الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿كَذَلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِن أنْباءِ ما قَدْ سَبَقَ وقَدْ آتَيْناكَ مِن لَدُنّا ذِكْرًا﴾ ﴿مَن أعْرَضَ عَنْهُ فَإنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ القِيامَةِ وِزْرًا﴾ ﴿خالِدِينَ فِيهِ وساءَ لَهم يَوْمَ القِيامَةِ حِمْلًا﴾ ﴿يَوْمَ يُنْفَخُ في الصُّورِ ونَحْشُرُ المُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا﴾ ﴿يَتَخافَتُونَ بَيْنَهم إنْ لَبِثْتُمْ إلّا عَشْرًا﴾ ﴿نَحْنُ أعْلَمُ بِما يَقُولُونَ إذْ يَقُولُ أمْثَلُهم طَرِيقَةً إنْ لَبِثْتُمْ إلّا يَوْمًا﴾
اعْلَمْ أنَّهُ سُبْحانَهُ وتَعالى لَمّا شَرَحَ قِصَّةَ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ مَعَ فِرْعَوْنَ أوَّلًا ثُمَّ مَعَ السّامِرِيِّ ثانِيًا أتْبَعَهُ بِقَوْلِهِ: ﴿كَذَلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ﴾ مِن سائِرِ أخْبارِ الأُمَمِ وأحْوالِهِمْ؛ تَكْثِيرًا لِشَأْنِكَ، وزِيادَةً في مُعْجِزاتِكَ، ولِيَكْثُرَ الِاعْتِبارُ والِاسْتِبْصارُ لِلْمُكَلَّفِينَ بِها في الدِّينِ: ﴿وقَدْ آتَيْناكَ مِن لَدُنّا ذِكْرًا﴾ يَعْنِي القُرْآنَ كَما قالَ تَعالى: ﴿وهَذا ذِكْرٌ مُبارَكٌ أنْزَلْناهُ﴾ [الأنْبِياءِ: ٥٠] ﴿وإنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ﴾ [الزُّخْرُفِ: ٤٤] ﴿والقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ﴾ [ص: ١] ﴿ما يَأْتِيهِمْ مِن ذِكْرٍ﴾ [الشُّعَراءِ: ٥] ﴿ياأيُّها الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ﴾ [الحِجْرِ: ٦] ثُمَّ في تَسْمِيَةِ القُرْآنِ بِالذِّكْرِ وُجُوهٌ: أحَدُها: أنَّهُ كِتابٌ فِيهِ ذِكْرُ ما يَحْتاجُ إلَيْهِ النّاسُ مِن أمْرِ دِينِهِمْ ودُنْياهم. وثانِيها: أنَّهُ يَذْكُرُ أنْواعَ آلاءِ اللَّهِ تَعالى ونَعْمائِهِ فَفِيهِ التَّذْكِيرُ والمَواعِظُ. وثالِثُها: فِيهِ الذِّكْرُ والشَّرَفُ لَكَ ولِقَوْمِكَ عَلى ما قالَ: ﴿وإنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ ولِقَوْمِكَ﴾ [الزُّخْرُفِ: ٤٤]، واعْلَمْ أنَّ اللَّهَ تَعالى سَمّى كُلَّ كُتُبِهِ ذِكْرًا فَقالَ: ﴿فاسْألُوا أهْلَ الذِّكْرِ﴾ [الأنْبِياءِ: ٧] وكَما بَيَّنَ نِعْمَتَهُ بِذَلِكَ بَيَّنَ شِدَّةَ الوَعِيدِ لِمَن أعْرَضَ عَنْهُ ولَمْ يُؤْمِن بِهِ مِن وُجُوهٍ: أوَّلُها: قَوْلُهُ: ﴿مَن أعْرَضَ عَنْهُ﴾ فَإنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ القِيامَةِ وِزْرًا، والوِزْرُ هو العُقُوبَةُ الثَّقِيلَةُ، سَمّاها وِزْرًا تَشْبِيهًا في ثِقَلِها عَلى المُعاقَبِ وصُعُوبَةِ احْتِمالِها الَّذِي يَثْقُلُ عَلى الحامِلِ ويُنْقِضُ ظَهْرَهُ، أوْ لِأنَّها جَزاءُ الوِزْرِ وهو الإثْمُ وقُرِئَ يُحَمَّلُ، ثُمَّ بَيَّنَ تَعالى صِفَةَ ذَلِكَ (p-٩٩)الوِزْرِ مِن وجْهَيْنِ: أحَدُهُما: أنَّهُ يَكُونُ مُخَلَّدًا مُؤَبَّدًا. والثّانِي: قَوْلُهُ: ﴿وساءَ لَهم يَوْمَ القِيامَةِ حِمْلًا﴾ أيْ وما أسْوَأ هَذا الوِزْرَ حِمْلًا أيْ مَحْمُولًا وحِمْلًا مَنصُوبٌ عَلى التَّمْيِيزِ. وثانِيها: ﴿يَوْمَ يُنْفَخُ في الصُّورِ﴾ فالمُرادُ بَيانُ أنَّ يَوْمَ القِيامَةِ هو يَوْمَ يُنْفَخُ في الصُّورِ وفِيهِ مَسائِلُ:
المَسْألَةُ الأُولى: قَرَأ أبُو عَمْرٍو نَنْفُخُ بِفَتْحِ النُّونِ كَقَوْلِهِ: ﴿ونَحْشُرُ﴾ وقَرَأ الباقُونَ يُنْفَخُ عَلى ما لَمْ يُسَمَّ فاعِلُهُ ونَحْشُرُ بِالنُّونِ لِأنَّ النّافِخَ مَلَكٌ التَقَمَ الصُّورَ، والحاشِرَ هو اللَّهُ تَعالى، وقُرِئَ يَوْمَ يَنْفُخُ بِالياءِ المَفْتُوحَةِ عَلى الغَيْبَةِ والضَّمِيرُ لِلَّهِ تَعالى أوْ لِإسْرافِيلَ عَلَيْهِ السَّلامُ، وأمّا: (يَحْشُرُ المُجْرِمِينَ) فَلَمْ يَقْرَأْ بِهِ إلّا الحَسَنُ وقُرِئَ في الصُّوَرِ بِفَتْحِ الواوِ جَمْعُ صُورَةٍ.
المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: ﴿فِي الصُّورِ﴾ قَوْلانِ: أحَدُهُما: أنَّهُ قَرْنٌ يُنْفَخُ فِيهِ يُدْعى بِهِ النّاسُ إلى المَحْشَرِ. والثّانِي: أنَّهُ جَمْعُ صُورَةٍ والنَّفْخُ نَفْخُ الرُّوحِ فِيهِ ويَدُلُّ عَلَيْهِ قِراءَةُ مَن قَرَأ: الصُّوَرِ بِفَتْحِ الواوِ والأوَّلُ أوْلى لِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿فَإذا نُقِرَ في النّاقُورِ﴾ [المُدَّثِّرِ: ٨] واللَّهُ تَعالى يُعَرِّفُ النّاسَ أُمُورَ الآخِرَةِ بِأمْثالِ ما شُوهِدَ في الدُّنْيا ومِن عادَةِ النّاسِ النَّفْخُ في البُوقِ عِنْدَ الأسْفارِ وفي العَساكِرِ.
المَسْألَةُ الثّالِثَةُ: المُرادُ مِن هَذا النَّفْخِ هو النَّفْخَةُ الثّانِيَةُ لِأنَّ قَوْلَهُ بَعْدَ ذَلِكَ: ﴿ونَحْشُرُ المُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا﴾ كالدَّلالَةِ عَلى أنَّ النَّفْخَ في الصُّورِ كالسَّبَبِ لِحَشْرِهِمْ فَهو نَظِيرُ قَوْلِهِ: ﴿يَوْمَ يُنْفَخُ في الصُّورِ فَتَأْتُونَ أفْواجًا﴾ [النَّبَأِ: ١٨]، أمّا قَوْلُهُ: ﴿ونَحْشُرُ المُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا﴾ فَفِيهِ مَسائِلُ:
المَسْألَةُ الأُولى: قالَتِ المُعْتَزِلَةُ قَوْلُهُ: ﴿المُجْرِمِينَ﴾ يَتَناوَلُ الكُفّارَ والعُصاةَ فَيَدُلُّ عَلى عَدَمِ العَفْوِ عَنِ العُصاةِ، وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما: يُرِيدُ بِالمُجْرِمِينَ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مَعَ اللَّهِ إلَهًا آخَرَ، وقَدْ تَقَدَّمَ هَذا الكَلامُ.
المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: اخْتَلَفُوا في المُرادِ بِالزُّرْقَةِ عَلى وُجُوهٍ: أحَدُها: قالَ الضَّحّاكُ ومُقاتِلٌ: يَعْنِي زُرْقَ العُيُونِ سُودَ الوُجُوهِ وهي زُرْقَةٌ تَتَشَوَّهُ بِها خِلْقَتُهم والعَرَبُ تَتَشاءَمُ بِذَلِكَ، فَإنْ قِيلَ: ألَيْسَ أنَّ اللَّهَ تَعالى أخْبَرَ أنَّهم: يُحْشَرُونَ عُمْيًا، فَكَيْفَ يَكُونُ أعْمى وأزْرَقَ ؟ قُلْنا: لَعَلَّهُ يَكُونُ أعْمى في حالٍ وأزْرَقَ في حالٍ. وثانِيها: المُرادُ مِنَ الزُّرْقَةِ العَمى، قالَ الكَلْبِيُّ: زُرْقًا أيْ عُمْيًا، قالَ الزَّجّاجُ: يَخْرُجُونَ بُصَراءَ في أوَّلِ مَرَّةٍ ويَعْمُونَ في المَحْشَرِ، وسَوادُ العَيْنِ إذا ذَهَبَ تَزْرَقُّ، فَإنْ قِيلَ: كَيْفَ يَكُونُ أعْمى، وقَدْ قالَ تَعالى: ﴿إنَّما يُؤَخِّرُهم لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأبْصارُ﴾ [إبْراهِيمَ: ٤٢] وشُخُوصُ البَصَرِ مِنَ الأعْمى مُحالٌ، وقَدْ قالَ في حَقِّهِمُ: ﴿اقْرَأْ كِتابَكَ﴾ [الإسْراءِ: ١٤] والأعْمى كَيْفَ يَقْرَأُ ؟ . فالجَوابُ: أنَّ أحْوالَهم قَدْ تَخْتَلِفُ. وثالِثُها: قالَ أبُو مُسْلِمٍ: المُرادُ بِهَذِهِ الزُّرْقَةِ شُخُوصُ أبْصارِهِمْ والأزْرَقُ شاخِصٌ لِأنَّهُ لِضَعْفِ بَصَرِهِ يَكُونُ مُحَدِّقًا نَحْوَ الشَّيْءِ يُرِيدُ أنْ يَتَبَيَّنَهُ وهَذِهِ حالُ الخائِفِ المُتَوَقِّعِ لِما يَكْرَهُ وهو كَقَوْلِهِ: ﴿إنَّما يُؤَخِّرُهم لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأبْصارُ﴾ . ورابِعُها: زُرْقًا عِطاشًا هَكَذا رَواهُ ثَعْلَبٌ عَنِ ابْنِ الأعْرابِيِّ قالَ: لِأنَّهم مِن شِدَّةِ العَطَشِ يَتَغَيَّرُ سَوادُ عُيُونِهِمْ حَتّى تَزْرَقَّ، ويَدُلُّ عَلى هَذا التَّفْسِيرِ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ونَسُوقُ المُجْرِمِينَ إلى جَهَنَّمَ وِرْدًا﴾ [مَرْيَمَ: ٨٦] . وخامِسُها: حَكى ثَعْلَبٌ عَنِ ابْنِ الأعْرابِيِّ قالَ: طامِعِينَ فِيما لا يَنالُونَهُ. الصِّفَةُ الثّالِثَةُ: مِن صِفاتِ الكُفّارِ يَوْمَ القِيامَةِ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿يَتَخافَتُونَ بَيْنَهم إنْ لَبِثْتُمْ إلّا عَشْرًا﴾ وفِيهِ مَسائِلُ:
المَسْألَةُ الأُولى: يَتَخافَتُونَ أيْ يَتَسارُّونَ، يُقالُ: خَفَتَ يَخْفِتُ وخافَتَ مُخافَتَةً، والتَّخافُتُ السِّرارُ وهو نَظِيرُ (p-١٠٠)قَوْلِهِ تَعالى: ﴿فَلا تَسْمَعُ إلّا هَمْسًا﴾ وإنَّما يَتَخافَتُونَ لِأنَّهُ امْتَلَأتْ صُدُورُهم مِنَ الرُّعْبِ والهَوْلِ، أوْ لِأنَّهم صارُوا بِسَبَبِ الخَوْفِ في نِهايَةِ الضَّعْفِ فَلا يُطِيقُونَ الجَهْرَ.
المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: اخْتَلَفُوا في أنَّ المُرادَ بِقَوْلِهِ: ﴿إنْ لَبِثْتُمْ﴾ اللُّبْثُ في الدُّنْيا أوْ في القَبْرِ، فَقالَ قَوْمٌ: أرادُوا بِهِ اللُّبْثَ في الدُّنْيا، وهَذا قَوْلُ الحَسَنِ وقَتادَةَ والضَّحّاكِ، واحْتَجُّوا عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿قالَ كَمْ لَبِثْتُمْ في الأرْضِ عَدَدَ سِنِينَ﴾ ﴿قالُوا لَبِثْنا يَوْمًا أوْ بَعْضَ يَوْمٍ فاسْألِ العادِّينَ﴾ [المُؤْمِنُونَ: ١١٣] فَإنْ قِيلَ: إمّا أنْ يُقالَ إنَّهم نَسُوا قَدْرَ لُبْثِهِمْ في الدُّنْيا، أوْ ما نَسُوا ذَلِكَ، والأوَّلُ غَيْرُ جائِزٍ إذْ لَوْ جازَ ذَلِكَ لَجازَ أنْ يَبْقى الإنْسانُ خَمْسِينَ سَنَةً في بَلَدٍ ثُمَّ يَنْساهُ، والثّانِي غَيْرُ جائِزٍ لِأنَّهُ كَذِبٌ، وأهْلُ الآخِرَةِ لا يَكْذِبُونَ، لا سِيَّما وهَذا الكَذِبُ لا فائِدَةَ فِيهِ، قُلْنا: فِيهِ وُجُوهٌ:
أحَدُها: لَعَلَّهم إذا حُشِرُوا في أوَّلِ الأمْرِ وعايَنُوا تِلْكَ الأهْوالَ فَلِشِدَّةِ وقْعِها عَلَيْهِمْ ذَهَلُوا عَنْ مِقْدارِ عُمْرِهِمْ في الدُّنْيا وما ذَكَرُوا إلّا القَلِيلَ فَقالُوا: لَيْتَنا ما عِشْنا إلّا تِلْكَ الأيّامَ القَلِيلَةَ في الدُّنْيا حَتّى لا نَقَعَ في هَذِهِ الأهْوالِ، والإنْسانُ عِنْدَ الهَوْلِ الشَّدِيدِ قَدْ يَذْهَلُ عَنْ أظْهَرِ الأشْياءِ، وتَمامُ تَقْرِيرِهِ مَذْكُورٌ في سُورَةِ الأنْعامِ في قَوْلِهِ: ﴿ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهم إلّا أنْ قالُوا واللَّهِ رَبِّنا ما كُنّا مُشْرِكِينَ﴾ [الأنْعامِ: ٢٣] . وثانِيها: أنَّهم عالِمُونَ بِمِقْدارِ عُمُرِهِمْ في الدُّنْيا إلّا أنَّهم لَمّا قابَلُوا أعْمارَهم في الدُّنْيا بِأعْمارِ الآخِرَةِ وجَدُوها في نِهايَةِ القِلَّةِ، فَقالَ بَعْضُهم: ما لَبِثْنا في الدُّنْيا إلّا عَشَرَةَ أيّامٍ، وقالَ أعْقَلُهم: بَلْ ما لَبِثْنا إلّا يَوْمًا واحِدًا، أيْ قَدْرُ لُبْثِنا في الدُّنْيا بِالقِياسِ إلى قَدْرِ لُبْثِنا في الآخِرَةِ كَعَشَرَةِ أيّامٍ بَلْ كاليَوْمِ الواحِدِ بَلْ كالعَدَمِ، وإنَّما خَصَّ العَشَرَةَ والواحِدَ بِالذِّكْرِ لِأنَّ القَلِيلَ في أمْثالِ هَذِهِ المَواضِعِ لا يُعَبَّرُ عَنْهُ إلّا بِالعَشَرَةِ والواحِدِ. وثالِثُها: أنَّهم لَمّا عايَنُوا الشَّدائِدَ تَذَكَّرُوا أيّامَ النِّعْمَةِ والسُّرُورِ وتَأسَّفُوا عَلَيْها فَوَصَفُوها بِالقِصَرِ لِأنَّ أيّامَ السُّرُورِ قِصارٌ. ورابِعُها: أنَّ أيّامَ الدُّنْيا قَدِ انْقَضَتْ وأيّامَ الآخِرَةِ مُسْتَقْبَلَةٌ، والذّاهِبُ وإنْ طالَتْ مُدَّتُهُ قَلِيلٌ بِالقِياسِ إلى الآتِي وإنْ قَصُرَتْ مُدَّتُهُ، فَكَيْفَ والأمْرُ بِالعَكْسِ؛ ولِهَذِهِ الوُجُوهِ رَجَّحَ اللَّهُ تَعالى قَوْلَ مَن بالَغَ في التَّقْلِيلِ فَقالَ: ﴿إذْ يَقُولُ أمْثَلُهم طَرِيقَةً إنْ لَبِثْتُمْ إلّا يَوْمًا﴾ .
القَوْلُ الثّانِي: أنَّ المُرادَ مِنهُ اللُّبْثُ في القَبْرِ، ويُعَضِّدُهُ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ويَوْمَ تَقُومُ السّاعَةُ يُقْسِمُ المُجْرِمُونَ ما لَبِثُوا غَيْرَ ساعَةٍ كَذَلِكَ كانُوا يُؤْفَكُونَ﴾ [الرُّومِ: ٥٥] ﴿وقالَ الَّذِينَ أُوتُوا العِلْمَ والإيمانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ في كِتابِ اللَّهِ إلى يَوْمِ البَعْثِ﴾ [الرُّومِ: ٥٦] فَأمّا مَن جَوَّزَ الكَذِبَ عَلى أهْلِ القِيامَةِ فَلا إشْكالَ لَهُ في الآيَةِ، أمّا مَن لَمْ يُجَوِّزْ قالَ: إنَّ اللَّهَ تَعالى لَمّا أحْياهم في القَبْرِ وعَذَّبَهم ثُمَّ أماتَهم ثُمَّ بَعَثَهم يَوْمَ القِيامَةِ لَمْ يَعْرِفُوا أنْ قَدْرَ لُبْثِهِمْ في القَبْرِ كَمْ كانَ، فَخَطَرَ بِبالِ بَعْضِهِمْ أنَّهُ في تَقْدِيرِ عَشَرَةِ أيّامٍ، وقالَ آخَرُونَ: إنَّهُ يَوْمٌ واحِدٌ، فَلَمّا وقَعُوا في العَذابِ مَرَّةً أُخْرى تَمَنَّوْا زَمانَ المَوْتِ الَّذِي هو زَمانُ الخَلاصِ لِما نالَهم مِن هَوْلِ العَذابِ.
المَسْألَةُ الثّالِثَةُ: الأكْثَرُونَ عَلى أنَّ قَوْلَهُ: ﴿إنْ لَبِثْتُمْ إلّا عَشْرًا﴾ أيْ عَشَرَةَ أيّامٍ، فَيَكُونُ قَوْلُ مَن قالَ: ﴿إنْ لَبِثْتُمْ إلّا يَوْمًا﴾ أقَلَّ، وقالَ مُقاتِلٌ: ﴿إنْ لَبِثْتُمْ إلّا عَشْرًا﴾ أيْ عَشْرَ ساعاتٍ كَقَوْلِهِ: ﴿كَأنَّهم يَوْمَ يَرَوْنَها لَمْ يَلْبَثُوا إلّا عَشِيَّةً أوْ ضُحاها﴾ [النّازِعاتِ: ٤٦] وعَلى هَذا التَّقْدِيرِ يَكُونُ اليَوْمُ أكْثَرَ، واللَّهُ أعْلَمُ. واعْلَمْ أنَّهُ سُبْحانَهُ وتَعالى بَيَّنَ بِهَذا القَوْلِ أعْظَمَ ما نالَهم مِنَ الحَيْرَةِ الَّتِي دُفِعُوا عِنْدَها إلى هَذا الجِنْسِ مِنَ التَّخافُتِ.
{"ayahs_start":102,"ayahs":["یَوۡمَ یُنفَخُ فِی ٱلصُّورِۚ وَنَحۡشُرُ ٱلۡمُجۡرِمِینَ یَوۡمَىِٕذࣲ زُرۡقࣰا","یَتَخَـٰفَتُونَ بَیۡنَهُمۡ إِن لَّبِثۡتُمۡ إِلَّا عَشۡرࣰا","نَّحۡنُ أَعۡلَمُ بِمَا یَقُولُونَ إِذۡ یَقُولُ أَمۡثَلُهُمۡ طَرِیقَةً إِن لَّبِثۡتُمۡ إِلَّا یَوۡمࣰا","وَیَسۡـَٔلُونَكَ عَنِ ٱلۡجِبَالِ فَقُلۡ یَنسِفُهَا رَبِّی نَسۡفࣰا","فَیَذَرُهَا قَاعࣰا صَفۡصَفࣰا"],"ayah":"وَیَسۡـَٔلُونَكَ عَنِ ٱلۡجِبَالِ فَقُلۡ یَنسِفُهَا رَبِّی نَسۡفࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق