الباحث القرآني
(p-١٤٦)
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿لا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إلَهًا آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَخْذُولًا﴾ .
فِي الآيَةِ مَسائِلُ:
المَسْألَةُ الأُولى: في بَيانِ وجْهِ النَّظْمِ. فَنَقُولُ: إنَّهُ تَعالى لَمّا بَيَّنَ أنَّ النّاسَ فَرِيقانِ مِنهم مَن يُرِيدُ بِعَمَلِهِ الدُّنْيا فَقَطْ وهم أهْلُ العِقابِ والعَذابِ، ومِنهم مَن يُرِيدُ بِهِ طاعَةَ اللَّهِ وهم أهْلُ الثَّوابِ. ثُمَّ شَرَطَ ذَلِكَ بِشَرائِطَ ثَلاثَةٍ:
أوَّلُها: إرادَةُ الآخِرَةِ.
وثانِيها: أنْ يَعْمَلَ عَمَلًا ويَسْعى سَعْيًا مُوافِقًا لِطَلَبِ الآخِرَةِ.
وثالِثُها: أنْ يَكُونَ مُؤْمِنًا لا جَرَمَ فَصَّلَ في هَذِهِ الآيَةِ تِلْكَ المُجْمَلاتِ فَبَدَأ أوَّلًا بِشَرْحِ حَقِيقَةِ الإيمانِ، وأشْرَفُ أجْزاءِ الإيمانِ هو التَّوْحِيدُ ونَفْيُ الشُّرَكاءِ والأضْدادِ فَقالَ: ﴿لا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إلَهًا آخَرَ﴾ ثُمَّ ذَكَرَ عَقِيبَهُ سائِرَ الأعْمالِ الَّتِي يَكُونُ المُقْدِمُ عَلَيْها والمُشْتَغِلُ بِها ساعِيًا سَعْيًا يَلِيقُ بِطَلَبِ الآخِرَةِ، وصارَ مِنَ الَّذِينَ سَعِدَ طائِرُهم وحَسُنَ بَخْتُهم وكَمُلَتْ أحْوالُهم.
المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: قالَ المُفَسِّرُونَ: هَذا في الظّاهِرِ خِطابٌ لِلنَّبِيِّ ﷺ، ولَكِنْ في المَعْنى عامٌّ لِجَمِيعِ المُكَلَّفِينَ كَقَوْلِهِ: ﴿ياأيُّها النَّبِيُّ إذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ﴾ [الطلاق: ١] ويَحْتَمِلُ أيْضًا أنْ يَكُونَ الخِطابُ لِلْإنْسانِ كَأنَّهُ قِيلَ: أيُّها الإنْسانُ لا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إلَهًا آخَرَ، وهَذا الِاحْتِمالُ عِنْدِي أوْلى، لِأنَّهُ تَعالى عَطَفَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ: ﴿وقَضى رَبُّكَ ألّا تَعْبُدُوا إلّا إيّاهُ﴾ [الإسراء: ٢٣] إلى قَوْلِهِ: ﴿إمّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الكِبَرَ أحَدُهُما أوْ كِلاهُما﴾ [الإسراء: ٢٣] وهَذا لا يَلِيقُ بِالنَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلامُ، لِأنَّ أبَوَيْهِ ما بَلَغا الكِبَرَ عِنْدَهُ فَعَلِمْنا أنَّ المُخاطَبَ بِهَذا هو نَوْعُ الإنْسانِ.
المَسْألَةُ الثّالِثَةُ: مَعْنى الآيَةِ أنَّ مَن أشْرَكَ بِاللَّهِ كانَ مَذْمُومًا مَخْذُولًا، والَّذِي يَدُلُّ عَلى أنَّ الأمْرَ كَذَلِكَ وُجُوهٌ:
الأوَّلُ: أنَّ المُشْرِكَ كاذِبٌ والكاذِبَ يَسْتَوْجِبُ الذَّمَّ والخِذْلانَ.
الثّانِي: أنَّهُ لَمّا ثَبَتَ بِالدَّلِيلِ أنَّهُ لا إلَهَ ولا مُدَبِّرَ ولا مُقَدِّرَ إلّا الواحِدُ الأحَدُ، فَعَلى هَذا التَّقْدِيرِ تَكُونُ جَمِيعُ النِّعَمِ حاصِلَةً مِنَ اللَّهِ تَعالى، فَمَن أشْرَكَ بِاللَّهِ فَقَدْ أضافَ بَعْضَ تِلْكَ النِّعَمِ إلى غَيْرِ اللَّهِ تَعالى، مَعَ أنَّ الحَقَّ أنَّ كُلَّها مِنَ اللَّهِ، فَحِينَئِذٍ يَسْتَحِقُّ الذَّمَّ، لِأنَّ الخالِقَ تَعالى اسْتَحَقَّ الشُّكْرَ بِإعْطاءِ تِلْكَ النِّعَمِ فَلَمّا جَحَدَ كَوْنَها مِنَ اللَّهِ، فَقَدْ قابَلَ إحْسانَ اللَّهِ تَعالى بِالإساءَةِ والجُحُودِ والكُفْرانِ فاسْتَوْجَبَ الذَّمَّ وإنَّما قُلْنا إنَّهُ يَسْتَحِقُّ الخِذْلانَ، لِأنَّهُ لَمّا أثْبَتَ شَرِيكًا لِلَّهِ تَعالى اسْتَحَقَّ أنْ يُفَوَّضَ أمْرُهُ إلى ذَلِكَ الشَّرِيكِ، فَلَمّا كانَ ذَلِكَ الشَّرِيكُ مَعْدُومًا بَقِيَ بِلا ناصِرٍ ولا حافِظٍ ولا مُعِينٍ. وذَلِكَ عَيْنُ الخِذْلانِ.
الثّالِثُ: أنَّ الكَمالَ في الوَحْدَةِ والنُّقْصانَ في الكَثْرَةِ، فَمَن أثْبَتَ الشَّرِيكَ فَقَدْ وقَعَ في جانِبِ النُّقْصانِ واسْتَوْجَبَ الذَّمَّ والخِذْلانَ، واعْلَمْ أنَّهُ لَمّا دَلَّ لَفْظُ الآيَةِ عَلى أنَّ المُشْرِكَ مَذْمُومٌ مَخْذُولٌ وجَبَ بِحُكْمِ الآيَةِ أنْ يَكُونَ المُوَحِّدُ مَمْدُوحًا مَنصُورًا. واللَّهُ أعْلَمُ.
المَسْألَةُ الرّابِعَةُ: ”القُعُودُ“ المَذْكُورُ في قَوْلِهِ: ﴿فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَخْذُولًا﴾ فِيهِ وُجُوهٌ:
الأوَّلُ: أنَّ مَعْناهُ: المُكْثُ أيْ: فَتَمْكُثَ في النّاسِ مَذْمُومًا مَخْذُولًا، وهَذِهِ اللَّفْظَةُ مُسْتَعْمَلَةٌ في لِسانِ العَرَبِ والفُرْسِ في هَذا المَعْنى، فَإذا سَألَ الرَّجُلُ غَيْرَهُ ما يَصْنَعُ فُلانٌ في تِلْكَ البَلْدَةِ ؟ فَيَقُولُ المُجِيبُ: هو قاعِدٌ بِأسْوَأِ حالٍ مَعْناهُ: المُكْثُ سَواءً كانَ قائِمًا أوْ جالِسًا.
الثّانِي: إنَّ مِن شَأْنِ المَذْمُومِ المَخْذُولِ أنْ يَقْعُدَ نادِمًا مُتَفَكِّرًا عَلى ما فَرَطَ مِنهُ.
الثّالِثُ: أنَّ المُتَمَكِّنَ مِن تَحْصِيلِ الخَيْراتِ يَسْعى في تَحْصِيلِها، والسَّعْيُ إنَّما يَتَأتّى بِالقِيامِ، وأمّا العاجِزُ عَنْ تَحْصِيلِها فَإنَّهُ لا يَسْعى بَلْ يَبْقى جالِسًا قاعِدًا عَنِ الطَّلَبِ فَلَمّا كانَ القِيامُ عَلى الرَّجُلِ أحَدَ الأُمُورِ الَّتِي بِها يَتِمُّ الفَوْزُ بِالخَيْراتِ، وكانَ القُعُودُ والجُلُوسُ عَلامَةً عَلى عَدَمِ تِلْكَ المَكِنَةِ والقُدْرَةِ لا جَرَمَ جُعِلَ القِيامُ كِنايَةً عَنِ القُدْرَةِ عَلى تَحْصِيلِ الخَيْراتِ. والقُعُودُ كِنايَةٌ عَنِ العَجْزِ والضَّعْفِ.(p-١٤٧)
المَسْألَةُ الخامِسَةُ: قالَ الواحِدِيُّ: قَوْلُهُ: ﴿فَتَقْعُدَ﴾ انْتَصَبَ لِأنَّهُ وقَعَ بَعْدَ الفاءِ جَوابًا لِلنَّهْيِ وانْتِصابُهُ بِإضْمارِ ”أنْ“ كَقَوْلِكَ لا تَنْقَطِعْ عَنّا فَنَجْفُوَكَ، والتَّقْدِيرُ: لا يَكُنْ مِنكَ انْقِطاعٌ فَيَحْصُلُ أنْ نَجْفُوَكَ فَما بَعْدَ الفاءِ مُتَعَلِّقٌ بِالجُمْلَةِ المُتَقَدِّمَةِ بِحَرْفِ الفاءِ الَّتِي هي حَرْفُ العَطْفِ. وإنَّما سَمّاهُ النَّحْوِيُّونَ جَوابًا لِكَوْنِهِ مُشابِهًا لِلْجَزاءِ في أنَّ الثّانِيَ مُسَبَّبٌ عَنِ الأوَّلِ، ألا تَرى أنَّ المَعْنى إنِ انْقَطَعَتْ جَفْوَتُكَ كَذَلِكَ تَقْدِيرُ الآيَةِ: إنْ جَعَلْتَ مَعَ اللَّهِ إلَهًا آخَرَ قَعَدْتَ مَذْمُومًا مَخْذُولًا.
{"ayah":"لَّا تَجۡعَلۡ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهًا ءَاخَرَ فَتَقۡعُدَ مَذۡمُومࣰا مَّخۡذُولࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق