الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿قُلْ أتُحاجُّونَنا في اللَّهِ وهو رَبُّنا ورَبُّكم ولَنا أعْمالُنا ولَكم أعْمالُكم ونَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ﴾ اعْلَمْ أنَّ في الآيَةِ مَسائِلَ: المَسْألَةُ الأُولى: اخْتَلَفُوا في تِلْكَ المُحاجَّةِ وذَكَرُوا وُجُوهًا: أحَدُها: أنَّ ذَلِكَ كانَ قَوْلَهم إنَّهم أوْلى بِالحَقِّ والنُّبُوَّةِ لِتَقَدُّمِ النُّبُوَّةِ فِيهِمْ والمَعْنى: أتُجادِلُونَنا في أنَّ اللَّهَ اصْطَفى رَسُولًا مِنَ العَرَبِ لا مِنكم وتَقُولُونَ: لَوْ أنْزَلَ اللَّهُ عَلى أحَدٍ لَأنْزَلَ عَلَيْكم، وتَرَوْنَكم أحَقَّ بِالنُّبُوَّةِ مِنّا. وثانِيها: قَوْلُهم: نَحْنُ أحَقُّ بِالإيمانِ مِنَ العَرَبِ الَّذِينَ عَبَدُوا الأوْثانَ. وثالِثُها: قَوْلُهم ﴿نَحْنُ أبْناءُ اللَّهِ وأحِبّاؤُهُ﴾ [المائِدَةِ: ١٨] وقَوْلُهم: ﴿لَنْ يَدْخُلَ الجَنَّةَ إلّا مَن كانَ هُودًا أوْ نَصارى﴾ [البَقَرَةِ: ١١١] وقَوْلُهم: ﴿كُونُوا هُودًا أوْ نَصارى تَهْتَدُوا﴾ عَنِ الحَسَنِ. ورابِعُها: ﴿أتُحاجُّونَنا في اللَّهِ﴾ أيْ: أتُحاجُّونَنا في دِينِ اللَّهِ. المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: هَذِهِ المُحاجَّةُ كانَتْ مَعَ مَن ؟ ذَكَرُوا فِيهِ وُجُوهًا: أحَدُها: أنَّهُ خِطابٌ لِلْيَهُودِ والنَّصارى. وثانِيها: أنَّهُ خِطابٌ مَعَ مُشْرِكِي العَرَبِ حَيْثُ قالُوا: ﴿لَوْلا نُزِّلَ هَذا القُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ القَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ﴾ [الزُّخْرُفِ: ٣١] والعَرَبُ كانُوا مُقِرِّينَ بِالخالِقِ. وثالِثُها: أنَّهُ خِطابٌ مَعَ الكُلِّ، والقَوْلُ الأوَّلُ ألْيَقُ بِنَظْمِ الآيَةِ. * * * أمّا قَوْلُهُ: ﴿وهُوَ رَبُّنا ورَبُّكُمْ﴾ فَفِيهِ وجْهانِ: الأوَّلُ: أنَّهُ أعْلَمُ بِتَدْبِيرِ خَلْقِهِ وبِمَن يَصْلُحُ لِلرِّسالَةِ وبِمَن لا يَصْلُحُ لَها، فَلا تَعْتَرِضُوا عَلى رَبِّكم، فَإنَّ العَبْدَ لَيْسَ لَهُ أنْ يَعْتَرِضَ عَلى رَبِّهِ، بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ تَفْوِيضُ الأمْرِ بِالكُلِّيَّةِ لَهُ. الثّانِي: أنَّهُ لا نِسْبَةَ لَكم إلى اللَّهِ تَعالى إلّا بِالعُبُودِيَّةِ، وهَذِهِ النِّسْبَةُ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَنا وبَيْنَكم، فَلِمَ تُرَجِّحُونَ أنْفُسَكم عَلَيْنا، بَلِ التَّرْجِيحُ مِن جانِبِنا لِأنّا مُخْلِصُونَ لَهُ في العُبُودِيَّةِ، ولَسْتُمْ كَذَلِكَ، وهو المُرادُ بِقَوْلِهِ: ﴿ونَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ﴾ وهَذا التَّأْوِيلُ أقْرَبُ. أمّا قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ولَنا أعْمالُنا ولَكم أعْمالُكُمْ﴾ فالمُرادُ مِنهُ النَّصِيحَةُ في الدِّينِ كَأنَّهُ تَعالى قالَ لِنَبِيِّهِ: قُلْ لَهم هَذا القَوْلَ عَلى وجْهِ الشَّفَقَةِ والنَّصِيحَةِ، أيْ لا يَرْجِعُ إلَيَّ مِن أفْعالِكُمُ القَبِيحَةِ ضَرَرٌ حَتّى يَكُونَ المَقْصُودُ مِن هَذا القَوْلِ دَفْعَ ذَلِكَ الضَّرَرِ وإنَّما المُرادُ نُصْحُكم وإرْشادُكم إلى الأصْلَحِ، وبِالجُمْلَةِ فالإنْسانُ إنَّما يَكُونُ مَقْبُولَ القَوْلِ إذا كانَ خالِيًا عَنِ الأغْراضِ الدُّنْيَوِيَّةِ، فَإذا كانَ لِشَيْءٍ مِنَ الأغْراضِ لَمْ يَنْجَعْ قَوْلُهُ في القَلْبِ البَتَّةَ فَهَذا هو المُرادُ فَيَكُونُ فِيهِ مِنَ الرَّدْعِ والزَّجْرِ ما يَبْعَثُ عَلى النَّظَرِ وتَحَرُّكِ الطِّباعِ عَلى الِاسْتِدْلالِ وقَبُولِ الحَقِّ، وأمّا مَعْنى الإخْلاصِ فَقَدْ تَقَدَّمَ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب