الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ثُمَّ أتْبَعَ سَبَبًا﴾ ﴿حَتّى إذا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وجَدَها تَطْلُعُ عَلى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهم مِن دُونِها سِتْرًا﴾ ﴿كَذَلِكَ وقَدْ أحَطْنا بِما لَدَيْهِ خُبْرًا﴾ اعْلَمْ أنَّهُ تَعالى لَمّا بَيَّنَ أوَّلًا أنَّهُ قَصَدَ أقْرَبَ الأماكِنِ المَسْكُونَةِ مِن مَغْرِبِ الشَّمْسِ أتْبَعَهُ بِبَيانِ أنَّهُ قَصَدَ أقْرَبَ الأماكِنِ المَسْكُونَةِ مِن مَطْلِعِ الشَّمْسِ فَبَيَّنَ اللَّهُ تَعالى أنَّهُ وجَدَ الشَّمْسَ تَطْلُعُ عَلى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهم مِن دُونِها سِتْرًا وفِيهِ قَوْلانِ: الأوَّلُ: أنَّهُ لَيْسَ هُناكَ شَجَرٌ ولا جَبَلٌ ولا أبْنِيَةٌ تَمْنَعُ مِن وُقُوعِ شُعاعِ الشَّمْسِ عَلَيْهِمْ؛ فَلِهَذا السَّبَبِ إذا طَلَعَتِ الشَّمْسُ دَخَلُوا في أسْرابٍ واغِلَةٍ في الأرْضِ أوْ غاصُوا في الماءِ فَيَكُونُ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِمُ التَّصَرُّفُ في المَعاشِ، وعِنْدَ غُرُوبِها يَشْتَغِلُونَ بِتَحْصِيلِ مُهِمّاتِ المَعاشِ، حالُهم بِالضِّدِّ مِن أحْوالِ سائِرِ الخَلْقِ. والقَوْلُ الثّانِي: أنَّ مَعْناهُ أنَّهُ لا ثِيابَ لَهم ويَكُونُونَ كَسائِرِ الحَيَواناتِ عُراةً أبَدًا ويُقالُ في كُتُبِ الهَيْئَةِ: إنَّ حالَ أكْثَرِ الزِّنْجِ كَذَلِكَ، وحالَ كُلِّ مَن يَسْكُنُ البِلادَ القَرِيبَةَ مِن خَطِّ الِاسْتِواءِ كَذَلِكَ، وذُكِرَ في كُتُبِ التَّفْسِيرِ أنَّ بَعْضَهم قالَ: سافَرْتُ حَتّى جاوَزْتُ الصِّينَ فَسَألْتُ عَنْ هَؤُلاءِ القَوْمِ، فَقِيلَ: بَيْنَكَ وبَيْنَهم مَسِيرَةُ يَوْمٍ ولَيْلَةٍ فَبَلَغْتُهم فَإذا أحَدُهم يَفْرِشُ أُذُنَهُ الواحِدَةَ ويَلْبَسُ الأُخْرى ولَمّا قَرُبَ طُلُوعُ الشَّمْسِ سَمِعْتُ كَهَيْئَةِ الصَّلْصَلَةِ فَغُشِيَ عَلَيَّ ثُمَّ أفَقْتُ وهم يَمْسَحُونَنِي بِالدُّهْنِ؛ فَلَمّا طَلَعَتِ الشَّمْسُ إذا هي فَوْقَ الماءِ كَهَيْئَةِ الزَّيْتِ فَأدْخَلُونا سِرْبًا لَهم فَلَمّا ارْتَفَعَ النَّهارُ جَعَلُوا يَصْطادُونَ السَّمَكَ ويَطْرَحُونَهُ في الشَّمْسِ فَيَنْضَجُ ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿كَذَلِكَ وقَدْ أحَطْنا بِما لَدَيْهِ خُبْرًا﴾ وفِيهِ وُجُوهٌ: الأوَّلُ: أيْ كَذَلِكَ فَعَلَ ذُو القَرْنَيْنِ أتْبَعَ هَذِهِ الأسْبابَ حَتّى بَلَغَ ما بَلَغَ وقَدْ عَلِمْنا حِينَ مَلَّكْناهُ ما عِنْدَهُ مِنَ الصَّلاحِيَةِ لِذَلِكَ المُلْكِ والِاسْتِقْلالِ بِهِ. والثّانِي: كَذَلِكَ جَعَلَ (p-١٤٤)اللَّهُ أمْرَ هَؤُلاءِ القَوْمِ عَلى ما قَدْ أعْلَمَ رَسُولَهُ عَلَيْهِ السَّلامُ في هَذا الذِّكْرِ. والثّالِثُ: كَذَلِكَ كانَتْ حالَتُهُ مَعَ أهْلِ المَطْلِعِ كَما كانَتْ مَعَ أهْلِ المَغْرِبِ، قَضى في هَؤُلاءِ كَما قَضى في أُولَئِكَ، مِن تَعْذِيبِ الظّالِمِينَ والإحْسانِ إلى المُؤْمِنِينَ. والرّابِعُ: أنَّهُ تَمَّ الكَلامُ عِنْدَ قَوْلِهِ كَذَلِكَ، والمَعْنى أنَّهُ تَعالى قالَ: أمَرَ هَؤُلاءِ القَوْمِ كَما وجَدَهم عَلَيْهِ ذُو القَرْنَيْنِ ثُمَّ قالَ بَعْدَهُ: ﴿وقَدْ أحَطْنا بِما لَدَيْهِ خُبْرًا﴾ أيْ كُنّا عالِمِينَ بِأنَّ الأمْرَ كَذَلِكَ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب