الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وإنّا لَنَحْنُ نُحْيِي ونُمِيتُ ونَحْنُ الوارِثُونَ﴾ ﴿ولَقَدْ عَلِمْنا المُسْتَقْدِمِينَ مِنكم ولَقَدْ عَلِمْنا المُسْتَأْخِرِينَ﴾ ﴿وإنَّ رَبَّكَ هو يَحْشُرُهم إنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ﴾
اعْلَمْ أنَّ هَذا هو النوع السّادِسُ مِن دَلائِلِ التَّوْحِيدِ وهو الِاسْتِدْلالُ بِحُصُولِ الإحْياءِ، والإماتَةِ لِهَذِهِ الحَيَواناتِ عَلى وُجُودِ الإلَهِ القادِرِ المُخْتارِ.
أما قوله: ﴿وإنّا لَنَحْنُ نُحْيِي ونُمِيتُ﴾ فَفِيهِ قَوْلانِ:
مِنهم مَن حَمَلَهُ عَلى القَدْرِ المُشْتَرَكِ بَيْنَ إحْياءِ النَّباتِ والحَيَوانِ.
ومِنهم مَن يَقُولُ: وصْفُ النَّباتِ بِالإحْياءِ مَجازٌ فَوَجَبَ تَخْصِيصُهُ بِإحْياءِ الحَيَوانِ.
ولَمّا ثَبَتَ بِالدَّلائِلِ العَقْلِيَّةِ أنَّهُ لا قُدْرَةَ عَلى خَلْقِ الحَياةِ إلّا لِلْحَقِّ سُبْحانَهُ كانَ حُصُولُ الحَياةِ لِلْحَيَوانِ دَلِيلًا قاطِعًا عَلى وُجُودِ الإلَهِ الفاعِلِ المُخْتارِ، وقَوْلِهِ: ﴿وإنّا لَنَحْنُ نُحْيِي ونُمِيتُ﴾ يُفِيدُ الحَصْرَ أيْ لا قُدْرَةَ عَلى الإحْياءِ ولا عَلى الإماتَةِ إلّا لَنا، وقَوْلُهُ: ﴿ونَحْنُ الوارِثُونَ﴾ مَعْناهُ: أنَّهُ إذا ماتَ جَمِيعُ الخَلائِقِ، فَحِينَئِذٍ يَزُولُ مُلْكُ كُلِّ أحَدٍ عِنْدَ مَوْتِهِ، ويَكُونُ اللَّهُ هو الباقِي الحَقُّ المالِكُ لِكُلِّ المَمْلُوكاتِ وحْدَهُ فَكانَ هَذا شَبِيهًا بِالإرْثِ فَكانَ وارِثًا مِن هَذا الوجه.
وأما قوله: ﴿ولَقَدْ عَلِمْنا المُسْتَقْدِمِينَ مِنكم ولَقَدْ عَلِمْنا المُسْتَأْخِرِينَ﴾ فَفِيهِ وُجُوهٌ:
الأوَّلُ: قالَ ابْنُ عَبّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما في رِوايَةِ عَطاءٍ: المُسْتَقْدِمِينَ يُرِيدُ أهْلَ طاعَةِ اللَّهِ تَعالى والمُسْتَأْخِرِينَ يُرِيدُ المُتَخَلِّفِينَ عَنْ طاعَةِ اللَّهِ.
الثّانِي: أرادَ بِالمُسْتَقْدِمِينَ الصَّفَّ الأوَّلَ مِن أهْلِ الصَّلاةِ، وبِالمُسْتَأْخِرِينَ الصَّفَّ الآخِرَ، «رُوِيَ أنَّهُ ﷺ رَغَّبَ في الصَّفِّ الأوَّلِ في الصَّلاةِ، فازْدَحَمَ النّاسُ عَلَيْهِ»، فَأنْزَلَ اللَّهُ تَعالى هَذِهِ الآيَةَ، والمَعْنى: أنّا نَجْزِيهِمْ عَلى قَدْرِ نِيّاتِهِمْ.
الثّالِثُ: قالَ الضَّحّاكُ ومُقاتِلٌ: يَعْنِي في وصْفِ القِتالِ.
الرّابِعُ: قالَ ابْنُ عَبّاسٍ في رِوايَةِ أبِي الجَوْزاءِ كانَتِ امْرَأةٌ حَسْناءُ تُصَلِّي خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وكانَ قَوْمٌ يَتَقَدَّمُونَ إلى الصَّفِّ الأوَّلِ؛ لِئَلّا يَرَوْها، وآخَرُونَ يَتَخَلَّفُونَ ويَتَأخَّرُونَ لِيَرَوْها، وإذا رَكَعُوا جافَوْا أيْدِيهِمْ لِيَنْظُرُوا مِن تَحْتِ آباطِهِمْ، فَأنْزَلَ اللَّهُ تَعالى هَذِهِ الآيَةَ.
الخامِسُ: قِيلَ المُسْتَقْدِمُونَ هُمُ الأمْواتُ والمُسْتَأْخِرُونَ هُمُ الأحْياءُ. وقِيلَ: المُسْتَقْدِمُونَ هُمُ الأُمَمُ السّالِفَةُ، والمُسْتَأْخِرُونَ هم أُمَّةُ مُحَمَّدٍ ﷺ، وقالَ عِكْرِمَةُ: المُسْتَقْدِمُونَ مَن خُلِقَ والمُسْتَأْخِرُونَ مَن لَمْ يُخْلَقْ.
(p-١٤٢)واعْلَمْ أنَّهُ تَعالى لَمّا قالَ: ﴿وإنّا لَنَحْنُ نُحْيِي ونُمِيتُ﴾ أتْبَعَهُ بِقَوْلِهِ: ﴿ولَقَدْ عَلِمْنا المُسْتَقْدِمِينَ مِنكم ولَقَدْ عَلِمْنا المُسْتَأْخِرِينَ﴾ تَنْبِيهًا عَلى أنَّهُ لا يَخْفى عَلى اللَّهِ شَيْءٌ مِن أحْوالِهِمْ، فَيَدْخُلُ فِيهِ عِلْمُهُ تَعالى بِتَقَدُّمِهِمْ وتَأخُّرِهِمْ في الحُدُوثِ والوُجُودِ، وبِتَقَدُّمِهِمْ وتَأخُّرِهِمْ في أنْواعِ الطّاعاتِ والخَيْراتِ، ولا يَنْبَغِي أنْ نَخُصَّ الآيَةَ بِحالَةٍ دُونِ حالَةٍ.
وأما قوله: ﴿وإنَّ رَبَّكَ هو يَحْشُرُهُمْ﴾ فالمُرادُ مِنهُ التَّنْبِيهُ عَلى أنَّ الحَشْرَ والنَّشْرَ والبَعْثَ والقِيامَةَ أمْرٌ واجِبٌ.
وقَوْلُهُ: ﴿إنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ﴾ مَعْناهُ: أنَّ الحِكْمَةَ تَقْتَضِي وُجُوبَ الحَشْرِ والنَّشْرِ عَلى ما قَرَّرْناهُ بِالدَّلائِلِ الكَثِيرَةِ في أوَّلِ سُورَةِ يُونُسَ عَلَيْهِ السَّلامُ.
{"ayahs_start":23,"ayahs":["وَإِنَّا لَنَحۡنُ نُحۡیِۦ وَنُمِیتُ وَنَحۡنُ ٱلۡوَ ٰرِثُونَ","وَلَقَدۡ عَلِمۡنَا ٱلۡمُسۡتَقۡدِمِینَ مِنكُمۡ وَلَقَدۡ عَلِمۡنَا ٱلۡمُسۡتَـٔۡخِرِینَ","وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ یَحۡشُرُهُمۡۚ إِنَّهُۥ حَكِیمٌ عَلِیمࣱ"],"ayah":"وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ یَحۡشُرُهُمۡۚ إِنَّهُۥ حَكِیمٌ عَلِیمࣱ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق