الباحث القرآني
وأمّا المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: وهي قَتْلُ الغُلامِ فَقَدْ أجابَ العالِمُ عَنْها بِقَوْلِهِ: ﴿وأمّا الغُلامُ فَكانَ أبَواهُ مُؤْمِنَيْنِ﴾ قِيلَ: إنَّ ذَلِكَ الغُلامَ كانَ بالِغًا وكانَ يَقْطَعُ الطَّرِيقَ ويُقْدِمُ عَلى الأفْعالِ المُنْكَرَةِ، وكانَ أبَواهُ يَحْتاجانِ إلى دَفْعِ شَرِّ النّاسِ عَنْهُ والتَّعَصُّبِ لَهُ وتَكْذِيبِ مَن يَرْمِيهِ بِشَيْءٍ مِنَ المُنْكَراتِ وكانَ يَصِيرُ ذَلِكَ سَبَبًا لِوُقُوعِهِما في الفِسْقِ. ورُبَّما أدّى ذَلِكَ الفِسْقُ إلى الكُفْرِ، وقِيلَ: إنَّهُ كانَ صَبِيًّا إلّا أنَّ اللَّهَ تَعالى عَلِمَ مِنهُ أنَّهُ لَوْ صارَ بالِغًا؛ لَحَصَلَتْ مِنهُ هَذِهِ المَفاسِدُ، وقَوْلُهُ: ﴿فَخَشِينا أنْ يُرْهِقَهُما طُغْيانًا وكُفْرًا﴾ الخَشْيَةُ بِمَعْنى الخَوْفِ وغَلَبَةِ الظَّنِّ، واللَّهُ تَعالى قَدْ أباحَ لَهُ قَتْلَ مَن غَلَبَ عَلى ظَنِّهِ تَوَلُّدُ مِثْلِ هَذا الفَسادِ مِنهُ، وقَوْلُهُ: ﴿أنْ يُرْهِقَهُما طُغْيانًا﴾ فِيهِ قَوْلانِ:
الأوَّلُ: أنْ يَكُونَ المُرادُ أنَّ ذَلِكَ الغُلامَ يَحْمِلُ أبَوَيْهِ عَلى الطُّغْيانِ والكُفْرِ كَقَوْلِهِ: ﴿ولا تُرْهِقْنِي مِن أمْرِي عُسْرًا﴾ (الكَهْفِ: ٧٣) أيْ لا تَحْمِلْنِي عَلى عُسْرٍ وضِيقٍ وذَلِكَ لِأنَّ أبَوَيْهِ لِأجْلِ حُبِّ ذَلِكَ الوَلَدِ يَحْتاجانِ إلى الذَّبِّ عَنْهُ، ورُبَّما احْتاجا إلى مُوافَقَتِهِ في تِلْكَ الأفْعالِ المُنْكَرَةِ.
والثّانِي: أنْ يَكُونَ المَعْنى أنَّ ذَلِكَ الوَلَدَ كانَ يُعاشِرُهُما مُعاشَرَةَ الطُّغاةِ الكُفّارِ، فَإنْ قِيلَ: هَلْ يَجُوزُ الإقْدامُ عَلى قَتْلِ الإنْسانِ لِمِثْلِ هَذا الظَّنِّ ؟ قُلْنا: إذا تَأكَّدَ ذَلِكَ الظَّنُّ بِوَحْيِ اللَّهِ جازَ ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿فَأرَدْنا أنْ يُبْدِلَهُما رَبُّهُما خَيْرًا مِنهُ زَكاةً﴾ أيْ أرَدْنا أنْ يَرْزُقَهُما اللَّهُ تَعالى ولَدًا خَيْرًا مِن هَذا الغُلامِ زَكاةً؛ أيْ: دِينًا وصَلاحًا، وقِيلَ: إنَّ ذِكْرَهُ الزَّكاةَ هَهُنا عَلى مُقابَلَةِ قَوْلِ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ: ﴿أقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ﴾ فَقالَ العالِمُ: أرَدْنا أنْ يَرْزُقَ اللَّهُ هَذَيْنِ الأبَوَيْنِ خَيْرًا بَدَلًا عَنِ ابْنِهِما هَذا ولَدًا؛ يَكُونُ خَيْرًا مِنهُ كَما ذَكَرْتَهُ مِنَ الزَّكاةِ، ويَكُونُ المُرادُ مِنَ الزَّكاةِ الطَّهارَةَ؛ فَكَأنَّ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ قالَ: أقَتَلْتَ نَفْسًا طاهِرَةً لِأنَّها ما وصَلَتْ إلى حَدِّ البُلُوغِ فَكانَتْ زاكِيَةً طاهِرَةً مِنَ المَعاصِي فَقالَ العالِمُ: إنَّ تِلْكَ النَّفْسَ وإنْ كانَتْ زاكِيَةً طاهِرَةً في الحالِ إلّا أنَّهُ تَعالى عَلِمَ مِنها أنَّها إذا بَلَغَتْ أقْدَمَتْ عَلى الطُّغْيانِ والكُفْرِ؛ فَأرَدْنا أنْ يَجْعَلَ لَهُما ولَدًا أعْظَمَ زَكاةً وطَهارَةً مِنهُ وهو الَّذِي يَعْلَمُ اللَّهُ مِنهُ أنَّهُ عِنْدَ البُلُوغِ لا يُقْدِمُ عَلى شَيْءٍ مِن هَذِهِ المَحْظُوراتِ ومَن قالَ: إنَّ ذَلِكَ الغُلامَ كانَ بالِغًا قالَ: المُرادُ مِن صِفَةِ نَفْسِهِ بِكَوْنِها زاكِيَةً أنَّهُ لَمْ يَظْهَرْ عَلَيْهِ ما يُوجِبُ قَتْلَهُ ثُمَّ قالَ: ﴿وأقْرَبَ رُحْمًا﴾ أيْ يَكُونُ هَذا البَدَلُ أقْرَبَ عَطْفًا ورَحْمَةً بِأبَوَيْهِ بِأنْ يَكُونَ أبَرَّ بِهِما وأشْفَقَ عَلَيْهِما، والرُّحْمُ الرَّحْمَةُ والعَطْفُ. رُوِيَ أنَّهُ وُلِدَتْ لَهُما جارِيَةٌ تَزَوَّجَها نَبِيٌّ فَوَلَدَتْ نَبِيًّا هَدى اللَّهُ عَلى يَدَيْهِ أُمَّةً عَظِيمَةً.
بَقِيَ مِن مَباحِثِ هَذِهِ الآيَةِ مَوْضِعانِ في القِراءَةِ:
الأوَّلُ: قَرَأ نافِعٌ وأبُو عَمْرٍو (يُبَدِّلَهُما) بِفَتْحِ الباءِ وتَشْدِيدِ الدّالِ، وكَذَلِكَ في التَّحْرِيمِ: (أنْ يُبَدِّلَهُ أزْواجًا) وفي القَلَمِ: (عَسى رَبُّنا أنْ يُبَدِّلَنا) والباقُونَ ساكِنَةَ الباءِ خَفِيفَةَ الدّالِ وهُما لُغَتانِ أبْدَلَ يُبْدِلُ وبَدَّلَ يُبَدِّلُ.
الثّانِي: قِراءَةُ ابْنِ عامِرٍ في إحْدى الرِّوايَتَيْنِ عَنْ أبِي عَمْرٍو (رُحُمًا) بِضَمِّ الحاءِ، والباقُونَ بِسُكُونِها، وهُما لُغَتانِ مِثْلَ نُكْرٍ ونُكُرٍ وشُغْلٍ وشُغُلٍ.
وأمّا المَسْألَةُ الثّالِثَةُ: وهي إقامَةُ الجِدارِ فَقَدْ أجابَ العالِمُ عَنْها بِأنَّ الدّاعِيَ لَهُ إلَيْها أنَّهُ كانَ تَحْتَ ذَلِكَ الجِدارِ كَنْزٌ وكانَ ذَلِكَ لِيَتِيمَيْنِ في تِلْكَ المَدِينَةِ وكانَ أبُوهُما صالِحًا ولَمّا كانَ ذَلِكَ الجِدارُ مُشْرِفًا عَلى السُّقُوطِ (p-١٣٨)ولَوْ سَقَطَ لَضاعَ ذَلِكَ الكَنْزُ فَأرادَ اللَّهُ إبْقاءَ ذَلِكَ الكَنْزِ عَلى ذَيْنِكَ اليَتِيمَيْنِ رِعايَةً لِحَقِّهِما ورِعايَةً لَحِقِّ صَلاحِ أبِيهِما؛ فَأمَرَنِي بِإقامَةِ ذَلِكَ الجِدارِ رِعايَةً لِهَذِهِ المَصالِحِ.
{"ayahs_start":80,"ayahs":["وَأَمَّا ٱلۡغُلَـٰمُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤۡمِنَیۡنِ فَخَشِینَاۤ أَن یُرۡهِقَهُمَا طُغۡیَـٰنࣰا وَكُفۡرࣰا","فَأَرَدۡنَاۤ أَن یُبۡدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَیۡرࣰا مِّنۡهُ زَكَوٰةࣰ وَأَقۡرَبَ رُحۡمࣰا"],"ayah":"فَأَرَدۡنَاۤ أَن یُبۡدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَیۡرࣰا مِّنۡهُ زَكَوٰةࣰ وَأَقۡرَبَ رُحۡمࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق