الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿إنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِحاتِ إنّا لا نُضِيعُ أجْرَ مَن أحْسَنَ عَمَلًا﴾ ﴿أُولَئِكَ لَهم جَنّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الأنْهارُ يُحَلَّوْنَ فِيها مِن أساوِرَ مِن ذَهَبٍ ويَلْبَسُونَ ثِيابًا خُضْرًا مِن سُنْدُسٍ وإسْتَبْرَقٍ مُتَّكِئِينَ فِيها عَلى الأرائِكِ نِعْمَ الثَّوابُ وحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا﴾
اعْلَمْ أنَّهُ تَعالى لَمّا ذَكَرَ وعِيدَ المُبْطِلِينَ أرْدَفَهُ بِوَعْدِ المُحِقِّينَ وفي الآيَةِ مَسائِلُ:
المَسْألَةُ الأُولى: قَوْلُهُ: ﴿إنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِحاتِ﴾ يَدُلُّ عَلى أنَّ العَمَلَ الصّالِحَ مُغايِرٌ لِلْإيمانِ؛ لِأنَّ العَطْفَ يُوجِبُ المُغايِرَةَ.
المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: قَوْلُهُ: ﴿إنّا لا نُضِيعُ أجْرَ مَن أحْسَنَ عَمَلًا﴾ ظاهِرُهُ يَقْتَضِي أنَّهُ يَسْتَوْجِبُ المُؤْمِنُ بِحُسْنِ عَمَلِهِ عَلى اللَّهِ أجْرًا، وعِنْدَ أصْحابِنا ذَلِكَ الِاسْتِيجابُ حَصَلَ بِحُكْمِ الوَعْدِ، وعِنْدَ المُعْتَزِلَةِ لِذاتِ الفِعْلِ، وهو باطِلٌ؛ لِأنَّ نِعَمَ اللَّهِ كَثِيرَةٌ وهي مُوجِبَةٌ لِلشُّكْرِ والعُبُودِيَّةِ، فَلا يَصِيرُ الشُّكْرُ والعُبُودِيَّةُ مُوَجِبَيْنِ لِثَوابٍ آخَرَ؛ لِأنَّ أداءَ (p-١٠٤)الواجِبِ لا يُوجِبُ شَيْئًا آخَرَ.
المَسْألَةُ الثّالِثَةُ: نَظِيرُ قَوْلِهِ: ﴿إنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِحاتِ﴾ إلَخْ قَوْلُ الشّاعِرِ:
؎إنَّ الخَلِيفَةَ إنَّ اللَّهَ سَرْبَلَهُ سِرْبالَ مُلْكٍ بِهِ تُرْجى الخَواتِيمُ
كَرَّرَ إنَّ تَأْكِيدًا لِلْأعْمالِ والجَزاءِ عَلَيْها.
المَسْألَةُ الرّابِعَةُ: أُولَئِكَ خَبَرُ إنَّ، وإنّا لا نُضِيعُ اعْتِراضٌ، ولَكَ أنْ تَجْعَلَ (إنّا لا نُضِيعُ) و(أُولَئِكَ) خَبَرَيْنِ مَعًا، ولَكَ أنْ تَجْعَلَ أُولَئِكَ كَلامًا مُسْتَأْنَفًا بَيانًا لِلْأجْرِ المُبْهَمِ، واعْلَمْ أنَّهُ تَعالى لَمّا أثْبَتَ الأجْرَ المُبْهَمَ أرْدَفَهُ بِالتَّفْصِيلِ مِن وُجُوهٍ:
أوَّلُها: صِفَةُ مَكانِهِمْ وهو قَوْلُهُ: ﴿أُولَئِكَ لَهم جَنّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الأنْهارُ﴾ والعَدْنُ في اللُّغَةِ عِبارَةٌ عَنِ الإقامَةِ، فَيَجُوزُ أنْ يَكُونَ المَعْنى: أُولَئِكَ لَهم جَنّاتُ إقامَةٍ، كَما يُقالُ: هَذِهِ دارُ إقامَةٍ، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ العَدْنُ اسْمًا لِمَوْضِعٍ مُعَيَّنٍ مِنَ الجَنَّةِ وهو وسَطُها وأشْرَفُ أماكِنِها، وقَدِ اسْتَقْصَيْنا فِيهِ فِيما تَقَدَّمَ، وقَوْلُهُ: ﴿جَنّاتُ﴾ لَفْظُ جَمْعٍ، فَيُمْكِنُ أنْ يَكُونَ المُرادُ ما قالَهُ تَعالى: ﴿ولِمَن خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ﴾ (الرَّحْمَنِ: ٤٦) ويُمْكِنُ أنْ يَكُونَ المُرادُ: أنَّ نَصِيبَ كَلِّ واحِدٍ مِنَ المُكَلَّفِينَ جَنَّةٌ عَلى حِدَةٍ، وذُكِرَ أنَّ مِن صِفاتِ تِلْكَ الجَنّاتِ أنَّ الأنْهارَ تَجْرِي مِن تَحْتِها، وذَلِكَ لِأنَّ أفْضَلَ المَساكِنِ في الدُّنْيا البَساتِينُ الَّتِي يَجْرِي فِيها الأنْهارُ.
وثانِيها: أنَّ لِباسَ أهْلِ الدُّنْيا إمّا لِباسُ التَّحَلِّي، وإمّا لِباسُ التَّسَتُّرِ، أمّا لِباسُ التَّحَلِّي، فَقالَ تَعالى في صِفَتِهِ: ﴿يُحَلَّوْنَ فِيها مِن أساوِرَ مِن ذَهَبٍ﴾ والمَعْنى: أنَّهُ يُحَلِّيهِمُ اللَّهُ تَعالى ذَلِكَ أوْ تُحَلِّيهِمُ المَلائِكَةُ، وقالَ بَعْضُهم عَلى كُلِّ واحِدٍ مِنهم ثَلاثَةُ أسْوِرَةٍ؛ سِوارٌ مِن ذَهَبٍ لِأجْلِ هَذِهِ الآيَةِ، وسِوارٌ مِن فِضَّةٍ، لِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وحُلُّوا أساوِرَ مِن فِضَّةٍ﴾ (الإنْسانِ: ٢١) وسِوارٌ مِن لُؤْلُؤٍ لِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿ولُؤْلُؤًا ولِباسُهم فِيها حَرِيرٌ﴾ (الحَجِّ: ٢٣)، وأمّا لِباسُ التَّسَتُّرِ فَقَوْلُهُ: ﴿ويَلْبَسُونَ ثِيابًا خُضْرًا مِن سُنْدُسٍ وإسْتَبْرَقٍ﴾ والمُرادُ مِن سُنْدُسِ الآخِرَةِ وإسْتَبْرَقِ الآخِرَةِ، والأوَّلُ هو الدِّيباجُ الرَّقِيقُ، وهو الخَزُّ، والثّانِي هو الدِّيباجُ الصَّفِيقُ وقِيلَ: أصْلُهُ فارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ وهو اسْتَبْرَهْ، أيْ غَلِيظٌ، فَإنْ قِيلَ: ما السَّبَبُ في أنَّهُ تَعالى قالَ في الحُلِيِّ: ﴿يُحَلَّوْنَ﴾ عَلى فِعْلِ ما لَمْ يُسَمَّ فاعِلُهُ وقالَ في السُّنْدُسِ والإسْتَبْرَقِ: ويَلْبَسُونَ، فَأضافَ اللُّبْسَ إلَيْهِمْ ؟ قُلْنا: يُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ اللُّبْسُ إشارَةً إلى ما اسْتَوْجَبُوهُ بِعَمَلِهِمْ، وأنْ يَكُونَ الحُلِيُّ إشارَةً إلى ما تَفَضَّلَ اللَّهُ عَلَيْهِمِ ابْتِداءً مِن زَوائِدِ الكَرَمِ.
وثالِثُها: كَيْفِيَّةُ جُلُوسِهِمْ فَقالَ في صِفَتِها: مُتَّكِئِينَ فِيها عَلى الأرائِكِ، قالُوا: الأرائِكُ جَمْعُ أرِيكَةٍ وهي سَرِيرٌ في حَجْلَةٍ، أمّا السَّرِيرُ وحْدَهُ فَلا يُسَمّى أرِيكَةً، ولَمّا وصَفَ اللَّهُ تَعالى هَذِهِ الأقْسامَ قالَ: ﴿نِعْمَ الثَّوابُ وحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا﴾ والمُرادُ أنْ يَكُونَ هَذا في مُقابَلَةِ ما تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ مِن قَوْلِهِ: ﴿وساءَتْ مُرْتَفَقًا﴾ .
{"ayahs_start":30,"ayahs":["إِنَّ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ وَعَمِلُوا۟ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ إِنَّا لَا نُضِیعُ أَجۡرَ مَنۡ أَحۡسَنَ عَمَلًا","أُو۟لَـٰۤىِٕكَ لَهُمۡ جَنَّـٰتُ عَدۡنࣲ تَجۡرِی مِن تَحۡتِهِمُ ٱلۡأَنۡهَـٰرُ یُحَلَّوۡنَ فِیهَا مِنۡ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبࣲ وَیَلۡبَسُونَ ثِیَابًا خُضۡرࣰا مِّن سُندُسࣲ وَإِسۡتَبۡرَقࣲ مُّتَّكِـِٔینَ فِیهَا عَلَى ٱلۡأَرَاۤىِٕكِۚ نِعۡمَ ٱلثَّوَابُ وَحَسُنَتۡ مُرۡتَفَقࣰا"],"ayah":"أُو۟لَـٰۤىِٕكَ لَهُمۡ جَنَّـٰتُ عَدۡنࣲ تَجۡرِی مِن تَحۡتِهِمُ ٱلۡأَنۡهَـٰرُ یُحَلَّوۡنَ فِیهَا مِنۡ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبࣲ وَیَلۡبَسُونَ ثِیَابًا خُضۡرࣰا مِّن سُندُسࣲ وَإِسۡتَبۡرَقࣲ مُّتَّكِـِٔینَ فِیهَا عَلَى ٱلۡأَرَاۤىِٕكِۚ نِعۡمَ ٱلثَّوَابُ وَحَسُنَتۡ مُرۡتَفَقࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق