِمَةُ وابْنُ زَيْدٍ: الهَمْسُ وطْءُ الأقْدامِ، (p-١٠٣)فالمَعْنى أنَّهُ لا تَسْمَعُ إلّا خَفْقَ الأقْدامِ ونَقْلَها إلى المَحْشَرِ.
الصِّفَةُ الرّابِعَةُ: قَوْلُهُ: ﴿يَوْمَئِذٍ لا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ إلّا مَن أذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ ورَضِيَ لَهُ قَوْلًا﴾ قالَ صاحِبُ ”الكَشّافِ“: مَن يَصْلُحُ أنْ يَكُونَ مَرْفُوعًا ومَنصُوبًا فالرَّفْعُ عَلى البَدَلِ مِنَ الشَّفاعَةِ بِتَقْدِيرِ حَذْفِ المُضافِ إلَيْهِ أيْ لا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ إلّا شَفاعَةُ مَن أذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ. والنَّصْبُ عَلى المَفْعُولِيَّةِ، وأقُولُ: الِاحْتِمالُ الثّانِي أوْلى لِوُجُوهٍ: الأوَّلُ: أنَّ الأوَّلَ يَحْتاجُ فِيهِ إلى الإضْمارِ وتَغْيِيرِ الأعْرابِ، والثّانِي: لا يَحْتاجُ فِيهِ إلى ذَلِكَ. والثّانِي: أنَّ قَوْلَهُ تَعالى: ﴿لا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ﴾ يُرادُ بِهِ مَن يَشْفَعُ بِها والِاسْتِثْناءُ يَرْجِعُ إلَيْهِمْ فَكَأنَّهُ قالَ: لا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ أحَدًا مِنَ الخَلْقِ إلّا شَخْصًا مَرْضِيًّا. والثّالِثُ: وهو أنَّ مِنَ المَعْلُومِ بِالضَّرُورَةِ أنَّ دَرَجَةَ الشّافِعِ دَرَجَةٌ عَظِيمَةٌ فَهي لا تَحْصُلُ إلّا لِمَن أذِنَ اللَّهُ لَهُ فِيها وكانَ عِنْدَ اللَّهِ مَرْضِيًّا، فَلَوْ حَمَلْنا الآيَةَ عَلى ذَلِكَ صارَتْ جارِيَةً مَجْرى إيضاحِ الواضِحاتِ، أمّا لَوْ حَمَلْنا الآيَةَ عَلى المَشْفُوعِ لَهُ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ إيضاحَ الواضِحاتِ فَكانَ ذَلِكَ أوْلى، إذا ثَبَتَ هَذا فَنَقُولُ: المُعْتَزِلَةُ قالُوا: الفاسِقُ غَيْرُ مَرْضِيٍّ عِنْدَ اللَّهِ تَعالى فَوَجَبَ أنْ لا يَشْفَعَ الرَّسُولُ في حَقِّهِ؛ لِأنَّ هَذِهِ الآيَةَ دَلَّتْ عَلى أنَّ المَشْفُوعَ لَهُ لا بُدَّ وأنْ يَكُونَ مَرْضِيًّا عِنْدَ اللَّهِ. واعْلَمْ أنَّ هَذِهِ الآيَةَ مِن أقْوى الدَّلائِلِ عَلى ثُبُوتِ الشَّفاعَةِ في حَقِّ الفُسّاقِ لِأنَّ قَوْلَهُ: ﴿ورَضِيَ لَهُ قَوْلًا﴾ يَكْفِي في صِدْقِهِ أنْ يَكُونَ اللَّهُ تَعالى قَدْ رَضِيَ لَهُ قَوْلًا واحِدًا مِن أقْوالِهِ، والفاسِقُ قَدِ ارْتَضى اللَّهُ تَعالى قَوْلًا واحِدًا مِن أقْوالِهِ وهو: شَهادَةُ أنْ لا إلَهَ إلّا اللَّهُ؛ فَوَجَبَ أنْ تَكُونَ الشَّفاعَةُ نافِعَةً لَهُ لِأنَّ الِاسْتِثْناءَ مِنَ النَّفْيِ إثْباتٌ فَإنْ قِيلَ إنَّهُ تَعالى اسْتَثْنى عَنْ ذَلِكَ النَّفْيِ بِشَرْطَيْنِ: أحَدُهُما: حُصُولُ الإذْنِ. والثّانِي: أنْ يَكُونَ قَدْ رَضِيَ لَهُ قَوْلًا، فَهَبْ أنَّ الفاسِقَ قَدْ حَصَلَ فِيهِ أحَدُ الشَّرْطَيْنِ وهو أنَّهُ تَعالى قَدْ رَضِيَ لَهُ قَوْلًا، لَكِنْ لِمَ قُلْتُمْ إنَّهُ أذِنَ فِيهِ، وهَذا أوَّلُ المَسْألَةِ قُلْنا: هَذا القَيْدُ وهو أنَّهُ رَضِيَ لَهُ قَوْلًا كافٍ في حُصُولِ الِاسْتِثْناءِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿ولا يَشْفَعُونَ إلّا لِمَنِ ارْتَضى﴾ [الأنْبِياءِ: ٢٨] فاكْتَفى هُناكَ بِهَذا القَيْدِ، ودَلَّتْ هَذِهِ الآيَةُ عَلى أنَّهُ لا بُدَّ مِنَ الإذْنِ فَظَهَرَ مِن مَجْمُوعِهِما أنَّهُ إذا رَضِيَ لَهُ قَوْلًا يَحْصُلُ الإذْنُ في الشَّفاعَةِ، وإذا حَصَلَ القَيْدانِ حَصَلَ الِاسْتِثْناءُ وتَمَّ المَقْصُودُ.
* * *
الصِّفَةُ الخامِسَةُ: قَوْلُهُ: ﴿يَعْلَمُ ما بَيْنَ أيْدِيهِمْ وما خَلْفَهم ولا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا﴾ وفِيهِ مَسائِلُ:
المَسْألَةُ الأُولى: الضَّمِيرُ في قَوْلِهِ: ﴿بَيْنَ أيْدِيهِمْ﴾ عائِدٌ إلى الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الدّاعِيَ ومَن قالَ إنَّ قَوْلَهُ: ﴿مَن أذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ﴾ المُرادُ بِهِ الشّافِعُ، قالَ: ذَلِكُ الضَّمِيرُ عائِدٌ إلَيْهِ والمَعْنى لا تَنْفَعُ شَفاعَةُ المَلائِكَةِ والأنْبِياءِ إلّا لِمَن أذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ في أنْ تَشْفَعَ لَهُ المَلائِكَةُ والأنْبِياءُ، ثُمَّ قالَ: ﴿يَعْلَمُ ما بَيْنَ أيْدِيهِمْ﴾ يَعْنِي ما بَيْنَ أيْدِي المَلائِكَةِ كَما قالَ في آيَةِ الكُرْسِيِّ، وهَذا قَوْلُ الكَلْبِيِّ ومُقاتِلٍ وفِيهِ تَقْرِيعٌ لِمَن يَعْبُدُ المَلائِكَةَ لِيَشْفَعُوا لَهُ، قالَ مُقاتِلٌ: يَعْلَمُ ما كانَ قَبْلَ أنْ يَخْلُقَ المَلائِكَةَ وما كانَ مِنهم بَعْدَ خَلْقِهِمْ.
المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: ذَكَرُوا في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿يَعْلَمُ ما بَيْنَ أيْدِيهِمْ وما خَلْفَهُمْ﴾ وُجُوهًا: أحَدُها: قالَ الكَلْبِيُّ: ﴿ما بَيْنَ أيْدِيهِمْ﴾ مِن أمْرِ الآخِرَةِ ﴿وما خَلْفَهُمْ﴾ مِن أمْرِ الدُّنْيا. وثانِيها: قالَ مُجاهِدٌ: ﴿ما بَيْنَ أيْدِيهِمْ﴾ مَن أمْرِ الدُّنْيا والأعْمالِ ﴿وما خَلْفَهُمْ﴾ مِن أمْرِ الآخِرَةِ والثَّوابِ والعِقابِ. وثالِثُها: قالَ الضَّحّاكُ: يَعْلَمُ ما مَضى وما بَقِيَ ومَتى تَكُونُ القِيامَةُ.
المَسْألَةُ الثّالِثَةُ: ذَكَرُوا في قَوْلِهِ: ﴿ولا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا﴾ وجْهَيْنِ: الأوَّلُ: أنَّهُ تَعالى بَيَّنَ أنَّهُ يَعْلَمُ ما بَيْنَ أيْدِي العِبادِ وما خَلْفَهم، ثُمَّ قالَ: ﴿ولا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا﴾ أيِ العِبادُ لا يُحِيطُونَ بِما بَيْنَ أيْدِيهِمْ وما خَلْفَهم (p-١٠٤)عِلْمًا. الثّانِي: المُرادُ لا يُحِيطُونَ بِاللَّهِ عِلْمًا والأوَّلُ أوْلى لِوَجْهَيْنِ: أحَدُهُما: أنَّ الضَّمِيرَ يَجِبُ عَوْدُهُ إلى أقْرَبِ المَذْكُوراتِ والأقْرَبُ هَهُنا قَوْلُهُ: ﴿ما بَيْنَ أيْدِيهِمْ وما خَلْفَهُمْ﴾ . وثانِيهِما: أنَّهُ تَعالى أوْرَدَ ذَلِكَ مَوْرِدَ الزَّجْرِ لِيُعْلَمَ أنَّ سائِرَ ما يُقْدِمُونَ عَلَيْهِ وما يَسْتَحِقُّونَ بِهِ المُجازاةَ مَعْلُومٌ لِلَّهِ تَعالى.
{"ayahs_start":108,"ayahs":["یَوۡمَىِٕذࣲ یَتَّبِعُونَ ٱلدَّاعِیَ لَا عِوَجَ لَهُۥۖ وَخَشَعَتِ ٱلۡأَصۡوَاتُ لِلرَّحۡمَـٰنِ فَلَا تَسۡمَعُ إِلَّا هَمۡسࣰا","یَوۡمَىِٕذࣲ لَّا تَنفَعُ ٱلشَّفَـٰعَةُ إِلَّا مَنۡ أَذِنَ لَهُ ٱلرَّحۡمَـٰنُ وَرَضِیَ لَهُۥ قَوۡلࣰا","یَعۡلَمُ مَا بَیۡنَ أَیۡدِیهِمۡ وَمَا خَلۡفَهُمۡ وَلَا یُحِیطُونَ بِهِۦ عِلۡمࣰا"],"ayah":"یَعۡلَمُ مَا بَیۡنَ أَیۡدِیهِمۡ وَمَا خَلۡفَهُمۡ وَلَا یُحِیطُونَ بِهِۦ عِلۡمࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق