الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿واسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنهم بِصَوْتِكَ وأجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ ورَجِلِكَ وشارِكْهم في الأمْوالِ والأولادِ وعِدْهم وما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إلّا غُرُورًا﴾ ﴿إنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ وكَفى بِرَبِّكَ وكِيلًا﴾
(p-٦)اعْلَمْ أنَّ إبْلِيسَ لَمّا طَلَبَ مِنَ اللَّهِ الإمْهالَ إلى يَوْمِ القِيامَةِ لِأجْلِ أنْ يَحْتَنِكَ ذُرِّيَّةَ آدَمَ فاللَّهُ تَعالى ذَكَرَ أشْياءَ:
أوَّلُها: قَوْلُهُ: ﴿اذْهَبْ﴾ ومَعْناهُ: أمْهَلْتُكَ هَذِهِ المُدَّةَ.
وثانِيها: قَوْلُهُ تَعالى: ﴿واسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنهُمْ﴾ يُقالُ أفَزَّهُ الخَوْفُ واسْتَفَزَّهُ أيْ أزْعَجَهُ واسْتَخَفَّهُ، وصَوْتُهُ دُعاؤُهُ إلى مَعْصِيَةِ اللَّهِ تَعالى، وقِيلَ: أرادَ بِصَوْتِكَ: الغِناءَ واللَّهْوَ واللَّعِبَ، ومَعْنى صِيغَةِ الأمْرِ هُنا التَّهْدِيدُ كَما يُقالُ: اجْهَدْ جُهْدَكَ فَسَتَرى ما يَنْزِلُ بِكَ.
وثالِثُها: ﴿وأجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ ورَجِلِكَ﴾ في قَوْلِهِ: ﴿وأجْلِبْ﴾ وُجُوهٌ:
الأوَّلُ: قالَ الفَرّاءُ: إنَّهُ مِنَ الجَلَبَةِ وهو الصِّياحُ ورُبَّما قالُوا الجَلَبُ كَما قالُوا الغَلَبَةُ والغَلَبُ والشَّفَقَةُ والشَّفَقُ، وقالَ اللَّيْثُ وأبُو عُبَيْدَةَ: أجَلَبُوا وجَلَبُوا مِنَ الصِّياحِ.
الثّانِي: قالَ الزَّجّاجُ في فَعَلَ وأفْعَلَ، أجْلَبَ عَلى العَدُوِّ إجْلابًا إذا جَمَعَ عَلَيْهِ الخُيُولَ.
الثّالِثُ: قالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: يُقالُ هم يَجْلِبُونَ عَلَيْهِ بِمَعْنى أنَّهم يُعِينُونَ عَلَيْهِ.
والرّابِعُ: رَوى ثَعْلَبٌ عَنِ ابْنِ الأعْرابِيِّ: أجْلَبَ الرَّجُلُ عَلى الرَّجُلِ إذا تَوَعَّدَهُ الشَّرَّ وجَمَعَ عَلَيْهِ الجَمْعَ، فَقَوْلُهُ: وأجْلِبْ عَلَيْهِمْ مَعْناهُ عَلى قَوْلِ الفَرّاءِ: صِحْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ ورَجِلِكَ، وعَلى قَوْلِ الزَّجّاجِ: اجْمَعْ عَلَيْهِمْ كُلَّ ما تَقْدِرُ عَلَيْهِ مِن مَكايِدِكَ وتَكُونُ الباءُ في قَوْلِهِ: بِخَيْلِكَ زائِدَةً عَلى هَذا القَوْلِ، وعَلى قَوْلِ ابْنِ السِّكِّيتِ مَعْناهُ أعِنْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ ورَجِلِكَ، ومَفْعُولُ الإجْلابِ عَلى هَذا القَوْلِ مَحْذُوفٌ كَأنَّهُ يَسْتَعِينُ عَلى إغْوائِهِمْ بِخَيْلِهِ ورَجِلِهِ، وهَذا أيْضًا يَقْرُبُ مِن قَوْلِ ابْنِ الأعْرابِيِّ، واخْتَلَفُوا في تَفْسِيرِ الخَيْلِ والرَّجِلِ، فَرَوى أبُو الضُّحى عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أنَّهُ قالَ: ”كُلُّ راكِبٍ أوْ راجِلٍ في مَعْصِيَةِ اللَّهِ تَعالى فَهو مِن خَيْلِ إبْلِيسَ وجُنُودِهِ“، ويَدْخُلُ فِيهِ كُلُّ راكِبٍ وماشٍ في مَعْصِيَةِ اللَّهِ تَعالى، فَعَلى هَذا التَّقْدِيرِ خَيْلُهُ ورَجِلُهُ كُلُّ مَن شارَكَهُ في الدُّعاءِ إلى المَعْصِيَةِ.
والقَوْلُ الثّانِي: يُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ لِإبْلِيسَ جُنْدٌ مِنَ الشَّياطِينِ بَعْضُهم راكِبٌ وبَعْضُهم راجِلٌ.
والقَوْلُ الثّالِثُ: أنَّ المُرادَ مِنهُ ضَرْبُ المَثَلِ كَما تَقُولُ لِلرَّجُلِ المُجِدِّ في الأمْرِ جِئْتَنا بِخَيْلِكَ ورَجِلِكَ وهَذا الوَجْهُ أقْرَبُ، والخَيْلُ تَقَعُ عَلى الفِرْسانِ، قالَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ: ”«يا خَيْلَ اللَّهِ ارْكَبِي» “ وقَدْ تَقَعُ عَلى الأفْراسِ خاصَّةً، والمُرادُ هَهُنا الأوَّلُ، والرَّجْلُ جَمْعُ راجِلٍ كَما قالُوا تاجِرٌ وتَجْرٌ وصاحِبٌ وصَحْبٌ وراكِبٌ ورَكْبٌ، ورَوى حَفْصٌ عَنْ عاصِمٍ: ورَجِلِكَ بِكَسْرِ الجِيمِ وغَيْرُهُ بِالضَّمِّ، قالَ أبُو زَيْدٍ: يُقالُ رَجُلٌ ورَجِلٌ بِمَعْنًى واحِدٍ ومِثْلُهُ حَدُثٌ وحَدِثٌ ونَدُسٌ ونَدِسٌ، قالَ ابْنُ الأنْبارِيِّ: أخْبَرَنا ثَعْلَبٌ عَنِ الفَرّاءِ قالَ: يُقالُ رَجُلٌ ورَجِلٌ ورَجْلانُ بِمَعْنًى واحِدٍ.
والنَّوْعُ الرّابِعُ مِنَ الأشْياءِ الَّتِي ذَكَرَها اللَّهُ تَعالى لِإبْلِيسَ قَوْلُهُ: ﴿وشارِكْهم في الأمْوالِ والأولادِ﴾ نَقُولُ: أمّا المُشارَكَةُ في الأمْوالِ فَهي عِبارَةٌ عَنْ كُلِّ تَصَرُّفٍ قَبِيحٍ في المالِ سَواءٌ كانَ ذَلِكَ القَبِيحُ بِسَبَبِ أخْذِهِ مِن غَيْرِ حَقِّهِ أوْ وضْعِهِ في غَيْرِ حَقِّهِ، ويَدْخُلُ فِيهِ الرِّبا والغَصْبُ والسَّرِقَةُ والمُعامَلاتُ الفاسِدَةُ، وهَكَذا قالَهُ القاضِي وهو ضَبْطٌ حَسَنٌ، وأمّا المُفَسِّرُونَ فَقَدْ ذَكَرُوا وُجُوهًا، قالَ قَتادَةُ: المُشارَكَةُ في الأمْوالِ هي أنْ جَعَلُوا بَحِيرَةً وسائِبَةً، وقالَ عِكْرِمَةُ: هي عِبارَةٌ عَنْ تَبْتِيكِهِمْ آذانَ الأنْعامِ، وقِيلَ هي أنْ جَعَلُوا مِن أمْوالِهِمْ شَيْئًا لِغَيْرِ اللَّهِ تَعالى كَما قالَ تَعالى: ﴿فَقالُوا هَذا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وهَذا لِشُرَكائِنا﴾ (الأنْعامِ: ١٣٦) والأصْوَبُ ما قالَهُ القاضِي، وأمّا المُشارَكَةُ في الأوْلادِ فَذَكَرُوا فِيهِ وُجُوهًا:
أحَدُها: أنَّها الدُّعاءُ إلى الزِّنا، وزَيَّفَ الأصَمُّ ذَلِكَ بِأنْ قالَ إنَّهُ لا ذَمَّ عَلى الوَلَدِ، ويُمْكِنُ أنْ يُجابَ عَنْهُ بِأنَّ المُرادَ وشارِكْهم في طَرِيقِ تَحْصِيلِ الوَلَدِ وذَلِكَ بِالدُّعاءِ إلى الزِّنا.
وثانِيها: أنْ يُسَمُّوا أوْلادَهم بِعَبْدِ اللّاتِ وعَبْدِ العُزّى.
وثالِثُها: أنْ يُرَغِّبُوا أوْلادَهم في الأدْيانِ الباطِلَةِ كاليَهُودِيَّةِ والنَّصْرانِيَّةِ وغَيْرِهِما.
ورابِعُها: إقْدامُهم عَلى قَتْلِ الأوْلادِ ووَأْدِهِمْ.
وخامِسُها: تَرْغِيبُهم في حِفْظِ الأشْعارِ المُشْتَمِلَةِ عَلى الفُحْشِ وتَرْغِيبِهِمْ في القَتْلِ والقِتالِ والحِرَفِ الخَبِيثَةِ الخَسِيسَةِ، والضّابِطُ أنْ يُقالَ إنَّ كُلَّ تَصَرُّفٍ مِنَ المَرْءِ في ولَدِهِ عَلى وجْهٍ يُؤَدِّي إلى ارْتِكابِ مُنْكَرٍ أوْ (p-٧)قَبِيحٍ فَهو داخِلٌ فِيهِ.
{"ayah":"وَٱسۡتَفۡزِزۡ مَنِ ٱسۡتَطَعۡتَ مِنۡهُم بِصَوۡتِكَ وَأَجۡلِبۡ عَلَیۡهِم بِخَیۡلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكۡهُمۡ فِی ٱلۡأَمۡوَ ٰلِ وَٱلۡأَوۡلَـٰدِ وَعِدۡهُمۡۚ وَمَا یَعِدُهُمُ ٱلشَّیۡطَـٰنُ إِلَّا غُرُورًا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











