الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَلَمّا دَخَلُوا عَلى يُوسُفَ آوى إلَيْهِ أبَوَيْهِ وقالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إنْ شاءَ اللَّهُ آمِنِينَ﴾ ﴿ورَفَعَ أبَوَيْهِ عَلى العَرْشِ وخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا وقالَ ياأبَتِ هَذا تَأْوِيلُ رُؤْيايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَها رَبِّي حَقًّا وقَدْ أحْسَنَ بِي إذْ أخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وجاءَ بِكم مِنَ البَدْوِ مِن بَعْدِ أنْ نَزَغَ الشَّيْطانُ بَيْنِي وبَيْنَ إخْوَتِي إنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِما يَشاءُ إنَّهُ هو العَلِيمُ الحَكِيمُ﴾ اعْلَمْ أنَّهُ رُوِيَ أنَّ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلامُ وجَّهَ إلى أبِيهِ جَهازًا ومِائَتَيْ راحِلَةٍ لِيَتَجَهَّزَ إلَيْهِ بِمَن مَعَهُ، وخَرَجَ يُوسُفُ عَلَيْهِ السَّلامُ والمَلِكُ في أرْبَعَةِ آلافٍ مِنَ الجُنْدِ والعُظَماءِ وأهْلِ مِصْرَ بِأجْمَعِهِمْ تَلَقَّوْا يَعْقُوبَ عَلَيْهِ (p-١٦٨)السَّلامُ وهو يَمْشِي يَتَوَكَّأُ عَلى يَهُودا، فَنَظَرَ إلى الخَيْلِ والنّاسِ فَقالَ: يا يَهُودا هَذا فِرْعَوْنُ مِصْرَ، قالَ: لا، هَذا ولَدُكَ يُوسُفُ، فَذَهَبَ يُوسُفُ يَبْدَأُ بِالسَّلامِ، فَمُنِعَ مِن ذَلِكَ، فَقالَ يَعْقُوبُ - عَلَيْهِ السَّلامُ -: السَّلامُ عَلَيْكَ، وقِيلَ: إنَّ يَعْقُوبَ ووَلَدَهُ دَخَلُوا مِصْرَ وهُمُ اثْنانِ وسَبْعُونَ، ما بَيْنَ رَجُلٍ وامْرَأةٍ وخَرَجُوا مِنها مَعَ مُوسى، والمُقاتِلُونَ مِنهم سِتُّمِائَةِ ألْفٍ وخَمْسُمِائَةٍ وبِضْعٌ وسَبْعُونَ رَجُلًا سِوى الصِّبْيانِ والشُّيُوخِ. أمّا قَوْلُهُ: ﴿آوى إلَيْهِ أبَوَيْهِ﴾ فَفِيهِ بَحْثانِ: البَحْثُ الأوَّلُ: في المُرادِ بِقَوْلِهِ (أبَوَيْهِ) قَوْلانِ: الأوَّلُ: المُرادُ أبُوهُ وأُمُّهُ، وعَلى هَذا القَوْلِ فَقِيلَ: إنَّ أُمَّهُ كانَتْ باقِيَةً حَيَّةً إلى ذَلِكَ الوَقْتِ، وقِيلَ: إنَّها كانَتْ قَدْ ماتَتْ، إلّا أنَّ اللَّهَ تَعالى أحْياها وأنْشَرَها مِن قَبْرِها حَتّى سَجَدَتْ لَهُ تَحْقِيقًا لِرُؤْيَةِ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلامُ. والقَوْلُ الثّانِي: أنَّ المُرادَ أبُوهُ وخالَتُهُ، لِأنَّ أُمَّهُ ماتَتْ في النِّفاسِ بِأخِيهِ بِنْيامِينَ، وقِيلَ: بِنْيامِينُ بِالعِبْرانِيَّةِ: ابْنُ الوَجَعِ، ولَمّا ماتَتْ أُمُّهُ تَزَوَّجَ أبُوهُ بِخالَتِهِ، فَسَمّاها اللَّهُ تَعالى بِأحَدِ الأبَوَيْنِ؛ لِأنَّ الرّابَّةَ تُدْعى أُمًّا لِقِيامِها مَقامَ الأُمِّ، أوْ لِأنَّ الخالَةَ أمٌّ كَما أنَّ العَمَّ أبٌ، ومِنهُ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وإلَهَ آبائِكَ إبْراهِيمَ وإسْماعِيلَ وإسْحاقَ﴾ (البَقَرَةِ: ١٣٣) . البَحْثُ الثّانِي: آوى إلَيْهِ أبَوَيْهِ ضَمَّهُما إلَيْهِ واعْتَنَقَهُما. فَإنْ قِيلَ: ما مَعْنى دُخُولِهِمْ عَلَيْهِ قَبْلَ دُخُولِهِمْ مِصْرَ ؟ قُلْنا: كَأنَّهُ حِينَ اسْتَقْبَلَهم نَزَلَ بِهِمْ في بَيْتٍ هُناكَ أوْ خَيْمَةٍ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ، وضَمَّ إلَيْهِ أبَوَيْهِ وقالَ لَهم: ﴿ادْخُلُوا مِصْرَ﴾ . أمّا قَوْلُهُ: ﴿ادْخُلُوا مِصْرَ إنْ شاءَ اللَّهُ آمِنِينَ﴾ فَفِيهِ أبْحاثٌ: البَحْثُ الأوَّلُ: قالَ السُّدِّيُّ إنَّهُ قالَ هَذا القَوْلَ قَبْلَ دُخُولِهِمْ مِصْرَ؛ لِأنَّهُ كانَ قَدِ اسْتَقْبَلَهم، وهَذا هو الَّذِي قَرَّرْناهُ، وعَنِ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما: المُرادُ بِقَوْلِهِ: ﴿ادْخُلُوا مِصْرَ﴾ أيْ أقِيمُوا بِها آمِنِينَ، سَمّى الإقامَةَ دُخُولًا لِاقْتِرانِ أحَدِهِما بِالآخَرِ. البَحْثُ الثّانِي: الِاسْتِثْناءُ وهو قَوْلُ: ﴿إنْ شاءَ اللَّهُ﴾ فِيهِ قَوْلانِ: الأوَّلُ: أنَّهُ عائِدٌ إلى الأمْنِ لا إلى الدُّخُولِ، والمَعْنى: ادْخُلُوا مِصْرَ آمِنِينَ إنْ شاءَ اللَّهُ، ونَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿لَتَدْخُلُنَّ المَسْجِدَ الحَرامَ إنْ شاءَ اللَّهُ آمِنِينَ﴾ (الفَتْحِ: ٢٧) وقِيلَ: إنَّهُ عائِدٌ إلى الدُّخُولِ عَلى القَوْلِ الَّذِي ذَكَرْناهُ إنَّهُ قالَ لَهم هَذا الكَلامَ قَبْلَ أنْ دَخَلُوا مِصْرَ. البَحْثُ الثّالِثُ: مَعْنى قَوْلِهِ: ﴿آمِنِينَ﴾ يَعْنِي عَلى أنْفُسِكم وأمْوالِكم وأهْلِيكم لا تَخافُونَ أحَدًا، وكانُوا فِيما سَلَفَ يَخافُونَ مُلُوكَ مِصْرَ، وقِيلَ: آمِنِينَ مِنَ القَحْطِ والشِّدَّةِ والفاقَةِ، وقِيلَ: آمِنِينَ مِن أنْ يَضُرَّهم يُوسُفُ بِالجُرْمِ السّالِفِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب