الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿واللَّهُ جَعَلَ لَكم مِن أنْفُسِكم أزْواجًا وجَعَلَ لَكم مِن أزْواجِكم بَنِينَ وحَفَدَةً ورَزَقَكم مِنَ الطَّيِّباتِ أفَبِالباطِلِ يُؤْمِنُونَ وبِنِعْمَةِ اللَّهِ هم يَكْفُرُونَ﴾ .
اعْلَمْ أنَّ هَذا نَوْعٌ آخَرُ مِن أحْوالِ النّاسِ، ذَكَرَهُ اللَّهُ تَعالى لِيَسْتَدِلَّ بِهِ عَلى وُجُودِ الإلَهِ المُخْتارِ الحَكِيمِ؛ ولِيَكُونَ ذَلِكَ تَنْبِيهًا عَلى إنْعامِ اللَّهِ تَعالى عَلى عَبِيدِهِ بِمِثْلِ هَذِهِ النِّعَمِ، فَقَوْلُهُ: ﴿جَعَلَ لَكم مِن أنْفُسِكم أزْواجًا﴾ قالَ بَعْضُهم: المُرادُ أنَّهُ تَعالى خَلَقَ حَوّاءَ مِن ضِلْعِ آدَمَ، وهَذا ضَعِيفٌ؛ لِأنَّ قَوْلَهُ: ﴿جَعَلَ لَكم مِن أنْفُسِكم أزْواجًا﴾ خِطابٌ مَعَ الكُلِّ، فَتَخْصِيصُهُ بِآدَمَ وحَوّاءَ خِلافُ الدَّلِيلِ، بِلْ هَذا الحكم عامٌّ في جَمِيعِ الذُّكُورِ والإناثِ. والمَعْنى: أنَّهُ تَعالى خَلَقَ النِّساءَ لِيَتَزَوَّجَ بِهِنَّ الذُّكُورُ، ومَعْنى: ﴿مِن أنْفُسِكُمْ﴾ مِثْلُ قَوْلِهِ: ﴿فاقْتُلُوا أنْفُسَكُمْ﴾ [البَقَرَةِ: ٥٤] . وقَوْلُهُ: ﴿فَسَلِّمُوا عَلى أنْفُسِكُمْ﴾ [النُّورِ: ٦١] أيْ: بَعْضُكم عَلى بَعْضٍ، ونَظِيرُ هَذِهِ الآيَةِ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ومِن آياتِهِ أنْ خَلَقَ لَكم مِن أنْفُسِكم أزْواجًا﴾ [الروم: ٢١] . قالَ الأطِبّاءُ وأهْلُ الطَّبِيعَةِ: التَّفاوُتُ بَيْنَ الذَّكَرِ والأُنْثى إنَّما كانَ لِأجْلِ أنَّ كُلَّ مَن كانَ أسْخَنَ مِزاجًا فَهو الذَّكَرُ، وكُلَّ مَن كانَ أكْثَرَ بَرْدًا ورُطُوبَةً فَهو المَرْأةُ. ثم قال وا: المَنِيُّ إذا انْصَبَّ إلى الخِصْيَةِ اليُمْنى مِنَ الذَّكَرِ، ثُمَّ انْصَبَّ مِنهُ إلى الجانِبِ الأيْمَنِ مِنَ الرَّحِمِ كانَ الوَلَدُ ذَكَرًا تامًّا في الذُّكُورَةِ، وإنِ انْصَبَّ إلى الخِصْيَةِ اليُسْرى مِنَ الرَّجُلِ، ثُمَّ انْصَبَّ مِنها إلى الجانِبِ الأيْسَرِ مِنَ الرَّحِمِ، كانَ الوَلَدُ أُنْثى تامًّا في الأُنُوثَةِ، وإنِ انْصَبَّ إلى الخِصْيَةِ اليُمْنى، ثُمَّ انْصَبَّ مِنها إلى الجانِبِ (p-٦٦)الأيْسَرِ مِنَ الرَّحِمِ، كانَ الوَلَدُ ذَكَرًا في طَبِيعَةِ الإناثِ. وإنِ انْصَبَّ إلى الخِصْيَةِ اليُسَرى مِنَ الرَّجُلِ ثُمَّ انْصَبَّ مِنها إلى الجانِبِ الأيْمَنِ مِنَ الرَّحِمِ، كانَ هَذا الوَلَدُ أُنْثى في طَبِيعَةِ الذُّكُورِ.
واعْلَمْ أنَّ حاصِلَ هَذا الكَلامِ: أنَّ الذُّكُورَةَ عِلَّتُها الحَرارَةُ واليُبُوسَةُ، والأُنُوثَةَ عِلَّتُها البُرُودَةُ والرُّطُوبَةُ، وهَذِهِ العِلَّةُ في غايَةِ الضَّعْفِ، فَقَدْ رَأيْنا في النِّساءِ مَن كانَ مِزاجُهُ في غايَةِ السُّخُونَةِ وفي الرِّجالِ مَن كانَ مِزاجُهُ في غايَةِ البُرُودَةِ، ولَوْ كانَ المُوجِبُ لِلذُّكُورَةِ والأُنُوثَةِ ذَلِكَ لامْتَنَعَ ذَلِكَ، فَثَبَتَ أنَّ خالِقَ الذَّكَرِ والأُنْثى هو الإلَهُ القَدِيمُ الحَكِيمُ. وظَهَرَ بِالدَّلِيلِ الَّذِي ذَكَرْناهُ صِحَّةُ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿واللَّهُ جَعَلَ لَكم مِن أنْفُسِكم أزْواجًا﴾ .
ثم قال تَعالى: ﴿وجَعَلَ لَكم مِن أزْواجِكم بَنِينَ وحَفَدَةً﴾ قالَ الواحِدِيُّ: أصْلُ الحَفَدَةِ مِنَ الحَفَدِ وهو الخِفَّةُ في الخِدْمَةِ والعَمَلِ. يُقالُ: حَفَدَ يَحْفِدُ حَفَدًا وحُفُودًا وحَفَدانًا إذا أسْرَعَ، ومِنهُ في دُعاءِ القُنُوتِ: وإلَيْكَ نَسْعى ونَحْفِدُ، والحَفَدَةُ جَمْعُ الحافِدِ، والحافِدُ: كُلُّ مَن يَخِفُّ في خِدْمَتِكَ ويُسْرِعُ في العَمَلِ بِطاعَتِكَ، يُقالُ في جَمْعِهِ: الحَفَدُ بِغَيْرِ هاءٍ كَما يُقالُ الرَّصَدُ، فَمَعْنى الحَفَدَةِ في اللُّغَةِ الأعْوانُ والخُدّامُ، ثُمَّ يَجِبُ أنْ يَكُونَ المُرادُ مِنَ الحَفَدَةِ في هَذِهِ الآيَةِ الأعْوانَ الَّذِينَ حَصَلُوا لِلرَّجُلِ مِن قِبَلِ المَرْأةِ؛ لِأنَّهُ تَعالى قالَ: ﴿وجَعَلَ لَكم مِن أزْواجِكم بَنِينَ وحَفَدَةً﴾ فالأعْوانُ الَّذِينَ لا يَكُونُونَ مِن قِبَلِ المَرْأةِ لا يَدْخُلُونَ تَحْتَ هَذِهِ الآيَةِ.
إذا عَرَفْتَ هَذا فَنَقُولُ: قِيلَ هُمُ الأخْتانُ، وقِيلَ: هُمُ الأصْهارُ، وقِيلَ: ولَدُ الوَلَدِ، والأوْلى دُخُولُ الكُلِّ فِيهِ، لِما بَيَّنّا أنَّ اللَّفْظَ مُحْتَمِلٌ لِلْكُلِّ بِحَسَبِ المَعْنى المُشْتَرَكِ الَّذِي ذَكَرْناهُ.
ثم قال تَعالى: ﴿ورَزَقَكم مِنَ الطَّيِّباتِ﴾ لَمّا ذَكَرَ تَعالى إنْعامَهُ عَلى عَبِيدِهِ بِالمَنكُوحِ وما فِيهِ مِنَ المَنافِعِ والمَصالِحِ ذَكَرَ إنْعامَهُ عَلَيْهِمْ بِالمَطْعُوماتِ الطَّيِّبَةِ، سَواءٌ كانَتْ مِنَ النَّباتِ وهي الثِّمارُ والحُبُوبُ والأشْرِبَةُ أوْ كانَتْ مِنَ الحَيَوانِ، ثم قال: ﴿أفَبِالباطِلِ يُؤْمِنُونَ﴾ قالَ ابْنُ عَبّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما -: يَعْنِي بِالأصْنامِ، وقالَ مُقاتِلٌ: يَعْنِي بِالشَّيْطانِ، وقالَ عَطاءٌ: يُصَدِّقُونَ أنَّ لِي شَرِيكًا وصاحِبَةً ووَلَدًا: ﴿وبِنِعْمَةِ اللَّهِ هم يَكْفُرُونَ﴾ أيْ: بِأنْ يُضِيفُوها إلى غَيْرِ اللَّهِ ويَتْرُكُوا إضافَتَها إلى اللَّهِ تَعالى. وِفي الآيَةِ قَوْلٌ آخَرُ: وهو أنَّهُ تَعالى لَمّا قالَ: ﴿ورَزَقَكم مِنَ الطَّيِّباتِ﴾ قالَ بَعْدَهُ: ﴿أفَبِالباطِلِ يُؤْمِنُونَ وبِنِعْمَةِ اللَّهِ هم يَكْفُرُونَ﴾ والمُرادُ مِنهُ: أنَّهم يُحَرِّمُونَ عَلى أنْفُسِهِمْ طَيِّباتٍ أحَلَّها اللَّهُ لَهم مِثْلَ البَحِيرَةِ والسّائِبَةِ والوَصِيلَةِ، ويُبِيحُونَ لِأنْفُسِهِمْ مُحَرَّماتٍ حَرَّمَها اللَّهُ عَلَيْهِمْ وهي: المَيْتَةُ والدَّمُ ولَحْمُ الخِنْزِيرِ وما ذُبِحَ عَلى النُّصُبِ، يَعْنِي: لِمَ يَحْكُمُونَ بِتِلْكَ الأحْكامِ الباطِلَةِ، وبِإنْعامِ اللَّهِ في تَحْلِيلِ الطَّيِّباتِ، وتَحْرِيمِ الخَبِيثاتِ يَجْحَدُونَ ويَكْفُرُونَ. واللَّهُ أعْلَمُ.
{"ayah":"وَٱللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنۡ أَنفُسِكُمۡ أَزۡوَ ٰجࣰا وَجَعَلَ لَكُم مِّنۡ أَزۡوَ ٰجِكُم بَنِینَ وَحَفَدَةࣰ وَرَزَقَكُم مِّنَ ٱلطَّیِّبَـٰتِۚ أَفَبِٱلۡبَـٰطِلِ یُؤۡمِنُونَ وَبِنِعۡمَتِ ٱللَّهِ هُمۡ یَكۡفُرُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق