الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وقالُوا أئِذا كُنّا عِظامًا ورُفاتًا أئِنّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا﴾ ﴿أوَلَمْ يَرَوْا أنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَواتِ والأرْضَ قادِرٌ عَلى أنْ يَخْلُقَ مِثْلَهم وجَعَلَ لَهم أجَلًا لا رَيْبَ فِيهِ فَأبى الظّالِمُونَ إلّا كُفُورًا﴾ ﴿قُلْ لَوْ أنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إذًا لَأمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الإنْفاقِ وكانَ الإنْسانُ قَتُورًا﴾ اعْلَمْ أنَّهُ تَعالى لَمّا أجابَ عَنْ شُبَهاتِ مُنْكِرِي النُّبُوَّةِ عادَ إلى حِكايَةِ شُبْهَةِ مُنْكِرِي الحَشْرِ والنَّشْرِ لِيُجِيبَ عَنْها، وتِلْكَ الشُّبْهَةُ هي أنَّ الإنْسانَ بَعْدَ أنْ يَصِيرَ رُفاتًا ورَمِيمًا يَبْعُدُ أنْ يَعُودَ هو بِعَيْنِهِ، وأجابَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ بِأنَّ مَن قَدَرَ عَلى خَلْقِ السَّماواتِ والأرْضِ لَمْ يَبْعُدْ أنْ يَقْدِرَ عَلى إعادَتِهِمْ بِأعْيانِهِمْ، وفي قَوْلِهِ: ﴿قادِرٌ عَلى أنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ﴾ قَوْلانِ:
الأوَّلُ: المَعْنى قادِرٌ عَلى أنْ يَخْلُقَهم ثانِيًا فَعَبَّرَ عَنْ خَلْقِهِمْ ثانِيًا بِلَفْظِ المَثَلِ كَما يَقُولُ المُتَكَلِّمُونَ أنَّ الإعادَةَ مِثْلُ الِابْتِداءِ.
القَوْلُ الثّانِي: المُرادُ قادِرٌ عَلى أنْ يَخْلُقَ عَبِيدًا آخَرِينَ يُوَحِّدُونَهُ ويُقِرُّونَ بِكَمالِ حِكْمَتِهِ وقُدْرَتِهِ ويَتْرُكُونَ ذِكْرَ هَذِهِ الشُّبَهاتِ الفاسِدَةِ، وعَلى هَذا التَّفْسِيرِ فَهو كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿ويَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ﴾ (إبْراهِيمَ: ١٩) وقَوْلِهِ: ﴿ويَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ﴾ (التَّوْبَةِ: ٣٩) قالَ الواحِدِيُّ: والقَوْلُ هو الأوَّلُ لِأنَّهُ أشْبَهُ بِما قَبْلَهُ ولَمّا بَيَّنَ اللَّهُ تَعالى بِالدَّلِيلِ المَذْكُورِ أنَّ البَعْثَ والقِيامَةَ أمْرٌ مُمْكِنُ الوُجُودِ في نَفْسِهِ أرْدَفَهُ بِأنَّ لِوُقُوعِهِ ودُخُولِهِ في الوُجُودِ وقْتًا مَعْلُومًا عِنْدَ اللَّهِ وهو قَوْلُهُ: ﴿وجَعَلَ لَهم أجَلًا لا رَيْبَ فِيهِ﴾ ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿فَأبى الظّالِمُونَ إلّا كُفُورًا﴾ أيْ بَعْدَ هَذِهِ الدَّلائِلِ الظّاهِرَةِ أبَوْا إلّا الكُفْرَ والنُّفُورَ والجُحُودَ.
قَوْلُهُ تَعالى ﴿قُلْ لَوْ أنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إذًا لَأمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الإنْفاقِ وكانَ الإنْسانُ قَتُورًا﴾ وفي الآيَةِ مَسائِلُ:
المَسْألَةُ الأُولى: أنَّ الكُفّارَ لَمّا قالُوا: ﴿لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الأرْضِ يَنْبُوعًا﴾ طَلَبُوا (p-٥٣)إجْراءَ الأنْهارِ والعُيُونِ في بَلْدَتِهِمْ لِتَكْثُرَ أمْوالُهم وتَتَّسِعَ عَلَيْهِمْ مَعِيشَتُهم فَبَيَّنَ اللَّهُ تَعالى لَهم أنَّهم لَوْ مَلَكُوا خَزائِنَ رَحْمَةِ اللَّهِ لَبَقُوا عَلى بُخْلِهِمْ وشُحِّهِمْ ولَما أقْدَمُوا عَلى إيصالِ النَّفْعِ إلى أحَدٍ، وعَلى هَذا التَّقْدِيرِ فَلا فائِدَةَ في إسْعافِهِمْ بِهَذا المَطْلُوبِ الَّذِي التَمَسُوهُ فَهَذا هو الكَلامُ في وجْهِ النَّظْمِ واللَّهُ أعْلَمُ.
المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: قَوْلُهُ: ﴿لَوْ أنْتُمْ﴾ فِيهِ بَحْثٌ يَتَعَلَّقُ بِالنَّحْوِ وبَحْثٌ آخَرُ يَتَعَلَّقُ بِعِلْمِ البَيانِ، أمّا البَحْثُ النَّحْوِيُّ: فَهو أنَّ كَلِمَةَ ”لَوْ“ مِن شَأْنِها أنْ تَخْتَصَّ بِالفِعْلِ لَأنَّ كَلِمَةَ ”لَوْ“ تُفِيدُ انْتِفاءَ الشَّيْءِ لِانْتِفاءِ غَيْرِهِ، والِاسْمُ يَدُلُّ عَلى الذَّواتِ، والفِعْلُ هو الَّذِي يَدُلُّ عَلى الآثارِ والأحْوالِ والمُنْتَفِي هو الأحْوالُ والآثارُ لا الذَّواتُ فَثَبَتَ أنَّ كَلِمَةَ ”لَوْ“ مُخْتَصَّةٌ بِالأفْعالِ وأنْشَدُوا قَوْلَ المُتَلَمِّسِ:
؎لَوْ غَيْرُ أخْوالِي أرادُوا نَقِيصَتِي نَصَبْتُ لَهم فَوْقَ العَرانِينِ مَأْتَمًا
والمَعْنى لَوْ أرادَ غَيْرُ أخْوالِي، وأمّا البَحْثُ المُتَعَلِّقُ بِعِلْمِ البَيانِ فَهو أنَّ التَّقْدِيمَ بِالذِّكْرِ يَدُلُّ عَلى التَّخْصِيصِ فَقَوْلُهُ: ﴿أنْتُمْ تَمْلِكُونَ﴾ دَلالَةٌ عَلى أنَّهم هُمُ المُخْتَصُّونَ بِهَذِهِ الحالَةِ الخَسِيسَةِ والشُّحِّ الكامِلِ.
المَسْألَةُ الثّالِثَةُ: خَزائِنُ فَضْلِ اللَّهِ ورَحْمَتِهِ غَيْرُ مُتَناهِيَةٍ، فَكانَ المَعْنى أنَّكم لَوْ مَلَكْتُمْ مِنَ الخَيْرِ والنِّعَمِ خَزائِنَ لا نِهايَةَ لَها لَبَقِيتُمْ عَلى الشُّحِّ وهَذا مُبالَغَةٌ عَظِيمَةٌ في وصْفِهِمْ بِهَذا الشَّيْءِ، ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿وكانَ الإنْسانُ قَتُورًا﴾ أيْ بَخِيلًا، يُقالُ قَتَرَ يَقْتِرُ قَتْرًا وأقْتَرَ إقْتارًا وقَتَّرَ تَقْتِيرًا إذا قَصَّرَ في الإنْفاقِ، فَإنْ قِيلَ: فَقَدْ دَخَلَ في الإنْسانِ الجَوادُ الكَرِيمُ فالجَوابُ مِن وُجُوهٍ:
الأوَّلُ: أنَّ الأصْلَ في الإنْسانِ البُخْلُ لِأنَّهُ خُلِقَ مُحْتاجًا والمُحْتاجُ لا بُدَّ أنْ يُحِبَّ ما بِهِ يَدْفَعُ الحاجَةَ وأنْ يُمْسِكَهُ لِنَفْسِهِ إلّا أنَّهُ قَدْ يَجُودُ بِهِ لِأسْبابٍ مِن خارِجٍ، فَثَبَتَ أنَّ الأصْلَ في الإنْسانِ البُخْلُ.
الثّانِي: أنَّ الإنْسانَ إنَّما يَبْذُلُ لِطَلَبِ الثَّناءِ والحَمْدِ ولِلْخُرُوجِ عَنْ عُهْدَةِ الواجِبِ فَهو في الحَقِيقَةِ ما أنْفَقَ إلّا لِيَأْخُذَ العِوَضَ فَهو في الحَقِيقَةِ بَخِيلٌ.
الثّالِثُ: أنَّ المُرادَ بِهَذا الإنْسانِ المَعْهُودُ السّابِقُ: وهُمُ الَّذِينَ قالُوا ﴿لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الأرْضِ يَنْبُوعًا﴾ .
{"ayahs_start":98,"ayahs":["ذَ ٰلِكَ جَزَاۤؤُهُم بِأَنَّهُمۡ كَفَرُوا۟ بِـَٔایَـٰتِنَا وَقَالُوۤا۟ أَءِذَا كُنَّا عِظَـٰمࣰا وَرُفَـٰتًا أَءِنَّا لَمَبۡعُوثُونَ خَلۡقࣰا جَدِیدًا","۞ أَوَلَمۡ یَرَوۡا۟ أَنَّ ٱللَّهَ ٱلَّذِی خَلَقَ ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ قَادِرٌ عَلَىٰۤ أَن یَخۡلُقَ مِثۡلَهُمۡ وَجَعَلَ لَهُمۡ أَجَلࣰا لَّا رَیۡبَ فِیهِ فَأَبَى ٱلظَّـٰلِمُونَ إِلَّا كُفُورࣰا","قُل لَّوۡ أَنتُمۡ تَمۡلِكُونَ خَزَاۤىِٕنَ رَحۡمَةِ رَبِّیۤ إِذࣰا لَّأَمۡسَكۡتُمۡ خَشۡیَةَ ٱلۡإِنفَاقِۚ وَكَانَ ٱلۡإِنسَـٰنُ قَتُورࣰا"],"ayah":"ذَ ٰلِكَ جَزَاۤؤُهُم بِأَنَّهُمۡ كَفَرُوا۟ بِـَٔایَـٰتِنَا وَقَالُوۤا۟ أَءِذَا كُنَّا عِظَـٰمࣰا وَرُفَـٰتًا أَءِنَّا لَمَبۡعُوثُونَ خَلۡقࣰا جَدِیدًا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق