الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَأتَتْ بِهِ قَوْمَها تَحْمِلُهُ قالُوا يامَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا﴾ ﴿ياأُخْتَ هارُونَ ما كانَ أبُوكِ امْرَأ سَوْءٍ وما كانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا﴾ ﴿فَأشارَتْ إلَيْهِ قالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كانَ في المَهْدِ صَبِيًّا﴾ وفِيهِ مَسائِلُ:
المَسْألَةُ الأُولى: اخْتَلَفُوا في أنَّها كَيْفَ أتَتْ بِالوَلَدِ عَلى أقْوالٍ:
الأوَّلُ: ما رُوِيَ عَنْ وهْبٍ قالَ: أنْساها كَرْبُ الوِلادَةِ وما سَمِعَتْهُ مِنَ النّاسِ ما كانَ مِن كَلامِ المَلائِكَةِ مِنَ البِشارَةِ بِعِيسى عَلَيْهِ السَّلامُ فَلَمّا كَلَّمَها جاءَها مِصْداقُ ذَلِكَ فاحْتَمَلَتْهُ وأقْبَلَتْ بِهِ إلى قَوْمِها.
الثّانِي: ما رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما أنَّ يُوسُفَ انْتَهى بِمَرْيَمَ إلى غارٍ فَأدْخَلَها فِيهِ أرْبَعِينَ يَوْمًا حَتّى طَهُرَتْ مِنَ النِّفاسِ ثُمَّ أتَتْ بِهِ قَوْمَها تَحْمِلُهُ فَكَلَّمَها عِيسى في الطَّرِيقِ، فَقالَ: يا أُمّاهُ أبْشِرِي فَإنِّي عَبْدُ اللَّهِ ومَسِيحُهُ. وهَذانَ الوَجْهانِ مُحْتَمَلانِ ولَيْسَ في القُرْآنِ ما يَدُلُّ عَلى التَّعْيِينِ.
المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: الفَرِيُّ البَدِيعُ، وهو مِن فَرْيِ الجِلْدِ، يُرْوى أنَّهم لَمّا رَأوْها ومَعَها عِيسى عَلَيْهِ السَّلامُ قالُوا لَها: ﴿لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا﴾ فَيُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ المُرادُ شَيْئًا عَجِيبًا خارِجًا عَنِ العادَةِ مِن غَيْرِ تَعْيِيرٍ وذَمٍّ، ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ مُرادُهم شَيْئًا عَظِيمًا مُنْكَرًا فَيَكُونُ ذَلِكَ مِنهم عَلى وجْهِ الذَّمِّ وهَذا أظْهَرُ لِقَوْلِهِمْ بَعْدَهُ: ﴿ياأُخْتَ هارُونَ ما كانَ أبُوكِ امْرَأ سَوْءٍ وما كانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا﴾ لِأنَّ هَذا القَوْلَ ظاهِرُهُ التَّوْبِيخُ وأمّا هارُونُ فَفِيهِ أرْبَعَةُ أقْوالٍ:
الأوَّلُ: أنَّهُ رَجُلٌ صالِحٌ مِن بَنِي إسْرائِيلَ يُنْسَبُ إلَيْهِ كُلُّ مَن عُرِفَ بِالصَّلاحِ، والمُرادُ أنَّكِ كُنْتِ في الزُّهْدِ كَهارُونَ فَكَيْفَ صِرْتِ هَكَذا، وهو قَوْلُ قَتادَةَ وكَعْبٍ وابْنِ زَيْدٍ والمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، ذُكِرَ أنَّ هارُونَ الصّالِحَ تَبِعَ جِنازَتَهُ أرْبَعُونَ ألْفًا كُلُّهم يُسَمَّوْنَ هارُونَ تَبَرُّكًا بِهِ وبِاسْمِهِ.
الثّانِي: أنَّهُ أخُو مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ وعَنِ النَّبِيِّ -ﷺ- إنَّما عَنَوْا هارُونَ النَّبِيَّ وكانَتْ مِن أعْقابِهِ وإنَّما قِيلَ: ”﴿ياأُخْتَ هارُونَ﴾“ كَما يُقالُ يا أخا هَمْدانَ أيْ: يا واحِدًا مِنهم.
والثّالِثُ: كانَ رَجُلًا مُعْلِنًا بِالفِسْقِ فَنُسِبَتْ إلَيْهِ بِمَعْنى التَّشْبِيهِ لا بِمَعْنى النِّسْبَةِ.
الرّابِعُ: كانَ لَها أخٌ يُسَمّى هارُونَ مِن صُلَحاءِ بَنِي إسْرائِيلَ فَعُيِّرَتْ بِهِ، وهَذا هو الأقْرَبُ لِوَجْهَيْنِ:
الأوَّلُ: أنَّ الأصْلَ في الكَلامِ الحَقِيقَةُ، وإنَّما يَكُونُ ظاهِرُ الآيَةِ مَحْمُولًا عَلى حَقِيقَتِها لَوْ كانَ لَها أخٌ مُسَمًّى بِهارُونَ.
الثّانِي: أنَّها أُضِيفَتْ إلَيْهِ ووُصِفَ أبَواها بِالصَّلاحِ وحِينَئِذٍ يَصِيرُ التَّوْبِيخُ أشَدَّ لِأنَّ مَن كانَ حالُ أبَوَيْهِ وأخِيهِ هَذِهِ الحالَةَ يَكُونُ صُدُورُ الذَّنْبُ عَنْهُ أفْحَشَ.
المَسْألَةُ الثّالِثَةُ: القِراءَةُ المَشْهُورَةُ: ﴿ما كانَ أبُوكِ امْرَأ سَوْءٍ﴾ وقَرَأ عَمْرُو بْنُ رَجاءٍ التَّمِيمِيُّ: ”ما كانَ أباكِ امْرُؤُ سَوْءٍ“ .
(p-١٧٨)المَسْألَةُ الرّابِعَةُ: أنَّهم لَمّا بالَغُوا في تَوْبِيخِها سَكَتَتْ وأشارَتْ إلَيْهِ أيْ: إلى عِيسى عَلَيْهِ السَّلامُ أيْ: هو الَّذِي يُجِيبُكم إذا ناطَقْتُمُوهُ، وعَنِ السُّدِّيِّ لَمّا أشارَتْ إلَيْهِ غَضِبُوا غَضَبًا شَدِيدًا وقالُوا: لَسُخْرِيَّتُها بِنا أشَدُّ مِن زِناها، رُوِيَ أنَّهُ كانَ يَرْضَعُ فَلَمّا سَمِعَ ذَلِكَ تَرَكَ الرَّضاعَ وأقْبَلَ عَلَيْهِمْ بِوَجْهِهِ واتَّكَأ عَلى يَسارِهِ وأشارَ بِسَبّابَتِهِ، وقِيلَ: كَلَّمَهم بِذَلِكَ ثُمَّ لَمْ يَتَكَلَّمْ حَتّى بَلَغَ مَبْلَغًا يَتَكَلَّمُ فِيهِ الصِّبْيانُ. وقِيلَ إنَّ زَكَرِيّاءَ عَلَيْهِ السَّلامُ أتاها عِنْدَ مُناظَرَةِ اليَهُودِ إيّاها، فَقالَ لِعِيسى عَلَيْهِ السَّلامُ: انْطِقْ بِحُجَّتِكَ إنْ كُنْتَ أُمِرْتَ بِها فَقالَ عِيسى عَلَيْهِ السَّلامُ عِنْدَ ذَلِكَ: ﴿إنِّي عَبْدُ اللَّهِ﴾ [ مَرْيَمَ: ٣٠] فَإنْ قِيلَ: كَيْفَ عَرَفَتْ مَرْيَمُ مِن حالِ عِيسى عَلَيْهِ السَّلامُ أنَّهُ يَتَكَلَّمُ ؟ قُلْنا: إنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلامُ أوْ عِيسى عَلَيْهِ السَّلامُ ناداها مِن تَحْتِها أنْ لا تَحْزَنِي وأمَرَها عِنْدَ رُؤْيَةِ النّاسِ بِالسُّكُوتِ، فَصارَ ذَلِكَ كالتَّنْبِيهِ لَها عَلى أنَّ المُجِيبَ هو عِيسى عَلَيْهِ السَّلامُ أوْ لَعَلَّها عَرَفَتْ ذَلِكَ بِالوَحْيِ إلى زَكَرِيّاءَ أوْ لَعَلَّها عَرَفَتْ بِالوَحْيِ إلَيْها عَلى سَبِيلِ الكَرامَةِ.
بَقِيَ هَهُنا بَحْثانِ:
البَحْثُ الأوَّلُ: قَوْلُهُ: ﴿كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كانَ في المَهْدِ صَبِيًّا﴾ أيْ حَصَلَ في ”المَهْدِ“ فَكانَ هَهُنا بِمَعْنى حَصَلَ ووُجِدَ وهَذا هو الأقْرَبُ في تَأْوِيلِ هَذا اللَّفْظِ، وإنْ كانَ النّاسُ قَدْ ذَكَرُوا وُجُوهًا أُخَرَ.
البَحْثُ الثّانِي: اخْتَلَفُوا في المَهْدِ فَقِيلَ: هو حِجْرُها لِما رُوِيَ أنَّها أخَذَتْهُ في خِرْقَةٍ فَأتَتْ بِهِ قَوْمَها فَلَمّا رَأوْها قالُوا لَها ما قالُوا؛ فَأشارَتْ إلَيْهِ وهو في حِجْرِها ولَمْ يَكُنْ لَها مَنزِلٌ مُعَدٌّ حَتّى يُعَدَّ لَها المَهْدُ، أوِ المَعْنى: كَيْفَ نُكَلِّمُ صَبِيًّا سَبِيلُهُ أنْ يَنامَ في المَهْدِ.
{"ayahs_start":27,"ayahs":["فَأَتَتۡ بِهِۦ قَوۡمَهَا تَحۡمِلُهُۥۖ قَالُوا۟ یَـٰمَرۡیَمُ لَقَدۡ جِئۡتِ شَیۡـࣰٔا فَرِیࣰّا","یَـٰۤأُخۡتَ هَـٰرُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ ٱمۡرَأَ سَوۡءࣲ وَمَا كَانَتۡ أُمُّكِ بَغِیࣰّا","فَأَشَارَتۡ إِلَیۡهِۖ قَالُوا۟ كَیۡفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِی ٱلۡمَهۡدِ صَبِیࣰّا"],"ayah":"یَـٰۤأُخۡتَ هَـٰرُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ ٱمۡرَأَ سَوۡءࣲ وَمَا كَانَتۡ أُمُّكِ بَغِیࣰّا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق