الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أمْوالَهم في سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ في كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ واللَّهُ يُضاعِفُ لِمَن يَشاءُ واللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ﴾ .
اعْلَمْ أنَّهُ سُبْحانَهُ لَمّا ذَكَرَ مِن بَيانِ أُصُولِ العِلْمِ بِالمَبْدَأِ وبِالمَعادِ ومِن دَلائِلِ صِحَّتِهِما ما أرادَ أتْبَعَ ذَلِكَ بِبَيانِ الشَّرائِعِ والأحْكامِ والتَّكالِيفِ.
فالحُكْمُ الأوَّلُ: في بَيانِ التَّكالِيفِ المُعْتَبَرَةِ في إنْفاقِ الأمْوالِ، وفي الآيَةِ مَسائِلُ:
المَسْألَةُ الأُولى: في كَيْفِيَّةِ النَّظْمِ وُجُوهٌ:
الأوَّلُ: قالَ القاضِي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إنَّهُ تَعالى لَمّا أجْمَلَ في قَوْلِهِ: ﴿مَن ذا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضاعِفَهُ لَهُ أضْعافًا كَثِيرَةً﴾ [البَقَرَةِ: ٢٤٥] فَصَّلَ بَعْدَ ذَلِكَ في هَذِهِ الآيَةِ تِلْكَ الأضْعافَ، وإنَّما ذَكَرَ بَيْنَ الآيَتَيْنِ الأدِلَّةَ عَلى قُدْرَتِهِ بِالإحْياءِ والإماتَةِ مِن حَيْثُ لَوْلا ذَلِكَ لَمْ يَحْسُنِ التَّكْلِيفُ بِالإنْفاقِ؛ لِأنَّهُ لَوْلا وُجُودُ الإلَهِ المُثِيبُ المُعاقِبُ، لَكانَ الإنْفاقُ في سائِرِ الطّاعاتِ عَبَثًا، فَكَأنَّهُ تَعالى قالَ لِمَن رَغَّبَهُ في الإنْفاقِ: قَدْ عَرَفْتَ أنِّي خَلَقْتُكَ وأكْمَلْتُ نِعْمَتِي عَلَيْكَ بِالإحْياءِ والإقْدارِ، وقَدْ عَلِمْتَ قُدْرَتِي عَلى المُجازاةِ والإثابَةِ، فَلْيَكُنْ عِلْمُكَ بِهَذِهِ الأحْوالِ داعِيًا إلى إنْفاقِ المالِ، فَإنَّهُ يُجازِي القَلِيلَ بِالكَثِيرِ، ثُمَّ ضَرَبَ لِذَلِكَ الكَثِيرِ مَثَلًا، وهو أنَّ مَن بَذَرَ حَبَّةً أخْرَجَتْ سَبْعَ سَنابِلَ في كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ، فَصارَتِ الواحِدَةُ سَبْعَمِائَةٍ.
الوَجْهُ الثّانِي في بَيانِ النَّظْمِ: ما ذَكَرَهُ الأصَمُّ، وهو أنَّهُ تَعالى ضَرَبَ هَذا المَثَلَ بَعْدَ أنِ احْتَجَّ عَلى الكُلِّ بِما يُوجِبُ تَصْدِيقَ النَّبِيِّ ﷺ لِيَرْغَبُوا في المُجاهَدَةِ بِالنَّفْسِ والمالِ في نُصْرَتِهِ وإعْلاءِ شَرِيعَتِهِ.
والوَجْهُ الثّالِثُ: لَمّا بَيَّنَ تَعالى أنَّهُ ولِيُّ المُؤْمِنِينَ، وأنَّ الكُفّارَ أوْلِياؤُهُمُ الطّاغُوتُ، بَيَّنَ مَثَلَ ما يُنْفِقُ المُؤْمِنُ في سَبِيلِ اللَّهِ وما يُنْفِقُ الكافِرُ في سَبِيلِ الطّاغُوتِ.
المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: في الآيَةِ إضْمارٌ، والتَّقْدِيرُ: مَثَلُ صَدَقاتِ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أمْوالَهم كَمَثَلِ حَبَّةٍ. وقِيلَ: مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أمْوالَهم كَمَثَلِ زارِعِ حَبَّةٍ.
المَسْألَةُ الثّالِثَةُ: مَعْنى ﴿يُنْفِقُونَ أمْوالَهم في سَبِيلِ اللَّهِ﴾ يَعْنِي في دِينِهِ، قِيلَ: أرادَ النَّفَقَةَ في الجِهادِ خاصَّةً، وقِيلَ: جَمِيعُ أبْوابِ البِرِّ، ويَدْخُلُ فِيهِ الواجِبُ والنَّفْلُ مِنَ الإنْفاقِ في الهِجْرَةِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، ومِنَ الإنْفاقِ في الجِهادِ عَلى نَفْسِهِ وعَلى الغَيْرِ، ومِن صَرْفِ المالِ إلى الصَّدَقاتِ، ومِن إنْفاقِها في المَصالِحِ؛ لِأنَّ كُلَّ ذَلِكَ مَعْدُودٌ في السَّبِيلِ الَّذِي هو دِينُ اللَّهِ وطَرِيقَتُهُ؛ لِأنَّ كُلَّ ذَلِكَ ”إنْفاقٌ في سَبِيلِ اللَّهِ“ .
فَإنْ قِيلَ: فَهَلْ رَأيْتَ سُنْبُلَةً فِيها مِائَةُ حَبَّةٍ حَتّى يُضْرَبَ المَثَلُ بِها ؟ .
قُلْنا: الجَوابُ عَنْهُ مِن وُجُوهٍ:
الأوَّلُ: أنَّ المَقْصُودَ مِنَ الآيَةِ أنَّهُ لَوْ عَلِمَ إنْسانٌ يَطْلُبُ الزِّيادَةَ والرِّبْحَ أنَّهُ (p-٤٠)إذا بَذَرَ حَبَّةً واحِدَةً أخْرَجَتْ لَهُ سَبْعَمِائَةِ حَبَّةٍ ما كانَ يَنْبَغِي لَهُ تَرْكُ ذَلِكَ ولا التَّقْصِيرُ فِيهِ، فَكَذَلِكَ يَنْبَغِي لِمَن طَلَبَ الأجْرَ في الآخِرَةِ عِنْدَ اللَّهِ أنْ لا يَتْرُكَهُ إذا عَلِمَ أنَّهُ يَحْصُلُ لَهُ عَلى الواحِدَةِ عَشْرَةٌ ومِائَةٌ وسَبْعُمِائَةٍ، وإذا كانَ هَذا المَعْنى مَعْقُولًا سَواءٌ وُجِدَ في الدُّنْيا سُنْبُلَةٌ بِهَذِهِ الصِّفَةِ أوْ لَمْ يُوجَدْ كانَ المَعْنى حاصِلًا مُسْتَقِيمًا، وهَذا قَوْلُ القَفّالِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وهو حَسَنٌ جِدًّا.
والجَوابُ الثّانِي: أنَّهُ شُوهِدَ ذَلِكَ في سُنْبُلَةِ الجاوَرْسِ، وهَذا الجَوابُ في غايَةِ الرَّكاكَةِ.
المَسْألَةُ الرّابِعَةُ: كانَ أبُو عَمْرٍو وحَمْزَةُ والكِسائِيُّ يُدْغِمُونَ التّاءَ في السِّينِ في قَوْلِهِ: ﴿أنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ﴾ لِأنَّهُما حَرْفانِ مَهْمُوسانِ، والباقُونَ بِالإظْهارِ عَلى الأصْلِ.
* * *
ثُمَّ قالَ: ﴿واللَّهُ يُضاعِفُ لِمَن يَشاءُ﴾ ولَيْسَ فِيهِ بَيانُ كَمِّيَّةِ تِلْكَ المُضاعَفَةِ، ولا بَيانُ مَن يُشَرِّفُهُ اللَّهُ بِهَذِهِ المُضاعَفَةِ، بَلْ يَجِبُ أنْ يَجُوزَ أنَّهُ تَعالى يُضاعِفُ لِكُلِّ المُتَّقِينَ، ويَجُوزَ أنْ يُضاعِفَ لِبَعْضِهِمْ مِن حَيْثُ يَكُونُ إنْفاقُهُ أدْخَلَ في الإخْلاصِ، أوْ لِأنَّهُ تَعالى بِفَضْلِهِ وإحْسانِهِ يَجْعَلُ طاعَتَهُ مَقْرُونَةً بِمَزِيدِ القَبُولِ والثَّوابِ.
* * *
ثُمَّ قالَ: ﴿واللَّهُ واسِعٌ﴾ أيْ: واسِعُ القُدْرَةِ عَلى المُجازاةِ عَلى الجُودِ والإفْضالِ عَلَيْهِمْ، بِمَقادِيرِ الإنْفاقاتِ، وكَيْفِيَّةِ ما يَسْتَحِقُّ عَلَيْها، ومَتى كانَ الأمْرُ كَذَلِكَ لَمْ يَصِرْ عَمَلُ العامِلِ ضائِعًا عِنْدَ اللَّهِ تَعالى.
{"ayah":"مَّثَلُ ٱلَّذِینَ یُنفِقُونَ أَمۡوَ ٰلَهُمۡ فِی سَبِیلِ ٱللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنۢبَتَتۡ سَبۡعَ سَنَابِلَ فِی كُلِّ سُنۢبُلَةࣲ مِّا۟ئَةُ حَبَّةࣲۗ وَٱللَّهُ یُضَـٰعِفُ لِمَن یَشَاۤءُۚ وَٱللَّهُ وَ ٰسِعٌ عَلِیمٌ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق