الباحث القرآني
﴿وإنْ كادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الأرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنها وإذًا لا يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إلّا قَلِيلًا﴾ ﴿سُنَّةَ مَن قَدْ أرْسَلْنا قَبْلَكَ مِن رُسُلِنا ولا تَجِدُ لِسُنَّتِنا تَحْوِيلًا﴾
فِي هَذِهِ الآيَةِ قَوْلانِ:
الأوَّلُ: قالَ قَتادَةُ: هم أهْلُ مَكَّةَ هَمُّوا بِإخْراجِ النَّبِيِّ ﷺ مِن مَكَّةَ، ولَوْ فَعَلُوا ذَلِكَ ما أُمْهِلُوا، ولَكِنَّ اللَّهَ مَنَعَهم مِن إخْراجِهِ، حَتّى أمَرَهُ اللَّهُ بِالخُرُوجِ، ثُمَّ إنَّهُ قَلَّ لَبْثُهم بَعْدَ خُرُوجِ النَّبِيِّ ﷺ مِن (p-٢٠)مَكَّةَ حَتّى بَعَثَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ القَتْلَ يَوْمَ بَدْرٍ وهَذا قَوْلُ مُجاهِدٍ.
والقَوْلُ الثّانِي: قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ لَمّا هاجَرَ إلى المَدِينَةِ حَسَدَتْهُ اليَهُودُ وكَرِهُوا قُرْبَهُ مِنهم فَقالُوا: يا أبا القاسِمِ إنَّ الأنْبِياءَ إنَّما بُعِثُوا بِالشّامِ وهي بِلادٌ مُقَدَّسَةٌ وكانَتْ مَسْكَنَ إبْراهِيمَ فَلَوْ خَرَجْتَ إلى الشّامِ آمَنّا بِكَ واتَّبَعْناكَ، وقَدْ عَلِمْنا أنَّهُ لا يَمْنَعُكَ مِنَ الخُرُوجِ إلّا خَوْفُ الرُّومِ فَإنْ كُنْتَ رَسُولَ اللَّهِ فاللَّهُ مانِعُكَ مِنهم. فَعَسْكَرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَلى أمْيالٍ مِنَ المَدِينَةِ، قِيلَ بِذِي الحُلَيْفَةِ حَتّى يَجْتَمِعَ إلَيْهِ أصْحابُهُ ويَراهُ النّاسُ عازِمًا عَلى الخُرُوجِ إلى الشّامِ لِحِرْصِهِ عَلى دُخُولِ النّاسِ في دِينِ اللَّهِ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ فَرَجَعَ.
فالقَوْلُ الأوَّلُ اخْتِيارُ الزَّجّاجِ وهو الوَجْهُ؛ لِأنَّ السُّورَةَ مَكِّيَّةٌ فَإنْ صَحَّ القَوْلُ الثّانِي كانَتِ الآيَةُ مَدَنِيَّةً، والأرْضُ في قَوْلِهِ: ﴿لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الأرْضِ﴾ عَلى القَوْلِ الأوَّلِ مَكَّةُ، وعَلى القَوْلِ الثّانِي المَدِينَةُ، وكَثُرَ في التَّنْزِيلِ ذِكْرُ الأرْضِ والمُرادُ مِنها مَكانٌ مَخْصُوصٌ كَقَوْلِهِ: ﴿أوْ يُنْفَوْا مِنَ الأرْضِ﴾ (المائِدَةِ: ٣٣) يَعْنِي مِن مَواضِعِهِمْ وقَوْلِهِ: ﴿فَلَنْ أبْرَحَ الأرْضَ﴾ (يُوسُفَ: ٨٠) يَعْنِي الأرْضَ الَّتِي كانَ قَصَدَها لِطَلَبِ المِيرَةِ، فَإنْ قِيلَ: قالَ اللَّهُ تَعالى: ﴿وكَأيِّنْ مِن قَرْيَةٍ هي أشَدُّ قُوَّةً مِن قَرْيَتِكَ الَّتِي أخْرَجَتْكَ﴾ (مُحَمَّدٍ: ١٣) يَعْنِي مَكَّةَ والمُرادُ أهْلُها، فَذَكَرَ أنَّهم أخْرَجُوهُ، وقالَ في هَذِهِ الآيَةِ: ﴿وإنْ كادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الأرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنها﴾ فَكَيْفَ [ يُمْكِنُ ] الجَمْعُ بَيْنَهُما عَلى قَوْلِ مَن قالَ الأرْضُ في هَذِهِ الآيَةِ مَكَّةُ ؟ قُلْنا: إنَّهم هَمُّوا بِإخْراجِهِ وهو - عَلَيْهِ السَّلامُ - ما خَرَجَ بِسَبَبِ إخْراجِهِمْ وإنَّما خَرَجَ بِأمْرِ اللَّهِ تَعالى، فَزالَ التَّناقُضُ. ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿وإذًا لا يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إلّا قَلِيلًا﴾ وفِيهِ مَسْألَتانِ:
المَسْألَةُ الأُولى: قَرَأ نافِعٌ وابْنُ كَثِيرٍ وأبُو عَمْرٍو عَنْ عاصِمٍ ”خَلْفَكَ“ بِفَتْحِ الخاءِ وسُكُونِ اللّامِ والباقُونَ ”خِلافَكَ“، زَعَمَ الأخْفَشُ أنَّ خِلافَكَ في مَعْنى خَلْفَكَ ورَوى ذَلِكَ يُونُسُ عَنْ عِيسى وهَذا كَقَوْلِهِ: ﴿بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اللَّهِ﴾ (التَّوْبَةِ: ٨١) .
وقالَ الشّاعِرُ:
؎عَفَتِ الدِّيارُ خِلافَهم فَكَأنَّما بَسَطَ الشَّواطِبُ بَيْنَهُنَّ حَصِيرَ
قالَ صاحِبُ ”الكَشّافِ“ قُرِئَ ”لا يَلْبَثُونَ“ وفي قِراءَةِ أُبَيٍّ ”لا يَلْبَثُوا“ عَلى إعْمالِ إذَنْ، فَإنْ قِيلَ: ما وجْهُ القِراءَتَيْنِ ؟ قُلْنا: أمّا السّابِقَةُ فَقَدْ عُطِفَ فِيها الفِعْلُ عَلى الفِعْلِ وهو مَرْفُوعٌ لِوُقُوعِهِ خَبَرَ كادَ، والفِعْلُ في خَبَرِ كادَ واقِعٌ مَوْقِعَ الِاسْمِ، وأمّا قِراءَةُ أُبَيٍّ فَفِيها الجُمْلَةُ بِرَأْسِها الَّتِي هي قَوْلُهُ: ﴿وإذًا لا يَلْبَثُونَ﴾ عُطِفَ عَلى جُمْلَةِ قَوْلِهِ: ﴿وإنْ كادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ﴾ ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿سُنَّةَ مَن قَدْ أرْسَلْنا قَبْلَكَ مِن رُسُلِنا﴾ يَعْنِي أنَّ كُلَّ قَوْمٍ أخْرَجُوا نَبِيَّهم مِن ظَهْرانَيْهِمْ فَسُنَّةُ اللَّهِ أنْ يُهْلِكَهم، فَقَوْلُهُ: ﴿سُنَّةَ﴾ نُصِبَ عَلى المَصْدَرِ المُؤَكَّدِ أيْ سَنَنّا ذَلِكَ سُنَّةً فِيمَن قَدْ أرْسَلْنا قَبْلَكَ، ثُمَّ قالَ: ﴿ولا تَجِدُ لِسُنَّتِنا تَحْوِيلًا﴾ والمَعْنى أنَّ ما أجْرى اللَّهُ تَعالى بِهِ العادَةَ لَمْ يَتَهَيَّأْ لِأحَدٍ أنْ يَقْلِبَ تِلْكَ العادَةَ، وتَمامُ الكَلامِ في هَذا البابِ أنَّ اخْتِصاصَ كُلِّ حادِثٍ بِوَقْتِهِ المُعَيَّنِ وصِفَتِهِ المُعَيَّنَةِ لَيْسَ أمْرًا ثابِتًا لَهُ لِذاتِهِ وإلّا لَزِمَ أنْ يَدُومَ أبَدًا عَلى تِلْكَ الحالَةِ وأنْ لا يَتَمَيَّزَ الشَّيْءُ عَمّا يُماثِلُهُ في تِلْكَ الصِّفاتِ، بَلْ إنَّما يَحْصُلُ ذَلِكَ الِاخْتِصاصُ بِتَخْصِيصِ المُخَصَّصِ وذَلِكَ التَّخْصِيصُ هو أنَّهُ تَعالى يُرِيدُ تَحْصِيلَهُ في ذَلِكَ الوَقْتِ، ثُمَّ تَتَعَلَّقُ قُدْرَتُهُ بِتَحْصِيلِهِ في ذَلِكَ الوَقْتِ ثُمَّ يَتَعَلَّقُ عِلْمُهُ بِحُصُولِهِ في ذَلِكَ الوَقْتِ ثُمَّ نَقُولُ هَذِهِ الصِّفاتُ الثَّلاثَةُ الَّتِي هي المُؤَثِّرَةُ في حُصُولِ ذَلِكَ الِاخْتِصاصِ إنْ كانَتْ حادِثَةً افْتَقَرَ حُدُوثُها إلى تَخْصِيصٍ آخَرَ ولَزِمَ التَّسَلْسُلُ وهو مُحالٌ، وإنْ كانَتْ قَدِيمَةً فالقَدِيمُ يَمْتَنِعُ تَغَيُّرُهُ لِأنَّ ما ثَبَتَ قِدَمُهُ امْتَنَعَ عَدَمُهُ، ولَمّا كانَ التَّغَيُّرُ عَلى تِلْكَ الصِّفاتِ المُؤَثِّرَةِ في ذَلِكَ الِاخْتِصاصِ مُمْتَنِعًا كانَ التَّغَيُّرُ في تِلْكَ الأشْياءِ المُقَدَّرَةِ مُمْتَنِعًا فَثَبَتَ بِهَذا البُرْهانِ صِحَّةُ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿ولا تَجِدُ لِسُنَّتِنا تَحْوِيلًا﴾ .
{"ayahs_start":76,"ayahs":["وَإِن كَادُوا۟ لَیَسۡتَفِزُّونَكَ مِنَ ٱلۡأَرۡضِ لِیُخۡرِجُوكَ مِنۡهَاۖ وَإِذࣰا لَّا یَلۡبَثُونَ خِلَـٰفَكَ إِلَّا قَلِیلࣰا","سُنَّةَ مَن قَدۡ أَرۡسَلۡنَا قَبۡلَكَ مِن رُّسُلِنَاۖ وَلَا تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحۡوِیلًا"],"ayah":"سُنَّةَ مَن قَدۡ أَرۡسَلۡنَا قَبۡلَكَ مِن رُّسُلِنَاۖ وَلَا تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحۡوِیلًا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











