الباحث القرآني

(القِصَّةُ الخامِسَةُ قِصَّةُ إسْماعِيلَ - عَلَيْهِ السَّلامُ -) . قَوْلُهُ تَعالى: ﴿واذْكُرْ في الكِتابِ إسْماعِيلَ إنَّهُ كانَ صادِقَ الوَعْدِ وكانَ رَسُولًا نَبِيًّا﴾ ﴿وكانَ يَأْمُرُ أهْلَهُ بِالصَّلاةِ والزَّكاةِ وكانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا﴾ . اعْلَمْ أنَّ إسْماعِيلَ هَذا هو إسْماعِيلُ بْنُ إبْراهِيمَ عَلَيْهِما السَّلامُ، واعْلَمْ أنَّ اللَّهَ تَعالى وصَفَ إسْماعِيلَ - عَلَيْهِ السَّلامُ - بِأشْياءَ: أوَّلُها: قَوْلُهُ: ﴿إنَّهُ كانَ صادِقَ الوَعْدِ﴾ وهَذا الوَعْدُ يُمْكِنُ أنْ يَكُونَ المُرادُ فِيما بَيْنَهُ وبَيْنَ اللَّهِ تَعالى، ويُمْكِنُ أنْ يَكُونَ المُرادُ فِيما بَيْنَهُ وبَيْنَ النّاسِ. أمّا الأوَّلُ: فَهو أنْ يَكُونَ المُرادُ أنَّهُ كانَ لا يُخالِفُ شَيْئًا مِمّا يُؤْمَرُ بِهِ مِن طاعَةِ رَبِّهِ؛ وذَلِكَ لِأنَّ اللَّهَ تَعالى إذا أرْسَلَ المَلَكَ إلى الأنْبِياءِ، وأمَرَهم بِتَأْدِيَةِ الشَّرْعِ فَلا بُدَّ مِن ظُهُورِ وعْدٍ مِنهم يَقْتَضِي القِيامَ بِذَلِكَ، ويَدُلُّ عَلى القِيامِ بِسائِرِ ما يَخُصُّهُ مِنَ العِبادَةِ. وأمّا الثّانِي: فَهو أنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلامُ - كانَ إذا وعَدَ النّاسَ بِشَيْءٍ أنْجَزَ وعْدَهُ فاللَّهُ تَعالى وصَفَهُ بِهَذا الخُلُقِ الشَّرِيفِ، ورُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما - أنَّهُ وعَدَ صاحِبًا لَهُ أنْ يَنْتَظِرَهُ في مَكانٍ فانْتَظَرَهُ سَنَةً، وأيْضًا وعَدَ مِن نَفْسِهِ الصَّبْرَ عَلى الذَّبْحِ فَوَفّى بِهِ حَيْثُ قالَ: ﴿سَتَجِدُنِي إنْ شاءَ اللَّهُ مِنَ الصّابِرِينَ﴾ [الصافات: ١٠٢] ويُرْوى أنَّ عِيسى - عَلَيْهِ السَّلامُ - قالَ لَهُ رَجُلٌ: انْتَظِرْنِي حَتّى آتِيَكَ فَقالَ عِيسى - عَلَيْهِ السَّلامُ: نَعَمْ وانْطَلَقَ الرَّجُلُ ونَسِيَ المِيعادَ فَجاءَ لِحاجَةٍ إلى ذَلِكَ المَكانِ وعِيسى - عَلَيْهِ السَّلامُ - هُنالِكَ لِلْمِيعادِ، وعَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ: ”«أنَّهُ واعَدَ رَجُلًا ونَسِيَ ذَلِكَ الرَّجُلُ فانْتَظَرَهُ مِنَ الضُّحى إلى قَرِيبٍ مِن غُرُوبِ الشَّمْسِ» “ . وسُئِلَ الشَّعْبِيُّ عَنِ الرَّجُلِ يَعِدُ مِيعادًا إلى أيِّ وقْتٍ يَنْتَظِرُهُ فَقالَ: إنْ (p-١٩٩)واعَدَهُ نَهارًا فَكُلُّ النَّهارِ وإنْ واعَدَهُ لَيْلًا فَكُلُّ اللَّيْلِ، وسُئِلَ إبْراهِيمُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ ذَلِكَ فَقالَ: إذا واعَدْتَهُ في وقْتِ الصَّلاةِ فانْتَظِرْهُ إلى وقْتِ صَلاةٍ أُخْرى. وثانِيها: قَوْلُهُ: ﴿وكانَ رَسُولًا نَبِيًّا﴾ وقَدْ مَرَّ تَفْسِيرُهُ. وثالِثُها: قَوْلُهُ: ﴿وكانَ يَأْمُرُ أهْلَهُ بِالصَّلاةِ والزَّكاةِ﴾ والأقْرَبُ في الأهْلِ أنَّ المُرادَ بِهِ مَن يَلْزَمُهُ أنْ يُؤَدِّيَ إلَيْهِ الشَّرْعَ فَيَدْخُلُ فِيهِ كُلُّ أُمَّتِهِ مِن حَيْثُ لَزِمَهُ في جَمِيعِهِمْ ما يَلْزَمُ المَرْءُ في أهْلِهِ خاصَّةً، هَذا إذا حُمِلَ الأمْرُ عَلى المَفْرُوضِ مِنَ الصَّلاةِ والزَّكاةِ فَإنَّ حُمِلَ عَلى النَّدْبِ فِيهِما كانَ المُرادُ أنَّهُ كَما كانَ يَتَهَجَّدُ بِاللَّيْلِ يَأْمُرُ أهْلَهُ أيْ مَن كانَ في دارِهِ في ذَلِكَ الوَقْتِ بِذَلِكَ وكانَ نَظَرُهُ لَهم في الدِّينِ يَغْلِبُ عَلى شَفَقَتِهِ عَلَيْهِمْ في الدُّنْيا بِخِلافِ ما عَلَيْهِ أكْثَرُ النّاسِ، وقِيلَ: كانَ يَبْدَأُ بِأهْلِهِ في الأمْرِ بِالصَّلاحِ والعِبادَةِ؛ لِيَجْعَلَهم قُدْوَةً لِمَن سِواهم كَما قالَ تَعالى: ﴿وأنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقْرَبِينَ﴾ [الشعراء: ٢١٤] ﴿وأْمُرْ أهْلَكَ بِالصَّلاةِ واصْطَبِرْ عَلَيْها﴾ [طه: ١٣٢] ﴿قُوا أنْفُسَكم وأهْلِيكم نارًا﴾ [التحريم: ٦] وأيْضًا فَهم أحَقُّ أنْ يَتَصَدَّقَ عَلَيْهِمْ فَوَجَبَ أنْ يَكُونُوا بِالإحْسانِ الدِّينِيِّ أوْلى، فَأمّا الزَّكاةُ فَعَنِ ابْنِ عَبّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما - أنَّها طاعَةُ اللَّهِ تَعالى والإخْلاصُ فَكَأنَّهُ تَأوَّلَهُ عَلى ما يَزْكُو بِهِ الفاعِلُ عِنْدَ رَبِّهِ، والظّاهِرُ أنَّهُ إذا قُرِنَتِ الزَّكاةُ إلى الصَّلاةِ أنْ يُرادَ بِها الصَّدَقاتُ الواجِبَةُ وكانَ يَعْرِفُ مِن خاصَّةِ أهْلِهِ أنْ يُلْزِمَهُمُ الزَّكاةَ، فَيَأْمُرَهم بِذَلِكَ أوْ يَأْمُرَهم أنْ يَتَبَرَّعُوا بِالصَّدَقاتِ عَلى الفُقَراءِ. ورابِعُها: قَوْلُهُ: ﴿وكانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا﴾ وهو في نِهايَةِ المَدْحِ؛ لِأنَّ المَرْضِيَّ عِنْدَ اللَّهِ هو الفائِزُ في كُلِّ طاعاتِهِ بِأعْلى الدَّرَجاتِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب