الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿قُلْ لَوْ كانَ البَحْرُ مِدادًا لِكَلِماتِ رَبِّي لَنَفِدَ البَحْرُ قَبْلَ أنْ تَنْفَدَ كَلِماتُ رَبِّي ولَوْ جِئْنا بِمِثْلِهِ مَدَدًا﴾ ﴿قُلْ إنَّما أنا بَشَرٌ مِثْلُكم يُوحى إلَيَّ أنَّما إلَهُكم إلَهٌ واحِدٌ فَمَن كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صالِحًا ولا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أحَدًا﴾
وفِي الآيَةِ مَسائِلُ:
المَسْألَةُ الأُولى: اعْلَمْ أنَّهُ تَعالى لَمّا ذَكَرَ في هَذِهِ السُّورَةِ أنْواعَ الدَّلائِلِ والبَيِّناتِ وشَرَحَ أقاصِيصَ (p-١٥٠)الأوَّلِينَ نَبَّهَ عَلى كَمالِ حالِ القُرْآنِ فَقالَ: ﴿قُلْ لَوْ كانَ البَحْرُ مِدادًا لِكَلِماتِ رَبِّي﴾ والمِدادُ اسْمٌ لِما تُمَدُّ بِهِ الدَّواةُ مِنَ الحِبْرِ ولِما يُمَدُّ بِهِ السِّراجُ مِنَ السَّلِيطِ، والمَعْنى لَوْ كُتِبَتْ كَلِماتُ عِلْمِ اللَّهِ وحِكَمُهُ وكانَ البَحْرُ مِدادًا لَها - والمُرادُ بِالبَحْرِ الجِنْسُ -؛ لَنَفِدَ قَبْلَ أنْ تَنْفَدَ الكَلِماتُ، وتَقْرِيرُ الكَلامِ أنَّ البِحارَ كَيْفَما فَرَضَتْ في الِاتِّساعِ والعَظَمَةِ فَهي مُتَناهِيَةٌ ومَعْلُوماتُ اللَّهِ غَيْرُ مُتَناهِيَةٍ والمُتَناهِي لا يَفِي البَتَّةَ بِغَيْرِ المُتَناهِي، قَرَأ حَمْزَةُ والكِسائِيُّ ”يَنْفَدَ“ بِالياءِ لِتُقَدِّمِ الفِعْلِ عَلى الجَمْعِ والباقُونَ بِالتّاءِ لِتَأْنِيثِ كَلِماتٍ، ورُوِيَ أنَّ حُيَيَّ بْنَ أخْطَبَ قالَ: في كِتابِكم: ﴿ومَن يُؤْتَ الحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا﴾ (البَقَرَةِ: ٢٦٩) ثُمَّ تَقْرَءُونَ: ﴿وما أُوتِيتُمْ مِنَ العِلْمِ إلّا قَلِيلًا﴾ (الإسْراءِ: ٨٥) فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ يَعْنِي أنَّ ذَلِكَ خَيْرٌ كَثِيرٌ ولَكِنَّهُ قَطْرَةٌ مِن بَحْرِ كَلِماتِ اللَّهِ.
المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: احْتَجَّ المُخالِفُونَ عَلى الطَّعْنِ في قَوْلِ أصْحابِنا أنَّ كَلامَ اللَّهِ تَعالى واحِدٌ بِهَذِهِ الآيَةِ، وقالُوا: إنَّها صَرِيحَةٌ في إثْباتِ كَلِماتِ اللَّهِ تَعالى، وأصْحابُنا حَمَلُوا الكَلِماتِ عَلى مُتَعَلِّقاتِ عِلْمِ اللَّهِ تَعالى، قالَ الجُبّائِيُّ: وأيْضًا قَوْلُهُ: ﴿قَبْلَ أنْ تَنْفَدَ كَلِماتُ رَبِّي﴾ يَدُلُّ عَلى أنَّ كَلِماتِ اللَّهِ تَعالى قَدْ تَنْفَدُ في الجُمْلَةِ وما ثَبَتَ عَدَمُهُ؛ امْتَنَعَ قِدَمُهُ، وأيْضًا قالَ: ﴿ولَوْ جِئْنا بِمِثْلِهِ مَدَدًا﴾ وهَذا يَدُلُّ عَلى أنَّهُ تَعالى قادِرٌ عَلى أنْ يَجِيءَ بِمِثْلِ كَلامِهِ والَّذِي يُجاءُ بِهِ يَكُونُ مُحْدَثًا، والَّذِي يَكُونُ المُحْدَثُ مِثْلًا لَهُ فَهو أيْضًا مُحْدَثٌ، وجَوابُ أصْحابِنا أنَّ المُرادَ مِنهُ الألْفاظُ الدّالَّةُ عَلى تَعَلُّقاتِ تِلْكَ الصِّفَةِ الأزَلِيَّةِ، واعْلَمْ أنَّهُ تَعالى لَمّا بَيَّنَ كَمالَ كَلامِ اللَّهِ أمَرَ مُحَمَّدًا -ﷺ- بِأنْ يَسْلُكَ طَرِيقَةَ التَّواضُعِ فَقالَ: ﴿قُلْ إنَّما أنا بَشَرٌ مِثْلُكم يُوحى إلَيَّ﴾ أيْ لا امْتِيازَ بَيْنِي وبَيْنَكم في شَيْءٍ مِنَ الصِّفاتِ إلّا أنَّ اللَّهَ تَعالى أوْحى إلَيَّ أنَّهُ لا إلَهَ إلّا اللَّهُ الواحِدُ الأحَدُ الصَّمَدُ، والآيَةُ تَدُلُّ عَلى مَطْلُوبَيْنِ:
الأوَّلُ: أنَّ كَلِمَةَ (إنَّما) تُفِيدُ الحَصْرَ وهي قَوْلُهُ: ﴿أنَّما إلَهُكم إلَهٌ واحِدٌ﴾ .
والثّانِي: أنَّ كَوْنَ الإلَهِ تَعالى إلَهًا واحِدًا يُمْكِنُ إثْباتُهُ بِالدَّلائِلِ السَّمْعِيَّةِ، وقَدْ قَرَّرْنا هَذَيْنِ المَطْلُوبَيْنِ في سائِرِ السُّوَرِ بِالوُجُوهِ القَوِيَّةِ، ثُمَّ قالَ: ﴿فَمَن كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ﴾ والرَّجاءُ هو ظَنُّ المَنافِعِ الواصِلَةِ إلَيْهِ، والخَوْفُ ظَنُّ المَضارِّ الواصِلَةِ إلَيْهِ، وأصْحابُنا حَمَلُوا لِقاءَ الرَّبِّ عَلى رُؤْيَتِهِ، والمُعْتَزِلَةُ حَمَلُوهُ عَلى لِقاءِ ثَوابِ اللَّهِ، وهَذِهِ المُناظَرَةُ قَدْ تَقَدَّمَتْ، والعَجَبُ أنَّهُ تَعالى أوْرَدَ في آخِرِ هَذِهِ السُّورَةِ ما يَدُلُّ عَلى حُصُولِ رُؤْيَةِ اللَّهِ في ثَلاثِ آياتٍ:
أوَّلُها: قَوْلُهُ: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ ولِقائِهِ﴾ [الكَهْفِ: ١٠٥] .
وثانِيها: قَوْلُهُ: ﴿كانَتْ لَهم جَنّاتُ الفِرْدَوْسِ نُزُلًا﴾ [الكَهْفِ: ١٠٧] .
وثالِثُها: قَوْلُهُ: ﴿فَمَن كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ﴾ ولا بَيانَ أقْوى مِن ذَلِكَ ثُمَّ قالَ: ﴿فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صالِحًا﴾ أيْ مَن حَصَلَ لَهُ رَجاءُ لِقاءِ اللَّهِ فَلْيَشْتَغِلْ بِالعَمَلِ الصّالِحِ، ولَمّا كانَ العَمَلُ الصّالِحُ قَدْ يُؤْتى بِهِ لِلَّهِ، وقَدْ يُؤْتى بِهِ لِلرِّياءِ والسُّمْعَةِ، لا جَرَمَ اعْتُبِرَ فِيهِ قَيْدانِ:
أنْ يُؤْتى بِهِ لِلَّهِ، وأنْ يَكُونَ مُبَرَّأً عَنْ جِهاتِ الشِّرْكِ، فَقالَ: ﴿ولا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أحَدًا﴾ .
قِيلَ: نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ في جُنْدُبِ بْنِ زُهَيْرٍ قالَ لِرَسُولِ اللَّهِ -ﷺ-: («إنِّي أعْمَلُ العَمَلَ لِلَّهِ تَعالى فَإذا اطَّلَعَ عَلَيْهِ أحَدٌ سَرَّنِي”فَقالَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ:“ إنَّ اللَّهَ لا يَقْبَلُ ما شُورِكَ فِيهِ» )، ورُوِيَ أيْضًا أنَّهُ قالَ لَهُ: («لَكَ أجْرانِ أجْرُ السِّرِّ وأجْرُ العَلانِيَةِ» ) فالرِّوايَةُ الأُولى مَحْمُولَةٌ عَلى ما إذا قَصَدَ بِعَمَلِهِ الرِّياءَ والسُّمْعَةَ، والرِّوايَةُ الثّانِيَةُ مَحْمُولَةٌ عَلى ما إذا قَصَدَ أنْ يُقْتَدى بِهِ، والمَقامُ الأوَّلُ مَقامُ المُبْتَدِئِينَ، والمَقامُ الثّانِي مَقامُ الكامِلِينَ، والحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العالَمِينَ، والصَّلاةُ والسَّلامُ عَلى سَيِّدِنا مُحَمَّدٍ وآلِهِ وصَحْبِهِ أجْمَعِينَ.
قالَ المُصَنِّفُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ تَمَّ تَفْسِيرُ هَذِهِ السُّورَةِ يَوْمَ الثُّلاثاءِ السّابِعَ عَشَرَ مِن شَهْرِ صَفَرٍ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وسِتِّمِائَةٍ في بَلْدَةِ غَزْنِينَ؛ ونَسْألُ اللَّهَ أكْرَمَ الأكْرَمِينَ وأرْحَمَ الرّاحِمِينَ؛ أنْ يَخُصَّنا بِالمَغْفِرَةِ والفَضْلِ في يَوْمِ الدِّينِ، إنَّهُ ذُو الفَضْلِ العَظِيمِ.
{"ayah":"قُلۡ إِنَّمَاۤ أَنَا۠ بَشَرࣱ مِّثۡلُكُمۡ یُوحَىٰۤ إِلَیَّ أَنَّمَاۤ إِلَـٰهُكُمۡ إِلَـٰهࣱ وَ ٰحِدࣱۖ فَمَن كَانَ یَرۡجُوا۟ لِقَاۤءَ رَبِّهِۦ فَلۡیَعۡمَلۡ عَمَلࣰا صَـٰلِحࣰا وَلَا یُشۡرِكۡ بِعِبَادَةِ رَبِّهِۦۤ أَحَدَۢا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق