الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿الَّذِينَ كَفَرُوا وصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ زِدْناهم عَذابًا فَوْقَ العَذابِ بِما كانُوا يُفْسِدُونَ﴾ . اعْلَمْ أنَّهُ تَعالى لَمّا ذَكَرَ وعِيدَ الَّذِينَ كَفَرُوا، أتْبَعَهُ بِوَعِيدِ مَن ضَمَّ إلى كُفْرِهِ صَدَّ الغَيْرِ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ. وفي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ: ﴿وصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴾ وجْهانِ، قِيلَ: مَعْناهُ الصَّدُّ عَنِ المَسْجِدِ الحَرامِ، والأصَحُّ أنَّهُ يَتَناوَلُ جُمْلَةَ الإيمانِ بِاللَّهِ والرَّسُولِ وبِالشَّرائِعِ؛ لِأنَّ اللَّفْظَ عامٌّ فَلا مَعْنى لِلتَّخْصِيصِ، وقَوْلُهُ: ﴿زِدْناهم عَذابًا فَوْقَ العَذابِ﴾ فالمَعْنى: أنَّهم زادُوا عَلى كُفْرِهِمْ صَدَّ غَيْرِهِمْ عَنِ الإيمانِ فَهم في الحَقِيقَةِ ازْدادُوا كُفْرًا عَلى كُفْرٍ، فَلا جَرَمَ يَزِيدُهُمُ اللَّهُ تَعالى عَذابًا عَلى عَذابٍ، وأيْضًا أتْباعُهم إنَّما اقْتَدَوْا بِهِمْ في الكُفْرِ، فَوَجَبَ أنْ يَحْصُلَ لَهم مِثْلُ عِقابِ أتْباعِهِمْ؛ لِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿ولَيَحْمِلُنَّ أثْقالَهم وأثْقالًا مَعَ أثْقالِهِمْ﴾ [العَنْكَبُوتِ: ١٣] . ولِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلامُ -: ”«مَن سَنَّ سُنَّةً سَيِّئَةً فَعَلَيْهِ وِزْرُها ووِزْرُ مَن عَمِلَ بِها إلى يَوْمِ القِيامَةِ» “، ومِنَ المُفَسِّرِينَ مَن ذَكَرَ تَفْصِيلَ تِلْكَ الزِّيادَةِ، فَقالَ ابْنُ عَبّاسٍ: المُرادُ بِتِلْكَ الزِّيادَةِ خَمْسَةُ أنْهارٍ مِن نارٍ تَسِيلُ مِن تَحْتِ العَرْشِ يُعَذَّبُونَ بِها؛ ثَلاثَةٌ بِاللَّيْلِ واثْنانِ بِالنَّهارِ، وقالَ بَعْضُهم: زِدْناهم عَذابًا بِحَيّاتٍ وعَقارِبَ كَأمْثالِ البُخْتِ، فَيَسْتَغِيثُونَ بِالهَرَبِ مِنها إلى النّارِ، ومِنهم مَن ذَكَرَ: لِكُلِّ عَقْرَبٍ ثَلاثُمِائَةِ فَقْرَةٍ في ثَلاثِمِائَةِ قُلَّةٍ مِن سُمٍّ. وقِيلَ: عَقارِبُ لَها أنْيابُ كالنَّخْلِ الطُّوالِ. ثم قال تَعالى: ﴿بِما كانُوا يُفْسِدُونَ﴾ أيْ: هَذِهِ الزِّيادَةُ مِنَ العَذابِ إنَّما حَصَلَتْ مُعَلَّلَةً بِذَلِكَ الصَّدِّ، وهَذا يَدُلُّ عَلى أنَّ مَن دَعا غَيْرَهُ إلى الكُفْرِ والضَّلالِ فَقَدْ عَظُمَ عَذابُهُ، فَكَذَلِكَ إذا دَعا إلى الدِّينِ واليَقِينِ، فَقَدْ عَظُمَ قَدْرُهُ عِنْدَ اللَّهِ تَعالى، واللَّهُ أعْلَمُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب