الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ويَوْمَ نَبْعَثُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا ثُمَّ لا يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا ولا هم يُسْتَعْتَبُونَ﴾ ﴿وإذا رَأى الَّذِينَ ظَلَمُوا العَذابَ فَلا يُخَفَّفُ عَنْهم ولا هم يُنْظَرُونَ﴾ . اعْلَمْ أنَّهُ تَعالى لَمّا بَيَّنَ مِن حالِ القَوْمِ أنَّهم عَرَفُوا نِعْمَةَ اللَّهِ ثُمَّ أنْكَرُوها، وذَكَرَ أيْضًا مِن حالِهِمْ أنَّ أكْثَرَهُمُ الكافِرُونَ أتْبَعَهُ بِالوَعِيدِ، فَذَكَرَ حالَ يَوْمِ القِيامَةِ، فَقالَ: ﴿ويَوْمَ نَبْعَثُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا﴾، وذَلِكَ يَدُلُّ عَلى أنَّ أُولَئِكَ الشُّهَداءَ يَشْهَدُونَ عَلَيْهِمْ بِذَلِكَ الإنْكارِ وبِذَلِكَ الكُفْرِ، والمُرادُ بِهَؤُلاءِ الشُّهَداءِ الأنْبِياءُ، كَما قالَ تَعالى: ﴿فَكَيْفَ إذا جِئْنا مِن كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وجِئْنا بِكَ عَلى هَؤُلاءِ شَهِيدًا﴾ [النِّساءِ: ٤١]، وقَوْلُهُ: ﴿ثُمَّ لا يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا﴾ فِيهِ وُجُوهٌ: أحَدُها: لا يُؤْذَنُ لَهم في الِاعْتِذارِ؛ لِقَوْلِهِ: ﴿ولا يُؤْذَنُ لَهم فَيَعْتَذِرُونَ﴾ [المُرْسَلاتِ: ٣٦] . وثانِيها: لا يُؤْذَنُ لَهم في كَثْرَةِ الكَلامِ. وثالِثُها: لا يُؤْذَنُ لَهم في الرُجُوعِ إلى دارِ الدُّنْيا وإلى التَّكْلِيفِ. ورابِعُها: لا يُؤْذَنُ لَهم في حالِ شَهادَةِ الشُّهُودِ، بَلْ يَسْكُتْ أهْلُ الجَمْعِ كُلُّهم لِيَشْهَدَ الشُّهُودُ. وخامِسُها: لا يُؤْذَنُ لَهم في كَثْرَةِ الكَلامِ لِيَظْهَرَ لَهم كَوْنُهم آيِسِينَ مِن رَحْمَةِ اللَّهِ تَعالى. ثم قال: ﴿ولا هم يُسْتَعْتَبُونَ﴾ . الِاسْتِعْتابُ: طَلَبُ العِتابِ، والرَّجُلُ يَطْلُبُ العِتابَ مِن خَصْمِهِ إذا كانَ عَلى جَزْمِ أنَّهُ إذا عاتَبَهُ رَجَعَ إلى الرِّضا، فَإذا لَمْ يَطْلُبِ العِتابَ مِنهُ دَلَّ عَلى أنَّهُ راسِخٌ في غَضَبِهِ وسَطْوَتِهِ. ثُمَّ إنَّهُ تَعالى أكَّدَ هَذا الوَعِيدَ، فَقالَ: ﴿وإذا رَأى الَّذِينَ ظَلَمُوا العَذابَ فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ﴾ . والمَعْنى: أنَّ المُشْرِكِينَ إذا رَأوُا العَذابَ ووَصَلُوا إلَيْهِ، فَعِنْدَ ذَلِكَ لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ العَذابُ. ﴿ولا هُمْ﴾ أيْضًا ﴿يُنْظَرُونَ﴾ أيْ: لا يُؤَخَّرُونَ ولا يُمْهَلُونَ؛ لِأنَّ التَّوْبَةَ هُناكَ غَيْرُ مَوْجُودَةٍ، وتَحْقِيقُهُ ما يَقُولُهُ المُتَكَلِّمُونَ مِن أنَّ العَذابَ يَجِبُ أنْ يَكُونَ خالِصًا عَنْ شَوائِبِ النَّفْعِ، وهو المُرادُ مِن قَوْلِهِ: ”لا يُخَفَّفُ عَنُهْمُ العَذابُ“ ويَجِبُ أنْ يَكُونَ العَذابُ دائِمًا وهو المُرادُ مِن قَوْلِهِ: ﴿ولا هم يُنْظَرُونَ﴾ .
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب