الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وأُدْخِلَ الَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِحاتِ جَنّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِها الأنْهارُ خالِدِينَ فِيها بِإذْنِ رَبِّهِمْ تَحِيَّتُهم فِيها سَلامٌ﴾ . وفِيهِ مَسْألَتانِ: المسألة الأُولى: اعْلَمْ أنَّهُ تَعالى لَمّا بالَغَ في شَرْحِ أحْوالِ الأشْقِياءِ مِنَ الوُجُوهِ الكَثِيرَةِ، شَرَحَ أحْوالَ السُّعَداءِ، وقَدْ عَرَفْتَ أنَّ الثَّوابَ يَجِبُ أنْ يَكُونَ مَنفَعَةً خالِصَةً دائِمَةً مَقْرُونَةً بِالتَّعْظِيمِ، فالمَنفَعَةُ الخالِصَةُ إلَيْها الإشارَةُ بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وأُدْخِلَ الَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِحاتِ جَنّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِها الأنْهارُ﴾ وكَوْنُها دائِمَةً أُشِيرَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: ﴿خالِدِينَ فِيها﴾ والتَّعْظِيمُ حَصَلَ مِن وجْهَيْنِ: أحَدُهُما: أنَّ تِلْكَ المَنافِعَ إنَّما حَصَلَتْ بِإذْنِ اللَّهِ تَعالى وأمْرِهِ. والثّانِي: قَوْلُهُ: ﴿تَحِيَّتُهم فِيها سَلامٌ﴾ لِأنَّ بَعْضَهم يُحَيِّي بَعْضًا بِهَذِهِ الكَلِمَةِ، والمَلائِكَةُ يُحَيُّونَهم بِها كَما قالَ: ﴿والمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِن كُلِّ بابٍ﴾ ﴿سَلامٌ عَلَيْكُمْ﴾ [الرعد: ٢٣، ٢٤] والرَّبُّ الرَّحِيمُ يُحَيِّيهِمْ أيْضًا بِهَذِهِ الكَلِمَةِ كَما قالَ: ﴿سَلامٌ قَوْلًا مِن رَبٍّ رَحِيمٍ﴾ [يس: ٥٨] . واعْلَمْ أنَّ السَّلامَ مُشْتَقٌّ مِنَ السَّلامَةِ وإلّا ظَهَرَ أنَّ المُرادَ أنَّهم سَلِمُوا مِن آفاتِ الدُّنْيا وحَسَراتِها أوْ فُنُونِ (p-٩٢)آلامِها وأسْقامِها، وأنْواعِ غُمُومِها وهُمُومِها، وما أصْدَقَ ما قالُوا، فَإنَّ السَّلامَةَ مِن مِحَنِ عالَمِ الأجْسامِ الكائِنَةِ الفاسِدَةِ مِن أعْظَمِ النِّعَمِ، لا سِيَّما إذا حَصَلَ بَعْدَ الخَلاصِ مِنها الفَوْزُ بِالبَهْجَةِ الرُّوحانِيَّةِ والسَّعادَةِ المَلَكِيَّةِ. المسألة الثّانِيَةُ: قَرَأ الحَسَنُ: ”وأُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا“ عَلى مَعْنى وأُدْخِلُهم أنا، وعَلى هَذِهِ القِراءَةِ فَقَوْلُهُ: ﴿بِإذْنِ رَبِّهِمْ﴾ مُتَعَلِّقٌ بِما بَعْدَهُ، أيْ تَحِيَّتُهم فِيها سَلامٌ بِإذْنِ رَبِّهِمْ. يَعْنِي: أنَّ المَلائِكَةَ يُحَيُّونَهم بِإذْنِ رَبِّهِمْ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب