الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وما أنْفَقْتُمْ مِن نَفَقَةٍ أوْ نَذَرْتُمْ مِن نَذْرٍ فَإنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ وما لِلظّالِمِينَ مِن أنْصارٍ﴾ .
اعْلَمْ أنَّهُ تَعالى لَمّا بَيَّنَ أنَّ الإنْفاقَ يَجِبُ أنْ يَكُونَ مِن أجْوَدِ المالِ، ثُمَّ حَثَّ أوَّلًا بِقَوْلِهِ: ﴿ولا تَيَمَّمُوا الخَبِيثَ﴾، وثانِيًا بِقَوْلِهِ: ﴿الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الفَقْرَ﴾ حَثَّ عَلَيْهِ ثالِثًا بِقَوْلِهِ: ﴿وما أنْفَقْتُمْ مِن نَفَقَةٍ أوْ نَذَرْتُمْ مِن نَذْرٍ فَإنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ﴾ وفي الآيَةِ مَسائِلُ:
المَسْألَةُ الأُولى: في قَوْلِهِ: ﴿فَإنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ﴾ عَلى اخْتِصارِهِ، يُفِيدُ الوَعْدَ العَظِيمَ لِلْمُطِيعِينَ، والوَعِيدَ الشَّدِيدَ لِلْمُتَمَرِّدِينَ، وبَيانُهُ مِن وُجُوهٍ:
أحَدُها: أنَّهُ تَعالى عالِمٌ بِما في قَلْبِ المُتَصَدِّقِ مِن نِيَّةِ الإخْلاصِ والعُبُودِيَّةِ أوْ مِن نِيَّةِ الرِّياءِ والسُّمْعَةِ.
وثانِيها: أنَّ عِلْمَهُ بِكَيْفِيَّةِ نِيَّةِ المُتَصَدِّقِ يُوجِبُ قَبُولَ تِلْكَ الطّاعاتِ، كَما قالَ: ﴿إنَّما يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ المُتَّقِينَ﴾ [المائِدَةِ: ٢٧] وقَوْلُهُ: ﴿فَمَن يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ﴾ ﴿ومَن يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ﴾ [الزَّلْزَلَةِ: ٧، ٨] .
وثالِثُها: أنَّهُ تَعالى يَعْلَمُ القَدْرَ المُسْتَحَقَّ مِنَ الثَّوابِ والعِقابِ عَلى تِلْكَ الدَّواعِي والنِّيّاتِ فَلا يُهْمِلُ شَيْئًا مِنها، ولا يَشْتَبِهُ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنها.
المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: إنَّما قالَ: ﴿فَإنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ﴾ ولَمْ يَقُلْ: يَعْلَمُها، لِوَجْهَيْنِ:
الأوَّلُ: أنَّ الضَّمِيرَ عائِدٌ إلى الأخِيرِ، كَقَوْلِهِ: ﴿ومَن يَكْسِبْ خَطِيئَةً أوْ إثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا﴾ [النِّساءِ: ١١٢] وهَذا قَوْلُ الأخْفَشِ.
والثّانِي: أنَّ الكِتابَةَ عادَتْ إلى ما في قَوْلِهِ: ﴿وما أنْفَقْتُمْ مِن نَفَقَةٍ﴾ لِأنَّها اسْمٌ كَقَوْلِهِ: ﴿وما أنْزَلَ عَلَيْكم مِنَ الكِتابِ والحِكْمَةِ يَعِظُكم بِهِ﴾ [البَقَرَةِ: ٢٣١] .
(p-٦٢)المَسْألَةُ الثّالِثَةُ: النَّذْرُ ما يَلْتَزِمُهُ الإنْسانُ بِإيجابِهِ عَلى نَفْسِهِ يُقالُ: نَذَرَ يَنْذُرُ، وأصْلُهُ مِنَ الخَوْفِ لِأنَّ الإنْسانَ إنَّما يَعْقِدُ عَلى نَفْسِهِ خَوْفَ التَّقْصِيرِ في الأمْرِ المُهِمِّ عِنْدَهُ، وأنْذَرْتُ القَوْمَ إنْذارًا بِالتَّخْوِيفِ، وفي الشَّرِيعَةِ عَلى ضَرْبَيْنِ: مُفَسَّرٍ وغَيْرِ مُفَسَّرٍ، فالمُفَسَّرُ أنْ يَقُولَ: لِلَّهِ عَلَيَّ عِتْقُ رَقَبَةٍ، ولِلَّهِ عَلَيَّ حَجٌّ، فَهَهُنا يَلْزَمُ الوَفاءُ بِهِ ولا يَجْزِيهِ غَيْرُهُ. وغَيْرُ المُفَسَّرِ أنْ يَقُولَ: نَذَرْتُ لِلَّهِ أنْ لا أفْعَلَ كَذا ثُمَّ يَفْعَلُهُ، أوْ يَقُولَ: لِلَّهِ عَلَيَّ نَذْرٌ مِن غَيْرِ تَسْمِيَةٍ فَيَلْزَمُ فِيهِ كَفّارَةُ يَمِينٍ، لِقَوْلِهِ ﷺ: ”«مَن نَذَرَ نَذْرًا وسَمّى فَعَلَيْهِ ما سَمّى، ومَن نَذَرَ نَذْرًا ولَمْ يُسَمِّ فَعَلَيْهِ كَفّارَةُ يَمِينٍ» “ .
أمّا قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وما لِلظّالِمِينَ مِن أنْصارٍ﴾ فَفِيهِ مَسْألَتانِ:
المَسْألَةُ الأُولى: أنَّهُ وعِيدٌ شَدِيدٌ لِلظّالِمِينَ، وهو قِسْمانِ، أمّا ظُلْمُهُ نَفْسَهُ فَذاكَ حاصِلٌ في كُلِّ المَعاصِي، وأمّا ظُلْمُهُ غَيْرَهُ فَبِأنْ لا يُنْفِقَ أوْ يَصْرِفَ الإنْفاقَ عَنِ المُسْتَحِقِّ إلى غَيْرِهِ، أوْ يَكُونَ نِيَّتُهُ في الإنْفاقِ عَلى المُسْتَحِقِّ الرِّياءَ والسُّمْعَةَ، أوْ يُفْسِدَها بِالمَعاصِي، وهَذانِ القِسْمانِ الأخِيرانِ لَيْسا مِن بابِ الظُّلْمِ عَلى الغَيْرِ، بَلْ مِن بابِ الظُّلْمِ عَلى النَّفْسِ.
المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: المُعْتَزِلَةُ تَمَسَّكُوا بِهَذِهِ الآيَةِ في نَفْيِ الشَّفاعَةِ عَنْ أهْلِ الكَبائِرِ، قالُوا: لِأنَّ ناصِرَ الإنْسانِ مَن يَدْفَعُ الضَّرَرَ عَنْهُ، فَلَوِ انْدَفَعَتِ العُقُوبَةُ عَنْهم بِشَفاعَةِ الشُّفَعاءِ لَكانَ أُولَئِكَ أنْصارًا لَهم وذَلِكَ يُبْطِلُ قَوْلَهُ تَعالى: ﴿وما لِلظّالِمِينَ مِن أنْصارٍ﴾ .
واعْلَمْ أنَّ العُرْفَ لا يُسَمِّي الشَّفِيعَ ناصِرًا، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿واتَّقُوا يَوْمًا لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا ولا يُقْبَلُ مِنها شَفاعَةٌ ولا يُؤْخَذُ مِنها عَدْلٌ ولا هم يُنْصَرُونَ﴾ [البَقَرَةِ: ٤٨] فَفَرَّقَ تَعالى بَيْنَ الشَّفِيعِ والنّاصِرِ فَلا يَلْزَمُ مِن نَفْيِ الأنْصارِ نَفْيُ الشُّفَعاءِ.
والجَوابُ الثّانِي: لَيْسَ لِمَجْمُوعِ الظّالِمِينَ أنْصارٌ، فَلِمَ قُلْتُمْ لَيْسَ لِبَعْضِ الظّالِمِينَ أنْصارٌ ؟
فَإنْ قِيلَ: لَفْظُ الظّالِمِينَ ولَفْظُ الأنْصارِ جَمْعٌ، والجَمْعُ إذا قُوبِلَ بِالجَمْعِ تَوَزَّعَ الفَرْدُ عَلى الفَرْدِ، فَكانَ المَعْنى: لَيْسَ لِأحَدٍ مِنَ الظّالِمِينَ أحَدٌ مِنَ الأنْصارِ.
قُلْنا: لا نُسَلِّمُ أنَّ مُقابَلَةَ الجَمْعِ بِالجَمْعِ تُوجِبُ تَوَزُّعَ الفَرْدِ عَلى الفَرْدِ لِاحْتِمالِ أنْ يَكُونَ المُرادُ مُقابَلَةَ الجَمْعِ بِالجَمْعِ فَقَطْ لا مُقابَلَةَ الفَرْدِ بِالفَرْدِ.
والجَوابُ الثّالِثُ: أنَّ هَذا الدَّلِيلَ النّافِيَ لِلشَّفاعَةِ عامٌّ في حَقِّ الكُلِّ، وفي كُلِّ الأوْقاتِ، والدَّلِيلُ المُثْبِتُ لِلشَّفاعَةِ خاصٌّ في حَقِّ البَعْضِ وفي بَعْضِ الأوْقاتِ، والخاصُّ مُقَدَّمٌ عَلى العامِّ، واللَّهُ أعْلَمُ.
والجَوابُ الرّابِعُ: ما بَيَّنّا أنَّ اللَّفْظَ العامَّ لا يَكُونُ قاطِعًا في الِاسْتِغْراقِ، بَلْ ظاهِرًا عَلى سَبِيلِ الظَّنِّ القَوِيِّ فَصارَ الدَّلِيلُ ظَنِّيًّا، والمَسْألَةُ لَيْسَتْ ظَنِّيَّةً، فَكانَ التَّمَسُّكُ بِها ساقِطًا.
المَسْألَةُ الثّالِثَةُ: الأنْصارُ جَمْعُ نَصِيرٍ، كَأشْرافٍ وشَرِيفٍ، وأحْبابٍ وحَبِيبٍ.
{"ayah":"وَمَاۤ أَنفَقۡتُم مِّن نَّفَقَةٍ أَوۡ نَذَرۡتُم مِّن نَّذۡرࣲ فَإِنَّ ٱللَّهَ یَعۡلَمُهُۥۗ وَمَا لِلظَّـٰلِمِینَ مِنۡ أَنصَارٍ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق