الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكم مِن أرْضِنا أوْ لَتَعُودُنَّ في مِلَّتِنا فَأوْحى إلَيْهِمْ رَبُّهم لَنُهْلِكَنَّ الظّالِمِينَ﴾ ﴿ولَنُسْكِنَنَّكُمُ الأرْضَ مِن بَعْدِهِمْ ذَلِكَ لِمَن خافَ مَقامِي وخافَ وعِيدِ﴾ ﴿واسْتَفْتَحُوا وخابَ كُلُّ جَبّارٍ عَنِيدٍ﴾ ﴿مِن ورائِهِ جَهَنَّمُ ويُسْقى مِن ماءٍ صَدِيدٍ﴾ ﴿يَتَجَرَّعُهُ ولا يَكادُ يُسِيغُهُ ويَأْتِيهِ المَوْتُ مِن كُلِّ مَكانٍ وما هو بِمَيِّتٍ ومِن ورائِهِ عَذابٌ غَلِيظٌ﴾ .
اعْلَمْ أنَّهُ تَعالى لَمّا حَكى عَنِ الأنْبِياءِ عَلَيْهِمُ السَّلامُ، أنَّهُمُ اكْتَفَوْا في دَفْعِ شُرُورِ أعْدائِهِمْ بِالتَّوَكُّلِ عَلَيْهِ والِاعْتِمادِ عَلى حِفْظِهِ وحِياطَتِهِ، حَكى عَنِ الكُفّارِ أنَّهم بالَغُوا في السَّفاهَةِ وقالُوا: ﴿لَنُخْرِجَنَّكم مِن أرْضِنا أوْ لَتَعُودُنَّ في مِلَّتِنا﴾ والمَعْنى: لَيَكُونَنَّ أحَدُ الأمْرَيْنِ لا مَحالَةَ: إمّا إخْراجُكم وإمّا عَوْدُكم إلى مِلَّتِنا. والسَّبَبُ فِيهِ أنَّ أهْلَ الحَقِّ في كُلِّ زَمانٍ يَكُونُونَ قَلِيلِينَ، وأهْلُ الباطِلِ يَكُونُونَ كَثِيرِينَ، والظَّلَمَةُ والفَسَقَةُ يَكُونُونَ مُتَعاوِنِينَ مُتَعاضِدِينَ، فَلِهَذِهِ الأسْبابِ قَدَرُوا عَلى هَذِهِ السَّفاهَةِ.
فَإنْ قِيلَ: هَذا يُوهِمُ أنَّهم كانُوا عَلى مِلَّتِهِمْ في أوَّلِ الأمْرِ حَتّى يَعُودُوا فِيها.
(p-٧٩)قُلْنا: الجَوابُ مِن وُجُوهٍ:
الوجه الأوَّلُ: أنَّ أُولَئِكَ الأنْبِياءَ عَلَيْهِمُ السَّلامُ إنَّما نَشَئُوا في تِلْكَ البِلادِ وكانُوا مِن تِلْكَ القَبائِلِ، وفي أوَّلِ الأمْرِ ما أظْهَرُوا المُخالَفَةَ مَعَ أُولَئِكَ الكُفّارِ، بَلْ كانُوا في ظاهِرِ الأمْرِ مَعَهم مِن غَيْرِ إظْهارِ مُخالَفَةٍ فالقَوْمُ ظَنُّوا لِهَذا السَّبَبِ أنَّهم كانُوا في أوَّلِ الأمْرِ عَلى دِينِهِمْ فَلِهَذا السَّبَبِ قالُوا: ﴿أوْ لَتَعُودُنَّ في مِلَّتِنا﴾ .
الوجه الثّانِي: أنَّ هَذا حِكايَةُ كَلامِ الكُفّارِ ولا يَجِبُ في كُلِّ ما قالُوهُ أنْ يَكُونُوا صادِقِينَ فِيهِ فَلَعَلَّهم تَوَهَّمُوا ذَلِكَ مَعَ أنَّهُ ما كانَ الأمْرُ كَما تَوَهَّمُوهُ.
الوجه الثّالِثُ: لَعَلَّ الخِطابَ وإنْ كانَ في الظّاهِرِ مَعَ الرُّسُلِ إلّا أنَّ المَقْصُودَ بِهَذا الخِطابِ أتْباعُهم وأصْحابُهم ولا بَأْسَ أنْ يُقالَ: إنَّهم كانُوا قَبْلَ ذَلِكَ الوَقْتِ عَلى دِينِ أُولَئِكَ الكُفّارِ.
الوجه الرّابِعُ: قالَ صاحِبُ ”الكَشّافِ“: العَوْدُ بِمَعْنى الصَّيْرُورَةِ كَثِيرٌ في كَلامِ العَرَبِ.
الوجه الخامِسُ: لَعَلَّ أُولَئِكَ الأنْبِياءَ كانُوا قَبْلَ إرْسالِهِمْ عَلى مِلَّةٍ مِنَ المِلَلِ، ثُمَّ إنَّهُ تَعالى أوْحى إلَيْهِمْ بِنَسْخِ تِلْكَ المِلَّةِ وأمَرَهم بِشَرِيعَةٍ أُخْرى وبَقِيَ الأقْوامُ عَلى تِلْكَ الشَّرِيعَةِ الَّتِي صارَتْ مَنسُوخَةً مُصِرِّينَ عَلى سَبِيلِ الكُفْرِ، وعَلى هَذا التَّقْدِيرِ فَلا يَبْعُدُ أنْ يَطْلُبُوا مِنَ الأنْبِياءِ أنْ يَعُودُوا إلى تِلْكَ المِلَّةِ.
الوجه السّادِسُ: لا يَبْعُدُ أنْ يَكُونَ المَعْنى: ﴿أوْ لَتَعُودُنَّ في مِلَّتِنا﴾ أيْ إلى ما كُنْتُمْ عَلَيْهِ قَبْلَ ادِّعاءِ الرِّسالَةِ مِنَ السُّكُوتِ عَنْ ذِكْرِ مُعايَبَةِ دِينِنا وعَدَمِ التَّعَرُّضِ لَهُ بِالطَّعْنِ والقَدْحِ. وعَلى جَمِيعِ هَذِهِ الوُجُوهِ فالسُّؤالُ زائِلٌ. واللَّهُ أعْلَمُ.
واعْلَمْ أنَّ الكُفّارَ لَمّا ذَكَرُوا هَذا الكَلامَ قالَ تَعالى: ﴿فَأوْحى إلَيْهِمْ رَبُّهم لَنُهْلِكَنَّ الظّالِمِينَ﴾ ﴿ولَنُسْكِنَنَّكُمُ الأرْضَ مِن بَعْدِهِمْ﴾ قالَ صاحِبُ ”الكَشّافِ“: ﴿لَنُهْلِكَنَّ الظّالِمِينَ﴾ حِكايَةٌ تَقْتَضِي إضْمارَ القَوْلِ أوْ إجْراءَ الإيحاءِ مَجْرى القَوْلِ لِأنَّهُ ضَرْبٌ مِنهُ، وقَرَأ أبُو حَيْوَةَ: ”لَيُهْلِكَنَّ الظّالِمِينَ ولَيُسْكِنَنَّكم“ بِالياءِ اعْتِبارًا لِأوْحى فَإنَّ هَذا اللَّفْظَ لَفْظُ الغَيْبَةِ، ونَظِيرُهُ قَوْلُكَ: أقْسَمَ زَيْدٌ لَيَخْرُجَنَّ ولَأخْرُجَنَّ. والمُرادُ بِالأرْضِ أرْضُ الظّالِمِينَ ودِيارُهم، ونَظِيرُهُ قَوْلُهُ: ﴿وأوْرَثْنا القَوْمَ الَّذِينَ كانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشارِقَ الأرْضِ ومَغارِبَها﴾ [الأعراف: ١٣٧] . ﴿وأوْرَثَكم أرْضَهم ودِيارَهُمْ﴾ [الأحزاب: ٢٧] وعَنِ النَّبِيِّ ﷺ: ”«مَن آذى جارَهُ أوْرَثَهُ اللَّهُ دارَهُ» “، واعْلَمْ أنَّ هَذِهِ الآيَةَ تَدُلُّ عَلى أنَّ مَن تَوَكَّلَ عَلى رَبِّهِ في دَفْعِ عَدُوِّهِ كَفاهُ اللَّهُ أمْرَ عَدُوِّهِ.
ثم قال تَعالى: ﴿ذَلِكَ لِمَن خافَ مَقامِي وخافَ وعِيدِ﴾ فَقَوْلُهُ ذَلِكَ إشارَةٌ إلى أنَّ ما قَضى اللَّهُ تَعالى بِهِ مِن إهْلاكِ الظّالِمِينَ وإسْكانِ المُؤْمِنِينَ دِيارَهم إثْرَ ذَلِكَ الأمْرِ حَقٌّ ﴿ذَلِكَ لِمَن خافَ مَقامِي﴾ وفِيهِ وُجُوهٌ:
الأوَّلُ: المُرادُ مَوْقِفِي وهو مَوْقِفُ الحِسابِ؛ لِأنَّ ذَلِكَ المَوْقِفَ مَوْقِفُ اللَّهِ تَعالى الَّذِي يَقِفُ فِيهِ عِبادُهُ يَوْمَ القِيامَةِ، ونَظِيرُهُ قَوْلُهُ: ﴿وأمّا مَن خافَ مَقامَ رَبِّهِ﴾ [النازعات: ٤٠] وقَوْلُهُ: ﴿ولِمَن خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ﴾ [الرحمن: ٤٦] .
الثّانِي: أنَّ المَقامَ مَصْدَرٌ كالقِيامَةِ، يُقالُ: قامَ قِيامًا ومَقامًا، قالَ الفَرّاءُ: ذَلِكَ لِمَن خافَ قِيامِي عَلَيْهِ ومُراقَبَتِي إيّاهُ كَقَوْلِهِ: ﴿أفَمَن هو قائِمٌ عَلى كُلِّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ﴾ .
الثّالِثُ: ﴿ذَلِكَ لِمَن خافَ مَقامِي﴾ أيْ إقامَتِي عَلى العَدْلِ والصَّوابِ، فَإنَّهُ تَعالى لا يَقْضِي إلّا بِالحَقِّ ولا يَحْكُمُ إلّا بِالعَدْلِ وهو تَعالى مُقِيمٌ عَلى العَدْلِ لا يَمِيلُ عَنْهُ ولا يَنْحَرِفُ البَتَّةَ.
الرّابِعُ: ﴿ذَلِكَ لِمَن خافَ مَقامِي﴾ أيْ مَقامَ العائِذِ عِنْدِي وهو مِن بابِ إضافَةِ المَصْدَرِ إلى (p-٨٠)المَفْعُولِ.
الخامِسُ: ﴿ذَلِكَ لِمَن خافَ مَقامِي﴾ أيْ لِمَن خافَنِي، وذِكْرُ المَقامِ هَهُنا مِثْلُ ما يُقالُ: سَلامُ اللَّهِ عَلى المَجْلِسِ الفُلانِيِّ العالِي. والمُرادُ: سَلامُ اللَّهِ عَلى فُلانٍ فَكَذا هَهُنا.
ثم قال تَعالى: ﴿وخافَ وعِيدِ﴾ قالَ الواحِدِيُّ: الوَعِيدُ اسْمٌ مِن أوْعَدَ إيعادًا وهو التَّهْدِيدُ. قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: خافَ ما أوْعَدْتُ مِنَ العَذابِ.
واعْلَمْ أنَّهُ تَعالى ذَكَرَ أوَّلًا قَوْلَهُ: ﴿ذَلِكَ لِمَن خافَ مَقامِي﴾ ثُمَّ عَطَفَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ: ﴿وخافَ وعِيدِ﴾ فَهَذا يَقْتَضِي أنْ يَكُونَ الخَوْفُ مِنَ اللَّهِ تَعالى مُغايِرًا لِلْخَوْفِ مِن وعِيدِ اللَّهِ، ونَظِيرُهُ: أنَّ حُبَّ اللَّهِ تَعالى مُغايِرٌ لِحُبِّ ثَوابِ اللَّهِ، وهَذا مَقامٌ شَرِيفٌ عالٍ في أسْرارِ الحِكْمَةِ والتَّصْدِيقِ.
* * *
ثم قال: ﴿واسْتَفْتَحُوا﴾ وفِيهِ مَسْألَتانِ:
المسألة الأُولى: لِلِاسْتِفْتاحِ هَهُنا مَعْنَيانِ:
أحَدُهُما: طَلَبُ الفَتْحِ بِالنُّصْرَةِ، فَقَوْلُهُ: ﴿واسْتَفْتَحُوا﴾ أيْ واسْتَنْصَرُوا اللَّهَ عَلى أعْدائِهِمْ، فَهو كَقَوْلِهِ: ﴿إنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الفَتْحُ﴾ [الأنفال: ١٩] .
والثّانِي: الفَتْحُ الحكم والقَضاءُ، فَقَوْلُ رَبِّنا: ﴿واسْتَفْتَحُوا﴾ أيْ واسْتَحْكَمُوا اللَّهَ وسَألُوهُ القَضاءَ بَيْنَهم، وهو مَأْخُوذٌ مِنَ الفُتاحَةِ وهي الحُكُومَةُ كَقَوْلِهِ: ﴿رَبَّنا افْتَحْ بَيْنَنا وبَيْنَ قَوْمِنا بِالحَقِّ﴾ [الأعراف: ٨٩] .
إذا عَرَفْتَ هَذا فَنَقُولُ: كِلا القَوْلَيْنِ ذَكَرَهُ المُفَسِّرُونَ. أمّا عَلى القَوْلِ الأوَّلِ فالمُسْتَفْتِحُونَ هُمُ الرُّسُلُ، وذَلِكَ لِأنَّهُمُ اسْتَنْصَرُوا اللَّهَ ودَعَوْا عَلى قَوْمِهِمْ بِالعَذابِ لَمّا أيِسُوا مِن إيمانِهِمْ: ﴿وقالَ نُوحٌ رَبِّ لا تَذَرْ عَلى الأرْضِ مِنَ الكافِرِينَ دَيّارًا﴾ [نوح: ٢٦] . وقالَ مُوسى: ﴿رَبَّنا اطْمِسْ﴾ [يونس: ٨٨] الآيَةَ. وقالَ لُوطٌ: ﴿رَبِّ انْصُرْنِي عَلى القَوْمِ المُفْسِدِينَ﴾ [العنكبوت: ٣٠] .
وأمّا عَلى القَوْلِ الثّالِثِ: وهو طَلَبُ الحِكْمَةِ والقَضاءِ فالأوْلى أنْ يَكُونَ المُسْتَفْتِحُونَ هُمُ الأُمَمَ وذَلِكَ أنَّهم قالُوا: اللَّهُمَّ إنْ كانَ هَؤُلاءِ الرُّسُلُ صادِقِينَ فَعَذِّبْنا، ومِنهُ قَوْلُ كُفّارِ قُرَيْشٍ: ﴿اللَّهُمَّ إنْ كانَ هَذا هو الحَقَّ مِن عِنْدِكَ فَأمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ﴾ . وكَقَوْلِ آخَرِينَ: ﴿ائْتِنا بِعَذابِ اللَّهِ إنْ كُنْتَ مِنَ الصّادِقِينَ﴾ .
المسألة الثّانِيَةُ: قالَ صاحِبُ ”الكَشّافِ“: قَوْلُهُ: ﴿واسْتَفْتَحُوا﴾ مَعْطُوفٌ عَلى قَوْلِهِ: ﴿فَأوْحى إلَيْهِمْ﴾ وقُرِئَ (واسْتَفْتِحُوا) بِلَفْظِ الأمْرِ وعَطَفَهُ عَلى قَوْلِهِ: ﴿لَنُهْلِكَنَّ﴾ أيْ أوْحى إلَيْهِمْ رَبُّهم، وقالَ لَهم: ﴿لَنُهْلِكَنَّ﴾ وقالَ لَهُمُ (اسْتَفْتِحُوا) .
ثم قال تَعالى: ﴿وخابَ كُلُّ جَبّارٍ عَنِيدٍ﴾ وفِيهِ مَسْألَتانِ:
المسألة الأُولى: إنْ قُلْنا: المُسْتَفْتِحُونَ هُمُ الرُّسُلُ، كانَ المَعْنى أنَّ الرُّسُلَ اسْتَفْتَحُوا فَنُصِرُوا وظَفِرُوا بِمَقْصُودِهِمْ وفازُوا ﴿وخابَ كُلُّ جَبّارٍ عَنِيدٍ﴾ وهم قَوْمُهم، وإنْ قُلْنا: المُسْتَفْتِحُونَ هُمُ الكَفَرَةُ، فَكانَ المَعْنى: أنَّ الكُفّارَ اسْتَفْتَحُوا عَلى الرُّسُلِ ظَنًّا مِنهم أنَّهم عَلى الحَقِّ والرُّسُلَ عَلى الباطِلِ ﴿وخابَ كُلُّ جَبّارٍ عَنِيدٍ﴾ مِنهم وما أفْلَحَ بِسَبَبِ اسْتِفْتاحِهِ عَلى الرُّسُلِ.
المسألة الثّانِيَةُ: الجَبّارُ هَهُنا المُتَكَبِّرُ عَلى طاعَةِ اللَّهِ وعِبادَتِهِ. ومِنهُ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ولَمْ يَكُنْ جَبّارًا عَصِيًّا﴾ [مريم: ١٤] قالَ أبُو عُبَيْدَةَ عَنِ الأحْمَرِ: يُقالُ: فِيهِ جَبْرِيَّةٌ وجَبَرُوَّةٌ وجَبَرُوتٌ وجَبُّورَةٌ، وحَكى الزَّجّاجُ: الجِبِرِيَّةُ والجِبِرُ بِكَسْرِ الجِيمِ والباءِ والتَّجْبارُ والجِبْرِياءُ. قالَ الواحِدِيُّ: فَهي ثَمانِ لُغاتٍ في مَصْدَرِ الجَبّارِ، وفي الحَدِيثِ أنَّ «امْرَأةً حَضَرَتِ النَّبِيَّ ﷺ فَأمَرَها أمْرًا فَأبَتْ عَلَيْهِ فَقالَ: ”دَعُوها فَإنَّها جَبّارَةٌ» “ أيْ مُسْتَكْبِرَةٌ، وأمّا (p-٨١)العَنِيدُ فَقَدِ اخْتَلَفَ أهْلُ اللُّغَةِ في اشْتِقاقِهِ، قالَ النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ: العُنُودُ الخِلافُ والتَّباعُدُ والتَّرْكُ، وقالَ غَيْرُهُ: أصْلُهُ مِنَ العِنْدِ وهو النّاحِيَةُ يُقالُ: فُلانٌ يَمْشِي عِنْدًا، أيْ ناحِيَةً، فَمَعْنى عانَدَ وعَنَدَ أخَذَ في ناحِيَةٍ مُعْرِضًا، وعانَدَ فُلانٌ فُلانًا إذا جانَبَهُ وكانَ مِنهُ عَلى ناحِيَةٍ.
إذا عَرَفْتَ هَذا فَنَقُولُ: كَوْنُهُ جَبّارًا مُتَكَبِّرًا إشارَةٌ إلى الخُلُقِ النَّفْسانِيِّ وكَوْنُهُ عَنِيدًا إشارَةٌ إلى الأثَرِ الصّادِرِ عَنْ ذَلِكَ الخُلُقِ، وهو كَوْنُهُ مُجانِبًا عَنِ الحَقِّ مُنْحَرِفًا عَنْهُ، ولا شَكَّ أنَّ الإنْسانَ الَّذِي يَكُونُ خُلُقُهُ هو التَّجَبُّرَ والتَّكَبُّرَ وفِعْلُهُ هو العُنُودَ وهو الِانْحِرافُ عَنِ الحَقِّ والصِّدْقِ، كانَ خائِبًا عَنْ كُلِّ الخَيْراتِ خاسِرًا عَنْ جَمِيعِ أقْسامِ السَّعاداتِ.
* * *
واعْلَمْ أنَّهُ تَعالى لَمّا حَكَمَ عَلَيْهِ بِالخَيْبَةِ ووَصَفَهُ بِكَوْنِهِ جَبّارًا عَنِيدًا، وصَفَ كَيْفِيَّةَ عَذابِهِ بِأُمُورٍ:
الأوَّلُ: قَوْلُهُ: ﴿مِن ورائِهِ جَهَنَّمُ﴾ وفِيهِ إشْكالٌ وهو أنَّ المُرادَ: أمامَهُ جَهَنَّمُ، فَكَيْفَ أطْلَقَ لَفْظَ الوَراءِ عَلى القُدّامِ والأمامِ ؟
وأجابُوا عَنْهُ مِن وُجُوهٍ:
الأوَّلُ: أنَّ لَفْظَ ”وراءَ“ اسْمٌ لِما يُوارى عَنْكَ، وقُدّامَ وخَلْفَ مُتَوارٍ عَنْكَ، فَصَحَّ إطْلاقُ لَفْظِ ”وراءَ“ عَلى كُلِّ واحِدٍ مِنهُما. قالَ الشّاعِرُ:
؎عَسى الكَرْبُ الَّذِي أمْسَيْتُ فِيهِ يَكُونُ وراءَهُ فَرَجٌ قَرِيبُ
ويُقالُ أيْضًا: المَوْتُ وراءَ كُلِّ أحَدٍ.
الثّانِي: قالَ أبُو عُبَيْدَةَ وابْنُ السِّكِّيتِ: الوَراءُ مِنَ الأضْدادِ يَقَعُ عَلى الخَلْفِ والقُدّامِ، والسَّبَبُ فِيهِ أنَّ كُلَّ ما كانَ خَلْفًا فَإنَّهُ يَجُوزُ أنْ يَنْقَلِبَ قُدّامًا وبِالعَكْسِ، فَلا جَرَمَ جازَ وُقُوعُ لَفْظِ الوَراءِ عَلى القُدّامِ، ومِنهُ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وكانَ وراءَهم مَلِكٌ يَأْخُذُ﴾ [الكهف: ٧٩] أيْ أمامَهم، ويُقالُ: المَوْتُ مِن وراءِ الإنْسانِ.
الثّانِي: قالَ ابْنُ الأنْبارِيِّ ”وراءَ“ بِمَعْنى بَعْدَ. قالَ الشّاعِرُ:
؎ولَيْسَ وراءَ اللَّهِ لِلْمَرْءِ مَذْهَبُ
أيْ ولَيْسَ بَعْدَ اللَّهِ مَذْهَبٌ.
إذا ثَبَتَ هَذا فَنَقُولُ: إنَّهُ تَعالى حَكَمَ عَلَيْهِ بِالخَيْبَةِ في قَوْلِهِ: ﴿وخابَ كُلُّ جَبّارٍ عَنِيدٍ﴾ .
ثم قال: ﴿مِن ورائِهِ جَهَنَّمُ﴾ أيْ ومِن بَعْدِ الخَيْبَةِ يَدْخُلُ جَهَنَّمَ.
* * *
النوع الثّانِي: مِمّا ذَكَرَهُ اللَّهُ تَعالى مِن أحْوالِ هَذا الكافِرِ قَوْلُهُ: ﴿ويُسْقى مِن ماءٍ صَدِيدٍ﴾ ﴿يَتَجَرَّعُهُ ولا يَكادُ يُسِيغُهُ﴾ وفِيهِ سُؤالاتٌ:
السُّؤالُ الأوَّلُ: عَلامَ عَطَفَ ﴿ويُسْقى﴾ .
الجَوابُ: عَلى مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ: ﴿مِن ورائِهِ جَهَنَّمُ﴾ يُلْقى فِيها ﴿ويُسْقى مِن ماءٍ صَدِيدٍ﴾ .
السُّؤالُ الثّانِي: عَذابُ أهْلِ النّارِ مِن وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ، فَلِمَ خَصَّ هَذِهِ الحالَةَ بِالذِّكْرِ ؟
الجَوابُ: يُشْبِهُ أنْ تَكُونَ هَذِهِ الحالَةُ أشَدَّ أنْواعِ العَذابِ فَخَصَّصَ بِالذِّكْرِ مَعَ قَوْلِهِ: ﴿ويَأْتِيهِ المَوْتُ مِن كُلِّ مَكانٍ وما هو بِمَيِّتٍ﴾ .
السُّؤالُ الثّالِثُ: ما وجْهُ قَوْلِهِ: ﴿مِن ماءٍ صَدِيدٍ﴾ . (p-٨٢)الجَوابُ: أنَّهُ عَطْفُ بَيانٍ والتَّقْدِيرُ: أنَّهُ لَمّا قالَ: ﴿ويُسْقى مِن ماءٍ﴾ فَكَأنَّهُ قِيلَ: وما ذَلِكَ الماءُ ؟ فَقالَ: ﴿صَدِيدٍ﴾ والصَّدِيدُ ما يَسِيلُ مِن جُلُودِ أهْلِ النّارِ. وقِيلَ: التَّقْدِيرُ ”ويُسْقى مِن ماءٍ كالصَّدِيدِ“، وذَلِكَ بِأنْ يَخْلُقَ اللَّهُ تَعالى في جَهَنَّمَ ما يُشْبِهُ الصَّدِيدَ في النَّتْنِ والغِلَظِ والقَذارَةِ، وهو أيْضًا يَكُونُ في نَفْسِهِ صَدِيدًا؛ لِأنَّ كَراهَتَهُ تَصُدُّ عَنْ تَناوُلِهِ وهو كَقَوْلِهِ: ﴿وسُقُوا ماءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أمْعاءَهُمْ﴾ [محمد: ١٥] . ﴿وإنْ يَسْتَغِيثُوا يُغاثُوا بِماءٍ كالمُهْلِ يَشْوِي الوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرابُ﴾ [الكهف: ٢٩] .
السُّؤالُ الرّابِعُ: ما مَعْنى ﴿يَتَجَرَّعُهُ ولا يَكادُ يُسِيغُهُ﴾ ؟
الجَوابُ: التَّجَرُّعُ تَناوُلُ المَشْرُوبِ جُرْعَةً جُرْعَةً عَلى الِاسْتِمْرارِ، ويُقالُ: ساغَ الشَّرابُ في الحَلْقِ يَسُوغُ سَوْغًا وأساغَهُ إساغَةً. واعْلَمْ أنَّ [ يَكادُ ] فِيهِ قَوْلانِ:
القَوْلُ الأوَّلُ: أنَّ نَفْيَهُ إثْباتٌ، وإثْباتَهُ نَفْيٌ، فَقَوْلُهُ: ﴿ولا يَكادُ يُسِيغُهُ﴾ أيْ ويُسِيغُهُ بَعْدَ إبْطاءٍ؛ لِأنَّ العَرَبَ تَقُولُ: ما كِدْتُ أقُومُ، أيْ قُمْتُ بَعْدَ إبْطاءٍ قالَ تَعالى: ﴿فَذَبَحُوها وما كادُوا يَفْعَلُونَ﴾ [البقرة: ٧١] يَعْنِي فَعَلُوا بَعْدَ إبْطاءٍ، والدَّلِيلُ عَلى حُصُولِ الإساغَةِ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿يُصْهَرُ بِهِ ما في بُطُونِهِمْ والجُلُودُ﴾ [الحج: ٢٠] ولا يَحْصُلُ الصَّهْرُ إلّا بَعْدَ الإساغَةِ، وأيْضًا فَإنَّ قَوْلَهُ: ﴿يَتَجَرَّعُهُ﴾ يَدُلُّ عَلى أنَّهم أساغُوا الشَّيْءَ بَعْدَ الشَّيْءِ فَكَيْفَ يَصِحُّ أنْ يُقالَ بَعْدَهُ: إنَّهُ يُسِيغُهُ البَتَّةَ ؟
والقَوْلُ الثّانِي: أنَّ كادَ لِلْمُقارَبَةِ فَقَوْلُهُ: ﴿ولا يَكادُ﴾ لِنَفْيِ المُقارَبَةِ يَعْنِي: ولَمْ يُقارِبْ أنْ يُسِيغَهُ فَكَيْفَ يَحْصُلُ الإساغَةُ ؟ كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿لَمْ يَكَدْ يَراها﴾ [النور: ٤٠] أيْ لَمْ يَقْرُبْ مِن رُؤْيَتِها فَكَيْفَ يَراها ؟
فَإنْ قِيلَ: فَقَدْ ذَكَرْتُمُ الدَّلِيلَ عَلى حُصُولِ الإساغَةِ، فَكَيْفَ الجَمْعُ بَيْنَهُ وبَيْنَ هَذا الوجه ؟
قُلْنا عَنْهُ جَوابانِ:
أحَدُهُما: أنَّ المَعْنى: لا يُسِيغُ جَمِيعَهُ كَأنَّهُ يَجْرَعُ البَعْضَ وما ساغَ الجَمِيعَ.
الثّانِي: أنَّ الدَّلِيلَ الَّذِي ذَكَرْتُمْ إنَّما دَلَّ عَلى وُصُولِ بَعْضِ ذَلِكَ الشَّرابِ إلى جَوْفِ الكافِرِ، إلّا أنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِإساغَةٍ؛ لِأنَّ الإساغَةَ في اللُّغَةِ إجْراءُ الشَّرابِ في الحَلْقِ بِقَبُولِ النَّفْسِ واسْتِطابَةِ المَشْرُوبِ، والكافِرُ يَتَجَرَّعُ ذَلِكَ الشَّرابَ عَلى كَراهِيَةٍ ولا يُسِيغُهُ، أيْ لا يَسْتَطِيبُهُ ولا يَشْرَبُهُ شُرْبًا بِمَرَّةٍ واحِدَةٍ، وعَلى هَذَيْنِ الوجه يْنِ يَصِحُّ حَمْلُ لا يَكادُ عَلى نَفْيِ المُقارَبَةِ. واللَّهُ أعْلَمُ.
النوع الثّالِثُ: مِمّا ذَكَرَهُ اللَّهُ تَعالى في وعِيدِ هَذا الكافِرِ قَوْلُهُ: ﴿ويَأْتِيهِ المَوْتُ مِن كُلِّ مَكانٍ وما هو بِمَيِّتٍ﴾ [إبراهيم: ١٧] والمَعْنى: أنَّ مُوجِباتِ المَوْتِ أحاطَتْ بِهِ مِن جَمِيعِ الجِهاتِ، ومَعَ ذَلِكَ فَإنَّهُ لا يَمُوتُ، وقِيلَ مِن كُلِّ جُزْءٍ مِن أجْزاءِ جَسَدِهِ.
النوع الرّابِعُ: قَوْلُهُ: ﴿ومِن ورائِهِ عَذابٌ غَلِيظٌ﴾ وفِيهِ وجْهانِ:
الأوَّلُ: أنَّ المُرادَ مِنَ العَذابِ الغَلِيظِ كَوْنُهُ دائِمًا غَيْرَ مُنْقَطِعٍ.
الثّانِي: أنَّهُ في كُلِّ وقْتٍ يَسْتَقْبِلُهُ يَتَلَقّى عَذابًا أشَدَّ مِمّا قَبْلَهُ. قالَ المُفَضَّلُ: هو قَطْعُ الأنْفاسِ وحَبْسُها في الأجْسادِ. واللَّهُ أعْلَمُ.
{"ayahs_start":13,"ayahs":["وَقَالَ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ لِرُسُلِهِمۡ لَنُخۡرِجَنَّكُم مِّنۡ أَرۡضِنَاۤ أَوۡ لَتَعُودُنَّ فِی مِلَّتِنَاۖ فَأَوۡحَىٰۤ إِلَیۡهِمۡ رَبُّهُمۡ لَنُهۡلِكَنَّ ٱلظَّـٰلِمِینَ","وَلَنُسۡكِنَنَّكُمُ ٱلۡأَرۡضَ مِنۢ بَعۡدِهِمۡۚ ذَ ٰلِكَ لِمَنۡ خَافَ مَقَامِی وَخَافَ وَعِیدِ","وَٱسۡتَفۡتَحُوا۟ وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِیدࣲ","مِّن وَرَاۤىِٕهِۦ جَهَنَّمُ وَیُسۡقَىٰ مِن مَّاۤءࣲ صَدِیدࣲ","یَتَجَرَّعُهُۥ وَلَا یَكَادُ یُسِیغُهُۥ وَیَأۡتِیهِ ٱلۡمَوۡتُ مِن كُلِّ مَكَانࣲ وَمَا هُوَ بِمَیِّتࣲۖ وَمِن وَرَاۤىِٕهِۦ عَذَابٌ غَلِیظࣱ"],"ayah":"مِّن وَرَاۤىِٕهِۦ جَهَنَّمُ وَیُسۡقَىٰ مِن مَّاۤءࣲ صَدِیدࣲ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق