الباحث القرآني
قَوْلُهُ عَزَّ وجَلَّ: ﴿ياأيُّها الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِن طَيِّباتِ ما رَزَقْناكم واشْكُرُوا لِلَّهِ إنْ كُنْتُمْ إيّاهُ تَعْبُدُونَ﴾ .
اعْلَمْ أنَّ هَذِهِ الآيَةَ شَبِيهَةٌ بِما تَقَدَّمَ مِن قَوْلِهِ: ﴿كُلُوا مِمّا في الأرْضِ حَلالًا طَيِّبًا﴾ [البقرة: ١٦٨] ثُمَّ نَقُولُ: إنَّ اللَّهَ سُبْحانَهُ وتَعالى تَكَلَّمَ مِن أوَّلِ السُّورَةِ إلى هَهُنا في دَلائِلِ التَّوْحِيدِ والنُّبُوَّةِ واسْتَقْصى في الرَّدِّ عَلى اليَهُودِ والنَّصارى، ومِن هُنا شَرَعَ في بَيانِ الأحْكامِ، اعْلَمْ أنَّ في الآيَةِ مَسائِلَ:
المَسْألَةُ الأُولى: اعْلَمْ أنَّ الأكْلَ قَدْ يَكُونُ واجِبًا، وذَلِكَ عِنْدَ دَفْعِ الضَّرَرِ عَنِ النَّفْسِ، وقَدْ يَكُونُ مَندُوبًا، وذَلِكَ أنَّ الضَّيْفَ قَدْ يَمْتَنِعُ مِنَ الأكْلِ إذا انْفَرَدَ ويَنْبَسِطُ في ذَلِكَ إذا سُوعِدَ، فَهَذا الأكْلُ مَندُوبٌ، وقَدْ يَكُونُ مُباحًا إذا خَلا عَنْ هَذِهِ العَوارِضِ، والأصْلُ في الشَّيْءِ أنْ يَكُونَ خالِيًا عَنِ العَوارِضِ، فَلا جَرَمَ كانَ مُسَمّى الأكْلِ مُباحًا، وإذا كانَ الأمْرُ كَذَلِكَ كانَ قَوْلُهُ ﴿كُلُوا﴾ في هَذا المَوْضِعِ لا يُفِيدُ الإيجابَ والنَّدْبَ بَلِ الإباحَةَ.
* * *
المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: احْتَجَّ الأصْحابُ عَلى أنَّ الرِّزْقَ قَدْ يَكُونُ حَرامًا بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿مِن طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ﴾ فَإنَّ الطَّيِّبَ هو الحَلالُ، فَلَوْ كانَ كُلُّ رِزْقٍ حَلالًا لَكانَ قَوْلُهُ: ﴿مِن طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ﴾ مَعْناهُ مِن مُحَلَّلاتِ ما أحْلَلْنا لَكم، فَيَكُونُ تَكْرارًا وهو خِلافُ الأصْلِ، أجابُوا عَنْهُ بِأنَّ الطَّيِّبَ في أصْلِ اللُّغَةِ عِبارَةٌ عَنِ المُسْتَلَذِّ المُسْتَطابِ، ولَعَلَّ أقْوامًا ظَنُّوا أنَّ التَّوَسُّعَ في المَطاعِمِ والِاسْتِكْثارَ مِن طَيِّباتِها مَمْنُوعٌ مِنهُ. فَأباحَ اللَّهُ تَعالى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: كُلُوا مِن لَذائِذِ ما أحْلَلْناهُ لَكم، فَكانَ تَخْصِيصُهُ بِالذِّكْرِ لِهَذا المَعْنى.
المَسْألَةُ الثّالِثَةُ: قَوْلُهُ: ﴿واشْكُرُوا لِلَّهِ﴾ أمْرٌ: ولَيْسَ بِإباحَةٍ، فَإنْ قِيلَ: الشُّكْرُ إمّا أنْ يَكُونَ بِالقَلْبِ أوْ بِاللِّسانِ أوْ بِالجَوارِحِ، أمّا بِالقَلْبِ فَهو إمّا العِلْمُ بِصُدُورِ النِّعْمَةِ عَنْ ذَلِكَ المُنْعِمِ، أوِ العَزْمُ عَلى تَعْظِيمِهِ بِاللِّسانِ وبِالجَوارِحِ، أمّا ذَلِكَ العِلْمُ فَهو مِن لَوازِمِ كَمالِ العَقْلِ، فَإنَّ العاقِلَ لا يَنْسى ذَلِكَ، فَإذا كانَ ذَلِكَ العِلْمُ ضَرُورِيًّا فَكَيْفَ يُمْكِنُ إيجابُهُ ؟
وأمّا العَزْمُ عَلى تَعْظِيمِهِ بِاللِّسانِ والجَوارِحِ فَذَلِكَ العَزْمُ القَلْبِيُّ مَعَ الإقْرارِ بِاللِّسانِ والعَمَلِ بِالجَوارِحِ، فَإذا بَيَّنّا أنَّهُما لا يُجِيبانِ كانَ العَزْمُ بِأنْ لا يَجِبَ أوْلى.
وأمّا الشُّكْرُ بِاللِّسانِ فَهو إمّا أنْ يُقِرَّ بِالِاعْتِرافِ لَهُ بِكَوْنِهِ مُنْعِمًا أوْ بِالثَّناءِ عَلَيْهِ فَهَذا غَيْرُ واجِبٍ بِالِاتِّفاقِ بَلْ هو مِن بابِ المَندُوباتِ.
وأمّا الشُّكْرُ بِالجَوارِحِ والأعْضاءِ فَهو أنْ يَأْتِيَ بِأفْعالٍ دالَّةٍ عَلى تَعْظِيمِهِ، وذَلِكَ أيْضًا غَيْرُ واجِبٍ. وإذا ثَبَتَ هَذا فَنَقُولُ: ظَهَرَ أنَّهُ لا يُمْكِنُ القَوْلُ بِوُجُوبِ الشُّكْرِ قُلْنا: الَّذِي تَلَخَّصَ في هَذا البابِ أنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ اعْتِقادُ كَوْنِهِ مُسْتَحِقًّا لِلتَّعْظِيمِ وإظْهارُ ذَلِكَ بِاللِّسانِ أوْ بِسائِرِ الأفْعالِ إنْ وُجِدَتْ هُناكَ تُهْمَةٌ.
* * *
أمّا قَوْلُهُ تَعالى: ﴿إنْ كُنْتُمْ إيّاهُ تَعْبُدُونَ﴾ فَفِيهِ مَسائِلُ:
المَسْألَةُ الأُولى: في هَذِهِ الآيَةِ وُجُوهٌ:
أحَدُها: ﴿واشْكُرُوا لِلَّهِ﴾ إنْ كُنْتُمْ عارِفِينَ بِاللَّهِ وبِنِعَمِهِ، فَعَبَّرَ عَنْ مَعْرِفَةِ اللَّهِ تَعالى بِعِبادَتِهِ، إطْلاقًا لِاسْمِ الأثَرِ عَلى المُؤَثِّرِ.
وثانِيها: مَعْناهُ: إنْ كُنْتُمْ تُرِيدُونَ أنْ تَعْبُدُوا اللَّهَ فاشْكُرُوهُ، فَإنَّ الشُّكْرَ رَأْسُ العِباداتِ.
وثالِثُها: ﴿واشْكُرُوا لِلَّهِ﴾ الَّذِي رَزَقَكم هَذِهِ النِّعَمَ ﴿إنْ كُنْتُمْ إيّاهُ تَعْبُدُونَ﴾ أيْ إنْ صَحَّ أنَّكم تَخُصُّونَهُ بِالعِبادَةِ وتُقِرُّونَ أنَّهُ سُبْحانَهُ المُنْعِمُ لا غَيْرُهُ، عَنْ أنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ (p-١٠)النَّبِيِّ ﷺ: ”يَقُولُ اللَّهُ تَعالى: «إنِّي والجِنَّ والإنْسَ في نَبَأٍ عَظِيمٍ أخْلُقُ ويُعْبَدُ غَيْرِي، وأرْزُقُ ويُشْكَرُ غَيْرِي» “ .
المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: احْتَجَّ مَن قالَ: إنَّ المُعَلَّقَ بِلَفْظِ: (إنْ)، لا يَكُونُ عَدَمًا عِنْدَ عَدَمِ ذَلِكَ الشَّيْءِ بِهَذِهِ الآيَةِ، فَإنَّهُ تَعالى عَلَّقَ الأمْرَ بِالشُّكْرِ بِكَلِمَةِ (إنْ) عَلى فِعْلِ العِبادِ، مَعَ أنَّ مَن لا يَفْعَلُ هَذِهِ العِباداتِ يَجِبُ عَلَيْهِ الشُّكْرُ أيْضًا.
{"ayah":"یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ كُلُوا۟ مِن طَیِّبَـٰتِ مَا رَزَقۡنَـٰكُمۡ وَٱشۡكُرُوا۟ لِلَّهِ إِن كُنتُمۡ إِیَّاهُ تَعۡبُدُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق