الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿قالُوا تاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ ما جِئْنا لِنُفْسِدَ في الأرْضِ وما كُنّا سارِقِينَ﴾ ﴿قالُوا فَما جَزاؤُهُ إنْ كُنْتُمْ كاذِبِينَ﴾ ﴿قالُوا جَزاؤُهُ مَن وُجِدَ في رَحْلِهِ فَهو جَزاؤُهُ كَذَلِكَ نَجْزِي الظّالِمِينَ﴾ قالَ البَصْرِيُّونَ: الواوُ في (واللَّهِ) بَدَلٌ مِنَ التّاءِ، والتّاءُ بَدَلٌ مِنَ الواوِ، فَضَعُفَتْ عَنِ التَّصَرُّفِ في سائِرِ الأسْماءِ، وجُعِلَتْ فِيما هو أحَقُّ بِالقَسَمِ وهو اسْمُ اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ. قالَ المُفَسِّرُونَ: حَلَفُوا عَلى أمْرَيْنِ: أحَدُهُما: عَلى أنَّهم ما جاءُوا لِأجْلِ الفَسادِ في الأرْضِ لِأنَّهُ ظَهَرَ مِن أحْوالِهِ امْتِناعُهم مِنَ التَّصَرُّفِ في أمْوالِ النّاسِ بِالكُلِّيَّةِ لا بِالأكْلِ ولا بِإرْسالِ الدَّوابِّ في مَزارِعِ النّاسِ، حَتّى رُوِيَ أنَّهم كانُوا قَدْ سَدُّوا أفْواهَ دَوابِّهِمْ لِئَلّا تَعْبَثَ في زَرْعٍ، وكانُوا مُواظِبِينَ عَلى أنْواعِ الطّاعاتِ، ومَن كانَتْ هَذِهِ صِفَتَهُ فالفَسادُ في الأرْضِ لا يَلِيقُ بِهِ. والثّانِي: أنَّهم ما كانُوا سارِقِينَ، وقَدْ حَصَلَ لَهم فِيهِ شاهِدٌ قاطِعٌ، وهو أنَّهم لَمّا وجَدُوا بِضاعَتَهم في رِحالِهِمْ حَمَلُوها مِن بِلادِهِمْ إلى مِصْرَ ولَمْ يَسْتَحِلُّوا أخْذَها، والسّارِقُ لا يَفْعَلُ ذَلِكَ البَتَّةَ ثُمَّ لَمّا بَيَّنُوا بَراءَتَهم عَنْ تِلْكَ التُّهْمَةِ قالَ أصْحابُ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلامُ: ﴿فَما جَزاؤُهُ إنْ كُنْتُمْ كاذِبِينَ﴾ فَأجابُوا و﴿قالُوا جَزاؤُهُ مَن وُجِدَ في رَحْلِهِ فَهو جَزاؤُهُ﴾، قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: كانُوا في ذَلِكَ الزَّمانِ يَسْتَعْبِدُونَ كُلَّ سارِقٍ بِسَرِقَتِهِ، وكانَ اسْتِعْبادُ السّارِقِ في شَرْعِهِمْ يَجْرِي مَجْرى وُجُوبِ القَطْعِ في شَرْعِنا، والمَعْنى جَزاءُ هَذا الجُرْمِ مَن وُجِدَ المَسْرُوقُ في رَحْلِهِ، أيْ ذَلِكَ الشَّخْصُ هو جَزاءُ ذَلِكَ الجُرْمِ، والمَعْنى: أنَّ اسْتِعْبادَهُ هو جَزاءُ ذَلِكَ الجُرْمِ، قالَ الزَّجّاجُ: وفِيهِ وجْهانِ: أحَدُهُما: أنْ يُقالَ: (جَزاؤُهُ) مُبْتَدَأٌ، و(مَن وُجِدَ في رَحْلِهِ) خَبَرُهُ. والمَعْنى: جَزاءُ السَّرِقَةِ هو الإنْسانُ الَّذِي وُجِدَ في رَحْلِهِ السَّرِقَةُ، ويَكُونُ قَوْلُهُ: ﴿فَهُوَ جَزاؤُهُ﴾ زِيادَةٌ في البَيانِ كَما تَقُولُ: جَزاءُ السّارِقِ القَطْعُ فَهو جَزاؤُهُ. الثّانِي: أنْ يُقالَ: ﴿جَزاؤُهُ﴾ مُبْتَدَأٌ وقَوْلُهُ: ﴿مَن وُجِدَ في رَحْلِهِ فَهو جَزاؤُهُ﴾ جُمْلَةٌ وهي في مَوْضِعِ خَبَرِ المُبْتَدَأِ. والتَّقْدِيرُ: كَأنَّهُ قِيلَ: جَزاؤُهُ مَن وُجِدَ في رَحْلِهِ فَهو هو، إلّا أنَّهُ أقامَ المُضْمَرَ لِلتَّأْكِيدِ والمُبالَغَةِ في البَيانِ وأنْشَدَ النَّحْوِيُّونَ: ؎لا أرى المَوْتَ يَسْبِقُ المَوْتَ شَيْءٌ نَغَّصَ المَوْتُ ذا الغِنى والفَقِيرا * * * وأمّا قَوْلُهُ: ﴿كَذَلِكَ نَجْزِي الظّالِمِينَ﴾ أيْ مِثْلُ هَذا الجَزاءِ جَزاءُ الظّالِمِينَ يُرِيدُ إذا سَرَقَ اسْتُرِقَّ، ثُمَّ قِيلَ: هَذا مِن بَقِيَّةِ كَلامِ أُخْوَةِ يُوسُفَ. وقِيلَ: إنَّهم لَمّا قالُوا جَزاؤُهُ مَن وُجِدَ في رَحْلِهِ فَهو جَزاؤُهُ، فَقالَ أصْحابُ يُوسُفَ: ﴿كَذَلِكَ نَجْزِي الظّالِمِينَ﴾ .
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب