الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ولَئِنْ شِئْنا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أوْحَيْنا إلَيْكَ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنا وكِيلًا﴾ ﴿إلّا رَحْمَةً مِن رَبِّكَ إنَّ فَضْلَهُ كانَ عَلَيْكَ كَبِيرًا﴾ وفي الآيَةِ مَسائِلُ: المَسْألَةُ الأُولى: اعْلَمْ أنَّهُ تَعالى لَمّا بَيَّنَ في الآيَةِ الأُولى أنَّهُ ما آتاهم ﴿مِنَ العِلْمِ إلّا قَلِيلًا﴾ بَيَّنَ في هَذِهِ الآيَةِ أنَّهُ لَوْ شاءَ أنْ يَأْخُذَ مِنهم ذَلِكَ القَلِيلَ أيْضًا لَقَدَرَ عَلَيْهِ، وذَلِكَ بِأنْ يَمْحُوَ حِفْظَهُ مِنَ القُلُوبِ وكِتابَتَهُ مِنَ الكُتُبِ، وهَذا وإنْ كانَ أمْرًا مُخالِفًا لِلْعادَةِ إلّا أنَّهُ تَعالى قادِرٌ عَلَيْهِ. المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: احْتَجَّ الكَعْبِيُّ بِهَذِهِ الآيَةِ عَلى أنَّ القُرْآنَ مَخْلُوقٌ فَقالَ والَّذِي يَقْدِرُ عَلى إزالَتِهِ والذَّهابِ بِهِ يَسْتَحِيلُ أنْ يَكُونَ قَدِيمًا بَلْ يَجِبُ أنْ يَكُونَ مُحْدَثًا، وهَذا الِاسْتِدْلالُ بَعِيدٌ لِأنَّ المُرادَ بِهَذا الإذْهابِ إزالَةُ العِلْمِ بِهِ عَنِ القُلُوبِ وإزالَةُ النُّقُوشِ الدّالَّةِ عَلَيْهِ عَنِ المُصْحَفِ، وذَلِكَ لا يُوجِبُ كَوْنَ ذَلِكَ المَعْلُومِ المَدْلُولِ مُحْدَثًا، وقَوْلُهُ: ﴿ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنا وكِيلًا﴾ أيْ لا تَجِدُ مَن تَتَوَكَّلُ عَلَيْهِ في رَدِّ شَيْءٍ مِنهُ ثُمَّ قالَ: ﴿إلّا رَحْمَةً مِن رَبِّكَ﴾ أيْ إلّا أنْ يَرْحَمَكَ رَبُّكَ فَيَرُدَّهُ عَلَيْكَ، أوْ يَكُونَ عَلى الِاسْتِثْناءِ المُنْقَطِعِ بِمَعْنى: ولَكِنَّ رَحْمَةَ رَبِّكَ تَرَكَتْهُ غَيْرَ مَذْهُوبٍ بِهِ، وهَذا امْتِنانٌ مِنَ اللَّهِ بِبَقاءِ القُرْآنِ، عَلى أنَّهُ تَعالى مَنَّ عَلى جَمِيعِ العُلَماءِ بِنَوْعَيْنِ مِنَ المِنَّةِ: أحَدُهُما: تَسْهِيلُ ذَلِكَ العِلْمِ عَلَيْهِ. الثّانِي: إبْقاءُ حِفْظِهِ عَلَيْهِ، وقَوْلُهُ: ﴿إنَّ فَضْلَهُ كانَ عَلَيْكَ كَبِيرًا﴾ فِيهِ قَوْلانِ: الأوَّلُ: المُرادُ أنَّ فَضْلَهُ كانَ عَلَيْكَ كَبِيرًا بِسَبَبِ إبْقاءِ العِلْمِ والقُرْآنِ عَلَيْكَ. الثّانِي: المُرادُ أنَّ فَضْلَهُ كانَ عَلَيْكَ كَبِيرًا بِسَبَبِ أنَّهُ جَعَلَكَ سَيِّدَ ولَدِ آدَمَ وخَتَمَ بِكَ النَّبِيِّينَ وأعْطاكَ المَقامَ المَحْمُودَ فَلَمّا كانَ كَذَلِكَ لا جَرَمَ أنْعَمَ عَلَيْكَ أيْضًا بِإبْقاءِ العِلْمِ والقُرْآنِ عَلَيْكَ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب