الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وإذا رَأى الَّذِينَ أشْرَكُوا شُرَكاءَهم قالُوا رَبَّنا هَؤُلاءِ شُرَكاؤُنا الَّذِينَ كُنّا نَدْعُوا مِن دُونِكَ فَألْقَوْا إلَيْهِمُ القَوْلَ إنَّكم لَكاذِبُونَ﴾ ﴿وألْقَوْا إلى اللَّهِ يَوْمَئِذٍ السَّلَمَ وضَلَّ عَنْهم ما كانُوا يَفْتَرُونَ﴾ .
اعْلَمْ أنَّ هَذا أيْضًا مِن بَقِيَّةِ وعِيدِ المُشْرِكِينَ، وفي الشُّرَكاءِ قَوْلانِ:
القَوْلُ الأوَّلُ: أنَّهُ تَعالى يَبْعَثُ الأصْنامَ الَّتِي كانَ يَعْبُدُها المُشْرِكُونَ، والمَقْصُودُ مِن إعادَتِها أنَّ المُشْرِكِينَ يُشاهِدُونَها في غايَةِ الذِّلَّةِ والحَقارَةِ. وأيْضًا أنَّها تُكَذِّبُ المُشْرِكِينَ، وكُلُّ ذَلِكَ مِمّا يُوجِبُ زِيادَةَ الغَمِّ والحَسْرَةِ في قُلُوبِهِمْ، وإنَّما وصَفَهُمُ اللَّهُ بِكَوْنِهِمْ شُرَكاءَ لِوَجْهَيْنِ:
الأوْلُ: أنَّ الكُفّارَ كانُوا يُسَمُّونَها بِأنَّها شُرَكاءُ اللَّهِ.
والثّانِي: أنَّ الكُفّارَ جَعَلُوا لَهم نَصِيبًا مِن أمْوالِهِمْ.
والقَوْلُ الثّانِي: أنَّ المُرادَ بِالشُّرَكاءِ الشَّياطِينُ الَّذِينَ دَعَوُا الكُفّارَ إلى الكُفْرِ، وهو قَوْلُ الحَسَنِ، وإنَّما ذَهَبَ إلى هَذا القَوْلِ؛ لِأنَّهُ تَعالى حَكى عَنْ أُولَئِكَ الشُّرَكاءِ أنَّهم ألْقَوْا إلى الَّذِينَ أشْرَكُوا أنَّهم لَكاذِبُونَ، والأصْنامُ جَماداتٌ فَلا يَصِحُّ مِنهم هَذا القَوْلُ، فَوَجَبَ أنْ يَكُونَ المُرادُ مِنَ الشُّرَكاءِ الشَّياطِينَ حَتّى يَصِحَّ مِنهم هَذا القَوْلُ وهَذا بَعِيدٌ؛ لِأنَّهُ تَعالى قادِرٌ عَلى خَلْقِ الحَياةِ في تِلْكَ الأصْنامِ وعَلى خَلْقِ العَقْلِ والنُّطْقِ فِيها، وحِينَئِذٍ يَصِحُّ مِنها هَذا القَوْلُ، ثُمَّ حَكى تَعالى عَنِ المُشْرِكِينَ أنَّهم إذا رَأوْا تِلْكَ الشُّرَكاءَ قالُوا: رَبَّنا هَؤُلاءِ شُرَكاؤُنا الَّذِينَ كُنّا نَدْعُوا مِن دُونِكَ.
فَإنْ قِيلَ: فَما فائِدَتُهم في هَذا القَوْلِ ؟
قُلْنا: فِيهِ وجْهانِ:
الأوَّلُ: قالَ أبُو مُسْلِمٍ الأصْفَهانِيُّ: مَقْصُودُ المُشْرِكِينَ إحالَةُ الذَّنْبِ عَلى هَذِهِ الأصْنامِ وظَنُّوا أنَّ ذَلِكَ يُنْجِيهِمْ مِن عَذابِ اللَّهِ تَعالى أوْ يُنْقِصُ مِن عَذابِهِمْ، فَعِنْدَ هَذا تُكَذِّبُهم تِلْكَ الأصْنامُ. قالَ القاضِي: هَذا بَعِيدٌ؛ لِأنَّ الكُفّارَ يَعْلَمُونَ عِلْمًا ضَرُورِيًّا في الآخِرَةِ أنَّ العَذابَ سَيَنْزِلُ بِهِمْ، وأنَّهُ لا نُصْرَةَ ولا فِدْيَةَ ولا شَفاعَةَ.
والقَوْلُ الثّانِي: أنَّ المُشْرِكِينَ يَقُولُونَ هَذا الكَلامَ؛ تَعَجُّبًا مِن حُضُورِ تِلْكَ الأصْنامِ مَعَ أنَّهُ لا ذَنْبَ لَها، واعْتِرافًا بِأنَّهم كانُوا مُخْطِئِينَ في عِبادَتِها. ثُمَّ حَكى تَعالى أنَّ الأصْنامَ يُكَذِّبُونَهم، فَقالَ: ﴿فَألْقَوْا إلَيْهِمُ القَوْلَ إنَّكم لَكاذِبُونَ﴾ والمَعْنى: أنَّهُ تَعالى يَخْلُقُ الحَياةَ والعَقْلَ والنُّطْقَ في تِلْكَ الأصْنامِ حَتّى تَقُولَ هَذا القَوْلَ، وقَوْلُهُ: ﴿إنَّكم لَكاذِبُونَ﴾ بَدَلٌ مِنَ القَوْلِ، والتَّقْدِيرُ: فَألْقَوْا إلَيْهِمْ إنَّكم لَكاذِبُونَ.
فَإنْ قِيلَ: إنَّ المُشْرِكِينَ ما قالُوا، إلّا أنَّهم لَمّا أشارُوا إلى الأصْنامِ قالُوا: إنَّ هَؤُلاءِ شُرَكاؤُنا الَّذِينَ كُنّا نَدْعُوا مِن دُونِكَ، وقَدْ كانُوا صادِقِينَ في كُلِّ ذَلِكَ، فَكَيْفَ قالَتِ الأصْنامُ ”إنَّكم لَكاذِبُونَ“ ؟
قُلْنا: فِيهِ وُجُوهٌ: والأصَحُّ أنْ يُقالَ: المُرادُ مِن قَوْلِهِمْ ”هَؤُلاءِ شُرَكاؤُنا“ هو أنَّ هَؤُلاءِ الَّذِينَ كُنّا نَقُولُ أنَّهم (p-٧٩)شُرَكاءُ اللَّهِ في المَعْبُودِيَّةِ، فالأصْنامُ كَذَّبُوهم في إثْباتِ هَذِهِ الشَّرِكَةِ. وقِيلَ: المُرادُ إنَّكم لَكاذِبُونَ في قَوْلِكم: إنّا نَسْتَحِقُّ العِبادَةَ، ويَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿كَلّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبادَتِهِمْ﴾ [مَرْيَمَ: ٨٢] .
ثم قال تَعالى: ﴿وألْقَوْا إلى اللَّهِ يَوْمَئِذٍ السَّلَمَ﴾ قالَ الكَلْبِيُّ: اسْتَسْلَمَ العابِدُ والمَعْبُودُ، وأقَرُّوا لِلَّهِ بِالرُّبُوبِيَّةِ وبِالبَراءَةِ عَنِ الشُّرَكاءِ والأنْدادِ: ﴿وضَلَّ عَنْهم ما كانُوا يَفْتَرُونَ﴾ وفِيهِ وجْهانِ. وقِيلَ: ذَهَبَ عَنْهم ما زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ مِن أنَّ لِلَّهِ شَرِيكًا وصاحِبَةً ووَلَدًا. وقِيلَ: بَطَلَ ما كانُوا يَأْمَلُونَ مِن أنَّ آلِهَتَهم تَشْفَعُ لَهم عِنْدَ اللَّهِ تَعالى.
{"ayahs_start":86,"ayahs":["وَإِذَا رَءَا ٱلَّذِینَ أَشۡرَكُوا۟ شُرَكَاۤءَهُمۡ قَالُوا۟ رَبَّنَا هَـٰۤؤُلَاۤءِ شُرَكَاۤؤُنَا ٱلَّذِینَ كُنَّا نَدۡعُوا۟ مِن دُونِكَۖ فَأَلۡقَوۡا۟ إِلَیۡهِمُ ٱلۡقَوۡلَ إِنَّكُمۡ لَكَـٰذِبُونَ","وَأَلۡقَوۡا۟ إِلَى ٱللَّهِ یَوۡمَىِٕذٍ ٱلسَّلَمَۖ وَضَلَّ عَنۡهُم مَّا كَانُوا۟ یَفۡتَرُونَ"],"ayah":"وَأَلۡقَوۡا۟ إِلَى ٱللَّهِ یَوۡمَىِٕذٍ ٱلسَّلَمَۖ وَضَلَّ عَنۡهُم مَّا كَانُوا۟ یَفۡتَرُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











