الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ولَقَدْ كَذَّبَ أصْحابُ الحِجْرِ المُرْسَلِينَ﴾ ﴿وآتَيْناهم آياتِنا فَكانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ﴾ ﴿وكانُوا يَنْحِتُونَ مِنَ الجِبالِ بُيُوتًا آمِنِينَ﴾ ﴿فَأخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُصْبِحِينَ﴾ ﴿فَما أغْنى عَنْهم ما كانُوا يَكْسِبُونَ﴾ .
هَذِهِ هي القِصَّةُ الرّابِعَةُ، وهي قِصَّةُ صالِحٍ. قالَ المُفَسِّرُونَ: الحِجْرُ اسْمُ وادٍ كانَ يَسْكُنُهُ ثَمُودُ وقَوْلُهُ: ﴿المُرْسَلِينَ﴾ المُرادُ مِنهُ صالِحٌ وحْدَهُ، ولَعَلَّ القَوْمَ كانُوا بَراهِمَةً مُنْكِرِينَ لِكُلِّ الرُّسُلِ وقَوْلُهُ: ﴿وآتَيْناهم آياتِنا﴾ يُرِيدُ النّاقَةَ، وكانَ في النّاقَةِ آياتٌ كَثِيرَةٌ كَخُرُوجِها مِنَ الصَّخْرَةِ، وعِظَمِ خَلْقِها وظُهُورِ نِتاجِها عِنْدَ خُرُوجِها، وكَثْرَةِ لَبَنِها، وأضافَ الإيتاءَ إلَيْهِمْ وإنْ كانَتِ النّاقَةُ آيَةً لِصالِحٍ؛ لِأنَّها آياتُ رَسُولِهِمْ، وقَوْلُهُ: ﴿فَكانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ﴾ يَدُلُّ عَلى أنَّ النَّظَرَ والِاسْتِدْلالَ واجِبٌ، وأنَّ التَّقْلِيدَ مَذْمُومٌ وقَوْلُهُ: ﴿وكانُوا يَنْحِتُونَ مِنَ الجِبالِ﴾ قَدْ ذَكَرْنا كَيْفِيَّةَ ذَلِكَ النَّحْتِ في سُورَةِ الأعْرافِ وقَوْلُهُ: ﴿آمِنِينَ﴾ يُرِيدُ مِن عَذابِ اللَّهِ، وقالَ الفَرّاءُ: ﴿آمِنِينَ﴾ أنْ يَقَعَ سَقْفُهم عَلَيْهِمْ وقَوْلُهُ: ﴿فَما أغْنى عَنْهم ما كانُوا يَكْسِبُونَ﴾ أيْ: ما دَفَعَ عَنْهُمُ الضُّرَّ والبَلاءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ مِن نَحْتِ تِلْكَ الجِبالِ ومِن جَمْعِ تِلْكَ الأمْوالِ. واللَّهُ أعْلَمُ.
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وما خَلَقْنا السَّماواتِ والأرْضَ وما بَيْنَهُما إلّا بِالحَقِّ وإنَّ السّاعَةَ لَآتِيَةٌ فاصْفَحِ الصَّفْحَ الجَمِيلَ﴾ ﴿إنَّ رَبَّكَ هو الخَلّاقُ العَلِيمُ﴾
اعْلَمْ أنَّهُ تَعالى لَمّا ذَكَرَ أنَّهُ أهْلَكَ الكُفّارَ فَكَأنَّهُ قِيلَ: الإهْلاكُ والتَّعْذِيبُ كَيْفَ يَلِيقُ بِالرَّحِيمِ الكَرِيمِ. فَأجابَ عَنْهُ بِأنِّي إنَّما خَلَقْتُ الخَلْقَ لِيَكُونُوا مُشْتَغِلِينَ بِالعِبادَةِ والطّاعَةِ، فَإذا تَرَكُوها وأعْرَضُوا عَنْها وجَبَ في الحِكْمَةِ إهْلاكُهم وتَطْهِيرُ وجْهِ الأرْضِ مِنهم، وهَذا النَّظْمُ حَسَنٌ إلّا أنَّهُ إنَّما يَسْتَقِيمُ عَلى قَوْلِ المُعْتَزِلَةِ، قالَ الجُبّائِيُّ: دَلَّتِ الآيَةُ عَلى أنَّهُ تَعالى ما خَلَقَ السَّماواتِ والأرْضَ وما بَيْنَهُما إلّا حَقًّا، وبِكَوْنِ الحَقِّ لا يَكُونُ الباطِلَ؛ لِأنَّ كُلَّ ما فُعِلَ باطِلًا، وأُرِيدَ بِفِعْلِهِ كَوْنَ الباطِلِ لا يَكُونُ حَقًّا ولا يَكُونُ مَخْلُوقًا بِالحَقِّ، وفِيهِ بُطْلانُ مَذْهَبِ الجَبْرِيَّةِ الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أنَّ أكْثَرَ ما خَلَقَهُ اللَّهُ تَعالى بَيْنَ السَّماواتِ والأرْضِ مِنَ الكُفْرِ والمَعاصِي باطِلٌ.
واعْلَمْ أنَّ أصْحابَنا قالُوا: هَذِهِ الآيَةُ تَدُلُّ عَلى أنَّهُ سُبْحانَهُ هو الخالِقُ لِجَمِيعِ أعْمالِ العِبادِ؛ لِأنَّها تَدُلُّ عَلى أنَّهُ سُبْحانَهُ هو الخالِقُ لِلسَّماواتِ والأرْضِ ولِكُلِّ ما بَيْنَهُما. ولا شَكَّ أنَّ أفْعالَ العِبادِ بَيْنَهُما فَوَجَبَ أنْ يَكُونَ خالِقُها هو اللَّهُ سُبْحانَهُ، وفي الآيَةِ وجْهٌ آخَرُ في النَّظْمِ وهو أنَّ المَقْصُودَ مِن ذِكْرِ هَذِهِ القِصَصِ تَصْبِيرُ اللَّهِ تَعالى مُحَمَّدًا عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ عَلى سَفاهَةِ قَوْمِهِ، فَإنَّهُ إذا سَمِعَ أنَّ الأُمَمَ السّالِفَةَ كانُوا يُعامِلُونَ أنْبِياءَ اللَّهِ تَعالى بِمِثْلِ هَذِهِ المُعامَلاتِ الفاسِدَةِ سَهُلَ تَحَمُّلُ تِلْكَ السَّفاهاتِ عَلى مُحَمَّدٍ ﷺ، ثُمَّ إنَّهُ تَعالى لَمّا بَيَّنَ أنَّهُ أنْزَلَ العَذابَ عَلى الأُمَمِ السّالِفَةِ فَعِنْدَ هَذا قالَ لِمُحَمَّدٍ ﷺ: ﴿وإنَّ السّاعَةَ لَآتِيَةٌ﴾ وإنَّ اللَّهَ لَيَنْتَقِمُ لَكَ فِيها مِن أعْدائِكَ، ويُجازِيكَ وإيّاهم عَلى حَسَناتِكَ وسَيِّئاتِهِمْ، فَإنَّهُ ما خَلَقَ السَّماواتِ والأرْضَ وما بَيْنَهُما إلّا بِالحَقِّ والعَدْلِ والإنْصافِ، فَكَيْفَ يَلِيقُ بِحِكْمَتِهِ إهْمالُ أمْرِكَ، ثُمَّ إنَّهُ تَعالى لَمّا صَبَّرَهُ عَلى أذى قَوْمِهِ رَغَّبَهُ بَعْدَ ذَلِكَ في الصَّفْحِ عَنْ سَيِّئاتِهِمْ فَقالَ: ﴿فاصْفَحِ الصَّفْحَ الجَمِيلَ﴾ أيْ: فَأعْرِضْ عَنْهم، واحْتَمِلْ ما تَلْقى مِنهم إعْراضًا جَمِيلًا (p-١٦٤)بِحِلْمٍ وإغْضاءٍ، وقِيلَ: هو مَنسُوخٌ بِآيَةِ السَّيْفِ وهو بَعِيدٌ؛ لِأنَّ المَقْصُودَ مِن ذَلِكَ أنْ يُظْهِرَ الخُلُقَ الحَسَنَ والعَفْوَ والصَّفْحَ، فَكَيْفَ يَصِيرُ مَنسُوخًا.
ثم قال: ﴿إنَّ رَبَّكَ هو الخَلّاقُ العَلِيمُ﴾ ومَعْناهُ: أنَّهُ خَلَقَ الخَلْقَ مَعَ اخْتِلافِ طَبائِعِهِمْ، وتَفاوُتِ أحْوالِهِمْ مَعَ عِلْمِهِ بِكَوْنِهِمْ كَذَلِكَ، وإذا كانَ كَذَلِكَ فَإنَّما خَلَقَهم مَعَ هَذا التَّفاوُتِ، ومَعَ العِلْمِ بِذَلِكَ التَّفاوُتِ. أمّا عَلى قَوْلِ أهْلِ السُّنَّةِ فَلِمَحْضِ المَشِيئَةِ والإرادَةِ. وأمّا عَلى قَوْلِ المُعْتَزِلَةِ فَلِأجْلِ المَصْلَحَةِ والحِكْمَةِ، واللَّهُ أعْلَمُ.
{"ayahs_start":85,"ayahs":["وَمَا خَلَقۡنَا ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ وَمَا بَیۡنَهُمَاۤ إِلَّا بِٱلۡحَقِّۗ وَإِنَّ ٱلسَّاعَةَ لَـَٔاتِیَةࣱۖ فَٱصۡفَحِ ٱلصَّفۡحَ ٱلۡجَمِیلَ","إِنَّ رَبَّكَ هُوَ ٱلۡخَلَّـٰقُ ٱلۡعَلِیمُ"],"ayah":"وَمَا خَلَقۡنَا ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ وَمَا بَیۡنَهُمَاۤ إِلَّا بِٱلۡحَقِّۗ وَإِنَّ ٱلسَّاعَةَ لَـَٔاتِیَةࣱۖ فَٱصۡفَحِ ٱلصَّفۡحَ ٱلۡجَمِیلَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق