الباحث القرآني
قوله تعالى: ﴿فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أضاعُوا الصَّلاةَ واتَّبَعُوا الشَّهَواتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا﴾ ﴿إلّا مَن تابَ وآمَنَ وعَمِلَ صالِحًا فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ ولا يُظْلَمُونَ شَيْئًا﴾ .
اعْلَمْ أنَّهُ تَعالى لَمّا وصَفَ هَؤُلاءِ الأنْبِياءَ بِصِفاتِ المَدْحِ تَرْغِيبًا لَنا في التَّأسِّي بِطَرِيقَتِهِمْ ذَكَرَ بَعْدَهم مَن هو بِالضِّدِّ مِنهم فَقالَ: فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ، وظاهِرُ الكَلامِ أنَّ المُرادَ مِن بَعْدِ هَؤُلاءِ الأنْبِياءِ خَلْفٌ مِن أوْلادِهِمْ يُقالُ: خَلَفَهُ إذا أعْقَبَهُ ثُمَّ قِيلَ في عَقِبِ الخَيْرِ خَلَفٌ بِفَتْحِ اللّامِ وفي عَقِبِ الشَّرِّ خَلْفٌ بِالسُّكُونِ، كَما قالُوا: وعْدٌ في ضَمانِ الخَيْرِ ووَعِيدٌ في ضَمانِ الشَّرِّ وفي الحَدِيثِ: ”«فِي اللَّهِ خَلَفٌ مِن كُلِّ هالِكٍ» “ وفي الشِّعْرِ لِلَبِيدِ:
؎ذَهَبَ الَّذِينَ يُعاشُ في أكْنافِهِمْ وبَقِيتُ في خَلْفٍ كَجِلْدِ الأجْرَبِ
ثُمَّ وصَفَهم بِإضاعَةِ الصَّلاةِ واتِّباعِ الشَّهَواتِ فَإضاعَةُ الصَّلاةِ في مُقابَلَةِ قَوْلِهِ: ﴿خَرُّوا سُجَّدًا﴾ واتِّباعُ الشَّهَواتِ في مُقابَلَةِ قَوْلِهِ: ﴿وبُكِيًّا﴾؛ لِأنَّ بُكاءَهم يَدُلُّ عَلى خَوْفِهِمْ واتِّباعَ هَؤُلاءِ لِشَهَواتِهِمْ يَدُلُّ عَلى عَدَمِ الخَوْفِ لَهم وظاهِرُ قَوْلِهِ: ﴿أضاعُوا الصَّلاةَ﴾ تَرَكُوها لَكِنَّ تَرْكَها قَدْ يَكُونُ بِأنْ لا تُفْعَلَ أصْلًا، وقَدْ يَكُونُ بِأنْ لا تُفْعَلَ في وقْتِها، وإنْ كانَ الأظْهَرُ هو الأوَّلَ، وأمّا اتِّباعُ الشَّهَواتِ فَقالَ ابْنُ عَبّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما - هُمُ اليَهُودُ تَرَكُوا الصَّلاةَ المَفْرُوضَةَ وشَرِبُوا الخَمْرَ واسْتَحَلُّوا نِكاحَ الأُخْتِ مِنَ الأبِ واحْتَجَّ بَعْضُهم بِقَوْلِهِ: ﴿إلّا مَن تابَ وآمَنَ﴾ عَلى أنَّ تارِكَ الصَّلاةِ كافِرٌ، واحْتَجَّ أصْحابُنا بِها في أنَّ الإيمانَ غَيْرُ العَمَلِ؛ لِأنَّهُ تَعالى قالَ: ﴿وآمَنَ وعَمِلَ صالِحًا﴾ فَعَطَفَ العَمَلَ عَلى الإيمانِ والمَعْطُوفُ غَيْرُ المَعْطُوفِ عَلَيْهِ، أجابَ الكَعْبِيُّ عَنْهُ: بِأنَّهُ تَعالى فَرَّقَ بَيْنَ التَّوْبَةِ والإيمانِ، والتَّوْبَةُ مِنَ الإيمانِ فَكَذَلِكَ العَمَلُ الصّالِحُ يَكُونُ مِنَ الإيمانِ وإنْ فُرِّقَ بَيْنَهُما، وهَذا الجَوابُ ضَعِيفٌ؛ لِأنَّ عَطْفَ الإيمانِ عَلى التَّوْبَةِ يَقْتَضِي وُقُوعَ المُغايَرَةِ بَيْنَهُما؛ لِأنَّ التَّوْبَةَ عَزْمٌ عَلى التَّرْكِ والإيمانَ إقْرارٌ بِاللَّهِ تَعالى وهُما مُتَغايِرانِ، فَكَذا في هَذِهِ الصُّورَةِ. ثُمَّ بَيَّنَ تَعالى أنَّ مَن هَذِهِ صِفَتُهُ ﴿يَلْقَوْنَ غَيًّا﴾ وذَكَرُوا في الغَيِّ وُجُوهًا:
أحَدُها: أنَّ كُلَّ شَرٍّ عِنْدَ العَرَبِ غَيٌّ، وكُلَّ خَيْرٍ رَشادٌ، قالَ الشّاعِرُ:
؎فَمَن يَلَقْ خَيْرًا يَحْمَدِ النّاسُ أمْرَهُ ∗∗∗ ومَن يَغْوِ لا يَعْدَمْ عَلى الغَيِّ لائِما
وثانِيها: قالَ الزَّجّاجُ: ”﴿يَلْقَوْنَ غَيًّا﴾“ أيْ يَلْقَوْنَ جَزاءَ الغَيِّ، كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿يَلْقَ أثامًا﴾ [الفرقان: ٦٨] أيْ مُجازاةَ الآثامِ.
وثالِثُها: غَيًّا عَنْ طَرِيقِ الجَنَّةِ.
ورابِعُها: الغَيُّ وادٍ في جَهَنَّمَ يَسْتَعِيذُ مِنهُ أوْدِيَتُها والوَجْهانِ الأوَّلانِ أقْرَبُ فَإنْ كانَ في جَهَنَّمَ مَوْضِعٌ يُسَمّى بِذَلِكَ جازَ، ولا يَخْرُجُ مِن أنْ يَكُونَ المُرادُ ما قَدَّمْنا؛ لِأنَّهُ المَعْقُولُ في اللُّغَةِ، ثُمَّ بَيَّنَ سُبْحانَهُ أنَّ هَذا الوَعِيدَ فِيمَن لَمْ يَتُبْ، وأمّا مَن تابَ وآمَنَ وعَمِلَ صالِحًا فَلَهُمُ الجَنَّةُ لا (p-٢٠٢)يَلْحَقُهم ظُلْمٌ، وهَهُنا سُؤالانِ:
الأوَّلُ: الِاسْتِثْناءُ دَلَّ عَلى أنَّهُ لا بُدَّ مِنَ التَّوْبَةِ والإيمانِ والعَمَلِ الصّالِحِ، ولَيْسَ الأمْرُ كَذَلِكَ؛ لِأنَّ مَن تابَ عَنْ كُفْرِهِ ولَمْ يَدْخُلْ وقْتُ الصَّلاةِ، أوْ كانَتِ المَرْأةُ حائِضًا فَإنَّهُ لا يَجِبُ عَلَيْها الصَّلاةُ، والزَّكاةُ أيْضًا غَيْرُ واجِبَةٍ وكَذا الصَّوْمُ، فَهَهُنا لَوْ ماتَ في ذَلِكَ الوَقْتِ كانَ مِن أهْلِ النَّجاةِ مَعَ أنَّهُ لَمْ يَصْدُرْ عَنْهُ عَمَلٌ فَلَمْ يَجُزْ تَوَقُّفُ الأجْرِ عَلى العَمَلِ الصّالِحِ، والجَوابُ: أنَّ هَذِهِ الصُّورَةَ نادِرَةٌ، والمُرادُ مِنهُ الغالِبُ.
السُّؤالُ الثّانِي: قَوْلُهُ: ﴿ولا يُظْلَمُونَ شَيْئًا﴾ هَذا إنَّما يَصِحُّ لَوْ كانَ الثَّوابُ مُسْتَحَقًّا عَلى العَمَلِ؛ لِأنَّهُ لَوْ كانَ الكُلُّ بِالتَّفَضُّلِ لاسْتَحالَ حُصُولُ الظُّلْمِ، لَكِنَّ مِن مَذْهَبِكم أنَّهُ لا اسْتِحْقاقَ لِلْعَبْدِ بِعَمَلِهِ إلّا بِالوَعْدِ. الجَوابُ: أنَّهُ لَمّا أشْبَهَهُ أُجْرِيَ عَلى حُكْمِهِ.
{"ayahs_start":59,"ayahs":["۞ فَخَلَفَ مِنۢ بَعۡدِهِمۡ خَلۡفٌ أَضَاعُوا۟ ٱلصَّلَوٰةَ وَٱتَّبَعُوا۟ ٱلشَّهَوَ ٰتِۖ فَسَوۡفَ یَلۡقَوۡنَ غَیًّا","إِلَّا مَن تَابَ وَءَامَنَ وَعَمِلَ صَـٰلِحࣰا فَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ یَدۡخُلُونَ ٱلۡجَنَّةَ وَلَا یُظۡلَمُونَ شَیۡـࣰٔا"],"ayah":"۞ فَخَلَفَ مِنۢ بَعۡدِهِمۡ خَلۡفٌ أَضَاعُوا۟ ٱلصَّلَوٰةَ وَٱتَّبَعُوا۟ ٱلشَّهَوَ ٰتِۖ فَسَوۡفَ یَلۡقَوۡنَ غَیًّا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











