الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ومَن أظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ فَأعْرَضَ عَنْها ونَسِيَ ما قَدَّمَتْ يَداهُ إنّا جَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أكِنَّةً أنْ يَفْقَهُوهُ وفي آذانِهِمْ وقْرًا وإنْ تَدْعُهم إلى الهُدى فَلَنْ يَهْتَدُوا إذًا أبَدًا﴾ ﴿ورَبُّكَ الغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤاخِذُهم بِما كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ العَذابَ بَلْ لَهم مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِن دُونِهِ مَوْئِلًا﴾ ﴿وتِلْكَ القُرى أهْلَكْناهم لَمّا ظَلَمُوا وجَعَلْنا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِدًا﴾ .
(p-١٢١)اعْلَمْ أنَّهُ تَعالى لَمّا حَكى عَنِ الكُفّارِ جِدالَهم بِالباطِلِ وصَفَهم بَعْدَهُ بِالصِّفاتِ المُوجِبَةِ لِلْخِزْيِ والخِذْلانِ.
الصِّفَةُ الأُولى: قَوْلُهُ: ﴿ومَن أظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ﴾ أيْ لا ظُلْمَ أعْظَمُ مِن كُفْرِ مَن تَرِدُ عَلَيْهِ الآياتُ والبَيِّناتُ، فَيُعْرِضُ عَنْها ويَنْسى ما قَدَّمَتْ يَداهُ؛ أيْ مَعَ إعْراضِهِ عَنِ التَّأمُّلِ في الدَّلائِلِ والبَيِّناتِ يَتَناسى ما قَدَّمَتْ يَداهُ مِنَ الأعْمالِ المُنْكَرَةِ والمَذاهِبِ الباطِلَةِ، والمُرادُ مِنَ النِّسْيانِ التَّشاغُلُ والتَّغافُلُ عَنْ كُفْرِهِ المُتَقَدِّمِ.
الصِّفَةُ الثّانِيَةُ: (قَوْلُهُ): ﴿إنّا جَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أكِنَّةً أنْ يَفْقَهُوهُ وفي آذانِهِمْ وقْرًا وإنْ تَدْعُهم إلى الهُدى فَلَنْ يَهْتَدُوا إذًا أبَدًا﴾ وقَدْ مَرَّ تَفْسِيرُ هَذِهِ الآيَةِ عَلى الِاسْتِقْصاءِ في سُورَةِ الأنْعامِ، والعَجَبُ أنَّ قَوْلَهُ: ﴿ومَن أظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ فَأعْرَضَ عَنْها ونَسِيَ ما قَدَّمَتْ يَداهُ﴾ مُتَمَسَّكُ القَدَرِيَّةِ، وقَوْلَهُ: ﴿إنّا جَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أكِنَّةً أنْ يَفْقَهُوهُ﴾ إلى آخِرِ الآيَةِ مُتَمَسَّكُ الجَبْرِيَّةِ، وقَلَّما نَجِدُ في القُرْآنِ آيَةً لِأحَدِ هَذَيْنِ الفَرِيقَيْنِ إلّا ومَعَها آيَةٌ لِلْفَرِيقِ الآخَرِ، والتَّجْرِبَةُ تَكْشِفُ عَنْ صِدْقِ قَوْلِنا، وما ذاكَ إلّا امْتِحانٌ شَدِيدٌ مِنَ اللَّهِ تَعالى ألْقاهُ عَلى عِبادِهِ لِيَتَمَيَّزَ العُلَماءُ الرّاسِخُونَ مِنَ المُقَلِّدِينَ، ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿ورَبُّكَ الغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ﴾ الغَفُورُ البَلِيغُ المَغْفِرَةِ وهو إشارَةٌ إلى دَفْعِ المَضارِّ، ذُو الرَّحْمَةِ المَوْصُوفُ بِالرَّحْمَةِ، وإنَّما ذُكِرَ لَفْظُ المُبالَغَةِ في المَغْفِرَةِ لا في الرَّحْمَةِ؛ لِأنَّ المَغْفِرَةَ تَرْكُ الإضْرارِ، وهو تَعالى قَدْ تَرَكَ مَضارَّ لا نِهايَةَ لَها مَعَ كَوْنِهِ قادِرًا عَلَيْها، أمّا فِعْلُ الرَّحْمَةِ فَهو مُتَناهٍ؛ لِأنَّ تَرْكَ ما لا نِهايَةَ لَهُ مُمْكِنٌ، أمّا فِعْلُ ما لا نِهايَةَ لَهُ فَمُحالٌ، ويُمْكِنُ أنْ يُقالَ: المُرادُ أنَّهُ يَغْفِرُ كَثِيرًا لِأنَّهُ ذُو الرَّحْمَةِ ولا حاجَةَ بِهِ إلَيْها فَيَهَبُها مِنَ المُحْتاجِينَ كَثِيرًا ثُمَّ اسْتَشْهَدَ بِتَرْكِ مُؤاخَذَةِ أهْلِ مَكَّةَ عاجِلًا مِن غَيْرِ إمْهالٍ مَعَ إفْراطِهِمْ في عَداوَةِ رَسُولِ اللَّهِ -ﷺ- ثُمَّ قالَ: ﴿بَلْ لَهم مَوْعِدٌ﴾ وهو إمّا يَوْمَ القِيامَةِ، وإمّا في الدُّنْيا وهو يَوْمُ بَدْرِ وسائِرُ أيّامِ الفَتْحِ (وقَوْلُهُ): ﴿لَنْ يَجِدُوا مِن دُونِهِ مَوْئِلًا﴾ أيْ مَنجًى ولا مَلْجَأً، يُقالُ: وألَ إذا لَجَأ، ووَألَ إلَيْهِ إذا لَجَأ إلَيْهِ، ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿وتِلْكَ القُرى﴾ يُرِيدُ قُرى الأوَّلِينَ مِن ثَمُودَ وقَوْمِ لُوطٍ وغَيْرِهِمْ أشارَ إلَيْها لِيَعْتَبِرُوا، وتِلْكَ مُبْتَدَأٌ، والقُرى صِفَةٌ لِأنَّ أسْماءَ الإشارَةِ تُوصَفُ بِأصْنافِ الأجْناسِ، وأهْلَكْناهم خَبَرٌ والمَعْنى، وتِلْكَ أصْحابُ القُرى أهْلَكْناهم لَمّا ظَلَمُوا مِثْلَ ظُلْمِ أهْلِ مَكَّةَ: ﴿وجَعَلْنا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِدًا﴾ أيْ وضَرَبْنا لِإهْلاكِهِمْ وقْتًا مَعْلُومًا لا يَتَأخَّرُونَ عَنْهُ كَما ضَرَبْنا لِأهْلِ مَكَّةَ يَوْمَ بَدْرٍ، والمَهْلِكُ الإهْلاكُ أوْ وقْتُهُ، وقُرِئَ: (لِمَهْلَكِهِمْ) بِفَتْحِ المِيمِ واللّامُ مَفْتُوحَةٌ أوْ مَكْسُورَةٌ، أيْ لِهَلاكِهِمْ أوْ وقْتَ هَلاكِهِمْ، والمَوْعِدُ وقْتٌ أوْ مَصْدَرٌ، والمُرادُ: إنّا عَجَّلْنا هَلاكَهم، ومَعَ ذَلِكَ لَمْ نَدَعْ أنْ نَضْرِبَ لَهُ وقْتًا لِيَكُونُوا إلى التَّوْبَةِ أقْرَبَ.
{"ayahs_start":57,"ayahs":["وَمَنۡ أَظۡلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِـَٔایَـٰتِ رَبِّهِۦ فَأَعۡرَضَ عَنۡهَا وَنَسِیَ مَا قَدَّمَتۡ یَدَاهُۚ إِنَّا جَعَلۡنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمۡ أَكِنَّةً أَن یَفۡقَهُوهُ وَفِیۤ ءَاذَانِهِمۡ وَقۡرࣰاۖ وَإِن تَدۡعُهُمۡ إِلَى ٱلۡهُدَىٰ فَلَن یَهۡتَدُوۤا۟ إِذًا أَبَدࣰا","وَرَبُّكَ ٱلۡغَفُورُ ذُو ٱلرَّحۡمَةِۖ لَوۡ یُؤَاخِذُهُم بِمَا كَسَبُوا۟ لَعَجَّلَ لَهُمُ ٱلۡعَذَابَۚ بَل لَّهُم مَّوۡعِدࣱ لَّن یَجِدُوا۟ مِن دُونِهِۦ مَوۡىِٕلࣰا","وَتِلۡكَ ٱلۡقُرَىٰۤ أَهۡلَكۡنَـٰهُمۡ لَمَّا ظَلَمُوا۟ وَجَعَلۡنَا لِمَهۡلِكِهِم مَّوۡعِدࣰا"],"ayah":"وَرَبُّكَ ٱلۡغَفُورُ ذُو ٱلرَّحۡمَةِۖ لَوۡ یُؤَاخِذُهُم بِمَا كَسَبُوا۟ لَعَجَّلَ لَهُمُ ٱلۡعَذَابَۚ بَل لَّهُم مَّوۡعِدࣱ لَّن یَجِدُوا۟ مِن دُونِهِۦ مَوۡىِٕلࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق