الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ولَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِن قَبْلِكَ فَأمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا ثُمَّ أخَذْتُهم فَكَيْفَ كانَ عِقابِ﴾ ﴿أفَمَن هو قائِمٌ عَلى كُلِّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ وجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ قُلْ سَمُّوهم أمْ تُنَبِّئُونَهُ بِما لا يَعْلَمُ في الأرْضِ أمْ بِظاهِرٍ مِنَ القَوْلِ بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مَكْرُهم وصُدُّوا عَنِ السَّبِيلِ ومَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِن هادٍ﴾ ﴿لَهم عَذابٌ في الحَياةِ الدُّنْيا ولَعَذابُ الآخِرَةِ أشَقُّ وما لَهم مِنَ اللَّهِ مِن واقٍ﴾ .
اعْلَمْ أنَّ القَوْمَ لَمّا طَلَبُوا سائِرَ المُعْجِزاتِ مِنَ الرَّسُولِ ﷺ عَلى سَبِيلِ الِاسْتِهْزاءِ والسُّخْرِيَةِ، وكانَ ذَلِكَ يَشُقُّ عَلى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وكانَ يَتَأذّى مِن تِلْكَ الكَلِماتِ، فاللَّهُ تَعالى أنْزَلَ هَذِهِ الآيَةَ تَسْلِيَةً لَهُ وتَصْبِيرًا لَهُ عَلى سَفاهَةِ قَوْمِهِ، فَقالَ لَهُ: إنَّ أقْوامَ سائِرِ الأنْبِياءِ اسْتَهْزَءُوا بِهِمْ كَما أنَّ قَوْمَكَ يَسْتَهْزِئُونَ بِكَ ﴿فَأمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا﴾ أيْ أطَلْتُ لَهُمُ المُدَّةَ بِتَأْخِيرِ العُقُوبَةِ، ثُمَّ أخَذْتُهم فَكَيْفَ كانَ عِقابِي لَهم.
واعْلَمْ أنِّي سَأنْتَقِمُ مِن هَؤُلاءِ الكُفّارِ كَما انْتَقَمْتُ مِن أُولَئِكَ المُتَقَدِّمِينَ، والإمْلاءُ الإمْهالُ وأنْ يُتْرَكُوا مُدَّةً مِنَ الزَّمانِ في خَفْضٍ وأمْنٍ كالبَهِيمَةِ يُمْلى لَها في المَرْعى. وهَذا وعِيدٌ لَهم وجَوابٌ عَنِ اقْتِراحِهِمُ الآياتِ عَلى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ عَلى سَبِيلِ الِاسْتِهْزاءِ، ثُمَّ إنَّهُ تَعالى أوْرَدَ عَلى المُشْرِكِينَ ما يَجْرِي مَجْرى الحِجاجِ، وما يَكُونُ تَوْبِيخًا لَهم وتَعْجِيبًا مِن عُقُولِهِمْ، فَقالَ: ﴿أفَمَن هو قائِمٌ عَلى كُلِّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ﴾ والمَعْنى: أنَّهُ تَعالى قادِرٌ عَلى كُلِّ المُمْكِناتِ عالِمٌ بِجَمِيعِ المَعْلُوماتِ مِنَ الجُزْئِيّاتِ والكُلِّيّاتِ، وإذا كانَ كَذَلِكَ كانَ عالِمًا بِجَمِيعِ أحْوالِ النُّفُوسِ، وقادِرًا عَلى تَحْصِيلِ مَطالِبِها مِن تَحْصِيلِ المَنافِعِ ودَفْعِ المَضارِّ، ومِن إيصالِ الثَّوابِ إلَيْها عَلى كُلِّ الطّاعاتِ، وإيصالِ العِقابِ إلَيْها عَلى كُلِّ المَعاصِي، وهَذا هو المُرادُ مِن قَوْلِهِ: ﴿قائِمٌ عَلى كُلِّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ﴾ وما ذاكَ إلّا الحَقُّ سُبْحانَهُ، ونَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿قائِمًا بِالقِسْطِ﴾ [آلِ عِمْرانَ: ١٨].
(p-٤٥)واعْلَمْ أنَّهُ لا بُدَّ لِهَذا الكَلامِ مِن جَوابٍ، واخْتَلَفُوا فِيهِ عَلى وُجُوهٍ:
الوجه الأوَّلُ: التَّقْدِيرُ ﴿أفَمَن هو قائِمٌ عَلى كُلِّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ﴾ كَمَن لَيْسَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ؟ وهي الأصْنامُ الَّتِي لا تَنْفَعُ ولا تَضُرُّ، وهَذا الجَوابُ مُضْمَرٌ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ﴾ والتَّقْدِيرُ: أفَمَن هو قائِمٌ عَلى كُلِّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ كَشُرَكائِهِمُ الَّتِي لا تَضُرُّ ولا تَنْفَعُ، ونَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿أفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإسْلامِ فَهو عَلى نُورٍ مِن رَبِّهِ﴾ [الزُّمَرِ: ٢٢] وما جاءَ جَوابُهُ؛ لِأنَّهُ مُضْمَرٌ في قَوْلِهِ: ﴿فَوَيْلٌ لِلْقاسِيَةِ قُلُوبُهم مِن ذِكْرِ اللَّهِ﴾ [الزُّمَرِ: ٢٢] فَكَذا هاهُنا، قالَ صاحِبُ الكَشّافِ: يَجُوزُ أنْ يُقَدَّرَ ما يَقَعُ خَبَرًا لِلْمُبْتَدَأِ، أوْ يُعْطَفَ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: ﴿وجَعَلُوا﴾ والتَّقْدِيرُ: أفَمَن هو بِهَذِهِ الصِّفَةِ لَمْ يُوَحِّدُوهُ ولَمْ يُمَجِّدُوهُ وجَعَلُوا لَهُ شُرَكاءَ.
الوجه الثّانِي: وهو الَّذِي ذَكَرَهُ السَّيِّدُ صاحِبُ حَلِّ العَقْدِ، فَقالَ: نَجْعَلُ الواوَ في قَوْلِهِ: ﴿وجَعَلُوا﴾ واوَ الحالِ ونُضْمِرُ لِلْمُبْتَدَأِ خَبَرًا يَكُونُ المُبْتَدَأُ مَعَهُ جُمْلَةً مُقَرِّرَةً لِإمْكانِ ما يُقارِنُها مِنَ الحالِ، والتَّقْدِيرُ: ﴿أفَمَن هو قائِمٌ عَلى كُلِّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ﴾ مَوْجُودٌ، والحالُ أنَّهم جَعَلُوا لَهُ شُرَكاءَ، ثُمَّ أُقِيمَ الظّاهِرُ، وهو قَوْلُهُ: ﴿لِلَّهِ﴾ مَقامَ المُضْمَرِ تَقْرِيرًا لِلْإلَهِيَّةِ وتَصْرِيحًا بِها، وهَذا كَما تَقُولُ: جَوادٌ يُعْطِي النّاسَ ويُغْنِيهِمْ مَوْجُودٌ ويَحْرِمُ مِثْلِي.
واعْلَمْ أنَّهُ تَعالى لَمّا قَرَّرَ هَذِهِ الحُجَّةَ زادَ في الحِجاجِ، فَقالَ: [ قُلْ سَمُّوهم ] وإنَّما يُقالُ ذَلِكَ في الأمْرِ المُسْتَحْقَرِ الَّذِي بَلَغَ في الحَقارَةِ إلى أنْ لا يُذْكَرَ ولا يُوضَعَ لَهُ اسْمٌ، فَعِنْدَ ذَلِكَ يُقالُ: سَمِّهِ إنْ شِئْتَ، يَعْنِي أنَّهُ أخَسُّ مِن أنْ يُسَمّى ويُذْكَرَ، ولَكِنَّكَ إنْ شِئْتَ أنْ تَضَعَ لَهُ اسْمًا فافْعَلْ، فَكَأنَّهُ تَعالى قالَ: سَمُّوهم بِالآلِهَةِ؛ عَلى سَبِيلِ التَّهْدِيدِ، والمَعْنى: سَواءٌ سَمَّيْتُمُوهم بِهَذا الِاسْمِ أوْ لَمْ تُسَمُّوهم بِهِ، فَإنَّها في الحَقارَةِ بِحَيْثُ لا تَسْتَحِقُّ أنْ يَلْتَفِتَ العاقِلُ إلَيْها، ثُمَّ زادَ في الحِجاجِ، فَقالَ: ﴿أمْ تُنَبِّئُونَهُ بِما لا يَعْلَمُ في الأرْضِ﴾ والمُرادُ: أتَقْدِرُونَ عَلى أنْ تُخْبِرُوهُ وتُعْلِمُوهُ بِأمْرٍ تَعْلَمُونَهُ وهو لا يَعْلَمُهُ، وإنَّما خَصَّ الأرْضَ بِنَفْيِ الشَّرِيكِ عَنْها، وإنْ لَمْ يَكُنْ شَرِيكٌ البَتَّةَ؛ لِأنَّهُمُ ادَّعَوْا أنَّ لَهُ شُرَكاءَ في الأرْضِ لا في غَيْرِها ﴿أمْ بِظاهِرٍ مِنَ القَوْلِ﴾ يَعْنِي تُمَوِّهُونَ بِإظْهارِ قَوْلٍ لا حَقِيقَةَ لَهُ، وهو كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿ذَلِكَ قَوْلُهم بِأفْواهِهِمْ﴾ [التَّوْبَةِ: ٣٠] ثُمَّ إنَّهُ تَعالى بَيَّنَ بَعْدَ هَذا الحِجاجِ سُوءَ طَرِيقَتِهِمْ، فَقالَ عَلى وجْهِ التَّحْقِيرِ لِما هم عَلَيْهِ: ﴿بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مَكْرُهُمْ﴾ قالَ الواحِدِيُّ: مَعْنى ”بَلْ“ هاهُنا، كَأنَّهُ يَقُولُ: دَعْ ذِكْرَ ما كُنّا فِيهِ زُيِّنَ لَهم مَكْرُهم، وذَلِكَ لِأنَّهُ تَعالى لَمّا ذَكَرَ الدَّلائِلَ عَلى إفْسادِ قَوْلِهِمْ، فَكَأنَّهُ يَقُولُ: دَعْ ذِكْرَ الدَّلِيلِ فَإنَّهُ لا فائِدَةَ فِيهِ؛ لِأنَّهُ زُيِّنَ لَهم كُفْرُهم ومَكْرُهم فَلا يَنْتَفِعُونَ بِذِكْرِ هَذِهِ الدَّلائِلِ، قالَ القاضِي: لا شُبْهَةَ في أنَّهُ تَعالى إنَّما ذَكَرَ ذَلِكَ لِأجْلِ أنْ يَذُمَّهم بِهِ، وإذا كانَ كَذَلِكَ امْتَنَعَ أنْ يَكُونَ ذَلِكَ المُزَيِّنُ هو اللَّهَ، بَلْ لا بُدَّ وأنْ يَكُونَ إمّا شَياطِينُ الإنْسِ وإمّا شَياطِينُ الجِنِّ.
واعْلَمْ أنَّ هَذا التَّأْوِيلَ ضَعِيفٌ لِوُجُوهٍ:
الأوَّلُ: أنَّهُ لَوْ كانَ المُزَيِّنُ أحَدَ شَياطِينِ الجِنِّ أوِ الإنْسِ فالمُزَيِّنُ في قَلْبِ ذَلِكَ الشَّيْطانِ إنْ كانَ شَيْطانًا آخَرَ لَزِمَ التَّسَلْسُلُ، وإنْ كانَ هو اللَّهَ فَقَدْ زالَ السُّؤالُ.
والثّانِي أنْ يُقالَ: القُلُوبُ لا يَقْدِرُ عَلَيْها إلّا اللَّهُ.
والثّالِثُ: أنّا قَدْ دَلَّلْنا عَلى أنَّ تَرْجِيحَ الدّاعِي لا يَحْصُلُ إلّا مِنَ اللَّهِ تَعالى، وعِنْدَ حُصُولِهِ يَجِبُ الفِعْلُ.
أما قوله: ﴿وصُدُّوا عَنِ السَّبِيلِ﴾ فاعْلَمْ أنَّهُ قَرَأ عاصِمٌ وحَمْزَةُ والكِسائِيُّ ”وصُدُّوا“ بِضَمِّ الصّادِ، وفي حم: ﴿وصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ﴾ [غافِرٍ: ٣٧] عَلى ما لَمْ يُسَمَّ فاعِلُهُ بِمَعْنى أنَّ الكُفّارَ صَدَّهم غَيْرُهم، وعِنْدَ أهْلِ السُّنَّةِ أنَّ اللَّهَ صَدَّهم. ولِلْمُعْتَزِلَةِ فِيهِ وجْهانِ:
قِيلَ الشَّيْطانُ، وقِيلَ أنْفُسُهم وبَعْضُهم لِبَعْضٍ كَما يُقالُ: فُلانٌ مُعْجِبٌ وإنْ (p-٤٦)لَمْ يَكُنْ ثَمَّةَ غَيْرُهُ، وهو قَوْلُ أبِي مُسْلِمٍ والباقُونَ، وصَدُّوا بِفَتْحِ الصّادِ في السُّورَتَيْنِ يَعْنِي أنَّ الكُفّارَ صَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ، أيْ أعْرَضُوا، وقِيلَ: صَرَفُوا غَيْرَهم، وهو لازِمٌ ومُتَعَدٍّ، وحُجَّةُ القِراءَةِ الأُولى مُشاكَلَتُها لِما قَبْلَها مِن بِناءِ الفِعْلِ لِلْمَفْعُولِ، وحُجَّةُ القِراءَةِ الثّانِيَةِ، قَوْلُهُ: ﴿الَّذِينَ كَفَرُوا وصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴾ .
ثم قال: ﴿ومَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِن هادٍ﴾ اعْلَمْ أنَّ أصْحابَنا تَمَسَّكُوا بِهَذِهِ الآيَةِ مِن وُجُوهٍ:
أوَّلُها قَوْلُهُ: ﴿بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مَكْرُهُمْ﴾ وقَدْ بَيَّنّا بِالدَّلِيلِ أنَّ ذَلِكَ المُزَيِّنَ هو اللَّهُ.
وثانِيها: قَوْلُهُ: ﴿وصُدُّوا عَنِ السَّبِيلِ﴾ بِضَمِّ الصّادِ، وقَدْ بَيَّنّا أنَّ ذَلِكَ الصّادَّ هو اللَّهُ.
وثالِثُها: قَوْلُهُ: ﴿ومَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِن هادٍ﴾ وهو صَرِيحٌ في المَقْصُودِ وتَصْرِيحٌ بِأنَّ ذَلِكَ المُزَيِّنَ وذَلِكَ الصّادَّ لَيْسَ إلّا اللَّهَ.
ورابِعُها: قَوْلُهُ تَعالى ﴿لَهم عَذابٌ في الحَياةِ الدُّنْيا ولَعَذابُ الآخِرَةِ أشَقُّ﴾ أخْبَرَ عَنْهم أنَّهم سَيَقَعُونَ في عِقابِ الآخِرَةِ وإخْبارُ اللَّهِ مُمْتَنِعُ التَّغَيُّرِ، وإذا امْتَنَعَ وُقُوعُ التَّغَيُّرِ في هَذا الخَبَرِ امْتَنَعَ صُدُورُ الإيمانِ مِنهُ، وكُلُّ هَذِهِ الوُجُوهِ لَقَدْ لَخَّصْناها في هَذا الكِتابِ مِرارًا، قالَ القاضِي: ﴿مَن يُضْلِلِ اللَّهُ﴾ أيْ عَنْ ثَوابِ الجَنَّةِ لِكُفْرِهِ، وقَوْلُهُ: ﴿فَما لَهُ مِن هادٍ﴾ مُنْبِئٌ بِذَلِكَ أنَّ الثَّوابَ لا يُنالُ إلّا بِالطّاعَةِ خاصَّةً فَمَن زاغَ عَنْها لَمْ يَجِدْ إلَيْها سَبِيلًا، وقِيلَ: المُرادُ بِذَلِكَ مَن حَكَمَ بِأنَّهُ ضالٌّ وسَمّاهُ ضالًّا، وقِيلَ: المُرادُ مَن يُضْلِلِهُ اللَّهُ عَنِ الإيمانِ بِأنْ يَجِدَهُ كَذَلِكَ، ثم قال: والوجه الأوَّلُ أقْوى.
واعْلَمْ أنَّ الوجه الأوَّلَ ضَعِيفٌ جِدًّا؛ لِأنَّ الكَلامَ إنَّما وقَعَ في شَرْحِ إيمانِهِمْ وكُفْرِهِمْ في الدُّنْيا ولَمْ يَجْرِ ذِكْرُ ذَهابِهِمْ إلى الجَنَّةِ البَتَّةَ، فَصَرْفُ الكَلامِ عَنِ المَذْكُورِ إلى غَيْرِ المَذْكُورِ بَعِيدٌ، وأيْضًا فَهَبْ أنّا نُساعِدُ عَلى أنَّ الأمْرَ كَما ذَكَرُوهُ، إلّا أنَّهُ تَعالى لَمّا أخْبَرَ أنَّهم لا يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ فَقَدْ حَصَلَ المَقْصُودُ لِأنَّ خِلافَ مَعْلُومِ اللَّهِ ومُخْبَرِهِ مُحالٌ مُمْتَنِعُ الوُقُوعِ.
واعْلَمْ أنَّهُ تَعالى لَمّا أخْبَرَ عَنْهم بِتِلْكَ الأُمُورِ المَذْكُورَةِ بَيَّنَ أنَّهُ جَمَعَ لَهم بَيْنَ عَذابِ الدُّنْيا، وبَيْنَ عَذابِ الآخِرَةِ الَّذِي هو أشَقُّ، وأنَّهُ لا دافِعَ لَهم عَنْهُ لا في الدُّنْيا ولا في الآخِرَةِ، أمّا عَذابُ الدُّنْيا فَبِالقَتْلِ، والقِتالِ، واللَّعْنِ، والذَّمِّ، والإهانَةِ، وهَلْ يَدْخُلُ المَصائِبُ والأمْراضُ في ذَلِكَ أمْ لا؟ اخْتَلَفُوا فِيهِ، قالَ بَعْضُهم: إنَّها تَدْخُلُ فِيهِ، وقالَ بَعْضُهم: إنَّها لا تَكُونُ عِقابًا، لِأنَّ كُلَّ أحَدٍ نَزَلَتْ بِهِ مُصِيبَةٌ فَإنَّهُ مَأْمُورٌ بِالصَّبْرِ عَلَيْها، ولَوْ كانَ عِقابًا لَمْ يَجِبْ ذَلِكَ، فالمُرادُ عَلى هَذا القَوْلِ مِنَ الآيَةِ: القَتْلُ، والسَّبْيُ، واغْتِنامُ الأمْوالِ، واللَّعْنُ، وإنَّما قالَ: ﴿ولَعَذابُ الآخِرَةِ أشَقُّ﴾ لِأنَّهُ أزْيَدُ إنْ شِئْتَ بِسَبَبِ القُوَّةِ والشِّدَّةِ، وإنْ شِئْتَ بِسَبَبِ كَثْرَةِ الأنْواعِ، وإنْ شِئْتَ بِسَبَبِ أنَّهُ لا يَخْتَلِطُ بِها شَيْءٌ مِن مُوجِباتِ الرّاحَةِ، وإنْ شِئْتَ بِسَبَبِ الدَّوامِ وعَدَمِ الِانْقِطاعِ، ثُمَّ بَيَّنَ بِقَوْلِهِ: ﴿وما لَهم مِنَ اللَّهِ مِن واقٍ﴾ أيْ أنَّ أحَدًا لا يَقِيهِمْ ما نَزَلَ بِهِمْ مِن عَذابِ اللَّهِ، قالَ الواحِدِيُّ: أكْثَرُ القُرّاءِ وقَفُوا عَلى القافِ مِن غَيْرِ إثْباتِ ياءٍ في قَوْلِهِ: [واقٍ] وكَذَلِكَ في قَوْلِهِ: ﴿ومَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِن هادٍ﴾ وكَذَلِكَ في قَوْلِهِ ﴿والٍ﴾ [الرَّعْدِ: ١] وهو الوجه لِأنَّكَ تَقُولُ في الوَصْلِ: هَذا هادٍ، ووالٍ، وواقٍ، فَتَحْذِفُ الياءَ لِسُكُونِها والتِقائِها مَعَ التَّنْوِينِ، فَإذا وقَفْتَ انْحَذَفَ التَّنْوِينُ في الوَقْفِ في الرَّفْعِ والجَرِّ، والياءُ كانَتِ انْحَذَفَتْ فَيُصادِفُ الوَقْفُ الحَرَكَةَ الَّتِي هي كَسْرَةٌ في غَيْرِ فاعِلٍ، فَتَحْذِفُها كَما تَحْذِفُ سائِرَ الحَرَكاتِ الَّتِي تَقِفُ عَلَيْها، فَيَصِيرُ هادٍ، ووالٍ، وواقٍ. وكانَ ابْنُ كَثِيرٍ يَقِفُ بِالياءِ في هادِي، ووالِي، وواقِي. ووَجْهُهُ ما حَكى سِيبَوَيْهِ أنَّ بَعْضَ مَن يُوثَقُ بِهِ مِنَ العَرَبِ يَقُولُ: هَذا داعِي فَيَقِفُونَ بِالياءِ.
{"ayahs_start":32,"ayahs":["وَلَقَدِ ٱسۡتُهۡزِئَ بِرُسُلࣲ مِّن قَبۡلِكَ فَأَمۡلَیۡتُ لِلَّذِینَ كَفَرُوا۟ ثُمَّ أَخَذۡتُهُمۡۖ فَكَیۡفَ كَانَ عِقَابِ","أَفَمَنۡ هُوَ قَاۤىِٕمٌ عَلَىٰ كُلِّ نَفۡسِۭ بِمَا كَسَبَتۡۗ وَجَعَلُوا۟ لِلَّهِ شُرَكَاۤءَ قُلۡ سَمُّوهُمۡۚ أَمۡ تُنَبِّـُٔونَهُۥ بِمَا لَا یَعۡلَمُ فِی ٱلۡأَرۡضِ أَم بِظَـٰهِرࣲ مِّنَ ٱلۡقَوۡلِۗ بَلۡ زُیِّنَ لِلَّذِینَ كَفَرُوا۟ مَكۡرُهُمۡ وَصُدُّوا۟ عَنِ ٱلسَّبِیلِۗ وَمَن یُضۡلِلِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُۥ مِنۡ هَادࣲ","لَّهُمۡ عَذَابࣱ فِی ٱلۡحَیَوٰةِ ٱلدُّنۡیَاۖ وَلَعَذَابُ ٱلۡـَٔاخِرَةِ أَشَقُّۖ وَمَا لَهُم مِّنَ ٱللَّهِ مِن وَاقࣲ"],"ayah":"أَفَمَنۡ هُوَ قَاۤىِٕمٌ عَلَىٰ كُلِّ نَفۡسِۭ بِمَا كَسَبَتۡۗ وَجَعَلُوا۟ لِلَّهِ شُرَكَاۤءَ قُلۡ سَمُّوهُمۡۚ أَمۡ تُنَبِّـُٔونَهُۥ بِمَا لَا یَعۡلَمُ فِی ٱلۡأَرۡضِ أَم بِظَـٰهِرࣲ مِّنَ ٱلۡقَوۡلِۗ بَلۡ زُیِّنَ لِلَّذِینَ كَفَرُوا۟ مَكۡرُهُمۡ وَصُدُّوا۟ عَنِ ٱلسَّبِیلِۗ وَمَن یُضۡلِلِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُۥ مِنۡ هَادࣲ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











