الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ويَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ ما لا يَمْلِكُ لَهم رِزْقًا مِنَ السَّماواتِ والأرْضِ شَيْئًا ولا يَسْتَطِيعُونَ﴾ ﴿فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الأمْثالَ إنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وأنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ﴾ .
اعْلَمْ أنَّهُ تَعالى لَمّا شَرَحَ أنْواعًا كَثِيرَةً في دَلائِلِ التَّوْحِيدِ، وتِلْكَ الأنْواعُ كَما أنَّها دَلائِلُ عَلى صِحَّةِ التَّوْحِيدِ، فَكَذَلِكَ بَدَأ بِذِكْرِ أقْسامِ النِّعَمِ الجَلِيلَةِ الشَّرِيفَةِ، ثُمَّ أتْبَعَها في هَذِهِ الآيَةِ بِالرَّدِّ عَلى عَبَدَةِ الأصْنامِ (p-٦٧)فَقالَ: ﴿ويَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ ما لا يَمْلِكُ لَهم رِزْقًا مِنَ السَّماواتِ والأرْضِ شَيْئًا ولا يَسْتَطِيعُونَ﴾ أمّا الرِّزْقُ الَّذِي يَأْتِي مِن جانِبِ السَّماءِ فَيَعْنِي بِهِ الغَيْثَ الَّذِي يَأْتِي مِن جِهَةِ السَّماءِ، وأمّا الَّذِي يَأْتِي مِن جانِبِ الأرْضِ فَهو النَّباتُ والثِّمارُ الَّتِي تَخْرُجُ مِنها، وقَوْلُهُ: ﴿مِنَ السَّماواتِ والأرْضِ﴾ مِن: صِفَةُ النَّكِرَةِ الَّتِي هي قَوْلُهُ: ﴿رِزْقًا﴾ كَأنَّهُ قِيلَ: لا يَمْلِكُ لَهم رِزْقًا مِنَ الغَيْثِ والنَّباتِ، وقَوْلُهُ: ﴿شَيْئًا﴾ قالَ الأخْفَشُ: جَعَلَ قَوْلَهُ: ﴿شَيْئًا﴾ بَدَلًا مِن قَوْلِهِ: ﴿رِزْقًا﴾، والمَعْنى: لا يَمْلِكُونَ رِزْقًا لا قَلِيلًا ولا كَثِيرًا، ثم قال: ﴿ولا يَسْتَطِيعُونَ﴾ والفائِدَةُ في هَذِهِ اللَّفْظَةِ أنَّ مَن لا يَمْلِكُ شَيْئًا قَدْ يَكُونُ مَوْصُوفًا بِاسْتِطاعَتِهِ أنْ يَتَمَلَّكَهُ بِطَرِيقٍ مِنَ الطُّرُقِ، فَبَيَّنَ تَعالى أنَّ هَذِهِ الأصْنامَ لا تَمْلِكُ ولَيْسَ لَها أيْضًا اسْتِطاعَةُ تَحْصِيلِ المُلْكِ.
فَإنْ قِيلَ: إنَّهُ تَعالى قالَ: ﴿ويَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ ما لا يَمْلِكُ﴾ فَعَبَّرَ عَنِ الأصْنامِ بِصِيغَةِ ”ما“ وهي لِغَيْرِ أُولِي العِلْمِ، ثم قال: ﴿ولا يَسْتَطِيعُونَ﴾ . والجَمْعُ بِالواوِ والنُّونِ مُخْتَصٌّ بِأُولِي العِلْمِ، فَكَيْفَ الجَمْعُ بَيْنَ الأمْرَيْنِ ؟
والجَوابُ: أنَّهُ عَبَّرَ عَنْها بِلَفْظِ ”ما“ اعْتِبارًا لِما هو الحَقِيقَةُ في نَفْسِ الأمْرِ، وذَكَرَ الجَمْعَ بِالواوِ والنُّونِ اعْتِبارًا لِما يَعْتَقِدُونَ فِيها أنَّها آلِهَةٌ.
ثم قال تَعالى: ﴿فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الأمْثالَ﴾ وفِيهِ وُجُوهٌ:
الأوَّلُ: قالَ المُفَسِّرُونَ: يَعْنِي لا تُشَبِّهُوهُ بِخَلْقِهِ.
الثّانِي: قالَ الزَّجّاجُ: أيْ لا تَجْعَلُوا لِلَّهِ مَثَلًا؛ لِأنَّهُ واحِدٌ لا مِثْلَ لَهُ.
والثّالِثُ: أقُولُ يُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ المُرادُ أنَّ عَبَدَةَ الأوْثانِ كانُوا يَقُولُونَ: إنَّ إلَهَ العالَمِ أجَلُّ وأعْظَمُ مِن أنْ يَعْبُدَهُ الواحِدُ مِنّا، بَلْ نَحْنُ نَعْبُدُ الكَواكِبَ، أوْ نَعْبُدُ هَذِهِ الأصْنامَ، ثُمَّ إنَّ الكَواكِبَ والأصْنامَ عَبِيدُ الإلَهِ الأكْبَرِ الأعْظَمِ، والدَّلِيلُ عَلَيْهِ العُرْفُ، فَإنَّ أصاغِرَ النّاسِ يَخْدِمُونَ أكابِرَ حَضْرَةِ المَلِكِ، وأُولَئِكَ الأكابِرُ يَخْدِمُونَ المَلِكَ فَكَذا هَهُنا، فَعِنْدَ هَذا قالَ اللَّهُ تَعالى لَهم: اتْرُكُوا عِبادَةَ هَذِهِ الأصْنامِ والكَواكِبِ، ولا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الأمْثالَ الَّتِي ذَكَرْتُمُوها وكُونُوا مُخْلِصِينَ في عِبادَةِ الإلَهِ الحَكِيمِ القَدِيرِ.
ثم قال: ﴿إنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وأنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ﴾ وفِيهِ وجْهانِ:
الأوَّلُ: أنَّ اللَّهَ تَعالى يَعْلَمُ ما عَلَيْكم مِنَ العِقابِ العَظِيمِ، بِسَبَبِ عِبادَةِ هَذِهِ الأصْنامِ وأنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ذَلِكَ، ولَوْ عَلِمْتُمُوهُ لَتَرَكْتُمْ عِبادَتَها.
الثّانِي: أنَّ اللَّهَ تَعالى لَمّا نَهاكم عَنْ عِبادَةِ هَذِهِ الأصْنامِ فاتْرُكُوا عِبادَتَها، واتْرُكُوا دَلِيلَكُمُ الَّذِي عَوَّلْتُمْ عَلَيْهِ وهو قَوْلُكم: الِاشْتِغالُ بِعِبادَةِ عَبِيدِ المَلِكِ أدْخَلُ في التَّعْظِيمِ مِنَ الِاشْتِغالِ بِعِبادَةِ نَفْسِ المَلِكِ؛ لِأنَّ هَذا قِياسٌ، والقِياسُ يَجِبُ تَرْكُهُ عِنْدَ وُرُودِ النَّصِّ؛ فَلِهَذا قالَ: ﴿إنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وأنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ﴾ .
{"ayahs_start":73,"ayahs":["وَیَعۡبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لَا یَمۡلِكُ لَهُمۡ رِزۡقࣰا مِّنَ ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ شَیۡـࣰٔا وَلَا یَسۡتَطِیعُونَ","فَلَا تَضۡرِبُوا۟ لِلَّهِ ٱلۡأَمۡثَالَۚ إِنَّ ٱللَّهَ یَعۡلَمُ وَأَنتُمۡ لَا تَعۡلَمُونَ"],"ayah":"وَیَعۡبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لَا یَمۡلِكُ لَهُمۡ رِزۡقࣰا مِّنَ ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ شَیۡـࣰٔا وَلَا یَسۡتَطِیعُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق