الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿واللَّهُ جَعَلَ لَكم مِن بُيُوتِكم سَكَنًا وجَعَلَ لَكم مِن جُلُودِ الأنْعامِ بُيُوتًا تَسْتَخِفُّونَها يَوْمَ ظَعْنِكم ويَوْمَ إقامَتِكم ومِن أصْوافِها وأوْبارِها وأشْعارِها أثاثًا ومَتاعًا إلى حِينٍ﴾ . اعْلَمْ أنَّ هَذا نَوْعٌ آخَرُ مِن دَلائِلِ التَّوْحِيدِ، وأقْسامِ النِّعَمِ والفَضْلِ، والسَّكَنِ والمَسْكَنِ، وأنْشَدَ الفَرّاءُ: ؎جاءَ الشِّتاءُ ولَمّا أتَّخِذْ سَكَنًا يا ويْحَ كَفِّي مِن حُفَرِ القَرامِيصِ والسَّكَنُ ما سَكَنْتَ إلَيْهِ وما سَكَنْتَ فِيهِ. قالَ صاحِبُ الكَشّافِ: السَّكَنُ فَعَلٌ بِمَعْنى مَفْعُولٍ، وهو ما يُسْكَنُ إلَيْهِ ويُنْقَطَعُ إلَيْهِ مِن بَيْتٍ أوْ إلْفٍ. واعْلَمْ أنَّ البُيُوتَ الَّتِي يَسْكُنُ الإنْسانُ فِيها عَلى قِسْمَيْنِ: القِسْمُ الأوَّلُ: البُيُوتُ المُتَّخَذَةُ مِنَ الخَشَبِ والطِّينِ والآلاتِ الَّتِي بِها يُمْكِنُ تَسْقِيفُ البُيُوتِ، وإلَيْها الإشارَةُ بِقَوْلِهِ: ﴿واللَّهُ جَعَلَ لَكم مِن بُيُوتِكم سَكَنًا﴾، وهَذا القِسْمُ مِنَ البُيُوتِ لا يُمْكِنُ نَقْلُهُ، بَلِ الإنْسانُ يَنْتَقِلُ إلَيْهِ. والقِسْمُ الثّانِي: القِبابُ والخِيامُ والفَساطِيطُ، وإلَيْها الإشارَةُ بِقَوْلِهِ: ﴿وجَعَلَ لَكم مِن جُلُودِ الأنْعامِ بُيُوتًا تَسْتَخِفُّونَها يَوْمَ ظَعْنِكم ويَوْمَ إقامَتِكُمْ﴾ وهَذا القِسْمُ مِنَ البُيُوتِ يُمْكِنُ نَقْلُهُ وتَحْوِيلُهُ مِن مَكانٍ إلى مَكانٍ. واعْلَمْ أنَّ المُرادَ الأنْطاعُ، وقَدْ تَعْمَلُ العَرَبُ البُيُوتَ مِنَ الأدَمِ، وهي جُلُودُ الأنْعامِ، أيْ: يَخِفُّ عَلَيْكم حَمْلُها في أسْفارِكم. قَرَأ نافِعٌ وابْنُ كَثِيرٍ وأبُو عَمْرٍو: ”يَوْمَ ظَعَنِكُمْ“ بِفَتْحِ العَيْنِ، والباقُونَ: ساكِنَةَ العَيْنِ. قالَ الواحَدِيُّ: وهُما لُغَتانِ كالشَّعْرِ والشَّعَرِ، والنَّهْرِ والنَّهَرِ. واعْلَمْ أنَّ الظَّعْنَ سَيْرُ البادِيَةِ لِنُجْعَةٍ، أوْ حُضُورِ ماءٍ، أوْ طَلَبِ مَرْتَعٍ، وقَدْ يُقالُ لِكُلِّ شاخِصٍ لِسَفَرٍ: ظاعِنٌ، وهو ضِدُّ الخافِضِ. وقَوْلُهُ: ﴿ويَوْمَ إقامَتِكُمْ﴾ بِمَعْنى: لا يَثْقُلُ عَلَيْكم في الحالَيْنِ. وقَوْلُهُ: ﴿ومِن أصْوافِها وأوْبارِها وأشْعارِها﴾ قالَ المُفَسِّرُونَ وأهْلُ اللُّغَةِ: الأصْوافُ لِلضَّأْنِ، والأوْبارُ لِلْإبِلِ، والأشْعارُ لِلْمَعِزِ. وقَوْلُهُ: ﴿أثاثًا﴾ الأثاثُ: أنْواعُ مَتاعِ البَيْتِ مِنَ الفُرُشِ والأكْسِيَةِ. قالَ الفَرّاءُ: ولا واحِدَ لَهُ، كَما أنَّ المَتاعَ لا واحِدَ لَهُ. قالَ: ولَوْ جَمَعْتَ فَقُلْتَ: آثِثَةٌ في القَلِيلِ، وأُثُثٌ في الكَثِيرِ لَمْ يَبْعُدْ. وقالَ أبُو زَيْدٍ: واحِدُها أثاثَةٌ. قالَ ابْنُ عَبّاسٍ في قَوْلِهِ: ﴿أثاثًا﴾ يُرِيدُ طَنافِسَ وبُسُطًا وثِيابًا وكُسْوَةً. قالَ الخَلِيلُ: وأصْلُهُ مِن قَوْلِهِمْ: أثَّ النَّباتُ والشَّعْرُ إذا كَثُرَ. وقَوْلُهُ: ﴿ومَتاعًا﴾ أيْ: ما يَتَمَتَّعُونَ بِهِ. وقَوْلُهُ: ﴿إلى حِينٍ﴾ يُرِيدُ إلى حِينِ البَلا، وقِيلَ: إلى حِينِ المَوْتِ، وقِيلَ: ”إلى حِينٍ“ بَعْدَ حِينٍ، وقِيلَ: إلى يَوْمِ القِيامَةِ. (p-٧٥)فَإنْ قِيلَ: عَطَفَ المَتاعَ عَلى الأثاثِ، والعَطْفُ يَقْتَضِي المُغايَرَةَ، وما الفَرْقُ بَيْنَ الأثاثِ والمَتاعِ ؟ قُلْنا: الأقْرَبُ أنَّ الأثاثَ ما يَكْتَسِي بِهِ المَرْءُ ويَسْتَعْمِلُهُ في الغِطاءِ والوِطاءِ، والمَتاعَ ما يُفْرَشُ في المَنازِلِ وُيَزَيَّنُ بِهِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب