الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وما مَنَعَ النّاسَ أنْ يُؤْمِنُوا إذْ جاءَهُمُ الهُدى إلّا أنْ قالُوا أبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا رَسُولًا﴾ ﴿قُلْ لَوْ كانَ في الأرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ مَلَكًا رَسُولًا﴾ ﴿قُلْ كَفى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وبَيْنَكم إنَّهُ كانَ بِعِبادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا﴾ اعْلَمْ أنَّهُ تَعالى لَمّا حَكى شُبْهَةَ القَوْمِ في اقْتِراحِ المُعْجِزاتِ الزّائِدَةِ وأجابَ عَنْها حَكى عَنْهم شُبْهَةً أُخْرى وهي أنَّ القَوْمَ اسْتَبْعَدُوا أنْ يَبْعَثَ اللَّهُ إلى الخَلْقِ رَسُولًا مِنَ البَشَرِ بَلِ اعْتَقَدُوا أنَّ اللَّهَ تَعالى لَوْ أرْسَلَ رَسُولًا إلى الخَلْقِ لَوَجَبَ أنْ يَكُونَ ذَلِكَ الرَّسُولُ مِنَ المَلائِكَةِ فَأجابَ اللَّهُ تَعالى عَنْ هَذِهِ الشُّبْهَةِ مِن وُجُوهٍ: الأوَّلُ: قَوْلُهُ: ﴿وما مَنَعَ النّاسَ أنْ يُؤْمِنُوا إذْ جاءَهُمُ الهُدى﴾ وتَقْرِيرُ هَذا الجَوابِ أنَّ بِتَقْدِيرِ أنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مَلَكًا رَسُولًا إلى الخَلْقِ، فالخَلْقُ إنَّما يُؤْمِنُونَ بِكَوْنِهِ رَسُولًا مِن عِنْدِ اللَّهِ لِأجْلِ قِيامِ المُعْجِزِ الدّالِّ عَلى صِدْقِهِ وذَلِكَ المُعْجِزُ هو الَّذِي يَهْدِيهِمْ إلى مَعْرِفَةِ ذَلِكَ المَلَكِ في ادِّعاءِ رِسالَةِ اللَّهِ تَعالى، فالمُرادُ مِن قَوْلِهِ تَعالى: ﴿إذْ جاءَهُمُ الهُدى﴾ هو المُعْجِزُ فَقَطْ فَهَذا المُعْجِزُ سَواءٌ ظَهَرَ عَلى يَدِ المَلَكِ أوْ عَلى يَدِ البَشَرِ وجَبَ الإقْرارُ بِرِسالَتِهِ فَثَبَتَ أنْ يَكُونَ قَوْلُهم بِأنَّ الرَّسُولَ لا بُدَّ وأنْ يَكُونَ مِنَ المَلائِكَةِ تَحَكُّمًا فاسِدًا وتَعَنُّتًا باطِلًا. الوَجْهُ الثّانِي: مِنَ الأجْوِبَةِ الَّتِي ذَكَرَها اللَّهُ في هَذِهِ الآيَةِ عَنْ هَذِهِ الشُّبْهَةِ هو أنَّ أهْلَ الأرْضِ لَوْ كانُوا مَلائِكَةً لَوَجَبَ أنْ يَكُونَ رَسُولُهم مِنَ المَلائِكَةِ لَأنَّ الجِنْسَ إلى الجِنْسِ أمِيلُ أمّا لَوْ كانَ أهْلُ الأرْضِ مِنَ البَشَرِ لَوَجَبَ أنْ يَكُونَ رَسُولُهم مِنَ البَشَرِ وهو المُرادُ مِن قَوْلِهِ: ﴿لَوْ كانَ في الأرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ مَلَكًا رَسُولًا﴾ . الوَجْهُ الثّالِثُ: مِنَ الأجْوِبَةِ المَذْكُورَةِ في هَذِهِ الآيَةِ قَوْلُهُ: ﴿قُلْ كَفى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وبَيْنَكُمْ﴾ وتَقْرِيرُهُ أنَّ اللَّهَ تَعالى لَمّا أظْهَرَ المُعْجِزَةَ عَلى وفْقِ دَعْوايَ كانَ ذَلِكَ شَهادَةً مِنَ اللَّهِ تَعالى عَلى كَوْنِي صادِقًا ومَن شَهِدَ اللَّهُ عَلى صِدْقِهِ فَهو صادِقٌ فَبَعْدَ ذَلِكَ قَوْلُ القائِلِ بِأنَّ الرَّسُولَ يَجِبُ أنْ يَكُونَ مَلَكًا لا إنْسانًا تَحَكُّمٌ فاسِدٌ لا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ، ولَمّا ذَكَرَ اللَّهُ تَعالى هَذِهِ الأجْوِبَةَ الثَّلاثَةَ أرْدَفَها بِما يَجْرِي مَجْرى التَّهْدِيدِ والوَعِيدِ فَقالَ: ﴿إنَّهُ كانَ بِعِبادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا﴾ يَعْنِي يَعْلَمُ ظَواهِرَهم وبَواطِنَهم ويَعْلَمُ مِن قُلُوبِهِمْ أنَّهم لا يَذْكُرُونَ هَذِهِ الشُّبَهاتِ إلّا لِمَحْضِ الحَسَدِ وحُبِّ الرِّياسَةِ والِاسْتِنْكافِ مِنَ الِانْقِيادِ لِلْحَقِّ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب