الباحث القرآني

(p-١٤٩)قَوْلُهُ تَعالى: ﴿إنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِحاتِ كانَتْ لَهم جَنّاتُ الفِرْدَوْسِ نُزُلًا﴾ ﴿خالِدِينَ فِيها لا يَبْغُونَ عَنْها حِوَلًا﴾ فِي الآيَةِ مَسائِلُ: المَسْألَةُ الأُولى: اعْلَمْ أنَّهُ تَعالى لَمّا ذَكَرَ الوَعِيدَ أتْبَعَهُ بِالوَعْدِ، ولَمّا ذَكَرَ في الكُفّارِ أنَّ جَهَنَّمَ نُزُلُهم، أتْبَعَهُ بِذِكْرِ ما يُرَغِّبُ في الإيمانِ والعَمَلِ الصّالِحِ. فَقالَ: ﴿إنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِحاتِ كانَتْ لَهم جَنّاتُ الفِرْدَوْسِ نُزُلًا﴾ . المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: عَطْفُ عَمَلِ الصّالِحاتِ عَلى الإيمانِ، والمَعْطُوفُ مُغايِرٌ لِلْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ وذَلِكَ يَدُلُّ عَلى أنَّ الأعْمالَ الصّالِحَةَ مُغايِرَةٌ لِلْإيمانِ. المَسْألَةُ الثّالِثَةُ: عَنْ قَتادَةَ: الفِرْدَوْسُ وسَطُ الجَنَّةِ وأفْضَلُها، وعَنْ كَعْبٍ: لَيْسَ في الجِنانِ أعْلى مِن جَنَّةِ الفِرْدَوْسِ، وفِيها الآمِرُونَ بِالمَعْرُوفِ والنّاهُونَ عَنِ المُنْكَرِ، وعَنْ مُجاهِدٍ الفِرْدَوْسُ هو البُسْتانُ بِالرُّومِيَّةِ، وعَنِ النَّبِيِّ -ﷺ- أنَّهُ قالَ: («الجَنَّةُ مِائَةُ دَرَجَةٍ، ما بَيْنَ كُلِّ دَرَجَتَيْنِ مَسِيرَةُ مِائَةِ عامٍ، والفِرْدَوْسُ أعْلاها دَرَجَةً، ومِنها الأنْهارُ الأرْبَعَةُ، والفِرْدَوْسُ مِن فَوْقِها، فَإذا سَألْتُمُ اللَّهَ الجَنَّةَ فاسْألُوهُ الفِرْدَوْسَ فَإنَّ فَوْقَها عَرْشَ الرَّحْمَنِ، ومِنها تَتَفَجَّرُ أنْهارُ الجَنَّةِ» ) . المَسْألَةُ الرّابِعَةُ: قالَ بَعْضُهم إنَّهُ تَعالى جَعَلَ الجَنَّةَ بِكُلِّيَّتِها نُزُلًا لِلْمُؤْمِنِينَ، والكَرِيمُ إذا أعْطى النُّزُلَ أوَّلًا فَلا بُدَّ أنْ يُتْبِعَهُ بِالخُلْعَةِ، ولَيْسَ بَعْدَ الجَنَّةِ بِكُلِّيَّتِها إلّا رُؤْيَةَ اللَّهِ، فَإنْ قالُوا: ألَيْسَ أنَّهُ تَعالى جَعَلَ في الآيَةِ الأُولى جُمْلَةَ جَهَنَّمَ نُزُلًا لِلْكافِرِينَ، ولَمْ يَبْقَ بَعْدَ جُمْلَةِ جَهَنَّمَ عَذابٌ آخَرُ، فَكَذَلِكَ هَهُنا جَعَلَ جُمْلَةَ الجَنَّةِ نُزُلًا لِلْمُؤْمِنِينَ، مَعَ أنَّهُ لَيْسَ لَهُ شَيْءٌ آخَرُ بَعْدَ الجَنَّةِ، والجَوابُ: قُلْنا لِلْكافِرِ بَعْدَ حُصُولِ جَهَنَّمَ مَرْتَبَةٌ أعْلى مِنها وهو كَوْنُهُ مَحْجُوبًا عَنْ رُؤْيَةِ اللَّهِ كَما قالَ تَعالى: ﴿كَلّا إنَّهم عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ﴾ ﴿ثُمَّ إنَّهم لَصالُو الجَحِيمِ﴾ [المُطَفِّفِينَ: ١٥، ١٦] فَجَعَلَ الصِّلاءَ بِالنّارِ مُتَأخِّرًا في المَرْتَبَةِ عَنْ كَوْنِهِ مَحْجُوبًا عَنِ اللَّهِ، ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿لا يَبْغُونَ عَنْها حِوَلًا﴾ الحِوَلُ التَّحَوُّلُ، يُقالُ: حالَ مِن مَكانِهِ حِوَلًا كَقَوْلِهِ عادَ في حُبِّها عَوْدًا يَعْنِي لا مَزِيدَ عَلى سِعاداتِ الجَنَّةِ وخَيْراتِها، حَتّى يُرِيدَ أشْياءَ غَيْرَها، وهَذا الوَصْفُ يَدُلُّ عَلى غايَةِ الكَمالِ؛ لِأنَّ الإنْسانَ في الدُّنْيا إذا وصَلَ إلى أيِّ دَرَجَةٍ كانَتْ في السَّعاداتِ، فَهو طامِحُ الطَّرْفِ إلى ما هو أعْلى مِنها.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب