الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ولَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكم أُمَّةً واحِدَةً ولَكِنْ يُضِلُّ مَن يَشاءُ ويَهْدِي مَن يَشاءُ ولَتُسْألُنَّ عَمّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ . اعْلَمْ أنَّهُ تَعالى لَمّا كَلَّفَ القَوْمَ بِالوَفاءِ بِالعَهْدِ وتَحْرِيمِ نَقْضِهِ، أتْبَعَهُ بِبَيانِ أنَّهُ تَعالى قادِرٌ عَلى أنْ يَجْمَعَهم عَلى هَذا الوَفاءِ وعَلى سائِرِ أبْوابِ الإيمانِ، ولَكِنَّهُ سُبْحانَهُ بِحُكْمِ الإلَهِيَّةِ يُضِلُّ مَن يَشاءُ ويَهْدِي مَن يَشاءُ. أمّا المُعْتَزِلَةُ: فَإنَّهم حَمَلُوا ذَلِكَ عَلى الإلْجاءِ؛ أيْ لَوْ أرادَ أنْ يُلْجِئَهم إلى الإيمانِ أوْ إلى الكُفْرِ لَقَدَرَ عَلَيْهِ، إلّا أنَّ ذَلِكَ يُبْطِلُ التَّكْلِيفَ، فَلا جَرَمَ ما ألْجَأهم إلَيْهِ وفَوَّضَ الأمْرَ إلى اخْتِيارِهِمْ في هَذِهِ التَّكالِيفِ، وأمّا قَوْلُ أصْحابِنا فِيهِ فَهو ظاهِرٌ، وهَذِهِ المُناظَرَةُ قَدْ تَكَرَّرَتْ مِرارًا كَثِيرَةً، ورَوى الواحِدِيُّ أنَّ عُزَيْرًا قالَ: يا رَبِّ، خَلَقْتَ الخَلْقَ فَتُضِلُّ مَن تَشاءُ وتْهَدِي مَن تَشاءُ، فَقالَ: يا عُزَيْزُ، أعْرِضْ عَنْ هَذا، فَأعادَهُ ثانِيًا، فَقالَ: أعْرِضْ عَنْ هَذا، فَأعادَهُ ثالِثًا، فَقالَ: أعْرِضْ عَنْ هَذا وإلّا مَحَوْتُ اسْمَكَ مِنَ النُّبُوَّةِ. قالَتِ المُعْتَزِلَةُ: ومِمّا يَدُلُّ عَلى أنَّ المُرادَ مِن هَذِهِ المَشِيئَةِ مَشِيئَةُ الإلْجاءِ - أنَّهُ تَعالى قالَ بَعْدَهُ: ﴿ولَتُسْألُنَّ عَمّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ فَلَوْ كانَتْ أعْمالُ العِبادِ بِخَلْقِ اللَّهِ تَعالى لَكانَ سُؤالُهم عَنْها عَبَثًا، والجَوابُ عَنْهُ قَدْ سَبَقَ مِرارًا، واللَّهُ أعْلَمُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب