الباحث القرآني

(القِصَّةُ الرّابِعَةُ - قِصَّةُ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ) . قَوْلُهُ تَعالى: ﴿واذْكُرْ في الكِتابِ مُوسى إنَّهُ كانَ مُخْلَصًا وكانَ رَسُولًا نَبِيًّا﴾ ﴿ونادَيْناهُ مِن جانِبِ الطُّورِ الأيْمَنِ وقَرَّبْناهُ نَجِيًّا﴾ ﴿ووَهَبْنا لَهُ مِن رَحْمَتِنا أخاهُ هارُونَ نَبِيًّا﴾ . اعْلَمْ أنَّهُ تَعالى وصَفَ مُوسى - عَلَيْهِ السَّلامُ - بِأُمُورٍ: أحَدُها: أنَّهُ كانَ مُخْلَصًا؛ فَإذا قُرِئَ بِفَتْحِ اللّامِ فَهو مِنَ الِاصْطِفاءِ والِاجْتِباءِ كَأنَّ اللَّهَ تَعالى اصْطَفاهُ واسْتَخْلَصَهُ وإذا قُرِئَ بِالكَسْرِ فَمَعْناهُ أخْلَصَ لِلَّهِ في التَّوْحِيدِ في العِبادَةِ، والإخْلاصُ هو القَصْدُ في العِبادَةِ إلى أنْ يُعْبَدَ المَعْبُودُ بِها وحْدَهُ، ومَتى ورَدَ القُرْآنُ بِقِراءَتَيْنِ فَكُلُّ واحِدَةٍ مِنهُما ثابِتٌ مَقْطُوعٌ بِهِ، فَجَعَلَ اللَّهُ تَعالى مِن صِفَةِ مُوسى - عَلَيْهِ السَّلامُ - كِلا الأمْرَيْنِ. وثانِيها: كَوْنُهُ (p-١٩٨)رَسُولًا نَبِيًّا ولا شَكَّ أنَّهُما وصْفانِ مُخْتَلِفانِ لَكِنَّ المُعْتَزِلَةَ زَعَمُوا كَوْنَهُما مُتَلازِمَيْنِ فَكُلُّ رَسُولٍ نَبِيٌّ، وكُلُّ نَبِيٍّ رَسُولٌ، ومِنَ النّاسِ مَن أنْكَرَ ذَلِكَ وقَدْ بَيَّنّا الكَلامَ فِيهِ في سُورَةِ الحَجِّ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وما أرْسَلْنا مِن قَبْلِكَ مِن رَسُولٍ ولا نَبِيٍّ﴾ [الحج: ٥٢] . وثالِثُها: قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ونادَيْناهُ مِن جانِبِ الطُّورِ الأيْمَنِ﴾ مِنَ اليَمِينِ أيْ مِن ناحِيَةِ اليَمِينِ، والأيْمَنُ صِفَةُ الطُّورِ أوِ الجانِبِ. ورابِعُها: قَوْلُهُ: ﴿وقَرَّبْناهُ نَجِيًّا﴾ ولَمّا ذَكَرَ كَوْنَهُ رَسُولًا قالَ: ﴿وقَرَّبْناهُ نَجِيًّا﴾ وفي قَوْلِهِ: ﴿وقَرَّبْناهُ﴾ قَوْلانِ: أحَدُهُما: المُرادُ قُرْبُ المَكانِ عَنْ أبِي العالِيَةِ قَرَّبَهُ حَتّى سَمِعَ صَرِيرَ القَلَمِ حَيْثُ كُتِبَتِ التَّوْراةُ في الألْواحِ. والثّانِي: قُرْبُ المَنزِلَةِ أيْ رَفَعْنا قَدْرَهُ وشَرَّفْناهُ بِالمُناجاةِ، قالَ القاضِي: وهَذا أقْرَبُ؛ لِأنَّ اسْتِعْمالَ القُرْبِ في اللَّهِ قَدْ صارَ بِالتَّعارُفِ لا يُرادُ بِهِ إلّا المَنزِلَةُ وعَلى هَذا الوَجْهِ يُقالُ في العِبادَةِ تَقَرُّبٌ، ويُقالُ في المَلائِكَةِ عَلَيْهِمُ السَّلامُ إنَّهم مُقَرَّبُونَ وأمّا ﴿نَجِيًّا﴾ فَقِيلَ فِيهِ أنْجَيْناهُ مِن أعْدائِهِ، وقِيلَ هو مِنَ المُناجاةِ في المُخاطَبَةِ وهو أوْلى. وخامِسُها: قَوْلُهُ: ﴿ووَهَبْنا لَهُ مِن رَحْمَتِنا أخاهُ هارُونَ نَبِيًّا﴾ قالَ ابْنُ عَبّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما: كانَ هارُونُ - عَلَيْهِ السَّلامُ - أكْبَرَ مِن مُوسى عَلَيْهِما السَّلامُ، وإنَّما وهَبَ اللَّهُ لَهُ نُبُوَّتَهُ لا شَخْصَهُ وأُخُوَّتَهُ، وذَلِكَ إجابَةٌ لِدُعائِهِ في قَوْلِهِ: ﴿واجْعَلْ لِي وزِيرًا مِن أهْلِي﴾ ﴿هارُونَ أخِي﴾ ﴿اشْدُدْ بِهِ أزْرِي﴾ [طه: ٢٩، ٣١] فَأجابَهُ اللَّهُ تَعالى إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: ﴿قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يامُوسى﴾ [طه: ٣٦] وقَوْلِهِ: ﴿سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأخِيكَ﴾ [القَصَصِ: ٣٥] .
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب