الباحث القرآني

المسألة الرّابِعَةُ: هَذِهِ الآيَةُ تَدُلُّ عَلى أنَّ الرُّوحَ المُشارَ إلَيْها بِقَوْلِهِ: ﴿يُنَزِّلُ المَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِن أمْرِهِ﴾ لَيْسَ إلّا لِمُجَرَّدِ قَوْلِهِ: ﴿لا إلَهَ إلّا أنا فاتَّقُونِ﴾ وهَذا كَلامٌ حَقٌّ؛ لِأنَّ مَراتِبَ السَّعاداتِ البَشَرِيَّةِ أرْبَعَةٌ: أوَّلُها: النَّفْسانِيَّةُ. وثانِيها: البَدَنِيَّةُ. وفِي المَرْتَبَةِ الثّالِثَةِ: الصِّفاتُ البَدَنِيَّةُ الَّتِي لا تَكُونُ مِنَ اللَّوازِمِ. وفِي المَرْتَبَةِ الرّابِعَةِ: الأُمُورُ المُنْفَصِلَةُ عَنِ البَدَنِ. أمّا المَرْتَبَةُ الأُولى: وهي الكَمالاتُ النَّفْسانِيَّةُ، فاعْلَمْ أنَّ النَّفْسَ لَها قُوَّتانِ: إحْداهُما: اسْتِعْدادُها لِقَبُولِ صُوَرِ المَوْجُوداتِ مِن عالَمِ الغَيْبِ، وهَذِهِ القُوَّةُ هي القُوَّةُ المُسَمّاةُ بِالقُوَّةِ النَّظَرِيَّةِ، وسَعادَةُ هَذِهِ القُوَّةِ في حُصُولِ المَعارِفِ. وأشْرَفُ المَعارِفِ وأجَلُّها مَعْرِفَةُ أنَّهُ لا إلَهَ إلّا هو، وإلَيْهِ الإشارَةُ بِقَوْلِهِ: ﴿أنْ أنْذِرُوا أنَّهُ لا إلَهَ إلّا أنا فاتَّقُونِ﴾ . والقُوَّةُ الثّانِيَةُ لِلنَّفْسِ: اسْتِعْدادُها لِلتَّصَرُّفِ في أجْسامِ هَذا العالَمِ، وهَذِهِ القُوَّةُ هي القُوَّةُ (p-١٧٧)المُسَمّاةُ بِالقُوَّةِ العَمَلِيَّةِ، وسَعادَةُ هَذِهِ القُوَّةِ في الإتْيانِ بِالأعْمالِ الصّالِحَةِ، وأشْرَفُ الأعْمالِ الصّالِحَةِ هو عُبُودِيَّةُ اللَّهِ تَعالى، وإلَيْهِ الإشارَةُ بِقَوْلِهِ: ﴿فاتَّقُونِ﴾ ولَمّا كانَتِ القُوَّةُ النَّظَرِيَّةُ أشْرَفَ مِنَ القُوَّةِ العَمَلِيَّةِ لا جَرَمَ قَدَّمَ اللَّهُ تَعالى كَمالاتِ القُوَّةِ النَّظَرِيَّةِ، وهي قَوْلُهُ: ﴿لا إلَهَ إلّا أنا﴾ عَلى كَمالاتِ القُوَّةِ العَمَلِيَّةِ وهي قَوْلُهُ: ﴿فاتَّقُونِ﴾ . وأمّا المَرْتَبَةُ الثّانِيَةُ: وهي السَّعاداتُ البَدَنِيَّةُ فَهي أيْضًا قِسْمانِ: الصِّحَّةُ الجَسَدانِيَّةُ، وكَمالاتُ القُوى الحَيَوانِيَّةِ، أعْنِي القُوى السَبْعَ عَشْرَةَ البَدَنِيَّةَ. وأمّا المَرْتَبَةُ الثّالِثَةُ: وهي السَّعاداتُ المُتَعَلِّقَةُ بِالصِّفاتِ العَرَضِيَّةِ البَدَنِيَّةِ، فَهي أيْضًا قِسْمانِ: سَعادَةُ الأُصُولِ والفُرُوعِ، أعْنِي كَمالَ حالِ الآباءِ. وكَمالَ حالِ الأوْلادِ. وأمّا المَرْتَبَةُ الرّابِعَةُ: وهي أخَسُّ المَراتِبِ فَهي السَّعاداتُ الحاصِلَةُ بِسَبَبِ الأُمُورِ المُنْفَصِلَةِ وهي المالُ والجاهُ، فَثَبَتَ أنَّ أشْرَفَ مَراتِبِ السَّعاداتِ هي الأحْوالُ النَّفْسانِيَّةُ، وهي مَحْصُورَةٌ في كَمالاتِ القُوَّةِ النَّظَرِيَّةِ والعَمَلِيَّةِ، فَلِهَذا السَّبَبِ ذَكَرَ اللَّهُ هَهُنا أعْلى حالِ هاتَيْنِ القُوَّتَيْنِ فَقالَ: ﴿أنْ أنْذِرُوا أنَّهُ لا إلَهَ إلّا أنا فاتَّقُونِ﴾ .
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب