الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وقالَ الشَّيْطانُ لَمّا قُضِيَ الأمْرُ إنَّ اللَّهَ وعَدَكم وعْدَ الحَقِّ ووَعَدْتُكم فَأخْلَفْتُكم وما كانَ لِي عَلَيْكم مِن سُلْطانٍ إلّا أنْ دَعَوْتُكم فاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي ولُومُوا أنْفُسَكم ما أنا بِمُصْرِخِكم وما أنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إنِّي كَفَرْتُ بِما أشْرَكْتُمُونِي مِن قَبْلُ إنَّ الظّالِمِينَ لَهم عَذابٌ ألِيمٌ﴾ .
اعْلَمْ أنَّهُ تَعالى لَمّا ذَكَرَ المُناظَرَةَ الَّتِي وقَعَتْ بَيْنَ الرُّؤَساءِ والأتْباعِ مِن كَفَرَةِ الإنْسِ، أرْدَفَها بِالمُناظَرَةِ الَّتِي وقَعَتْ بَيْنَ الشَّيْطانِ وبَيْنَ أتْباعِهِ مِنَ الإنْسِ فَقالَ تَعالى: ﴿وقالَ الشَّيْطانُ لَمّا قُضِيَ الأمْرُ﴾ وفي المُرادِ بِقَوْلِهِ: ﴿لَمّا قُضِيَ الأمْرُ﴾ وُجُوهٌ:
القَوْلُ الأوَّلُ: قالَ المُفَسِّرُونَ: إذا اسْتَقَرَّ أهْلُ الجَنَّةِ في الجَنَّةِ، وأهْلُ النّارِ في النّارِ، أخَذَ أهْلُ النّارِ في لَوْمِ إبْلِيسَ وتَقْرِيعِهِ فَيَقُومُ في النّارِ فِيما بَيْنَهم خَطِيبًا ويَقُولُ: ما أخْبَرَ اللَّهُ عَنْهُ بِقَوْلِهِ: ﴿وقالَ الشَّيْطانُ لَمّا قُضِيَ الأمْرُ﴾ .
القَوْلُ الثّانِي: أنَّ المُرادَ مِن قَوْلِهِ: ﴿قُضِيَ الأمْرُ﴾ لَمّا انْقَضَتِ المُحاسَبَةُ، والقَوْلُ الأوَّلُ أوْلى؛ لِأنَّ آخِرَ أمْرِ أهْلِ القِيامَةِ اسْتِقْرارُ المُطِيعِينَ في الجَنَّةِ واسْتِقْرارُ الكافِرِينَ في النّارِ، ثُمَّ يَدُومُ الأمْرُ بَعْدَ ذَلِكَ.
والقَوْلُ الثّالِثُ: وهو أنَّ مَذْهَبَنا أنَّ الفُسّاقَ مِن أهْلِ الصَّلاةِ يَخْرُجُونَ مِنَ النّارِ ويَدْخُلُونَ الجَنَّةَ فَلا يَبْعُدُ أنْ يَكُونَ المُرادُ مِن قَوْلِهِ: ﴿لَمّا قُضِيَ الأمْرُ﴾ ذَلِكَ الوَقْتَ؛ لِأنَّ في ذَلِكَ الوَقْتِ تَنْقَطِعُ الأحْوالُ المُعْتَبَرَةُ، ولا يَحْصُلُ بَعْدَهُ إلّا دَوامُ ما حَصَلَ فِيهِ قَبْلَ ذَلِكَ، وأمّا الشَّيْطانُ فالمُرادُ بِهِ إبْلِيسُ؛ لِأنَّ لَفْظَ الشَّيْطانِ لَفْظٌ مُفْرَدٌ فَيَتَناوَلُ الواحِدَ وإبْلِيسُ رَأْسُ الشَّياطِينِ ورَئِيسُهم، فَحَمْلُ اللَّفْظِ عَلَيْهِ أوْلى، لا سِيَّما وقَدْ قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: ”«إذا جَمَعَ اللَّهُ الخَلْقَ وقَضى بَيْنَهم يَقُولُ الكافِرُ: قَدْ وجَدَ المُسْلِمُونَ مَن يَشْفَعُ لَهم فَمَن يَشْفَعُ لَنا ما هو إلّا إبْلِيسُ هو الَّذِي أضَلَّنا فَيَأْتُونَهُ ويَسْألُونَهُ فَعِنْدَ ذَلِكَ يَقُولُ هَذا القَوْلَ» “ .
* * *
أما قوله: ﴿إنَّ اللَّهَ وعَدَكم وعْدَ الحَقِّ ووَعَدْتُكم فَأخْلَفْتُكُمْ﴾ فَفِيهِ مَباحِثُ:
البحث الأوَّلُ: المُرادُ أنَّ اللَّهَ تَعالى وعَدَكم وعْدَ الحَقِّ وهو البَعْثُ والجَزاءُ عَلى الأعْمالِ فَوَفى لَكم بِما وعَدَكم، ووَعَدْتُكم خِلافَ ذَلِكَ فَأخْلَفْتُكم. وتَقْرِيرُ الكَلامِ أنَّ النَّفْسَ تَدْعُو إلى هَذِهِ الأحْوالِ الدُّنْيَوِيَّةِ ولا تَتَصَوَّرُ كَيْفِيَّةَ السَّعاداتِ الأُخْرَوِيَّةِ والكَمالاتِ النَّفْسانِيَّةِ، واللَّهُ يَدْعُو إلَيْها ويُرَغِّبُ فِيها كَما قالَ: ﴿والآخِرَةُ خَيْرٌ وأبْقى﴾ [الأعلى: ١٧] .
البحث الثّانِي: قَوْلُهُ: ﴿وعْدَ الحَقِّ﴾ مِن بابِ إضافَةِ الشَّيْءِ إلى نَفْسِهِ كَقَوْلِهِ: ﴿وحَبَّ الحَصِيدِ﴾، ومَسْجِدِ الجامِعِ عَلى قَوْلِ الكُوفِيِّينَ، والمَعْنى: وعَدَكُمُ الوَعْدَ الحَقَّ، وعَلى مَذْهَبِ البَصْرِيِّينَ يَكُونُ التَّقْدِيرُ: وعْدَ اليَوْمِ الحَقِّ أوِ الأمْرِ الحَقِّ أوْ يَكُونُ التَّقْدِيرُ: وعَدَكُمُ الحَقَّ. ثُمَّ ذَكَرَ المَصْدَرَ تَأْكِيدًا.
البحث الثّالِثُ: في الآيَةِ إضْمارٌ مِن وجْهَيْنِ:
الأوَّلُ: أنَّ التَّقْدِيرَ: إنَّ اللَّهَ وعَدَكم وعْدَ الحَقِّ فَصَدَقَكم ووَعَدْتُكم فَأخْلَفْتُكم وحَذَفَ ذَلِكَ لِدَلالَةِ تِلْكَ الحالَةِ عَلى صِدْقِ ذَلِكَ الوَعْدِ؛ لِأنَّهم كانُوا يُشاهِدُونَها ولَيْسَ وراءَ العِيانِ بَيانٌ ولِأنَّهُ ذَكَرَ في وعْدِ الشَّيْطانِ الإخْلافَ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلى الصِّدْقِ في وعْدِ اللَّهِ تَعالى.
الثّانِي: أنَّ في قَوْلِهِ: ﴿ووَعَدْتُكم فَأخْلَفْتُكُمْ﴾ الوَعْدُ يَقْتَضِي مَفْعُولًا ثانِيًا وحُذِفَ هَهُنا لِلْعِلْمِ بِهِ، والتَّقْدِيرُ: ووَعَدْتُكم أنْ لا جَنَّةَ ولا نارَ ولا حَشْرَ ولا حِسابَ.
(p-٨٨)أما قوله: ﴿وما كانَ لِي عَلَيْكم مِن سُلْطانٍ﴾ أيْ قُدْرَةٍ ومَكِنَةٍ وتَسَلُّطٍ وقَهْرٍ فَأقْهَرَكم عَلى الكُفْرِ والمَعاصِي وأُلْجِئَكم إلَيْها ﴿إلّا أنْ دَعَوْتُكُمْ﴾ أيْ إلّا دُعائِي إيّاكم إلى الضَّلالَةِ بِوَسْوَسَتِي وتَزْيِينِي، قالَ النَّحْوِيُّونَ: لَيْسَ الدُّعاءُ مِن جِنْسِ السُّلْطانِ فَقَوْلُهُ: (﴿إلّا أنْ دَعَوْتُكُمْ﴾ مِن جِنْسِ قَوْلِهِمْ: ما تَحِيَّتُهم إلّا الضَّرْبُ، وقالَ الواحِدِيُّ: إنَّهُ اسْتِثْناءٌ مُنْقَطِعٌ أيْ لَكِنْ دَعَوْتُكم. وعِنْدِي أنَّهُ يُمْكِنُ أنْ يُقالَ: كَلِمَةُ ”إلّا“ هَهُنا اسْتِثْناءٌ حَقِيقِيٌّ؛ لِأنَّ قُدْرَةَ الإنْسانِ عَلى حَمْلِ الغَيْرِ عَلى عَمَلٍ مِنَ الأعْمالِ تارَةً يَكُونُ بِالقَهْرِ والقَسْرِ، وتارَةً يَكُونُ بِتَقْوِيَةِ الدّاعِيَةِ في قَلْبِهِ بِإلْقاءِ الوَساوِسِ إلَيْهِ، فَهَذا نَوْعٌ مِن أنْواعِ التَّسَلُّطِ، ثُمَّ إنَّ ظاهِرَ هَذِهِ الآيَةِ يَدُلُّ عَلى أنَّ الشَّيْطانَ لا قُدْرَةَ لَهُ عَلى تَصْرِيعِ الإنْسانِ وعَلى تَعْوِيجِ أعْضائِهِ وجَوارِحِهِ، وعَلى إزالَةِ العَقْلِ عَنْهُ كَما يَقُولُهُ العَوامُّ والحَشْوِيَّةُ، ثم قال: ﴿فَلا تَلُومُونِي ولُومُوا أنْفُسَكُمْ﴾ يَعْنِي ما كانَ مِنِّي إلّا الدُّعاءُ والوَسْوَسَةُ، وكُنْتُمْ سَمِعْتُمْ دَلائِلَ اللَّهِ وشاهَدْتُمْ مَجِيءَ أنْبِياءِ اللَّهِ تَعالى، فَكانَ مِنَ الواجِبِ عَلَيْكم أنْ لا تَغْتَرُّوا بِقَوْلِي ولا تَلْتَفِتُوا إلَيَّ، فَلَمّا رَجَّحْتُمْ قَوْلِي عَلى الدَّلائِلِ الظّاهِرَةِ، كانَ اللَّوْمُ عَلَيْكم لا عَلَيَّ في هَذا البابِ. وفي الآيَةِ مَسْألَتانِ:
المسألة الأُولى: قالَتِ المُعْتَزِلَةُ: هَذِهِ الآيَةُ تَدُلُّ عَلى أشْياءَ:
الأوَّلُ: أنَّهُ لَوْ كانَ الكُفْرُ والمَعْصِيَةُ مِنَ اللَّهِ لَوَجَبَ أنْ يُقالَ: فَلا تَلُومُونِي ولا أنْفُسَكم فَإنَّ اللَّهَ قَضى عَلَيْكُمُ الكُفْرَ وأجْبَرَكم عَلَيْهِ.
الثّانِي: ظاهِرُ هَذِهِ الآيَةِ يَدُلُّ عَلى أنَّ الشَّيْطانَ لا قُدْرَةَ لَهُ عَلى تَصْرِيعِ الإنْسانِ وعَلى تَعْوِيجِ أعْضائِهِ وعَلى إزالَةِ العَقْلِ عَنْهُ كَما تَقُولُ الحَشْوِيَّةُ والعَوامُّ.
الثّالِثُ: أنَّ هَذِهِ الآيَةَ تَدُلُّ عَلى أنَّ الإنْسانَ لا يَجُوزُ ذَمُّهُ ولَوْمُهُ وعِقابُهُ بِسَبَبِ فِعْلِ الغَيْرِ، وعِنْدَ هَذا يَظْهَرُ أنَّهُ لا يَجُوزُ عِقابُ أوْلادِ الكُفّارِ بِسَبَبِ كُفْرِ آبائِهِمْ.
أجابَ بَعْضُ الأصْحابِ عَنْ هَذِهِ الوُجُوهِ: بِأنَّ هَذا قَوْلُ الشَّيْطانِ فَلا يَجُوزُ التَّمَسُّكُ بِهِ.
وأجابَ الخَصْمُ عَنْهُ: بِأنَّهُ لَوْ كانَ هَذا القَوْلُ مِنهُ باطِلًا لَبَيَّنَ اللَّهُ بُطْلانَهُ وأظْهَرَ إنْكارَهُ، وأيْضًا فَلا فائِدَةَ في ذَلِكَ اليَوْمِ في ذِكْرِ هَذا الكَلامِ الباطِلِ والقَوْلِ الفاسِدِ، ألا تَرى أنَّ قَوْلَهُ: ﴿إنَّ اللَّهَ وعَدَكم وعْدَ الحَقِّ ووَعَدْتُكم فَأخْلَفْتُكُمْ﴾ كَلامٌ حَقٌّ، وقَوْلَهُ: ﴿وما كانَ لِي عَلَيْكم مِن سُلْطانٍ﴾ قَوْلٌ حَقٌّ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿إنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ إلّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الغاوِينَ﴾ [الحجر: ٤٢] .
* * *
المسألة الثّانِيَةُ: هَذِهِ الآيَةُ تَدُلُّ عَلى أنَّ الشَّيْطانَ الأصْلِيَّ هو النَّفْسُ، وذَلِكَ لِأنَّ الشَّيْطانَ بَيَّنَ أنَّهُ ما أتى إلّا بِالوَسْوَسَةِ، فَلَوْلا المَيْلُ الحاصِلُ بِسَبَبِ الشَّهْوَةِ والغَضَبِ والوَهْمِ والخَيالِ لَمْ يَكُنْ لِوَسْوَسَتِهِ تَأْثِيرٌ البَتَّةَ، فَدَلَّ هَذا عَلى أنَّ الشَّيْطانَ الأصْلِيَّ هو النَّفْسُ.
فَإنْ قالَ قائِلٌ: بَيِّنُوا لَنا حَقِيقَةَ الوَسْوَسَةِ.
قُلْنا: الفِعْلُ إنَّما يَصْدُرُ عَنِ الإنْسانِ عِنْدَ حُصُولِ أُمُورٍ أرْبَعَةٍ يَتَرَتَّبُ بَعْضُها عَلى البَعْضِ تَرْتِيبًا لازِمًا طَبِيعِيًّا، وبَيانُهُ أنَّ أعْضاءَ الإنْسانِ بِحُكْمِ السَّلامَةِ الأصْلِيَّةِ والصَّلاحِيَّةِ الطَّبِيعِيَّةِ صالِحَةٌ لِلْفِعْلِ والتَّرْكِ، والإقْدامِ والإحْجامِ، فَما لَمْ يَحْصُلْ في القَلْبِ مَيْلٌ إلى تَرْجِيحِ الفِعْلِ عَلى التَّرْكِ أوْ بِالعَكْسِ فَإنَّهُ يَمْتَنِعُ صُدُورُ الفِعْلِ، وذَلِكَ المَيْلُ هو الإرادَةُ الجازِمَةُ، والقَصْدُ الجازِمُ. ثُمَّ إنَّ تِلْكَ الإرادَةَ الجازِمَةَ لا تَحْصُلُ إلّا عِنْدَ حُصُولِ عِلْمٍ أوِ اعْتِقادٍ أوْ ظَنٍّ بِأنَّ ذَلِكَ الفِعْلَ سَبَبٌ لِلنَّفْعِ أوْ سَبَبٌ لِلضَّرَرِ، فَإنْ لَمْ يَحْصُلْ فِيهِ هَذا الِاعْتِقادُ لَمْ يَحْصُلِ المَيْلُ لا إلى الفِعْلِ ولا إلى التَّرْكِ، فالحاصِلُ أنَّ الإنْسانَ إذا أحَسَّ بِشَيْءٍ تَرَتَّبَ عَلَيْهِ شُعُورُهُ بِكَوْنِهِ مُلائِمًا لَهُ أوْ بِكَوْنِهِ مُنافِرًا لَهُ أوْ بِكَوْنِهِ غَيْرَ مُلائِمٍ ولا مُنافِرٍ، فَإنْ حَصَلَ الشُّعُورُ بِكَوْنِهِ مُلائِمًا لَهُ تَرَتَّبَ عَلَيْهِ المَيْلُ الجازِمُ إلى الفِعْلِ (p-٨٩)وإنْ حَصَلَ الشُّعُورُ بِكَوْنِهِ مُنافِرًا لَهُ تَرَتَّبَ عَلَيْهِ المَيْلُ الجازِمُ إلى التَّرْكِ، وإنْ لَمْ يَحْصُلْ لا هَذا ولا ذاكَ لَمْ يَحْصُلِ المَيْلُ لا إلى ذَلِكَ الشَّيْءِ ولا إلى ضِدِّهِ، بَلْ بَقِيَ الإنْسانُ كَما كانَ، وعِنْدَ حُصُولِ ذَلِكَ المَيْلِ الجازِمِ تَصِيرُ القُدْرَةُ مَعَ ذَلِكَ المَيْلِ مُوجِبَةً لِلْفِعْلِ.
إذا عَرَفْتَ هَذا فَنَقُولُ: صُدُورُ الفِعْلِ عَنْ مَجْمُوعِ القُدْرَةِ والدّاعِي الحاصِلِ أمْرٌ واجِبٌ فَلا يَكُونُ لِلشَّيْطانِ مَدْخَلٌ فِيهِ، وصُدُورُ المَيْلِ عَنْ تَصَوُّرِ كَوْنِهِ خَيْرًا أوْ تَصَوُّرِ كَوْنِهِ شَرًّا أمْرٌ واجِبٌ فَلا يَكُونُ لِلشَّيْطانِ فِيهِ مَدْخَلٌ، وحُصُولُ كَوْنِهِ خَيْرًا أوْ تَصَوُّرُ كَوْنِهِ شَرًّا عَنْ مُطْلَقِ الشُّعُورِ بِذاتِهِ أمْرٌ لازِمٌ فَلا مَدْخَلَ لِلشَّيْطانِ فِيهِ، فَلَمْ يَبْقَ لِلشَّيْطانِ مَدْخَلٌ في شَيْءٍ مِن هَذِهِ المَقاماتِ إلّا في أنْ يُذَكِّرَهُ شَيْئًا بِأنْ يُلْقِيَ إلَيْهِ حَدِيثَهُ، مِثْلُ أنَّ الإنْسانَ كانَ غافِلًا عَنْ صُورَةِ امْرَأةٍ فَيُلْقِي الشَّيْطانُ حَدِيثَها في خاطِرِهِ، فالشَّيْطانُ لا قُدْرَةَ لَهُ إلّا في هَذا المَقامِ، وهو عَيْنُ ما حَكى اللَّهُ تَعالى عَنْهُ أنَّهُ قالَ: ﴿وما كانَ لِي عَلَيْكم مِن سُلْطانٍ إلّا أنْ دَعَوْتُكم فاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي﴾ يَعْنِي ما كانَ مِنِّي إلّا مُجَرَّدُ هَذِهِ الدَّعْوَةِ، فَأمّا بَقِيَّةُ المَراتِبِ فَما صَدَرَتْ مِنِّي وما كانَ لِي فِيها أثَرٌ البَتَّةَ.
* * *
بَقِيَ في هَذا المَقامِ سُؤالانِ:
السُّؤالُ الأوَّلُ: كَيْفَ يُعْقَلُ تَمَكُّنُ الشَّيْطانِ مِنَ النُّفُوذِ في داخِلِ أعْضاءِ الإنْسانِ وإلْقاءِ الوَسْوَسَةِ إلَيْهِ ؟
والجَوابُ: لِلنّاسِ في المَلائِكَةِ والشَّياطِينِ قَوْلانِ:
القَوْلُ الأوَّلُ: أنَّ ما سِوى اللَّهِ بِحَسَبِ القِسْمَةِ العَقْلِيَّةِ عَلى أقْسامٍ ثَلاثَةٍ: المُتَحَيِّزِ، والحالِّ في المُتَحَيِّزِ، والَّذِي لا يَكُونُ مُتَحَيِّزًا ولا حالًّا فِيهِ، وهَذا القِسْمُ الثّالِثُ لَمْ يَقُمِ الدَّلِيلُ البَتَّةَ عَلى فَسادِ القَوْلِ بِهِ، بَلِ الدَّلائِلُ الكَثِيرَةُ قامَتْ عَلى صِحَّةِ القَوْلِ بِهِ، وهَذا هو المُسَمّى بِالأرْواحِ فَهَذِهِ الأرْواحُ إنْ كانَتْ طاهِرَةً مُقَدَّسَةً مِن عالَمِ الرُّوحانِيّاتِ القُدُسِيَّةِ فَهُمُ المَلائِكَةُ وإنْ كانَتْ خَبِيثَةً داعِيَةً إلى الشُّرُورِ وعالَمِ الأجْسادِ ومَنازِلِ الظُّلُماتِ فَهُمُ الشَّياطِينُ.
إذا عَرَفْتَ هَذا فَنَقُولُ: فَعَلى هَذا التَّقْدِيرِ الشَّيْطانُ لا يَكُونُ جِسْمًا يَحْتاجُ إلى الوُلُوجِ في داخِلِ البَدَنِ بَلْ هو جَوْهَرٌ رُوحانِيٌّ خَبِيثُ الفِعْلِ مَجْبُولٌ عَلى الشَّرِّ، والنَّفْسُ الإنْسانِيَّةُ أيْضًا كَذَلِكَ فَلا يَبْعُدُ عَلى هَذا التَّقْدِيرِ في أنْ يُلْقِيَ شَيْءٌ مِن تِلْكَ الأرْواحِ أنْواعًا مِنَ الوَساوِسِ والأباطِيلِ إلى جَوْهَرِ النَّفْسِ الإنْسانِيَّةِ، وذَكَرَ بَعْضُ العُلَماءِ في هَذا البابِ احْتِمالًا ثانِيًا، وهو أنَّ النُّفُوسَ النّاطِقَةَ البَشَرِيَّةَ مُخْتَلِفَةٌ بِالنوع، فَهي طَوائِفُ، وكُلُّ طائِفَةٍ مِنها في تَدْبِيرِ رُوحٍ مِنَ الأرْواحِ السَّماوِيَّةِ بِعَيْنِها، فَنَوْعٌ مِنَ النُّفُوسِ البَشَرِيَّةِ تَكُونُ حَسَنَةَ الأخْلاقِ كَرِيمَةَ الأفْعالِ مَوْصُوفَةً بِالفَرَحِ والبِشْرِ وسُهُولَةِ الأمْرِ، وهي تَكُونُ مُنْتَسِبَةً إلى رُوحِ مُعَيَّنٍ مِنَ الأرْواحِ السَّماوِيَّةِ، وطائِفَةٌ أُخْرى مِنها تَكُونُ مَوْصُوفَةً بِالحِدَّةِ والقُوَّةِ والغِلْظَةِ، وعَدَمِ المُبالاةِ بِأمْرٍ مِنَ الأُمُورِ، وهي تَكُونُ مُنْتَسِبَةً إلى رُوحٍ آخَرَ مِنَ الأرْواحِ السَّماوِيَّةِ، وهَذِهِ الأرْواحُ البَشَرِيَّةُ كالأوْلادِ لِذَلِكَ الرُّوحِ السَّماوِيِّ وكالنَّتائِجِ الحاصِلَةِ، وكالفُرُوعِ المُتَفَرِّعَةِ عَلَيْها، وذَلِكَ الرُّوحُ السَّماوِيُّ هو الَّذِي يَتَوَلّى إرْشادَها إلى مَصالِحِها، وهو الَّذِي يَخُصُّها بِالإلْهاماتِ حالَتَيِ النَّوْمِ واليَقَظَةِ. والقُدَماءُ كانُوا يُسَمُّونَ ذَلِكَ الرُّوحَ السَّماوِيَّ بِالطِّباعِ التّامِّ، ولا شَكَّ أنَّ لِذَلِكَ الرُّوحِ السَّماوِيِّ الَّذِي هو الأصْلُ واليَنْبُوعُ شُعَبًا كَثِيرَةً ونَتائِجَ كَثِيرَةً وهي بِأسْرِها تَكُونُ مِن جِنْسِ رُوحِ هَذا الإنْسانِ وهي لِأجْلِ مُشاكَلَتِها ومُجانَسَتِها يُعِينُ بَعْضُها بَعْضًا عَلى الأعْمالِ اللّائِقَةِ بِها والأفْعالِ المُناسِبَةِ لِطَبائِعِها، ثُمَّ إنَّها إنْ كانَتْ خَيِّرَةً طاهِرَةً طَيِّبَةً كانَتْ مَلائِكَةً وكانَتْ تِلْكَ الإعانَةُ مُسَمّاةً بِالإلْهامِ. وإنْ كانَتْ (p-٩٠)شِرِّيرَةً خَبِيثَةً قَبِيحَةَ الأعْمالِ كانَتْ شَياطِينَ وكانَتْ تِلْكَ الإعانَةُ مُسَمّاةً بِالوَسْوَسَةِ، وذَكَرَ بَعْضُ العُلَماءِ أيْضًا فِيهِ احْتِمالًا ثالِثًا، وهو أنَّ النُّفُوسَ البَشَرِيَّةَ والأرْواحَ الإنْسانِيَّةَ إذا فارَقَتْ أبْدانَها قَوِيَتْ في تِلْكَ الصِّفاتِ الَّتِي اكْتَسَبَتْها في تِلْكَ الأبْدانِ وكَمَلَتْ فِيها، فَإذا حَدَثَتْ نَفْسٌ أُخْرى مُشاكِلَةٌ لِتِلْكَ النَّفْسِ المُفارِقَةِ في بَدَنٍ مُشاكِلٍ لِبَدَنِ تِلْكَ النَّفْسِ المُفارِقَةِ، حَدَثَ بَيْنَ تِلْكَ النَّفْسِ المُفارِقَةِ وبَيْنَ هَذا البَدَنِ نَوْعُ تَعَلُّقٍ بِسَبَبِ المُشاكَلَةِ الحاصِلَةِ بَيْنَ هَذا البَدَنِ وبَيْنَ ما كانَ بَدَنًا لِتِلْكَ النَّفْسِ المُفارِقَةِ، فَيَصِيرُ لِتِلْكَ النَّفْسِ المُفارِقَةِ تَعَلُّقٌ شَدِيدٌ بِهَذا البَدَنِ، وتَصِيرُ تِلْكَ النَّفْسُ المُفارِقَةُ مُعاوِنَةً لِهَذِهِ النَّفْسِ المُتَعَلِّقَةِ بِهَذا البَدَنِ ومُعاضِدَةً لَها عَلى أفْعالِها وأحْوالِها بِسَبَبِ هَذِهِ المُشاكَلَةِ، ثُمَّ إنْ كانَ هَذا المَعْنى في أبْوابِ الخَيْرِ والبَرَكاتِ كانَ ذَلِكَ إلْهامًا، وإنْ كانَ في بابِ الشَّرِّ كانَ وسْوَسَةً، فَهَذِهِ وُجُوهٌ مُحْتَمَلَةٌ تَفْرِيعًا عَلى القَوْلِ بِإثْباتِ جَواهِرَ قُدُسِيَّةٍ مُبَرَّأةٍ عَنِ الجِسْمِيَّةِ والتَّحَيُّزِ، والقَوْلُ بِالأرْواحِ الطّاهِرَةِ والخَبِيثَةِ كَلامٌ مَشْهُورٌ عِنْدَ قُدَماءِ الفَلاسِفَةِ فَلَيْسَ لَهم أنْ يُنْكِرُوا إثْباتَها عَلى صاحِبِ شَرِيعَتِنا مُحَمَّدٍ ﷺ .
وأمّا القَوْلُ الثّانِي: وهو أنَّ المَلائِكَةَ والشَّياطِينَ لا بُدَّ وأنْ تَكُونَ أجْسامًا فَنَقُولُ: إنَّ عَلى هَذا التَّقْدِيرِ يَمْتَنِعُ أنْ يُقالَ إنَّها أجْسامٌ كَثِيفَةٌ، بَلْ لا بُدَّ مِنَ القَوْلِ بِأنَّها أجْسامٌ لَطِيفَةٌ، واللَّهُ سُبْحانَهُ رَكَّبَها تَرْكِيبًا عَجِيبًا وهي أنْ تَكُونَ مَعَ لَطافَتِها لا تَقْبَلُ التَّفَرُّقَ والتَّمَزُّقَ والفَسادَ والبُطْلانَ، ونُفُوذُ الأجْرامِ اللَّطِيفَةِ في عُمْقِ الأجْرامِ الكَثِيفَةِ غَيْرُ مُسْتَبْعَدٍ، ألا تَرى أنَّ الرُّوحَ الإنْسانِيَّةَ جِسْمٌ لَطِيفٌ، ثُمَّ إنَّهُ نَفَذَ في داخِلِ عُمْقِ البَدَنِ، فَإذا عُقِلَ ذَلِكَ فَكَيْفَ يُسْتَبْعَدُ نُفُوذُ أنْواعٍ كَثِيرَةٍ مِنَ الأجْسامِ اللَّطِيفَةِ في داخِلِ هَذا البَدَنِ ؟ ألَيْسَ أنَّ جِرْمَ النّارِ يَسْرِي في جِرْمِ الفَحَمِ، وماءَ الوَرْدِ يَسْرِي في ورَقِ الوَرْدِ، ودُهْنَ السِّمْسِمِ يَجْرِي في جِسْمِ السِّمْسِمِ ؟ فَكَذا هَهُنا، فَظَهَرَ بِما قَرَّرْنا: أنَّ القَوْلَ بِإثْباتِ الجِنِّ والشَّياطِينِ أمْرٌ لا تُحِيلُهُ العُقُولُ ولا تُبْطِلُهُ الدَّلائِلُ، وأنَّ الإصْرارَ عَلى الإنْكارِ لَيْسَ إلّا مِن نَتِيجَةِ الجَهْلِ وقِلَّةِ الفِطْنَةِ، ولَمّا ثَبَتَ أنَّ القَوْلَ بِالشَّياطِينِ مُمْكِنٌ في الجُمْلَةِ فَنَقُولُ: الأحَقُّ والأوْلى أنْ يُقالَ: المَلائِكَةُ - عَلى هَذا القَوْلِ - مَخْلُوقُونَ مِنَ النُّورِ، والشَّياطِينُ مَخْلُوقُونَ مِنَ الدُّخانِ واللَّهَبِ، كَما قالَ اللَّهُ تَعالى: ﴿والجانَّ خَلَقْناهُ مِن قَبْلُ مِن نارِ السَّمُومِ﴾ [الحجر: ٢٧] وهَذا الكَلامُ مِنَ المَشْهُوراتِ عِنْدَ قُدَماءِ الفَلاسِفَةِ، فَكَيْفَ يَلِيقُ بِالعاقِلِ أنْ يَسْتَبْعِدَهُ مِن صاحِبِ شَرِيعَتِنا مُحَمَّدٍ ﷺ ؟
السُّؤالُ الثّانِي: لِمَ قالَ الشَّيْطانُ: ﴿فَلا تَلُومُونِي ولُومُوا أنْفُسَكُمْ﴾ وهو أيْضًا مَلُومٌ بِسَبَبِ إقْدامِهِ عَلى تِلْكَ الوَسْوَسَةِ الباطِلَةِ ؟
والجَوابُ: أرادَ بِذَلِكَ فَلا تَلُومُونِي عَلى ما فَعَلْتُمْ ولُومُوا أنْفُسَكم عَلَيْهِ، لِأنَّكم عَدَلْتُمْ عَمّا تُوجِبُهُ هِدايَةُ اللَّهِ تَعالى لَكم. ثم قال اللَّهُ تَعالى حِكايَةً عَنِ الشَّيْطانِ أنَّهُ قالَ: ﴿ما أنا بِمُصْرِخِكم وما أنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ﴾ وفِيهِ مَسْألَتانِ:
المسألة الأُولى: قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: بِمُغِيثِكم ولا مُنْقِذِكم، قالَ ابْنُ الأعْرابِيِّ: الصّارِخُ المُسْتَغِيثُ والمُصْرِخُ المُغِيثُ. يُقالُ: صَرَخَ فُلانٌ إذا اسْتَغاثَ وقالَ: واغَوْثاهُ وأصْرَخْتُهُ أغَثْتُهُ.
المسألة الثّانِيَةُ: قَرَأ حَمْزَةُ: ”بِمُصْرِخِيِّ“ بِكَسْرِ الياءِ. قالَ الواحِدِيُّ: وهي قِراءَةُ الأعْمَشِ ويَحْيى بْنِ وثّابٍ. قالَ الفَرّاءُ: ولَعَلَّها مِن وهْمِ القُرّاءِ فَإنَّهُ قَلَّ مَن سَلِمَ مِنهم عَنِ الوَهْمِ ولَعَلَّهُ ظَنَّ أنَّ الباءَ في قَوْلِهِ ﴿بِمُصْرِخِيَّ﴾ خافِضَةٌ لِجُمْلَةِ هَذِهِ الكَلِمَةِ وهَذا خَطَأٌ؛ لِأنَّ الياءَ مِنَ المُتَكَلِّمِ خارِجَةٌ مِن ذَلِكَ، قالَ: ومِمّا نَرى (p-٩١)أنَّهم وهِمُوا فِيهِ قَوْلُهُ: ﴿نُوَلِّهِ ما تَوَلّى ونُصْلِهِ جَهَنَّمَ﴾ [النساء: ١١٥] بِجَزْمِ الهاءِ. ظَنُّوا واللَّهُ أعْلَمُ أنَّ الجَزْمَ في الهاءِ وهو خَطَأٌ؛ لِأنَّ الهاءَ في مَوْضِعِ نَصْبٍ وقَدِ انْجَزَمَ الفِعْلُ قَبْلَها بِسُقُوطِ الياءِ مِنهُ، ومِنَ النَّحْوِيِّينَ مَن تَكَلَّفَ في ذِكْرِ وجْهٍ لِصِحَّتِهِ إلّا أنَّ الأكْثَرِينَ قالُوا إنَّهُ لَحْنٌ. واللَّهُ أعْلَمُ.
ثم قال تَعالى حِكايَةً عَنْهُ: ﴿إنِّي كَفَرْتُ بِما أشْرَكْتُمُونِي مِن قَبْلُ﴾ وفِيهِ مَسائِلُ:
المسألة الأُولى: ”ما“ في قَوْلِهِ: ﴿إنِّي كَفَرْتُ بِما أشْرَكْتُمُونِي مِن قَبْلُ﴾ فِيهِ قَوْلانِ:
الأوَّلُ: أنَّها مَصْدَرِيَّةٌ والمَعْنى: كَفَرْتُ بِإشْراكِكم إيّايَ مَعَ اللَّهِ تَعالى في الطّاعَةِ، والمَعْنى: أنَّهُ جَحَدَ ما كانَ يَعْتَقِدُهُ أُولَئِكَ الأتْباعُ مِن كَوْنِ إبْلِيسَ شَرِيكًا لِلَّهِ تَعالى في تَدْبِيرِ هَذا العالَمِ وكَفَرَ بِهِ، أوْ يَكُونُ المَعْنى أنَّهم كانُوا يُطِيعُونَ الشَّيْطانَ في أعْمالِ الشَّرِّ كَما كانُوا قَدْ يُطِيعُونَ اللَّهَ في أعْمالِ الخَيْرِ وهَذا هو المُرادُ بِالإشْراكِ.
والثّانِي - وهو قَوْلُ الفَرّاءِ -: أنَّ المَعْنى أنَّ إبْلِيسَ قالَ: إنِّي كَفَرْتُ بِاللَّهِ الَّذِي أشْرَكْتُمُونِي بِهِ مِن قَبْلِ كُفْرِكم، والمَعْنى: أنَّهُ كانَ كُفْرُهُ قَبْلَ كُفْرِ أُولَئِكَ الأتْباعِ ويَكُونُ المُرادُ بِقَوْلِهِ: ”ما“ في هَذا المَوْضِعِ ”مَن“ والقَوْلُ هو الأوَّلُ؛ لِأنَّ الكَلامَ إنَّما يَنْتَظِمُ بِالتَّفْسِيرِ الأوَّلِ، ويُمْكِنُ أنْ يُقالَ أيْضًا: الكَلامُ مُنْتَظِمٌ عَلى التَّفْسِيرِ الثّانِي، والتَّقْدِيرُ كَأنَّهُ يَقُولُ: لا تَأْثِيرَ لِوَسْوَسَتِي في كُفْرِكم بِدَلِيلِ أنِّي كَفَرْتُ قَبْلَ أنْ وقَعْتُمْ في الكُفْرِ، وما كانَ كُفْرِي بِسَبَبِ وسْوَسَةٍ أُخْرى وإلّا لَزِمَ التَّسَلْسُلُ، فَثَبَتَ بِهَذا أنَّ سَبَبَ الوُقُوعِ في الكُفْرِ شَيْءٌ آخَرُ سِوى الوَسْوَسَةِ، وعَلى هَذا التَّقْدِيرِ يَنْتَظِمُ الكَلامُ.
أما قوله: ﴿إنَّ الظّالِمِينَ لَهم عَذابٌ ألِيمٌ﴾ فالأظْهَرُ أنَّهُ كَلامُ اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ، وأنَّ كَلامَ إبْلِيسِ تَمَّ قَبْلَ هَذا الكَلامِ، ولا يَبْعُدُ أيْضًا أنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِن بَقِيَّةِ كَلامِ إبْلِيسَ قَطْعًا لِأطْماعِ أُولَئِكَ الكُفّارِ عَنِ الإعانَةِ والإغاثَةِ. واللَّهُ أعْلَمُ.
{"ayah":"وَقَالَ ٱلشَّیۡطَـٰنُ لَمَّا قُضِیَ ٱلۡأَمۡرُ إِنَّ ٱللَّهَ وَعَدَكُمۡ وَعۡدَ ٱلۡحَقِّ وَوَعَدتُّكُمۡ فَأَخۡلَفۡتُكُمۡۖ وَمَا كَانَ لِیَ عَلَیۡكُم مِّن سُلۡطَـٰنٍ إِلَّاۤ أَن دَعَوۡتُكُمۡ فَٱسۡتَجَبۡتُمۡ لِیۖ فَلَا تَلُومُونِی وَلُومُوۤا۟ أَنفُسَكُمۖ مَّاۤ أَنَا۠ بِمُصۡرِخِكُمۡ وَمَاۤ أَنتُم بِمُصۡرِخِیَّ إِنِّی كَفَرۡتُ بِمَاۤ أَشۡرَكۡتُمُونِ مِن قَبۡلُۗ إِنَّ ٱلظَّـٰلِمِینَ لَهُمۡ عَذَابٌ أَلِیمࣱ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق