الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وعَلى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ ومِنها جائِرٌ ولَوْ شاءَ لَهَداكم أجْمَعِينَ﴾
اعْلَمْ أنَّهُ تَعالى لَمّا شَرَحَ دَلائِلَ التَّوْحِيدِ قالَ: ﴿وعَلى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ﴾ أيْ: إنَّما ذَكَرْتُ هَذِهِ الدَّلائِلَ وشَرَحْتُها إزاحَةً لِلْعُذْرِ، وإزالَةً لِلْعِلَّةِ لِيَهْلِكَ مَن هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةِ، ويَحْيى مَن حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وفي الآيَةِ مَسائِلُ:
المسألة الأُولى: قالَ الواحِدِيُّ: القَصْدُ اسْتِقامَةُ الطَّرِيقِ يُقالُ: طَرِيقٌ قَصْدٌ وقاصِدٌ إذا أدّاكَ إلى مَطْلُوبِكَ، إذا عَرَفْتَ هَذا فَفي الآيَةِ حَذْفٌ، والتَّقْدِيرُ: وعَلى اللَّهِ بَيانُ قَصْدِ السَّبِيلِ، ثم قال: ﴿ومِنها جائِرٌ﴾ أيْ: عادِلٌ مائِلٌ، ومَعْنى الجَوْرِ في اللُّغَةِ المَيْلُ عَنِ الحَقِّ والكِنايَةُ في قَوْلِهِ: ﴿ومِنها جائِرٌ﴾ تَعُودُ عَلى السَّبِيلِ، وهي مُؤَنَّثَةٌ في لُغَةِ الحِجازِ يَعْنِي: ومِنَ السَّبِيلِ ما هو جائِرٌ غَيْرُ قاصِدٍ لِلْحَقِّ، وهو أنْواعُ الكُفْرِ والضَّلالِ. واللَّهُ أعْلَمُ.
المسألة الثّانِيَةُ: قالَتِ المُعْتَزِلَةُ: دَلَّتِ الآيَةُ عَلى أنَّهُ يَجِبُ عَلى اللَّهِ تَعالى الإرْشادُ والهِدايَةُ إلى الدِّينِ (p-١٨٥)وإزاحَةُ العِلَلِ والأعْذارِ؛ لِأنَّهُ تَعالى قالَ: ﴿وعَلى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ﴾ وكَلِمَةُ ”عَلى“ لِلْوُجُوبِ قالَ تَعالى: ﴿ولِلَّهِ عَلى النّاسِ حِجُّ البَيْتِ﴾ [آلِ عِمْرانَ: ٩٧] ودَلَّتِ الآيَةُ أيْضًا عَلى أنَّهُ تَعالى لا يُضِلُّ أحَدًا ولا يُغْوِيهِ ولا يَصُدُّهُ عَنْهُ، وذَلِكَ لِأنَّهُ تَعالى لَوْ كانَ فاعِلًا لِلضَّلالِ لَقالَ: ﴿وعَلى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ﴾ وعَلَيْهِ جائِرُها أوْ قالَ: وعَلَيْهِ الجائِرُ، فَلَمّا لَمْ يَقُلْ كَذَلِكَ، بَلْ قالَ في قَصْدِ السَّبِيلِ أنَّهُ عَلَيْهِ، ولَمْ يَقُلْ في جَوْرِ السَّبِيلِ أنَّهُ عَلَيْهِ بَلْ قالَ: ﴿ومِنها جائِرٌ﴾ دَلَّ عَلى أنَّهُ تَعالى لا يُضِلُّ عَنِ الدِّينِ أحَدًا.
أجابَ أصْحابُنا أنَّ المُرادَ عَلى اللَّهِ بِحَسَبِ الفَضْلِ والكَرَمِ أنْ يُبَيِّنَ الدِّينَ الحَقَّ والمَذْهَبَ الصَّحِيحَ فَأمّا أنْ يُبَيِّنَ كَيْفِيَّةَ الإغْواءِ والإضْلالِ، فَذَلِكَ غَيْرُ واجِبٍ فَهَذا هو المُرادُ، واللَّهُ أعْلَمُ.
المسألة الثّالِثَةُ: قَوْلُهُ: ﴿ولَوْ شاءَ لَهَداكم أجْمَعِينَ﴾ يَدُلُّ عَلى أنَّهُ تَعالى ما شاءَ هِدايَةَ الكُفّارِ، وما أرادَ مِنهُمُ الإيمانَ؛ لِأنَّ كَلِمَةَ (لَوْ) تُفِيدُ انْتِفاءَ شَيْءٍ لِانْتِفاءِ شَيْءٍ غَيْرِهِ قَوْلُهُ: ﴿ولَوْ شاءَ لَهَداكُمْ﴾ مَعْناهُ: لَوْ شاءَ هِدايَتَكم لَهَداكم، وذَلِكَ يُفِيدُ أنَّهُ تَعالى ما شاءَ هِدايَتَهم فَلا جَرَمَ ما هَداهم، وذَلِكَ يَدُلُّ عَلى المَقْصُودِ.
وأجابَ الأصَمُّ عَنْهُ بِأنَّ المُرادَ لَوْ شاءَ أنْ يُلْجِئَكم إلى الإيمانِ لَهَداكم، وهَذا يَدُلُّ عَلى أنَّ مَشِيئَةَ الإلْجاءِ لَمْ تَحْصُلْ.
وأجابَ الجُبّائِيُّ بِأنَّ المَعْنى: ولَوْ شاءَ لَهَداكم إلى الجَنَّةِ، وإلى نَيْلِ الثَّوابِ لَكِنَّهُ لا يَفْعَلُ ذَلِكَ إلّا بِمَن يَسْتَحِقُّهُ، ولَمْ يُرِدْ بِهِ الهُدى إلى الإيمانِ؛ لِأنَّهُ مَقْدُورُ جَمِيعِ المُكَلَّفِينَ.
وأجابَ بَعْضُهم، فَقالَ المُرادُ: ولَوْ شاءَ لَهَداكم إلى الجَنَّةِ ابْتِداءً عَلى سَبِيلِ التَّفَضُّلِ، إلّا أنَّهُ تَعالى عَرَّفَكم لِلْمَنزِلَةِ العَظِيمَةِ بِما نَصَبَ مِنَ الأدِلَّةِ وبَيَّنَ، فَمَن تَمَسَّكَ بِها فازَ بِتِلْكَ المَنازِلِ، ومَن عَدَلَ عَنْها فاتَتْهُ وصارَ إلى العَذابِ، واللَّهُ أعْلَمُ.
واعْلَمْ أنَّ هَذِهِ الكَلِماتِ قَدْ ذَكَرْناها مِرارًا وأطْوارًا مَعَ الجَوابِ فَلا فائِدَةَ في الإعادَةِ.
{"ayahs_start":9,"ayahs":["وَعَلَى ٱللَّهِ قَصۡدُ ٱلسَّبِیلِ وَمِنۡهَا جَاۤىِٕرࣱۚ وَلَوۡ شَاۤءَ لَهَدَىٰكُمۡ أَجۡمَعِینَ","هُوَ ٱلَّذِیۤ أَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَاۤءِ مَاۤءࣰۖ لَّكُم مِّنۡهُ شَرَابࣱ وَمِنۡهُ شَجَرࣱ فِیهِ تُسِیمُونَ"],"ayah":"هُوَ ٱلَّذِیۤ أَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَاۤءِ مَاۤءࣰۖ لَّكُم مِّنۡهُ شَرَابࣱ وَمِنۡهُ شَجَرࣱ فِیهِ تُسِیمُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق